U3F1ZWV6ZTE3NDMwODE4MzA4MTc5X0ZyZWUxMDk5Njg2NzQ0NjUyNQ==
أبحث فى جوجل
أبحث فى جوجل
إعلان

النفاق: أنواعه ، خصاله ، خطر النفاق على الإسلام ، تاريخ المنافقين المظلم ، من صور الخيانة فى عصرنا


النفاق: أنواعه ، خصاله ، خطر النفاق على الإسلام ،  تاريخ المنافقين المظلم ، من صور الخيانة فى عصرنا

النفاق هو الداء الخطير الذى قد يمتلئ به الرجل أو المرأة وهو لا يدرى ؛ يتصور أنه يصلح وهو يفسد ويتخيل أنه يأمر بالمعروف وهو يأمر بأكبر المنكر ويتصور انه مؤمن على إيمان جبريل وميكائيل وقلبه ملئ بالنفاق نعم أنه من أخطر الأمراض التى قد يبتلى بها الإنسان .
ولتعرف خطورة هذا المرض فلتعلم أن هذا المرض قد مزّق قلوب الصحابة الخوف منه ؛ هذه الثلة المباركة خافت على نفسها من النفاق ، روى البخارى عن إبن أبى مليكة قال : أدركت ثلاثين من أصحاب رسول الله كلهم يخاف النفاق على نفسه ما منهم أحد يقول إنه على إيمان جبريل وميكائيل . ويقول الحسن البصرى ما أمن النفاق إلا منافق وما خاف النفاق إلا مؤمن وقال حذيفة والله لو هلك المنافقون لأستوحشتم فى الطرقات ، ولذلك لقة المؤمنين الصادقين فاكثر أهل الأرض من أهلى النفاق . 

ما هو النفاق 

النفاق لغة مأخوذ من مادة نفق وهو السرب والمسلك فهو مسلك بين طريقين يدخل الإنسان من جانب ويخرج فى هذا النفق من جانب أخر ، فهو مسلك للخروج .  والنافقاء جحر الضب أو اليربوع وسمى المنافق منافق لأنه يتشابه مع الضب واليربوع فظاهر جحر الضب التراب وباطنه حفر فالضب أو اليربوع يجعل المسلك الأول لجحره تراباً بحيث يخدع الرائى وإن أراد أن يخرج خرج من الجانب الأخر وظاهر المنافق إيمان وباطنه كفر وهذا هو أصل التسمية وهو الإشتقاق اللغوى لمعنى النفاق فالمنافق سمى منافقاً لأنه يُظهر غير ما يُضمر فظاهره خير وباطنه شر وظاهره صلاح وباطنه فساد وظاهره سلم وباطنه فجور؛ فظاهره الإيمان وباطنه النفاق .
والنفاق إصطلاحاً ينقسم إلى قسمين نفاق أكبر ونفاق أصغر.
القسم الأول من النفاق : النفاق الأكبر
 فالنفاق الأكبر هو نفاق الإعتقاد وهو أن يظهر المرء للناس الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الخير والقدر خيره وشره ويبطن الكفر والتكذيب وهذا النوع يخرج صاحبه من ملة الإسلام يقول تعالى وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4) المنافقون وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10)  البقرة . وللمنافق وجهان ولسانان وجه ولسان يلقى به المؤمنين ووجه ولسان يلقى به الكافرين ، ومن أخبث صفات المنافقين الأمر بالمنكر والنهى عن المعروف يقول تعالى الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67)  التوبة .ومن صفاته الخبيثة أيضاً الإعراض عن منهج الله وعن التحاكم إلى شرع الله أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60) النساء . ومن أبشع صفاتهم فى قول الله تعالى وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (5) المنافقون .

خطر النفاق على الأسلام

ولخطور النفاق والمنافقين جعل الله ثلاثة عشر أية فى صدر سورة البقرة بينما ذكر المؤمنين فى أربع أيات والكافرين فى أيتين وذلك للتحذير منهم فكم من معقلٍ للإسلام قد هدموه وكم حصنٍ للإسلام قد خربوه وكم من علمٍ للإسلام قد وضعوه وكم من لواءٍ للإسلام قد طمسوه فما أخطرهم ؛ والكافرين اقل منهم خطورة لأن الكافر تعرفه الأمة وتستعد له على قدر خطورته أمّا المنافق فهو مُندّس بين الصفوف يصلى مع المصلين ويذكر الله مع الذاكرين ويرفع الراية مع الرافعين وهو سائر على الدرب مع السائرين ولا يظهر إلا عند التمحيص بالمحن والإبتلاءات يقول تعالى وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11) الحج .

تاريخ المنافقين المظلم 

وللمنافقين تاريخ أسود مع خير خلق الله محمد بن عبد الله صلوات ربى وسلامه عليه ففى غزوة تبوك خططوا مخططاً لعيناً لقتل رسول الله وتولى القيادة والتخطيط رأس النفاق فى المدينة عبد الله إبن أبى إبن سلول وأرادوا أن يكسعوا رسول الله بناقته إلى وادى من الوديان ليقتلوه لكن الله اطلعه على مخططهم الآثم وأنجاه منهم ؛ وإختلف رجلان من المهاجرين والأنصار فنادى الأنصارى ياللأنصار ونادى المهاجرى ياللمهاجرين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوها فإنها مُنتنة فقال رأس النفاق أو قد فعلوها ثم قال هذا الخبيث لا أجد لنا ولهم مثلاً إلا كما قال القائل سمّن كلبك يأكلك ثم قال لمن حوله أنتم السبب فتحتم لهم بلادكم وقاسمتموهم أموالكم ولو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لرحلوا عن دياركم وسمع زيد إبن أرقم هذه الكلمات الخبيثة وذهب إلى النبى صلى الله عليه وسلم فأخبره وأستدعى النبى رأس النفاق عبد الله بن أبى وسأله فقال كذب والله يا رسول الله ما قلت قولاً ولا كلمة واحدة مما قاله لك زيد بن أرقم فنزل القرءان من عند من يعلم السر وأخفى ليصدق زيد بن ارقم وليفضح المنافقين حيث نزلت سورة المنافقون تفضح أمرهم وتكشفهم نواياهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم . ويقول الخبيث لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل لكن الله قيّد له ولده عبد الله بن عبد الله بن ابى وقال يا رسول الله والله لا يعلم أحدٌ فى المدينة أحداً أبرّ بأبيه منى والله يا رسول الله لو أمرتنى بقتله لأتيت لك برأسه ليعلم الناس من الأعز ومن الأذل وأنطلق عبد الله ليقف على طريق والده ومنعه من دخول المدينة فصرخ الخبيث ياللخزرج ولدى عبد الله يمنعنى دارى فقال له ولده والله لا يؤويك ظلها ولن تبيت فى دارك إلا أن يأذن رسول الله لتعلم من الأعز ومن الأذل وينطلق هؤلاء إلى رسول الله ليخبروه بما قال ولده ويقول رسول الله بل أئذن لأبيك أن يدخل ثم قال له صلوات ربى وسلامه عليه بر أباك ، وروى البخارى ومسلم وغيرهما من حديث عبد الله بن عمر أن عبد الله إبن أبى بن سلول لمّا توفى جاء ولده عبد الله ذالكم الصحابى الجليل الصادق البار جاء إلى رسول الله وسأله صلى الله عليه وسلم أن يعطيه قميصه ليكفن فيه والده ذالكم المنافق اللعين ووالله لقد أعطاه له رسول الله نبى الرحمة والعفو والصفح صلى الله عليه وسلم ثم يطلب عبد الله بن عبد الله من رسول الله أن يقوم ليصلى على أبيه فيقوم صلى الله عليه وسلم ويشد عمر بن الخطاب رضى الله عنه ثوب رسول الله – فى روايه فى الصحيحين قال له عمر دعنى يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق فيقول صلى الله عليه وسلم لا حتى لا يقول الناس أن محمد يقتل أصحابه – يشد عمر ثوب رسول الله حتى لا يصلى عليه وفى روايه يقول له لقد فعل وفعل فيقول النبى دعنى يا عمر لقد خيّرنى الله عز وجل إستغفر لهم أو لا تستغفر لهم ... ثم قال قال رسول الله وسأزيده عن السبعين وعمر يقول فعل وفعل لا تصل عليه ولكن يصلى نبى الرحمة عليه وينزل الله على رسوله  أن لا يصلى على أحد منهم مات وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84) التوبة

القسم الثانى من النفاق نفاق العمل 

ونفاق العمل أن يعتقد الإنسان أنه لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وما إلى ذلك من أركان الإيمان الثابتة لكنه يذل فى بعض الخصال ومجموع هذه الخصال التى يختص بها نفاق العمل خمسة خصال بنص روايتى أبو هريرة وعبد الله بن عمرو والروايتين فى الصحيحين وغيرهما . الرواية الأولى فى الصحيحين من حديث أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال أية المنافق ثلاثة إذا حدّث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أوئمن خان ) والرواية الثانية فى الصحيحين أيضاّ عن عبد الله بن عمرو عن النبى صلى الله عليه وسلم قال ( أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا أوئمن خان وإذا حدّث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر ) وبمجموع الروايتين نقف على أصول نفاق العمل وهى خمس خصال : إذا حدّث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أوئمن خان وإذا خاصم فجر وإذا عاهد غدر . وتعالوا بنا نستعرض هذه الصفات بإيجاز: 

الخصلة الأولى إذّا حدّث كذب 

إن أزمة العالم الأن هى أزمة صدق فالحياة بأثرها كذب فى الأقوال والأفعال والأحوال فبالكذب تحتل أرض وينتهك عرض وتدنس مقدسات وبالكذب يأتى إلى الأمة من أقصى الأرض قوم يزعمون أنهم جاءوا للأمة بالحرية والديمقراطية على فوّهات المدافع وراجمات الدبابات والطائرات وبالكذب تُجيش الجيوش لغزو بلد بتقارير كاذبة مُزيفة ؛ وبالكذب يُدمر بيت ويُفرّق بين زوج وزوجته وبالكذب يُسجن مظلوم وقّل من يصدق فى زمن الأكاذيب هذا . وهل تعلم أن الله أنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم أكثر من 280 أية تُحذّر من الكذب والكذابين ؛ تبين خطره وتنهى عنه وتبين حكم الكاذب والمقام لا يتسع لذكرها جميعها ولكن سنورد بعضها :
قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (69) مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (70)  يونس ، وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116)  النحل ، وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ (60) الزمر ، فاللكاذب سيماء يوم القيامة حيث وجهه كالليل مظلم بل أبشع ، والكاذب لا يدخل الجنة أبداً إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40)  الأعراف ، والكذب أشد الظلم وأظلم الظلم ويقول سبحانة وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7)  الصف وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) البقرة إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1)  المنافقون .وفى أيات أخرى يُزكّى الله الصدق والصادقين ويثنى عليهم إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15)  الحجرات مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) الأحزاب ، ولنفرق هنا بين الذكر والرجل فما أكثر الذكور وما أقل الرجال بين الذكور ، ويقول الله أيضاً داعياً أهل الإيمان أن يكونوا مع الصادقين يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119) التوبة.
وأخطر من الكذب أن يعيش الإنسان عليه ففى الصحيحين عن عبد الله بن مسعود أن النبى صلى الله عليه وسلم قال ( إن الصدق يهدى إلى البر وإن البر يهدى إلى الجنة ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يُكتب عن الله صديقا وإن الكذب يهدى إلى الفجور وإن الفجور يهدى إلى النار ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا ) والنبى صلى الله عليه وسلم علّمنا خطورة الكذب فى أمور قد لا تخطر لكثيرٍ منا على بال فلقد ثبت فى سنن الترمذى وأبى داوود وغيرهم بسند حسن أن عبد الله بن عامر قال جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فى بيتنا فخرجت لألعب وأنا صبى صغير فنادت على أمى وقالت يا عبد الله تعال لأعطيك فقال النبى صلى الله عليه وسلم ما أردت أن تعطيه قالت أردت أن أعطيه تمراً فقال لها صلى الله عليه وسلم أما إنك لو لم تعطه كُتبت عليك كذبة . وأنظر إلى حرص النبى أفضل مربى وأحسن معلم ،     وإلا فقد يغرس الأب والأم فى نفس الطفل الكذب وهو لا يدرى لأن أعظم وسيلة للتربية على الصدق هى القدوة :
مشى الطاووس يوماً بإختيال فقلّد مشيته بنوه
فقال علام تختالون فقالوا لقد بدأت ونحن مقلدوه
يشبُّ ناشئ الفتيان منا على كما كان قد عوده أبوه
فأعظم وسيلة للتربية هى التربية بالقدوة فلو صدقت تربى ولدك على الصدق .
وفى سنن أبى داوود والترمذى بسندٍ صحيح عن الحسن بن على يقول حفظت من جدى صلى الله عليه وسلم ( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة ) وفى الصحيح من حديث الحكم بن حزام أن الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم قال ( البيّعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا بورك لهما فى بيعهما وإن كتما وكذبا مُحقت بركت بيعهما ) 

الحالات التى يجوز فيها الكذب 

روى البخارى ومسلم عن أم كلثوم بنت عقبة بن معيط – وعقبة بن معيط ذالكم المشرك الذى خنق رسول الله يوماً حتى كادت روحه الطاهرة أن تخرج حتى جاء أبو بكر وزج عنه ذالكم العتل الفاجر – تقول أم كلثوم ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرخّص للكذب إلا فى ثلاث حالات : الرجل يصلح بين الناس ، والرجل يقول فى الحرب ، والرجل يحدث إمرأته والمرأة تحدث زوجها )
وما نجى من نجى إلا بالصدق وما هلك من هلك إلا بالكذب وفى صحيح مسلم من حديث جابر بن سمرة وفيه الرؤية التى رأى النبى صلى الله عليه وسلم رجلاً مستلقياً على قفاه ورجل أخر يقف عند رأسه معه كلوب – خطاف من حديد – فيضع هذا الرجل القائم الكلوب فى شدقه أى الرجل المستلقى فيشرشر به شدقه إلى قفاه ويشرشر منخره إلى قفاه ويشرشر من عينه إلى قفاه ويكرر الرجل هذا حيث كلما شرشر مكان إلتئم الأخر فيعود إليه ويظل هكذا فيقول صلى الله عليه وسلم ما هذا فيقول له الملكان أنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الأفاق .
الصدق هو الطريق الأقوم الذى من لم يسر عليه كان من المنقطعين الهالكين وهو سيف الله فى أرضه الذى ما وقع على شئ إلا قطعه وما واجه أحد بالصدق باطلاً إلا أرداه وصرعه وما نجاة لأحد فى الدنيا والأخرة إلا بالصدق فلا تكذبن على الله ورسوله يقول صلى الله عليه وسلم ( من كذب على متعمداً فليتبوء مقعده من النار) ؛ وأنظر إلى كعب بن مالك وهو أحد الثلاثة الذين خُلفوا عن رسول الله فى غزوة تبوك ما نجاه إلا صدقه على رسول الله رغم أنه كان كما يقول رجل أعطى جدلاً ولكن علم أن الله مُطلعٌ عليه فلم يتجرأ أن يكذب على رسول الله كما تجرأ غيره من المنافقين الكاذبين .

الخصلة الثانية : إذا وعد أخلف 

وما أكثر أهل إخلاف الوعد والعهد ولقد كانت هذه الصفة ذميمة فى الجاهلية فكيف يكون ذمها فى الأسلام فقد جاء الأسلام ليؤكد ذمه لهذه الصفة الخبيثة من صفات النفاق العملى ويحث على الخلق المقابل لها وهو خلق الوفاء بالعهد ( وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا ) ولتعلم أن أهل الجاهلية قد كرهو ا تلكم الصفة نورد قصة من أبلغ وأجمل ما قد تقرأ : لمّا كان النعمان بن المنذر ملكاّ على الحيرة قبل الأسلام وكان النعمان قد قسّم أيامه كلها إلى يومين يوم بؤس ويوم نعيم من قابله فى يوم بؤسه قتله ومن قابله فى يوم نعيمه أعطاه العطايا ومنحه وأغدق عليه ، فلقيه رجل من قبيلة طئ فى يوم بؤسه فعلم هذا الرجل أنه مقتول لا محالة فأقبل هذا الرجل إلى النعمان وقال حى الله الملك ثم قال الرجل لقد خرجت اليوم من بيتى وقد تركت أولادى على شفا حفرةٍ من الجوع والهلاك وخرجت مُبكراً لأبحث لهم عن قوتٍ وعن رزق فرزقنى الله اليوم هذا الأرنب فإن رأى الملك أن أعود لأولادى لأطعمهم وأوصى بهم وله على أن أعود إليه لأضع يدى فى يده إن رأى الملك أن أفعل هذا أشكر له فقال النعمان بن المنذر بعدما رق له لن أفعل ذلك ولن أتركك تذهب بالأرنب البرى لأولادك إلا إذا ضمنك أحداً منا فإن تأخرت قتلناه مكانك فتأخر من كان مع الملك إلا رجل يقال له شريك بن عمرو بن شراحيل تقدّم للنعمان وقال أيها الملك أن أضمن هذا الرجل قال الملك إن تأخر قتلناك قال أنا أضمنه وإن تأخر فأقتلنى فأذن له النعمان بن المنذر أن ينصرف بالأرنب إلى أولاده وفى الوقت المحدد إذ بالنعمان يرى هذا الرجل واقف بين يديه وعينيه فنظر إليه النعمان وقد طاش عقله حيث كان يتوقع أن لا يأتيه فقد يأتى إلى هلاكه بعد أن نجى فقال النعمان لهذا الرجل كلمات جميلة جداً قال له أيها الرجل لقد أوفيت بوعدك حتى لم تترك للوفاء سبيلا ثم إلتفت إلى شريك بن عمرو وقال وأنت يا شريك والله لقد جُدت حتى لم تدع للجود سبيلا ثم قال وأنا والله لن أكون ألئم الثلاثة فعفى عن الرجل وأكرم شريك بن عمرو ورفع هذا اليوم الذى كان يسمى يوم البؤس ، فقال هذا الأعرابى من قبيلة طئ :
ولقد دعتنى لإخلاف الوعد عشيرتى فأبيتُ عند تجهم الأطوال
إنى أمرؤ منى الوفاء سجية وخِصالُ كل مهذبٍ مِفضالُ
فأنظر إلى هذا الحد كان الإخلاف بالوعد خلق مشين فى الجاهلية فما بالنا بهذا الخلق فى الأسلام أن رسول الله جعله خصل من خصال النفاق .

التأصيل لإخلاف الوعد

إخلاف الوعد على حالين
الحالة الأولى أن يعد المسلم أخاه وفى نيته يخلف الوعد وهذه الحالة الإخلاف يعد خصلة من خصال النفاق ، والحالة الثانية أن يعد الأخ أخاه وفى نيته أن يفى بالوعد ثم يطرأ عليه أمر أو سبب أو عذر ويرى لأمر ما أن لا يفى بوعده فهذا لا أثم عليه ، وفى سنن أبى داوود والترمذى من حديث زيد بن أرقم عن النبى صلى الله عليه وسلم قال ( إذا وعد الرجل أخاه وفى نيته أن يفى ولم يفى فلا اثم عليه ) أى ولم يفى بعذر وقد يتعجل البعض بإصدار الحكم على أخيه بأنه منافق لأنه وعد وأخلف .
روى الأمام النسائى وغيره بسند صحيح بمجموع طرقه أن عثمان بن عفان جاء بعد فتح مكة للنبى صلى الله عليه وسلم بعبد بن سعد بن أبى السرح وقد أهدر النبى دمه وأمر أصحابه أن يقتلوه حتى ولو كان متعلقاً بأستار الكعبة فنظر النبى لعبد الله بن سعد وعثمان يقول لرسول الله بايعه يا رسول الله ولم يمد له النبى يده إلا فى الثالثة وعثمان رجل تستحى من الملائكة أفلا يستحى منه رسول الله صلى الله علسه وسلم فبايعه حياءاً من عثمان ومد له يده وأنصرف عبد الله بن سعد بن أبى السرح والنبى حزين وغضبان ثم إلتفت إلى الصحابة وقال أو ما كان منكم رجلٌ رشيدٌ يرانى كففت يدى عن مبايعته ثلاث فيقوم إليه فيقتله فقال الصحابة رضوان الله عليهم والله ما عرفنا يارسول الله ما تريد هلّا أومأت لنا بعينك فقال الصادق الوفى ما ينبغى لنبى أن تكون له خائنة أعين .

الخصلة الثالثة إذا أوئمن خان

لم تشهد البشرية من صنوف الخيانة كما شهدت البشرية فى هذا العصر الحديث وقد وقعت الأمة من صنوف من الخيانة يندى لها الجبين خجلاً وإستحياءاً يقول تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27) الأنفال ، والنداء فى الأية لأهل الأيمان ، ومن بديع تفسير بن عباس حبر الأمة وترجمان القران : فى هذه الأية لا تخونوا الله بترك أوامره وفرائضه ولا تخونوا الرسول بترك سنته ولا تخونوا أمانتكم بتضييعها .

ما هى الأمانة 

قال تعالى إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) الأحزاب ، الأمانة هى الفرائض التى إفترضها الله على عباده قال أبو العاليه هى ما امروا به وما نهوا عنه وقال الحسن الأمانة هى الدين فالدين كله أمانة ، وهذا العرض وهذا الإباء والإشفاق من السموات والأرض والجبال كله حق وليس مجازاً فلقد خلق الله للسموات والأرض والجبال إدراكاً لا يعلمه إلا هو وقد أدركت من خلال هذا الإدراك عِظم الأمانة وثِقلها فأبت إباء إشفاق وإجلال للكبير المتعال لا إباء إعراض وإستكبار قال تعالى ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74)  البقرة ، لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21) الحشر ، تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44) الإسراء ،من أدى الأمانة فهو الأمين ومن خاناها فهو الظلوم الجهول ، روى البخارى ومسلم من حديث حذيفة بن اليمان أن النبى صلى الله عليه وسلم قال فى رفع الأمانة كلاماً عجيباً قال حذيفة حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين رأيت أحدهما وأنتظر الأخر حدثنا أن الأمانة نزلت فى جذر قلوب الرجال ثم نزل اتلقرءان فعلموا من القرءان وعلموا من السنة ثم حدثنا عن رفع الأمانة فقال ثم ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل الوكد ( نقطة سوداء صغية فى المكان الذى تقبض منه ) ثم ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها فى قلبه مثل المجل كجمر دحرجته على رجلك فنفض فتراه منتبراً – أى منتفخاً – فيصبح الناس يتبايعون فلا يكاد أحدٌ منهم يؤدى الأمانة حتى يقال إن فى بنى فلان رجلاً أميناً ، حتى يقال للرجل ما أجلده ما أظرفه ما أعقله وليس فى قلبه ذرة من إيمان ، يقول حذيفة والله كنت أبايع الناس وأقول إن كان مسلماً رده على إسلامه وإن كان نصرانياً رده على ساعيه – أى سيرده إلى ولى أمره وسيأتينى بحقى – أما اليوم – ولاحظ أن الكلام فى عهد حذيفة – فما كنت أبايع إلا فلان وفلانة .

من صور الخيانة 

من صور الخيانة فى هذا العصر أن تُقدم الأمة غير الأكفاء وأن تؤخر الأكفاء من أهل الفضل والعلم ، ولقد تقدم أبى ذر فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم لولاية ما فضرب النبى صلى الله عليه وسلم على منكبيه وقال يا ابا ذر إنها أمانة وإنها يوم القيامة خزىٌ وندامى إلا من أخذها بحقها وأدى الذى عليه فيها ، والقضية إذن لا تحتمل المجاملات الكذابة بل لابد أن تكون الأمة أمينة وتتمثل تلكم الأمانة فى أن تقدم الأمة العلماء الأكفاء فى كل تخصص وفى كل مجال وأن تؤخر من ليس كفء . جاء إعرابى إلى النبى صلى الله عليه وسلم والحديث فى البخارى وغيره من حديث أبى هريرة فقال العرابى متى الساعة فمضى النبى فى حديثه ولم يُجب الأعرابى على سؤاله فلما قضى النبى حديثه قال أين السائلُ عن الساعة آنفاً قال ها أنذا يا رسول الله قال صلى الله عليه وسلم إذا ضُيعت الأمانة فانتظر الساعة فقال الأعرابى وكيف إضاعتها يا رسول الله قال صلى الله عليه وسلم إذا وُسِّد الأمر إلى غير اهله . وفى مسند أحمد ومستدرك الحاكم بسند صحيح من حديث أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال سياتى على الناس سنواتٍ خدّاعاتٍ يصّدق فيها الكاذب ويُكذّب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويُخّون فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة قيل وما الرويبضة يا رسول الله قال الرجل التافه يتكلم فى أمر العامة وفى لفظ الرجل السفيه يتكلم فى أمر العامة . إن تقديم من ليس أهل لمنصب بداع المجاملة أو بدافع دنيا أو مال يعد من أبشع صور الخيانة فى عصرنا هذا ونذكر موقفاً يعبر عن الأمانة فى أرقى صورها بل يتألق هذا الموقف فى سماء الأمانة وهو رسالة لكل من يقدم على تعيين رجل فى مكان لا يستحقه ، وهذا الموقف حين عزل أبو بكر ابا عبيدة بن الجراح وعبيدة أمين الأمة ثم ولى خالد بن الوليد القيادة العامة فى بلاد الشام أرسل الصديق إلى أبى عبيدة كتاباً نصه ( من أبى بكر إلى أبى عبيدة بن الجراح سلام الله عليك وبعد فإنى قد عزلتك ووليت خالد بن الوليد القيادة العامة فى بلاد الشام فاسمع وأطع ووالله ما وليت خالد بن الوليد إلا لأنى أضن أن له فطنة فى الحرب ليست لك وأنت عندى يا ابا عبيدة خيرٌ منه أراد الله بنا بك خيراًَ والسلام ) وبالفعل تنازل أبو عبيدة عن القيادة العامة لخالد بن الوليد ويرسل خالد هو الأخر خطاباً إلى أبى عبيدة يقول فيه ( من خالد بن الوليد إلى أخيه الأمين أبو عبيدة بن الجراح سلام الله عليك وبعد فإنى تلقيت كتاب خليفة رسول الله يأمرنى بالسير إلى بلاد الشام للقيام على أمرها والتولى لشأنها وجندها ووالله ما طلبت ذلك وما أردته ولكن أنت فى موطنك الذى أنت فيه يا أبا عبيدة أنت سيدنا وسيد المسلمين لا نستغنى عن مشورتك ولا عن رايك أراد الله بنا وبك خيرا والسلام ) .
ومن صور الخيانة أن يخون الموظف المسلم أياً كان تخصصه أمانة وظيفته التى يعمل بها بتضييع الوقت أو بعدم مراعاته ومراقبته لله فى تلكم الوظيفة أو تعطيل مصالح الجماهير ممن يتعاملون معه أو بظلم مرؤسيه أو مداهنة رئيسه فى العمل أو بأخذ الرشوة وأى إلتواء فى العمل الوظيفى قطاع عام كان أو خاص يعد صورة من أبشع صور الخيانة ولا ينبغى ابداً للموظف أن ينظر إلى عمله على أنه عمل حقير لا وزن له ولا قيمة وفى المقابل على كل رئيس عمل أن يتقى الله فى عماله مرؤسيه وموظفيه وأن يكون أميناً فى تحقيق بنود العقد المتفق عليه بين العامل أو الموظف والشركة التى يعمل بها .
ومن صور الخيانة أن يزوّر العالم بعلمه فتاوى عرجاء لدنيا أو لهوى أو لمنصب او لمال ، ومن صور الخيانة أن لا يتقى الله فى علمه يقول صلى الله عليه وسلم من سئُل عن علم فكتمه وهو يعلم الجمه الله تعالى بلجامٍ من نار يوم القيامة )
ومن صور الخيانة أن يخون صاحب الكلمة المسموعة أو المكتوبة أو المرئية أو المرسومة أن يخون أمته ودينه وأن يقول كلمة ليست منضبطة فهو لا يتورع أن يسئ إلى فلان أو فلانة وربما تكون إساءته لإناس من أهل  العلم والفضل بلا بيّنة أو دين أو خلق وبلا وازع من ضمير .
ومن صور الخيانة أن يأخذ الأخ لأخية ليأخذ منه مالاً أو ديناً فإذا ما أخذ الدين أو المال هرب من أخيه وحاول بكل السبل أن لا يريه وجهه بعد ذلك يقول صلى الله عليه وسلم ( من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدّى الله عنه ومن أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله ) ونورد فى هذا الشأن قصة من أظرف وأجمل بل ومن أعجب ما قد تقرأ والقصة فى صحيح البخارى من حديث أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال أبو هريرة اخبر النبى صلى الله عليه وسلم عن رجلٍ من بنى إسرائيل ذهب إلى رجل أخر من بنى إسرائيل ليسلفه ألف دينار فقال الرجل الدائن أين الشاهد فقال كفى بالله شهيدا فقال الدائن صدقت ثم قال أين الكفيل قال كفى بالله كفيلا قال الدائن صدقت فأعطاه الألف دينار إلى أجل معلوم فلما حان الوقت أى وقت السداد أخذ هذا الرجل الألف دينار وأراد أن يذهب بها إلى الدائن ووقف على الشاطئ ساعاتٍ طويلة فلم يجد مركباً يركبه فماذا يصنع ؟ أتى الرجل بخشبة ونقر جزءاً منها وكتب صحيفة إلى صاحب الألف دينار ثم وضع الأف دينار مع الصحيفة فى هذه الخشبة وزجّج موضعها ثم ألقى الخشبة وقال لربه جلّ وعلا اللهم إنك تعلم انى تلقيت من فلان ألف دينار وقد طلب شهوداً فقلت كفى بالله شهيداً وقد طلب كفيلاً فقلت كفى بالله كفيلاً وقد حان الأجل وقد إجتهدت أن أجد مركباً فلم أجد ثم ألقى الخشبة فى الماء وقال الله إنى قد إستودعتكها وعاد إلى بيته وخرج الرجل الدائن على الشاطئ الأخر ينتظر مركباً فلم يجد وبعد ساعات طويلة وجد خشبة تطفو على سطح الماء أمام عينيه وبين يديه فأخذها حطباً لأهله فلما عاد إلى البيت وكسر الخشبة وجد الألف دينار ووجد الصحيفة ، وإجتهد الرجل المدين أن يذهب إلى الرجل الدائن مرة أخرى فحمل مبلغ أخر وذهب إليه مع أول مركب وجده فذهب إليه وقال والله لقد إجتهدت أن آتيك بمالك فى الموعد المضروب لكننى لم أجد مركباً إلا الذى جئتك فيه ورد عليه الرجل الدائن الصادق فقال إنصرف بالألف دينار راشداً فلقد أدى الله عنك الذى فى الخشبة .
ومن صور الخيانة أن يتحدث الرجل بالتفصيل عمّا كان بينه وبين زوجته فى الفراش أو تتحدث المرأة والنبى صلى الله عليه وسلم يقول ( من أشر الناس يوم القيامة الرجل يفضى إلى إمرأته وتفضى إليه إمرأته ثم يكشف سرها )
ومن أخطر هذه الصور أن يأتمنك رجل على سر من أسراره فتكشف هذا السر وتهتكه أو أن يستأمنك على مبلغ من المال أو ورقة من الأوراق فهناك من يخون هذه الأمانة ، يقول النبى صلى الله عليه وسلم كما فى سنن أبى داود وغيره بسند صحيح من حديث عائشة ( أد الأمانة إلى من إئتمنك ولا تخن من خانك .
ومن صور الخيانة أن تخون جوارحك فتفعل بها ما لا يرضى الله فأعلم أنها أمانة فلا تضيعها .
وبعد ، كن أميناً وأعلم أن خيانة الأمانة بأى صورة من الذى ذكرنا وغيرها إنما هى صورة من صور الخيانة وإنما هى أمانة ستسئل عنها أمام الله.

الخصلة الرابعة إذا عاهد غدر 

والغدر من صفات الكافرين والمنافقين ويأبى المسلم الصادق ويترفع عن الوقوع فى هذه الصفة الذميمة والخصلة الحقيرة صفة الغدر يقول تعالى ( وأوفو بالعهد إن العهد .. ) وقال صلى الله عليه وسلم ( لكل غادر لواء يوم القيامة عند إسته – أى مؤخرته – يعرف به ويقال هذه غدرة فلان ) رواه مسلم ويقول تعالى ( وأوفو بهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا ... ) فالمسلم لا يغدر أبداً .
ولك أن تعتز بدينك إذا علمت أنه لا يجوز لمسلم أن ينقض عهده مع كافر إلا إذا نقض الكافر العهد ، يقول صلى الله عليه وسلم ( من قتل نفساً معاهداً لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما ) رواه البخارى ، وروى البخارى والنسائى من حديث عمرو بن الجموح رضى الله عنه والحديث صححه الألبانى وغيره ( من أمّن رجلاً على دمه فقتله فإنى برئٌ من القاتل ولو كان المقتول كافراً ) لا يمكن أن نقول أن الغاية تبرر الوسيلة فهذا المنهج المادى الميكافيللى لا يمكن أن يتفق مع ديننا وأخلاق نبينا فالمقاصد لها أحكام الوسائل والوسائل لها أحكام المقاصد ، فلا يجوز أبداً ولو كانت الغاية نبيلة من وجهة نظرنا نحن المسلمين أن نسلك لتحقيق هذه الغاية بوسيلة محرمة قذرة فالنفس الإنسانية وحدة واحدة لا تتجزأ بحال من الأحوال ؛ ليس من أجل أن نحقق غاية نبيلة وهى نصرة دين الله أن نسلك لهذه الغاية النبيلة وسيلة يحرمها دين الله ؛ والكافر المحارب ليس معنى هذا أن لا نقاتله فهذا له حكم أمّا الكافر المعاهد فله أحكام وهو المقصود فى حديث النبى صلى الله عليه وسلم لا يجوز قتله فى بلادنا إلّا إذا نقض العهد . يقول حذيفة بن اليمان والحديث رواه مسلم يقول ما منعنى أن أشهد بدراً إلا أنى خرجت أنا وأبى فلقينا المشركون من كفار قريش فقالوا أتريدون محمداً قلنا لا قال فأخذ المشركون علينا عهد الله وميثاقة أن ننصرف إلى المدينة ولا نقاتل مع محمد ، قال حذيفة فأنطلقت أنا وأبى إلى النبى صلى الله عليه وسلم فأخبرناه بما قلنا وبما قال المشركون فقال النبى صلى الله عليه وسلم وأبيه إنصرفا ولا تشهدا معنا المعركة نفى للمشركين بعهدهم ونستعين بالله عليهم .ومن أعجب ما قد تقرأ أو تسمع أن عبيدة بن الجراح أرسل رسالة إلى خليفة رسول الله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يستفتيه فى فتوى غريبة من أعجب الفتاوى وهى أن جندياً فى الجيش الإسلامى أعطى عهداً بالأمان لقرية من القرى فى بلاد العراق أثناء فتح المسلمين لبلاد العراق فأرسل عمر رداً سريعاً يقول فيه : إن الله عظّم الوفاء فلا تكُونن أوفياء حتى تفوا فأوفوا إليهم بعهدهم وإنصرفوا عنهم ) إن نقض العهد من صفات المنافقين يقول تعالى وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آَتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آَتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77)  التوبة ، وبمناسبة هذه الأية الكريمة نحب أن نوضح أن هذه الأية لم تنزل فى فى حق ثعلبة بن حاطب الأنصارى لأن القصة فى حديث لا يصح لا سنداً ولا متناً ، ثانياً الصحابى ثعلبة ممن شهدوا بدرا والنبى صلى الله عليه وسلم فى الحديث الصحيح يقول ( أن الله إطّلع على أهل بدر فقال إعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم وفى رواية إعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة ) 

الخصلة الخامسة إذا خاصم فجر 

الفجور هو الإعراض عن الحق عن قصد وعن عمد فالفاجر بصورة عجيبة يحول الحق إلى باطل والباطل إلى حق ويحول البدعة إلى سنة والسنة إلى بدعة يقول تعالى  وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) البقرة  والأدد هو الجرأة فى المحاورة والمجادلة بالباطل لقلب الحق إلى باطل وقلب الباطل إلى حق ، والأدد من قوله تعالى ( لقد جئتم شيئاً إدا ) وإدا أى مائلاً عن الحق والصواب ان تنسبوا لله سبحانة وتعالى الولد فهذا من الفجور .
ومن الفجور أن يتكلم الفجار الأن عن العزيز الغفار وهؤلاء الذين يتكلمون من جلدتنا يقولون بالحرف الواحد ( وأخر ديكٍ صاح قد ذبحناه لم يبقَ سوى الله يعدوا كغزالٍ أخضر تطارده كل كلاب الصيد سنطارده سنصيد له الله ) من الفجور أن تقول إستاذة دكتورة : حتى التوحيد ظلم المرأة لأن التوحيد لا إله إلا هو فلماذا لم تكن لا إله إلا هى .
ومن الفجور أن يُساء إلى سيد الخلق وحبيب الحق درة تاج الجنس البشرى كله وحبيب قلوبنا محمد صلى الله عليه وسلم ، ومن الفجور ان يُساء إلى أصحابة ؛ أن تتهم عائشة رضى الله عنها أم المؤمنين الحصان الرزان بالزنا ؛ أن يرمى أبا هريرة بما رمى به وأن يتهم الصحابة الأطهار الأبرار بالفجور فإن هذا من أشد الفجور . يقول صلى الله عليه وسلم ( من أشّر الخلق الفاجر أو الألد الخصم ) أى المجادل بالباطل ويقول صلى الله عليه وسلم ( من خاصم فى باطل وهو يعلم لم يزل فى سخط الله حتى ينزع ) والحديث رواه أبو داود والترمذى بسند صحيح . ويقول صلى الله عليه وسلم ( إنكم تختصمون إلى ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض وإنما أقضى عن نحو ما سمعت فإذا قضيت لأحدكم شيئاً من الحق فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار )
وبعد فلو إتبعنا منهج الله وإمتلأت قلوبنا بلإيمان ما خاصمنا ولا فجرنا ولا نافقنا اللهم إنّا نسلألك براءة من النار ومن النفاق ، والله المستعان ؛ 




Comments
NameEmailMessage