من سلك طريق بغير دليل ضل ، ومن تمسك بغير الأصول ذل ، والدليل المنير فى الظلماء ، والأصل العاصم من جميع الفتن والأهواء هو العلم بفهم وعمل
وترجم البخارى فى كتاب العلم باب الفهم فى العلم لخطورة هذا الموضوع .
والعلم ضد الجهل وهو قسمان : فرض عين وفرض كفاية ،
فرض عين : أى ما يتعين على كل مسلم ومسلمة أن يتعلمه وجوباً لا ندباً واستحباباً كعلمه لتوحيد الله عز وجل وأوامر الله وحدوده فى أمور العبادات والمعاملات التى يحتاج إليها .
فرض كفاية : أى إذا قام به البعض سقط الأثم عن الباقين وهو ما تحتاج إليه الدنيا فى قوامها كعلم الطب والهندسة والفيزياء والكيمياء والزراعة والصناعة والتجارة الخ ، بمعنى لو خلت بلد من هذه الصناعات مجتمعة يأثم أهل البلد جميعاً أما لو قام البعض بهذه الأعمال سقط الأثم عن الأخرين ليس من الضرورة أن تكون داعيا على المنبر حتى تخدم دينك فلو أراد النبى ص أن يجعل من الصحابة كلهم مشايخ علي المنابر لجعلهم ، لكنه لم يفعل ذلك بل كل صحابى له دور، فالنبى ص وضع كل صحابى فى المكان الذى يناسبه بحسب قدراته وطاقاته الذى امتن الله بها عليه ، وفى رواية صحيحة للترمذى فى حديث زيد بن ثابت ، وزيد بن ثابت يسميه إمامنا البخارى كاتب الوحى ، يقول النبى ص ( أمرنى رسول الله ص أن أتعلم كتاب اليهود ، وقال لى : والله ما آمن يهود على كتاب ، يقول زيد فتعلمت لغة اليهود ، ما مر بى شهر حتى تعلمت كتابهم ، لغتهم ؛ فما كان النبى ص يكتب لهم إلا كتبت إليه ، وإذا أرسلوا كتابهم قرأته للنبى ص )
وحين كلفه الصديق بجمع القرأن قال يازيد : إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك فتتبع القرأن فاجمعه ، والشاهد : إذا كان زيد شاباً فى عهد أبوبكر فحتما كان فى ريعان شبابه فى عهد النبى ص وانظر ماذا فعل .
وأكرر : القاعدة الأصولية تقول ما لا يتم الواجب به فهو واجب
السعادة فى الدنيا والأخرة مبناها على العلم ، وأنا أعجب لأمة أقرأ حين نراها الأن فى مؤخرة الركب ببعيد من الناحية العلمية والكيميائية والذرية والفيزيائية إلى غير ذلك الامة الأن تتسول على موائد الفكر العلمى والإنسانى والطبى بعد ما كانت الأمة بالإمس القريب منارة مشرقة تهدى الحيارى والتائهين الذين أحرقهم لفح الهاجرة القاتل وأرهقهم طول المشى فى التيه والظلام ، فالعلم بأسماء الله وصفاته ، والعلم بنبيه ، والعلم بأمور الدنيا سعادة الدنيا والأخرة
والله رفع قدر العلم وأهله فقال ( يرفع الله الذين أمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ) وقال جل علاه ( قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) وقال ( إنما يخشى الله من عباده العلمؤ ) وشهد الله لنفس بالوحدانية وثنى بالملائكة وثلث باهل العلم ( شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط ) ويقول الأمام ابن القيم فى ذلك : وهذه هى العدالة فى أعلى درجاتها فإن الله سبحانه لا يستشهد بمجروح ، والأحاديث فى هذا الباب كثيرة ، وفى الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو ( إن الله تعالى لا يقبض العلم إنتزاعاً ينتزعه من صدور الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبقى عالم إتخذ الناس رؤسا جهال فسُئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا ) وهذا واقع اليم ومرير فهناك كثير من الناس تسببوا وتصدروا قبل أن يتحصرموا وبالغوا قبل أن يبلغوا وادعوا العلم قبل أن يتعلموا وتجرأ أحدهم بالفتوى فى كثير من المسائل التى لو عرضت ورب الكعبة على عمر بن الخطاب لجمع لها الصحابة من أهل بدر ، ولا أعلم مرض على وجه الأرض أخطر من الجهل ولا شك ولا ريب ان أجهل الجهل الشرك بالله .
للجهل قبل الموت موتُ لإصحابه * وأجسامهم قبل القبورٍ قبورُ
وأرواحهم فى وحشةٍ من جسومهم *وليس لهم قبل النشور نشورُ
الناس من جهة الأصل أكفاء * أبوهم أدم والأم حواء
نفسُ كنفسٍ وأرواحُ مشابهةًًََ * وأعظُمٍ خُلقت فيهم وأعضاء
فإن يكن لهم من أصلهم حسبُ * يفاخرون به فالطين ُ والماء
ما الفخرُ إلا لإهل العلم إنهم *على الهدى لمن اهتدى أدلأء
وقدر كل أمرئ ما كان يُحسنه *والجاهلون لأهل العلم أعداء
ففز بعلم تعش حياً به أبدا * فالناس موتى وأهل العلم أحياء
وروى أبو داود والترمذى وابن ماجة وغيرهم من حديث أبى الدرداء الطويل وقد حسنه الألبانى رحمه الله فى صحيح الترغيب والترهيب ، قال عن النبى صلى الله عليه وسلم ( من سلك طريقاً يلتمس به علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة ، وإن الملأئكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضى بما يصنع ، وإن العالم ليستغفر له من فى السموات والأرض حتى الحيتان فى الماء ، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ، وإن العلماء ورثة الأنبياء ، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهما ، إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظٍ وافر ) ولذا كان النبى صلى الله عليه وسلم شديد الحفاوة بأهل العلم ففى مسند أحمد ومعجم الطبرانى بسند جيد من حديث صفوان ، قال أتيت النبى صلى الله عليه وسلم وهو مُتكئ فى المسجد على بُردٍ له أحمر فقلت يا رسول الله إنى جئت أطلب العلم فقال ( مرحباً بطالب العلم ، إن طالب العلم تحفه الملأئكة بأحنحتها ثم يركب بعضهم بعضا حتى يبلغوا السماء الدنيا من محبتهم لما يطلب ) وفى الصحيحين من حديث أبى واقدٍ قال بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فى المسجد بين الناس إذ أقبل ثلاثة نفر : الأل رأى فرجة فى الصف فجلس فيها ، والثانى إستحيا أن يتخطى الرقاب فجلس خلف الصف والثالث أعرض عن هذا المجلس النبوى المبارك وانصرف فلما قضى النبى صلى الله عليه وسلم حديثه قال ( ألا أخبركم عن النفر الثلاثة ، أما أحدهم آوى إلى الله فآواه الله ، وأما الأخر إستحيا فاستحيا الله منه ، وأما الثالث فأعرض فأعرض الله عنه )
الدليل ولو كان صريحاً فى القرأن ولو كان صحيحاً فى السنة ليس منتهى العلم بل لابد من فهم الدليل ومراتب الدليل ومناطات الدليل للربط ربطا صحيحا بين دلالات النصوص القرأنية والنبوية وحركة الواقع ، فلا يجوز أبدا أن أستدل بدليل دون فهم دقيق ووعى عميق لهذا الدليل ودون تحقيق لمناط هذا الدليل ؛ هل هو دليل عام أم دليل خاص هل أسقطه على مناط عام أم على مناط خاص ، ولذا يترجم الأمام البخارى فى كتاب العلم بابين من أفقه التراجم فيقول باب العلم قبل القول والعمل ، وهذا تأصيل لابد منه ، قال تعالى( فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات ) قال الحافظ بن حجر أمر الله النبى ص فى هذه الأية بأمرين العلم والعمل ، بالعلم فى قوله تعالى ( فاعلم ) وبالعدل فى قوله ( واستغفر ) وقدم الله العلم على العمل لأن العلم هو المصحح للنية التى يصح بها كل قول وعمل ، إذا لابد أن تتعلم قبل أن تعمل ولكن اعلم أن هذا العلم وحده لا ينفع حتى تكون فاهماً لهذا العلم ، فاهما لمراد الله ، فاهما لمراد رسول الله اسمع ما يقول الأمام ابن القيم من كلام يكتب بماء العيون الخاشعة ( إن سؤ الفهم عن الله ورسوله أصل كل بدعة وضلالة نشأت فى الأسلام قديماً وحديثاً وأصل كل خلاف فى الأصول والفروع ) ثم يقول أيضاً ( وهل أوقع القدرية – النفاة والجبرية – والمرجئة والخوارج والمعتزلة والروافض وسائر طوائف أهل البدع ، هل أوقعهم فيما وقعوا فيه إلا سوء الفهم عن الله ورسوله ) أنا لا أنكر عليك الدليل ولكن أنكر عليك سحبك للدليل على هذا المناط فقد تستدل بدليل عام وقضيتنا ومناطنا ليس من المناطات العامة والعكس ومن أمثلة هذا ما روى الأمام أحمد فى مسنده وابن ماجه فى سننه بسند صحيح من حديث جابر بن عبدالله ، وعبد الله بن عباس رضى الله عنهم قالا ( قصة الرجل الذى شجت رأسه ولم يجد له الصحابة رخصة فى التيمم ) ق 30
لابد من الربط ربطاً صحيحاً بين دلالات النصوص ، بين المناطات وتحقيق المناطات العامة والخاصة ، جاءت أمرأة إلى الأمام أحمد بن حنبل – أخت بشر الحافى – ق 33 ، وجاء رجل الى الشيخ وهو جالس فى مزدلفة بعد نفرة عرفة وهو يُسبّح ق 36 ، وطرفة كان النبى ص لا يرد الدهن 38 ، وقصة المرأم الحامل التى جاءت الى الشيخ ق 41 ، وقصة تكفير الخوارج للأمام على ق 42
وبعد كيف نحصل هذه النعمة العظيمة نعمة الفهم
اولاً نعمة الفهم فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم
وثانياً بدروس العلم من الدعاة المتخصصين والربانين ولذا أقول إن العلماء صمّام أمان فى الأمة ، لو لم يجلس طلبة العلم بين أيدى العلماء سيطلبون العلم عند هذا الشيخ الغبى – يقصد الأنترنت – سيدخل أبنى وأبنك على هذه المواقع يأخذ كل ما يُطرح عليه أو سيطلبونه من الظلام ؛ سيبحثون فى السراديب تحت باطن الأرض أذن لابد من العلم ومن فهم العلم ثم لا ينفع العلم ولا ينفع الفهم إلا إذا حولنا هذا العلم بفهم إلى عمل ؛ إلى واقع ( يا أيها الذين أمنوا لم تقولون مالا تفعلون كبر مقتأ عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ) ( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون ) وفى الصحيحين من حديث أسامة بن زيد رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال ( يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى فى النار فتنطلق أقطابه – أى أمعاءه – فيدور بها كما يدور الحمار فى الرحى فيجتمع إليه أهل النار فيقولون يا فلان ألم تك تأمر بالمعروف وتنه عن المنكر فيقول بلى كنت أمر بالمعروف ولا آتيه و أنهى عن المنكر وآتيه ) إن الكلمة لا تستمد قوتها من علو صوت صاحبها ولا تستمد جمالها من بلاغة صاحبها بل تستمد الكلمة قوتها وجمالها من صدق صاحبها فإذا لفحت الكلمات حرارة الإيمان فى القلوب وصلت الكلمات إلى القلوب – اللهم أجعلنا من الصادقين – فالناس فى حاجة إلى رجل فعال إلى رجل يحول القول إلى عمل ، ولذا يقول الأمام على رضى الله عنه وفى سند الرواية ضعف ( يا حملة العلم : أعملوا به فإن العالم من عمل بما علم ووافق علمه عمله وسأتى أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم يخالف علمهم عملهم وتخالف سريرتهم علانيتهم يقعدون حِلقاً يباهى بعضهم بعضا حتى إن أحده ليغضب على جليسه إن تركه وجلس إلى غيره أولئك لا تُرفع أعمالهم تلك إلى الله عزوجل ، علم بدون عمل لا قيمة له فالصحابة رضوان الله عليهم كان أحدهم يُحقّر صلاته إلى صلاة واحد من الخوارج ، ومع ذلك فالخوارج هم كلاب أهل النار بشهادة الصادق المختار فلا بد من أن نحول العلم إلى عمل ، فقد كان النبى صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من علم لا ينفع والحديث رواه مسلم من حديث زيد بن أرقم ( اللهم إنى أعوذ بك من قلب لا يخشع و من علم لا ينفع ومن بطن لا تشبع ومن دعوة لا يستجاب لها ) فالعلم حجة علينا إن لم نحوله فى حياتنا إلى عمل ، أنت منذ متى وأنت تطلب العلم : هل ورثك العلم خشية الله ، أو الأدب مع الله أو الأدب مع رسول الله أو الأدب مع الوالدين أو الرحمة بالكبير والتواضع للصغير أو حب قيام الليل أو الأدب مع بعضنا البعض أو عفة الألسنة أو الخوف من الحرام أو حفظ الجوارح من المعاصى ، ما قيمة علم لم يمل قلوبنا خشية لله ، سئل أمام السنة عن العالم ، فقال ليس العالم بكثرة الرواية والدراية إنما العالم من يخشى الله تعالى ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) فلابد أن نحول العلم إلى عمل
والله المُستعان
رابط تحميل المحاضرة
موقع الطريق الى الله
Comments