U3F1ZWV6ZTE3NDMwODE4MzA4MTc5X0ZyZWUxMDk5Njg2NzQ0NjUyNQ==
أبحث فى جوجل
أبحث فى جوجل
إعلان

رأس مالنا العمر ( من سلسلة قال المحدث )





إن رأس مال الإنسان هو عمره ، وهناك من يتاجر بعمره فيخسر رأس المال وهناك من يكسبه كما يقول النبى صلى الله عليه وسلم فى صحيح مسلم ( كل الناس يغدوا – يذهب إلى السوق – فبائعٌ نفسه وموبقها أو معتقها ) فمن ذهب ليتاجر فى الشر فقد أوبق نفسه ومن عمل وتاجر فى الخير فقد أعتق نفسه من النار .
هل سألت نفسك يوماً كم تعيش من العمر ؟ كم يعيش الإنسان من العمر ؟ نحن كمسلمين كما فى حديث رواه الترمذى وغيره أن النبى صلى الله عليه وسلم قال ( أعمار أمتى ما بين الستين والسبعين وأقلهم من يتجاوز ذلك ) رأس مالك إذن هو ستون عاماً ولكن هل الستون عاماً صافية خالصة تامة لا نقصان فيها ، إذا وقفت بين يدى ربك عن كم سنة تُحاسب ؟ دعنا نحلل هذا الأمر ، النبى صلى الله عليه وسلم يقول ( رُفع القلم عن ثلاثة : الصغير حتى يحتلم ، والنائم حتى يستيقظ والمجنون حتى يفيق ) والصبى يحتلم عن سن 12 سنة قد تزيد عن هذا ولكن هذا متوسط إحتلام الصبى وبهذا نُسقط 12 سنة من الستين يتبقى 48 سنة ، والإنسان ينام بمتوسط ثمان ساعات فى اليوم قد تزيد وقد تنقص وبإسقاط هذه المدة من الثمان وأربعون عاماً نُنقص 16 عام من 48 يتبقى 32 سنة . الإنسان إذن سُيحاسب بين يدى ربه عن مدة 32 سنة قضاها فى الدنيا .
من كانت عينه على الأخرة رق قلبه ورقة القلب هى الزهد فى الدنيا والإنابة إلى الله وكلما كان القلب رقيقاً إنتفع برأس مال ؛ من كانت عينه على الأخرة هو من يستثمر عمره حق الإستثمار ولكن من يعيش للدنيا فقط فقد وصفهم تعالى بقوله فى سورة الأعراف ( ولقد ذرانا لجهنم كثيراً من الجن والإنس لهم قلوبٌ لا يفقهون بها ولهم اعينٌ لا يبصرون بها ولهم ءاذانٌ لا يسمعون بها أُولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون ) الأعراف 179 ، إن هناك من يعيش فى هذه الدنيا ويموت ولا يترك بصمة وراءه فهو كان وكأن لم يكن وكأنه عدم هذا إن لم يكن شره مُستطير وُيذكر باللعنات كفرعون وهامان ومشركى مكة وغيرهم الذين تلعنهم البشرية حتى الأن . والحديث الذى ذكرناه ( كل الناس يغدوا ) إنما الغرض منه ترقيق القلب وقد ذكره البخارى فى كتاب الرقاق والغرض منه لفت النضر إلى أن العيش الحقيقى إنما هو عيش الأخرة فكل الدنيا كدر وما أعجب من راغب فى إزدياد ، ولما ذكر النبى صلى الله عليه وسلم طول العمر لم يستحسنه إلا فى العمل الصالح حيث قال ( خيركم من طال عمره وحسن عمله )  ولكن سئ العمل يكون طول عمره جناية عليه لأنه كل يوم يكتسب سيئات ، والنبى صلى الله عايه وسلم بيّن شئ من هذا العمل حيث قال ( لا يتمنين أحدكم الموت لضُرٍ أصابه فلعله إن كان مُسيئاً أن يُستعتب – يرجع – وإن كان مُحسناً أن يزداد إحساناً ) ولهذا السبب فالمرض بين يدى الموت نعمة لأن هذا المريض يستطيع أن يتوب حال مرضه ويخفف من مضالمه ويسدد ديونه ويوصى بالخير وذلك على العكس من الذى يموت فجأة كما قال الله ( لا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون ) يس ، إن هذا الذى يموت فجأة كان يريد أن يقول كلمة ولكن حيل بينه وبينها وكم من حسراتٍ فى بطون القابر ولو نُشر هؤلاء الموتى من قبورهم لوجدت أن كثيراً منهم كان يريد أن يقول كلمة ولكنه أثخذ بغته .
العيش الحقيقى ليس عيش الدنيا فالدنيا كلها كدر كما قال الله عزوجل ( لقد خلقنا الإنسان فى كبد ) ونضرب لهذا مثالاً بسيطاً وهو رغيف الخبز الذى تأكله ، هل تدرى كم من الوقت إستغرق هذا الرغيف حتى يصل إليك وكم من الأيدى العاملة أخذ هذا الرغيف حتى يُصنع ويصل إليك ولك أن تتخيل هذا منذ أن يبذر الفلاح حبة القمح حتى يخرج رغيف الخبز من الفرن وتشتريه من البائع وتخيل هذا قبل أن تُكمل قرأتك . هذا عن رغيف خبز بسيط ولكن أمور الجنة مختلفة تماماً عن هذا ، واختر لنفسك نعيم الجنة أو كدر الدنيا من هذا الذى يريد أن يبدد عمره فى كدر الدنيا ويلقى الله على أسوء حال ؟ أى عاقلٍ هذا ؟ لا شك أنه شخصٌ مجنون من يعيش فى الدنيا من أجل 32 عاماً كلها غم وكدر ونذكر مثالاً أخر نقرب به المعنى أكثر ونوضحه وهذا المثال من حديث رسول الله فى صحيح مسلم عن أبوهريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال ( يؤتى بأنعم أهل الأرض من أهل النار فيُغمس فى النار غمسة واحدة ثم يقال له هل مرّ بك نعيمٌ قط ، فيقول لا وعزتك يارب ما مر بى نعيمٌ قط .....) نتكلم هنا عن أنعم أهل الأرض لا رجل عاش 32 سنة كما هو شأن العوام أنه رجل مميز فى كل شئ ولنقل من النعيم أنه كان يُسجد له وتخيل ما فوق هذا وما دونه عاش منذ بدء الخليقة وحتى قياه الساعة لم يشقى يوماً ولم يمرض يوما وتخيل وتخيل كل صنوف النعيم التى لن يستطيع عقلك أن يتخيلها و........ لا وعزتك يارب ما مر بى نعيمٌ قط ، والمثل الشعبى يعبر عن هذا تعبيراً يفهمه العوام ( اللى فات مات ) فالإنسان ابن اللحظة التى يعيش فيها هذا هو كل عمره . ولنضرب مثالاً آخر كم هى المدة التى يستغرق فيها بقاء الطعام فى فمك ؟ إنها لن تتجاوز الثلاثين ثانية  ولن تستطيع أن تُبقى اللقمة فى فمك أكثر من هذا ، لو أردت أن تأكل طعاماً غالى الثمن كم من الوقت ستعمل لأجل أن تدّخر ثمنه ، نفترض أنك ستعمل 5 أو 10 أيام من أجل وجبة تعتقد أنها فاخرة ، وبمجرد أن تحقق رغبتك فى نيل هذه الوجبة ستلتهمها فى أقل من 10 دقائق ، أنظر لقد تعبت 10 أيام من أجل 10 دقائق ، أهذا بالله عليك نعيم يستحق الجهد والعناء ؟ وكل الدنيا هكذا . 
وبعد وتخيل معى أن إنساناً ضيع رأس ماله بأن ضيّع حق الله ولم يراقب أمره ونهيه فعاش فى الدنيا بلا رقيب وبلا واعظ أو ناه يزجره عن الهوى ثم مات ، كم بقى تحت التراب ؟ وكم سيبقى إلى أن تقوم الساعة ؟ ثم لّما تقوم الساعة سيظل منتظراً يوماً طويلاً مقداره 50 ألف سنة يوما عسيراً قمطريراً لن يقيه الله شر هذا اليوم كما سيقى من أتقى ، يوماً لم يغضب الله مثله قبله ولن يغضب مثله بعده يوماً تخشى الرسل فيه على أنفسهم يقول كلُ رسولٍ – إلا محمد صلى الله عليه وسلم – نفسى نفسى ، يوماً تتطاير فيه الصحف فهذا يأخذ بيمينه وذاك بيساره وهو لا يدرى كيف سيأخذ كتابه ، يوماً هذا يذهب إلى الجنة وذاك يذهب إلى النار وهو لا يدرى أين مصيره ثم بعد ذلك يُحشر إلى النار ، أى عاقل هذا من يضيع نعيم الأخرة ودوامها ويستبدله بشقاء أبدى من أجل 32 سنة أو قل من أجل الدنيا كلها ، وكما يقول سفيان الثورى أو الفضيل بن عياض ( لو كانت الدنيا ذهباً يفنى والأخرة خزفاً يبقى لكان على العاقل أن يختار الخزف الذى يبقى على الذهب الذى يفنى ) فالقلب إذا رق يتضح الطريق أمامه وسيعلم علماً يقيناً أنه لا عيش إلا عيش الأخرة ويستثمر رأس ماله وهو الصحة والفراغ . والله المستعان ؛   



رابط تحميل جميع الحلقات فيديو (موقع الطريق إلى الله)
سلسلة وقال المحدث




تعليقات
الاسمبريد إلكترونيرسالة