شيطان الإنس وشيطان الجن
الأيات التى تكلم الله فيها عن الشيطان فى القرآن كله لم يصفه مرة واحدة بأنه عدو لله أبداً وإنما وصفه بأنه عدو للإنسان ( إن الشيطان كان للإنسانِ عدواً مبيناً ) بينما لما وصف الله بنى آدم ( الكفار والمشركين والمنافقين والعاصين ) وصفهم بأنهم أعداء الله ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم ) ، وذلك لأن شيطان الإنس أعظم خطراً من شيطان الجن ، فشيطان الإنس ينصرف عنك بالإستعاذة بالله منه بينما لا ينصرف شيطان الإنس حتى لو قرأت عليه القرآن كله ؛ كما أن تأثير شيطان الإنس أقوى وذلك بسبب ظهوره أمامك وتوافق طباعه مع طباعك أو ألفة الطباع فالصورة البعيدة أقل تأثيراً من الصورة الموجودة أمامك .
ماذا تفعل مع عدوك من الإنس والجن
ذكر الله مبدأ التعامل مع عدوك من الإنس وعدوك من الجن فى ثلاث مواضع لا رابع لهم فى القرأن الكريم فى سور الأعراف و المؤمنون وفصلت :
خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) الأعراف
ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ (96) وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (98) المؤمنون
وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36) فصلت
تنقسم الأيات فى الثلاث مواضع إلى قسمين : القسم الأول خاص بالتعامل مع من بينك وبينه عداوة من بنى أدم والقسم الثانى فى التعامل مع الشيطان الرجيم ، القسم الأولى يأتى بالمصانعة فلو كان قوياً يمكن أن تداهنه أو تعطيه مالاً أو تقول له كلمة طيبة المهم له حل هو المعاملة الحسنة أما القسم الثانى فلا يرضى إلا ان يدخلك النار فلا حل له وينصرف بان تستعيذ بالله منه .
نلاحظ الأتى فى الأيات الكريمات
فى سورة الأعراف ذُكرت إنه سميعٌ عليم ، وفى سورة فصلت ذُكر ضمير الرفع المنفصل ( هو ) والصفات محلاة بالألف واللام ... لماذا ؟
فى سورة الإعراف الأمر بالعفو عن المسئ إليك والأمر بالمعروف وإلا فالأعراض عن من لم يستمع والإعراض سهل ، أما فى سورة فصلت الأمر أكبر من مجرد الإعراض لأن فيه إحسان إلى من يُسئ إليك ولذلك لمّا تُقدم على الإحسان سيتعرض لك الشيطان الإنسى والجنى ، الإنسى الذى تحسن إليه وهو لئيم فقد يجعلك هذا تترك الإحسان والجنى يوسوس إليك ويقول إن هذا لئيم وتُحسن إليه ، فأعدائك يتريصون بك لذلك جاء التأكيد من الله بالضمير المنفصل والتعريف بأن الله معك وسيوكل معك ملك لا يجعل شخص ينال منك كلما أحسنت لم أساء إليك ، ونلاحظ اللحاق بعد السياق فى سورة فصلت أن هذا الأمر لا يقدر عليه إلا من من يصبر فلا ينال هذه الدرجة وأن يجعل الله معه ملك موكل يجعله ظهير على الناس لن ينالها إلا من يصبر على أذى الناس بل ويحسن إليهم . ونلاحظ فى سورة فصلت اللفظ كأنه الذى يشير إلى عدوك الذى تحسن إليه كأنه أى أن مازال فى قلبه شئ لم يصفو لك ولكن يكفى أن لا يستطيع أن يتجرأ عليك . وقد ورد فى صحيح مسلم عن النبى صلى الله عليه وسلم أن رجلاً جاء إلى النبى صلى الله عليه وسلم قال له : يا رسول الله إنى لى قرابة أصلهم ويقطعوننى أُحسن إليهم ويُسيئون إلى أحلم عنهم ويجهلون على أعطيهم ويمنعوننى ، فقال النبى صلى الله عليه وسلم ( إن كنت كذلك ، فإنما تُسفهم المل –الرماد الحار- ولا يزال معك من الله ظهيراً عليهم ما دمت على ذلك ) عند تفعل هذا فإن معك من الله ملك يُسددك وأنت لا تراه ، ويجعل الله فى قلوب خصومك إحتراماً ولا يصل إلى هذه المنزلة إلا الذين صبروا وهى منزلة أن يحترمه خصومه ويُظهرون له ودهم كأنهم أصدقاء مقربين فما بالك بإحبائه الحقيقين . والله المستعان ؛
Comments