الغضب من أهم المشاكل التى عالجها الإسلام بمنهج القرأن والسنة لما لهذا المرض النفسى الخطير من أضرار تلحق بالفرد والمجتمع ، والغضب من المشكلات التى لم يجد لها الغرب حتى الأن حلولاً عملية الأمر الذى قدمه القرأن والسنة منذ الآف السنين . إن فقدان الأعصاب والغضب يُكلِّف الإقتصاد البريطانى 16 مليار جنية أسترلينى فى العام لما يُعبر عن هذا الغضب بطرق سلبية وهو الأمر الشائع فى ثلاث أرباع من يغضب . ولعل هذا الأمر يُذكّرنا بوصية النبى صلى الله عليه وسلم لمّا جاء له إعرابى يطلب النصيحة فقال لا تغضب ثلاثا لما يُدركه نبيُنا الحبيب صلى الله عليه وسلم من خطورة الغضب. والغضب يكون فى الرجال أكثر منه فى النساء .
تعريف الغضب:
هو تصرف لا شعوري وانفعال لا اردي، يهيج الاعصاب ، ويحرك العواطف ، ويعطل التفكير ، ويفقد الاتزان، ويزيد في عمل القلب ، ويرفع ضغط الدم ، ويزداد تدفقه على الدماغ ، وتضطرب الاعضاء ويظهر ذلك بجلاء على ملامح الانسان فيتغير لونه وترتعد فرائسه وترتجف اطرافه ويخرج عن اعتداله وتقبح صورته ويخرج عن طوقه فاٍن لم يكبح جماح نفسه تفلت لسانه فنطق بما يشين من الشتم والفحش وامتدت يده لتسبقه الى الضرب أوالعنف أوالقتل ، وقد يدفعه الغضب الى شق ملابسه ولطم خده ورمي نفسه وقد يفقد اعصابه واتزانه
اسباب الغضب
للغضب أسباب عدة كالغضب بسبب الظلم أو الخيانة أو الكرامة أوالكبرياء وهناك الغضب بسبب عد الإتزان النفسى والعاطفى وفى هذه الحالة يكون الغضب لأتفه الأسباب وهناك الغضب الطفولى ويتمثل فى الإصرار على شئ معين دون إبداء الأسباب وهو لا يرتبط بسن معين ثم إن هناك الغضب لدين الله وهو الغضب المباح فى الإسلام وهو غضب النبى صلى الله عليه وسلم الذى لم ينتقم لنفسه قط ولم يغضب لنفسه قط إلا أن تنتهك محارم الله . وعند الغضب يزداد هرمون الإدرينالين فى الجسم وهو الهرمون المسئول عن الغضب فى الإنسان .
علاج الغضب من القرأن والسنة
أولاً علاج الغضب بعدم الوقوع فيه
يمكن علاج الغضب بعدم الوقوع فيه وهذا مبدأ الوقاية خير من العلاج ولكن لا أحد يمكنه أن لا يقع تحت سيطرة هذا المرض الخطير فى وقت من الأوقات ولكن يمكن تجنب الوقوع فى الغضب بدوام ذكر الله حيث قال الله عزوجل (الذين ءامنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله ئطمئن القلوب ) 28 الرعد فلا يغضب إلا شخص قد خلا قلبه من ذكر الله وكما يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم ( لا يزال لسانك رطباً بذكر الله ) . كما أن التدبر فى خلق الله وشغل الذهن بأيات الله الكونية يُرقى العقل والنفس فيترك الغضب لصغار الناس لما إنشغل به العقل من أمور عظيمة جعلته فى مكانة عالية وهذا شأن العلماء ( الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً ويتفكرون فى خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار) ال عمران 191 .
ثانياً علاج الغضب عند الوقوع فيه
لو تركت النصيحة الأولى التى وهبها الله لك فى كتابه العزبز وأكدها نبيك الحبيب فى سنته الطاهرة ستقع حتماً فى الغضب ولكن شأن العظيم دوام العطاء فرغم بعدك عن نصيحته وعدم سماعك كلامه مما جعلك تقع أسيراً لمرض الغضب رغم ذلك لم يتركك وأهداك علاجاً فهيا خذ علاجه واشف نفسك ولا تذهب لأى طبيب فالطبيب هو الله :
عند الغضب حاول أن تستعين بالله على من سبب لك الغضب وهو الشيطان لعنه الله ، أولاً بالإستعاذة من الشيطان الرجيم ، قال تعالى ( وإما ينزغنك من الشيطان نزغٌ فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ) فصلت 36 ، وعن سليمان بن صرد رضى الله عنه قال : أستب رجلان عند النبى صلى الله عليه وسلم وأحدهما يسب صاحبه مغضباً قد أحمر وجهه فقال النبى صلى الله عليه وسلم (إنى لأعلم كلمة لوقالها لذهب عنه ما يجد : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ) وقال صلى الله عليه وسلم (إذ غضب الرجل فقال أعوذ بالله سكن غضبه).
عند الغضب أسكت لا تقع فى إنفعال أو قول أو عمل قد تندم عليه وأنت غير واعٍ به لما بك من غضب وأعلم أنك بهذا تتبع سنة النبى الحليم صلى الله عليه وسلم حيث قال ( إذا غضب أحدكم فليسكت ) رواه الأمام أحمد فى المسند وهو فى صحيح الجامع .
عند الغضب غير من وضع جسمك وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم ( إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس ، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع ) والحديث فى صحيح الجامع . وفى هذا الأمر شئ من إذهاب الفكر عن الغضب وصرف الجسم عن القيام برد فعل للغضب فالشخص الواقف مُهئ لرد فعل عن الجالس والجالس مهُئ عن الشخص المُضطجع ، فأنظر إلى حكمة المصطفى صلى الله عليه وسلم .
عند الغضب إذهب فاغتسل أو توضأ لأن الغضب من الشيطان والشيطان خُلق من نار والماء يُطفئُ النار ، وقد أخرج بن عساكر عن النبى صلى الله عليه وسلم ( الغضب من الشيطان ، والشيطان خُلق من نار ، والماءُ يُطفئُ النار فإذا غضب أحدكم فليغتسل )
عند الغضب صلى لله وإسجد أو إلصق خدك بالأرض ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الغضب جمرة في قلب ابن آدم، ألا ترون إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه، فمن وجد من ذلك شيئاً فليلصق خده بالأرض ". وقال الترمذي :"حديث حسن صحيح " . استنبط بعض العلماء أن في هذا إشارة للأمر بالسجود وتمكين أعز الأعضاء من أذل المواضع لتستشعر به النفس الذل وتزيل به العزة والزهو الذي هو سبب الغضب. وهذا يتفق مع الهدي النبوي المبارك حيث كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة. وكان يقول : “...وجعلت قرة عيني في الصلاة“.
عند الغضب إستشعر بما أعده الله لك إذا كظمت غيظك ولتكن نفسك راضية بقسمة الله ، قال الله تعالى (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) ) ال عمران ألا ترضى بالجنة مقابل أن تكظم غيظك . ومما ورد من الأجر العظيم في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم ) ومن كظم غيظا ، ولو شاء أن يمضيه أمضاه ، ملأ الله قلبه رضا يوم القيامة ) رواه الطبراني وهو في صحيح الجامع .وقال أيضاً ( من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على روؤس الخلائق يوم القيامة حتى يُخيره من الحور العين ما يشاء ) رواه أبو داوود وغيره والحديث حسن وهو فى صحيح الجامع .فتخيل هذا الأجر العظيم يوم القيامة ، تخيل ما لا يحققه لك الغضب يحققه لك كظم الغيظ عند الغضب أو لست تغضب لترضى ، أعلم أن الغضب لن يجعلك ترضى ولكن كظمه سيملأ قلبك بالرضى .
عند الغضب أعلم أن الغضب ضعف ، أتغضب ليقال عنك قوى لن يُقال هذا وسيعرف من أمامك أنك ضعيف ، الغضب والصوت العالى لا يدل على القوة ويجعل الإنسان إن كانت لديه حجة لن يستطيع إقناع من أمامه بحجته كلما كنت هادئاً كلما أقتنع من تحاوره بكلامك وكنت أقدر على إسترداد حقك وكرامتك وقد علّمنا النبى صلى الله عليه وسلم أن القوى الذى يملك نفسه عند الغضب فقد قال صلى الله عليه وسلم والحديث فى الصحيحين وفى مسند أحمد ( ليس الشديد بالصرعة ، إنما الشديد الذى يملك نفسه عند الغضب )
كلمة أخيرة
وبعد فالغضب فى كثير من الأحيان مرفوض وهو خُلق مذموم إلا أن يكون غضب لله ولو غضبت لله لن يتركك الله وسيرُد إليك حقك فى الدنيا قبل الأخرة فقد قال عز وجل ( إن الله يدافعُ عن الذين آمنوا إن الله لا يُحب كل خوانٍ كفور ) 38 الحج أو لا يكفيك أن الله يدافع عنك إن كنت مؤمناً والمؤمن ينتقم لله ولا ينتقم لنفسه ( ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور) الشورى 43 . إن كنت تغضب لُظلم أصابك فأعلم أن هناك من لا يرضى لعباده الظلم ، وإن كنت تغضب لكرامتك التى تشعر أنها ضاعت فالهدوء أجدى من الغضب ولتعلم أن الله يدافع عن الذين آمنوا وإن كنت تغضب لسبب من الأسباب فاعلم أن غضبك لدين الله أولى ، والله المستعان ؛