إن التقصير فى الدعوة إلى الله مرض خطير من أمراض أمة محمد صلى الله عليه وسلم وهذا التقصير جعل الأمة وراء الركب بعد أن كانت الدليل الحاذق الآرب والقائد الأمين فى الدروب المتشابكة والصحراء المُهلكة. والتقصير جعل الأمة غُثاء لا وزن لها ولا قيمة عند أمم الأرض .
البلاغ عن الله شرف الأمة وكرامتها
إن وظيفة الأمة الأولى هى الدعوة إلى الله عزوجل والبلاغ عن الله وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمة قد قصّرت تماما فى أعظم وظيفة وأعظم واجب قد أوجبه الله تبارك وتعالى عليها ألا وهو واجبُ البلاغ عن الله لأهل الأرض لأنها هى الأمة الخاتمة التى حملت أمانة تبليغ الرسالة المحمدية لأهل الأرض فالأمة لم تُكرم من أجل سواد عيونها ولم تُكرّم إعتباطا وإنما شرّفها الله وكرّمها للرسالة التى شُرّفت الأمة بحملها إلى أهل الأرض إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها يقول رب العزة جل وعلا ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110) ال عمران. وهذه الخيرية ليست ذاتية أو عرقية وإنما لأنها تحمل رسالة الدعوة إلى الله فتلك هى التركة الضخمة التى ورثتها من خاتم النبين محمد الأمين صلى الله عليه وسلم وورثها علماء الأمة وقصّرت الأمة وأنشغلت بالشهوات الرخيصة والكراسى الزائلة .
من للبشرية المنكوبة
وها أنت ترى البشرية الأن تجرى كالمطارد وتضحكُ كالمجنون وتهزى كالسكران وتئن من الألم تبحث عن أى شئ وهى فى الحقيقة تملك كل شئ من وسائل السعادة والرخاء ولكنها حين أبتعدت عن رب الأرض والسماء وحين أنحرفت عن إمام منهج الأنبياء فقدت كل شئ وتحول كل نعيم بين يديها إلى شقاوةً وضنك ، تشعر البشرية بضيق فى الصدور رغم سعة المساحات الخضراء ، تشعر أنها تعيش فى الظلام مع كثرة الأضواء ، تشعر البشرية أنها تعيش فى ضنك مع كثرة الأسواق المشتركة والأموال والأرصدة فى البنوك لماذا ؟ لأنها أنحرفت عن الله وأبتعدت عن الله والمسئول الأول عن هذا هو أمة التوحيد فمن لهذه البشرية المنكوبة التى أنحرفت عن الله جل وعلا ؟ من لهذه البشرية التى أبتعدت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ أين أمة البلاغ ؟ أين أمة الرسالة ؟ وأمتنا تحمل النور الحقيقى الذى ينير للبشرية طريقها والذى ينتشل البشرية من هذا الظلام الدامس إلى هذا النور الحقيقى نور الإيمان بالله عزوجل وبمحمد صلى الله عليه وسلم نور العدل والرحمة .
قم أيها العملاق وأخاطب الأمة قم فدثّر العالم كله ببردتك ذات العبق المحمدى الطاهر ؛ قم أيها العملاق ضم العالم كله إلى صدرك وأسمعه خفقات قلبك الذى وحّد الله جل وعلا ؛ قم أيها العملاق وأسق الدنيا كأس الفطرة لتُروى بعد ظمأ ؛ ولتعود إلى الحق بعد إنحراف وإعوجاج ؛ قم أيها العملاق وخاطب العالم وأسمعه عن الله وعن رسول الله .
الحق معنا فلنكرمه
وأقولها مراراً والله الذى لا إله إلا هو معنا الحق الذى خلق الله من أجله السماء والأرض والجنة والنار وأنزل الكتب وأرسل الرسل وأقول بكل حسرة إن الحق معنا ولكننا لا نُحسن إلى الأن أن نشهد لهذا الحق بشهادة خُلقية عملية سلوكية على أرض الواقع ولم نُحسن إلى الأن أن نُبّلغ هذا الحق إلى أهل الأرض بحق وأن الباطل مع غيرنا لكنه يُحسن جداً أن يُلبس الباطل ثوب الحق ويُجيد أن يصل بالباطل إلى حيث ينبغى أن يصل الحق وحينئذٍ ينزوى حقنا ويضعف ويتلاشى كأنه مغلوب كما هو الواقع وينتفخُ الباطل وينتفش كأنه غالب كما هو الواقع ونتألم لحقُنا الذى ضعف وأنزوى وللباطل الذى أنتفخ وأنتفش ونعبر عن ألمنا هذا بصورة من صورتين لا ثالث لهما فإما أن نعبر تعبيراً صامتاً ساكناً سلبياً لنزدادُ بهذ التعبير هزيمة نفسية جديدة على هزيمتنا وإما أن يكون تعبيرنا عن ألمنا هذا صاخباً مُتشنجاً منفعلاً وأحياناً دموياً وهنا سنخسر الحقَ من جديد حتى ونحن فى طريقنا للشهادة للحق وللزود عنه لأن أهل الأرض فى الأرض حينئذٍ سيزدادون بغضاً للحق الذى معنا وإصراراً على الكفر والباطل الذى معهم والله لقد قصرّنا وما أبرئ نفسى إن النفس لأمارةٌ بالسوء إلا ما رحم ربى ، قصّرت الأمة فى البلاغ والدعوة وإلا فلقد رفرفت رايةُ التوحيد ورايةُ الأسلام على ثلثى الكرة الأرضية فى أقل من خمسين سنة تماماً على أيدى الأخيار الأطهارُ الأبطالُ الصحابةُ الكرام ومن تبعهم بإحسان وهو هو هارون الرشيد يخاطب السحابة فى كبد السماء قائلاً لها أيتها السحابة أمطرى حيثُ شئت فسوف يأتينى خراجك بإذن الله فأنظر إلى سعة الملك وسعة الأرض التى رفرفت عليها رسالةُ التوحيد ، والله إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنّا لما وصلت إليه أمة التوحيد فى جانب الدعوة والبلاغ لمحزونون لمحزونون ، عاش كثيرٌ من الناس لعروشهم وكراسيهم الزائلة ومناصبهم الفانية وسخّروا أموالهم التى يجبُ أن تّسخّر للدعوة لدين الله جل وعلا سخّروها فى سفاسف الأمور إن لم أقل فيما حرم العزيزُ الغفور فأنحسر هذا المدُ الهائل – أى لدولة الأسلام – وتعطّلت مسيرةُ الدعوة فى الوقت الذى يتحرك فيه أهل الكفر وأهلُ الباطل بقوة ورجولة وسخاء فى الإنفاق على دعاتهم الذين يتحركون الأن إلى جميع أنحاء الأرض ، يتحركون للكفر والباطل بأسماء مختلفة فى الوقت الذى تقاعست فيه أمة الدعوة أمة البلاغ أمة النور والحق والتوحيد قال تعالى وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) فصلت.
الدعوة إلى الله أعظم تكليف وأشرف وظيفة
الدعوة إلى الله وظيفةُ الرسل والأنبياء وقد حمّلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الأمانة وهذا الحمل الثقيل فقال فى الحديث الصحيح وهو فى مُسند أحمد وصحيح مسلم وغيرهما من حديث عبد الله إبن مسعود ( ما من نبى بعثه الله فى أمة قبلى إلا وكان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتضون بأمره ثم أنه تخلّف من بعدهم خلوف – اللهم يا أرحم الراحمين لا تجعلنا منهم يا حى يا قيوم – يقولون مالا يفعلون ويفعلون مالا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلك من الإيمان حبةُ خردل ) والجهادُ ليس غاية وإنما هو وسيلة لأشرف غاية وهى تعبيد الناس فى الأرض إلى رب الأرض والسماء ، وإذا كان ذلك كذلك وقد قيّد الله للأمة الأن هذه الوسائل الضخمة من وسائل البلاغ من وسائل الإعلام والفضائيات والإنترنت ، لماذا لم توظّف الأمة هذه الوسائل الضخمة إلى الأن توظيفاً يليقُ بمكانة الدعوة وأمة الدعوة ؟!! هل توجد الأن فضائية فى الأمة على مستوى الدعوة وعلى مستوى البلاغ تُخاطب أهل الأض بلغاتهم ؟!! هذه أمانة كبيرة يجب على الأمة مجتمعة أن تقوم بها وأن تتحمل مسئوليتها أمام الله جل وعلا ، لا ينبغى أن ينفرد بهذا بعض أهل الفضل من أصحاب الفضائيات التى بدأت تنشر دين الله تعالى لأن الأمانة كبيرة والوظيفة عظيمة نريدُ أن تخاطب الأمة البشرية كلها بلغتها بلسانها ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4) إبراهيم . نريد أن نُبلّغ هذا الإسلام بكماله وشموله بجماله وجلاله إلى أهل الأرض لنخاطب من يتحدثون الإنجليزية بلغاتهم ، ومن يتحدثون الفرنسية بلغاتهم ، ومن يتحدثون الإيطالية بلغاتهم ، ومن يتحدثون الألمانية والروسية والأردية بلغاتهم كل أمة نخاطبها بلغتها، فالأمة مسئولة عن البشرية كلها أمام الله جل وعلا قال تعالى ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير .. ) وأعلمة أمتى الحبيبة أننا لن ننال شرف الإنتساب إلى الحبيب صلى الله عليه وسلم إلا بالدعوة والبلاغ عن منهجه يقول تعالى ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108) يوسف. قال إبن القيم ولله درّ إبن القيم : لا يكون الرجل من أتباع النبى صلى الله عليه وسلم حتى يدعو إلى ما دعا إليه النبى على بصيرة ، قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (22) الجن . فسبيل النبى الدعوة ولتعلم أخى الكريم أن دولة الأسلام قد أقيمت فى المدينة بالدعوة إلى الله قبل أن يُشرع الجهاد فأول معركة بين الحق والباطل هى معركة بدر عام 2 هـ بعد أن هاجر النبى وأقام دولة للإسلام فى المدينة المنورة بكل مفهوم الدولة فى العصر الحديث من أرض وقائد أو حاكم وهو المصطفى صلى الله عليه وسلم ومن وزراء وهم الصحابة الأخيار الأطهار من المهاجرين والأنصار إلى غير ذلك من مقومات الدولة المعروفة فى الفهم الحديث لمعنى الدولة ، هاجر النبىُ إلى المدينة وعقد المعاهدات مع اليهود والمنافقين والقبائل الأخرى إلى غير ذلك كما هو معلوم فى السيرة ثم بعد ذلك كانت المعركة الأولى .
فضل البلاغ عن الله
ولتسمع البشرية لتعرف فضل البلاغ والدعوة إلى الله ، الرسول يدعو لك يا من بلّغت عن الله بنضارة الوجه وأسألك بالله أن تنظر إلى وجوه أهل الدعوة ووجوه أهل العلم وأهل البلاغ عن الله ألم يُنضّر الله وجوههم إستجابة منه لدعوة الصادق صلى الله عليه وسلم حيث قال ( نضّر الله إمرءٍ سمع منّا حديثاً فبلغه كما سمعه فرُبّ مُبلّغٍ أوعى من سامع ) اللهم أجعل لنا من دعاء حبيبك ومصطفاك صلى الله عليه وسلم أوفر الحظ والنصيب يا أرحم الراحمين يا حى يا قيوم والحديث رواه احمد وأبو داوود وغيرهم بسند صحيح من حديث عبد الله إبن مسعود. وفى صحيح مسلم من حديث أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال ( من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل اجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الأثم مثل آثام وأوزار من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم أو أوزارهم شيئا ) كل الأمة فى ميزان المصطفى صلى الله عليه وسلم وليس شرطاً أن تكون عالماً لتُبلّغ عن الله المهم أن تكون صاحب همة عالية وأن تحمل قلباً ينبض بالخير لهذا الدين ويحترق قلبك لواقع البشرية ولواقع الأمة :
وعلى قدر أهل العزم تأتى العزائمُ وتأتى على قدرِ الكرامِ المكارمُ
وتعظمُ فى عين الصغيرِ صِغارُها وتصغرُ فى عين العظيمِ العظائمُ
وإذا كانت النفوسُ كِبارا تعبت فى مُرادُها الأجسامُ
ومن يتهيب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر
وها هو الصديق ينطلق بما يسّر الله له من علم ومن حقٍ وخيرٍ وهدى ونورِ ليرجع إلى النبى بخمسة من العشرة المبشرين بالجنة وهؤلاء الخمسة فى ميزان أبى بكر وهم : عثمان إبن عفان ، الزبير إبن العوام ، طلحة إبن عبيد الله ، عبد الرحمن إبن عوف ، سعد إبن أبى وقاص ، أبى عبيدة إبن الجراح .
كلمتك الطيبة شجرة لا تفنى ثمارها
شجرُ الناس يُثمر فى الصيف ومنه ما يُثمر فى الشتاء أو الخريف أو الربيع أما الشجرة المباركة الطيبة التى ضربها الله فى القرأن مثلا للكلمة الطيبة وهى كلمة الحق والتوحيد والبلاغ هذه الشجرة لا تتأثر بصيف ولا شتلاء ولا ربيع ولا خريف ولا تحطمها معاول الهدم ولا تؤثر فيها معاول البطش ولا تقتلعها الريح ولا تؤثر فيها عوامل التعرية لأنها شجرةٌ أبيةٌ كريمة متغلغلة فى قلب الصخور وفى أعماق الأرض جذرها فى باطن الأرض وأصلها فى السماء ولا ينقطع ثمرها أبدا فهى تؤتيه فى كل وقت ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) إبراهيم .
إترك الحجج الواهية
وبكل أسف قد يتخلى كثير من أبناء الأمة عن الدعوة إلى الله بحججٍ واهية ودعاوى باطلة يغنى بطلانها عن إبطالها منها على سبيل المثال قد يحتجُ بعضُ الناس بقول الله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105) المائدة . وقد خشى الصديقُ رضى الله عنه من هذا الفهم المغلوط للأية فأرتق المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال ك أيها الناس أنكم تقرأون هذه الأية وتضعونها فى غير موضعها وإنى سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( إن الناس إذا رأو المنكر فلم يغيروه يوشك أن يعمهم بعقابٍ منه وفى لفظ إن الناس إذا رأوا الظالم ولم ياخذوا على يده يوشك أن يعمهم بعقابٍ من عنده وفى لفظ ثم يدعون فلا يُستجاب لهم ) والحديث رواه أحمد وأبو داوود والنسائى وإبن ماجة بسند حسنه الحافظ بن حجر وصححه الألبانى ، فلابد من الأمر بالمعروف بمعروف والنهى عن المنكر بغير منكر ثم بعد ذلك من لم يهتدى فلن يضرك شيئا وهذا هو المقصود بالأية فلا ينبغى أن تتقاعس عن البلاغ وعن الدعوة إلى الله .
فليدع كل مسلم على منبر الإسلام
وأخاطب العلماء لا من باب الأهلية ورب الكعبة ولكن من باب الشعور بالمسئولية وهذا ما تؤصله وتقرره القاعدة الأصولية من عدم الماء تيمم بالتراب ، أخاطب العلماء والحكام والدعاة إلى الله ورجال الأعمال والأطباء والمهندسين والعمال الحرفيين والنساء والشباب والفتيات أخاطب الأمة كلها لتنهض بهذا الواجب لتتحرك للدعوة ونحن لا نريد الأمة كلها أن تتحول إلى دعاة على المنابر فى المساجد وإنما نريد أن تتحول الأمة كلها إلى دعاة لدين الله على منبر الإسلام العظيم كلُ واحد فى موقع إنتاجه وموطن عمله وبذره وعطائه ، وإن كانت الدعوة المتخصصة لها أهلها من العلماء الكرام الأفاضل الذين يحملون هم الدعوة ويضحون بكل نفيس من أجلها وتتمزق قلوبهم حسرة على واقع الأمة ويعرفون عِظم وقدر الأمانة ولن تخلوا الأمة أبداً من هذا الطراز المبارك من الدعاة بموعود الصادق كما فى الصحيحين من حديث معاوية رضى الله عنه ( لا تزالُ طائفة من أمتى قائمة بأمر الله لا يضرُهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتى أمر الله وهم كذلك ) إن كانت الدعوة الخاصة لدين لها هؤلاء الرجال العظماء فإن الدعوة العامة إلى دين الله تعالى واجب على كل مسلم ومسلمة كلٌ بحسبه ولذا فأنا أخاطب كل شرائح الأمة وكل شرائح المجتمع فلتتحركوا جميعاً إلى دين الله إن لم تُحسن أن تُبلّغ عن الله بأية أو حديث فبخلقك وسلوكك وصدقك وإتقانك لعملك فالأمة تشكو فى كل الميادين من الجشع والطمع والكذب والخيانة أخى الكريم أنت لا تحتاج مسئول ليراقبك بل راقب أنت الله عزوجل . أدع إلى الله على منبرك الذى أنت فيه لا نريدك أن ترتقى المنبر فى المسجد فهذا له العالم والداعى إلى الله فمنبر الطبيب عمله ورحمته بالمرضى فى العيادات والمستشفيات، أخى الطبيب لا يجب أن تتوقف عن إجراء جراحة عاجلة لمسلم ينزف أو لمسلمة تموت بين يديك إلا إذا وضعوا لك رصيدك أو أجرك فهذا يتنافى مع رسالتك أيها الطبيبُ الداعى المسلم؛ وأنت أيها المهندس لا ينبغى أن تراقب صاحب العمارة أو صاحب البناية أو صاحب المصنع إن كان موجوداً بين يديك وإن تخلى عنك يحدث الغش القاتل فى مواد البناء هذا يتنافى مع دعوتك أيها المسلم؛ وأنت أيها المعلم لا ينبغى لك أن تُقصر فى واجبك نحو تلامذتك ورسالتك النبوية بحجج أنت تعلم أنها واهية ولكن راقب الله فأنت فى أخطر مهمة وأهم ثغر يُعوّل عليه نهضة الأمة بأسرها. إلى كل مسلم فى موطن عمله كن داعياً إلى الله على منبرك أنت وهو عملك أياً كان عملك . هذا المنبر منبرٌ واسع فلتتق الله على هذا المنبر ولتؤد الأمانة التى أؤتمنت عليها لتكون خير داع لدين الله تعالى وما أروع وأجمل تجار المسلمين قديما حين حملوا هذا النور وهذه الرسالة إلى أهل الأرض لا بالدعوة وإنما بالأخلاق والمعاملات والسلوك والصدق والوفاء والأمانة والرجولة والشهامة والمروءة نقلوا هذا الدين فلتنقل الأمة هذا الدين إلى أهل الأرض ، والشرق والغرب لن يحكم على ديننا من خلال التنظير فقط ولكن من خلال واقعنا وأخلاقنا وتقدمنا وعلمنا وإبداعنا ووالله لن تستطيع الأمة أن تشقّ لنفسها طريق من العزة والكرامة وسط أحجار النظام العالمى الجديد إلا بالعلم والعمل وإلا فما قيمة التنظير إن لم يتحول إلى منهج عمل وواقع حياة .
يامن منّ الله عليك بالمال وظّف جزءاً من مالك للدعوة أنفق على طالب علم نبيل فرّغه للدعوة وأقول بكل حسرة كثير من أصحاب الأموال يُنفقون أموالهم لإطعام البطون ولا يهتموت بمخاطبة القلوب والعقول وتحيح العقائد ، أين الأغنياءُ فى الأمة الذين يتبنون مثل هذه الفضائيات التى تدعوا إلى الله وتُبلّغ أهل الأرض دين الله ، لماذا لا يتبنى أهل المال البذل والإنفاق على الدعوة إلى الكبير المتعال فى كل أنحاء الأرض بطبع الكتب والكتيبات بلغات أهل الأرض وبإرسال العلماء إلى أنحاء أهل الأرض للبلاغ عن دين الله تبارك وتعالى بالحكمة البالغة والموعظة الحسنة وبالكلمات الرقيقة الرقراقة المهذبة تحرك لدين الله وما عليك أن تبذر ودع النتائج بعد ذلك على الله تبارك وتعالى ، والله المستعان ؛
تعليقات