الربا
مرض مصاص للدماء ، يمحق البركة محقاً من الأرض ، يجعل البشرية أهلاً لحرب الله عزوجل ، قال تعالى ( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (277) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279) وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280) وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281)
نظرة حول أيات الربا فى سورة البقرة
لا يقومون إلا كما يقوم الذى يتخبطه الشيطان من المس : وتصور معى هذا المشهد حين يأمر الله الأرض فتتزلزل وتنشق وتخرج أثقالها وإنظر إلى مشاهد القيامة حين تنشق القبور ويخرج كل الناس من قبورهم حفاة عراة غرلاً ( وغرل جمع أغرل وهو الصبى قبل ختانه وصدق الله إذ يقول : كما بدأنا أول خلقٍ نعيده ) قال صلى الله عليه وسلم والحديث فى سنن الترمذى بسند صحيح ( يحشر الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف صنفاً مشاة وصنفاً ركباناً وصنفاً على وجوههم قالوا يا رسول الله كيف يُحشرون على وجوههم فقال صلى الله عليه وسلم إن الذى أمشاهم فى الدنيا على أقدامهم قادرٌ على أن يمشيهم فى الأخرة على وجوههم ) ونرى ممن قام من رقدته منظر مرعب لشخص إذا قام لا يقدر على القيام وإذا جلس لا يقدر على الجلوس بإستواء بل يتلبط يميناً ويساراً كالمصروع الذى مسه الجن بالصرع وهذا هو آكلُ الربا .
ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا : كان المشركون قبل الأسلام يقولون إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا .
فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف : ها هى قد جاءتك موعظة من ربك على لسان عبدٍ فقير فهيا إترك الربا وأقلع عنه حتى يبارك الله فى مالك قبل أن يمحق الربا بركته وفتش فى قواميس اللغة عن كلمة تساوى المحق فى إزالة البركة بل والنسف والإبادة لهذا المال الذى نما من الربا وكأنك ترى هذا المحق بعينك من ذلك التصوير القرأنى البليغ فلن ترى أبلغ من هذه الكلمة ، ووالله ليتحولن كل نعيم بين يدى المرابين إلى شقاء ، وأمره وإن كثر فهو إلى قليل ، وفى مسند أحمد من حديث عقبة بن عامر قال صلى الله عليه وسلم ( إن الله يعطى العبد ما يحب من النعم وهو مقيم على معاصيه فأعلم أنه إستدراج من الله عزوجل أقرأو إن شئتم قول الله عزوجل فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) الأنعام ، وروى البخارى وأحمد واللفظ لأحمد من حديث أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال ( إن الله عزوجل يقبل الصدقات من أحدكم بيمينه فيربيها لكم – أى ينميها – كما يربى أحدكم مهره أو فلّوة حتى تصير اللقمة عند الله كجبل أحد )
يا أيها الذين أتقوا الله وذروا ما بقى من الربا :
دع الحرص على الدنيا وفى العيش فلا تطمع ، ولا تجمع من الحرام فلا تدرى لمن تجمع ، فإن الرزق مقسوم وسوء الظن لا ينفع ، فقيرٌ كلُ من يطمع غنىٌ كل من يقنع
النفسُ تجزعُ أن تكون فقيرةً والفقرُ خيرٌ من غنى يطغيها ، وغنى النفوسُ هو الكفاف فإن أبت فجميع ما فى الأرض لا يكفيها
هى القناعةُ فالزمها تكن ملكاً لو لم تملك إلا راحة البدن ، وأنظر لمن ملك الدنيا بأكملها هل راح منه بغير الطيب والكفن
فإن لم تفعلوا فاذنوا بحربٍ من الله ورسوله :
وحرب على السكينة والطمأنينة والبركة فى المال والأولاد والزوجة والإقتصاد والرخاء وهى حربٌ على الأعصاب أيضاً والمشاعر .
فنظرة إلى ميسرة :
روى البخارى وغيره عن النبى صلى الله عليه وسلم قال (كان رجلاً يداين الناس وكان يقول لغلمانه أنظروا المعسر لعل الله يتجاوز عنا قال صلى الله عليه وسلم فتجاوز الله عنه )
وتختتم أيات الربا بقوله عزوجل ( وأتقوا يوماً تُرجعون فيه إلى الله )
أعلم أنك ستقف بين يدى الله ليس بينك وبينه ترجمان كما فى الصحيحين من حديث عدى بن حاتم قال النبى صلى الله عليه وسلم ( ما منكم من أحد إلا وسيكلمه الله عزوجل يوم القيامة ليس بينه وبينه ترجمان فينظر العبد أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم وينظر أشأن منه فلا يرى إلا ما قدم وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه فأتقوا النار ولو بشق تمرة ) ثم توُفى كلُ نفس : قال تعالى ( ونضع الموازين القسط ليوم القيامة .. ) ( فمن يعمل مثقال ذرة خير يره .. )
الربا فى السنة النبوية
يبين الرسول صلى الله عليه وسلم خطورة الربا كما فى الحديث الصحيح ةالذى رواه مسلم وأبو داود وغيرهم من حديث عبد الله بن مسعود عن النبى صلى الله عليه وسلم قال ( لعن رسول الله اكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه وقال هم سواء ) وفى الحديث الصحيح الذى رواه البيهقى والحاكم فى مستدركه وصححه على شرط الشيخين من حديث عبد الله بن مسعود أن النبى صلى الله عليه وسلم قال ( الربا ثلاث ٌ وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه ) وفى الحديث الصحيح الذى رواه أحمد فى مسنده وإبن ماجه وصححه الألبانى والعلامة أحمد شاكر من حديث عبد الله بن حنظلة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال ( درهم ربى يأكله الرجل وهو يعلم أشدُ عند الله من ستٍ وثلاثين زنية ) وفى صحيح مسلم من حديث سمرة بن جندب الطويل فى المنام أنه صلى الله عليه وسلم قال ( إنه أتانى الليلة آتيان فقالا لى أنطلق أنطلق فانطلقنا فإذ برجل يسبح فى نهر من الدم وإذ برجل على الشاطئ بين يديه حجارة وكلما أراد هذا الرجل الذى سبح فى نهر الدم أن يخرج رماه هذا الرجل على الشاطئ بحجر فرجع كما كان قال صلى الله عليه وسلم عن هذا إنه آكل الربا )
ما هو الربا
الربا كما يعرفه إبن منظور فى لسان العرب هو الزيادة ويقول تعالى وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (39) الروم ، هل معنى ذلك أن كل الزيادة على أصل المال تعتبر ربا ؟ لا بالطبع ، وكان هذا المعنى سائداً قبل الأسلام وكان المشركون لا يفرقون بين الربا والبيع كما قال رب العزة حكاية عنهم ( قالوا إنما البيع مثل الربا .. )
أنواع الربا المُحرّم فى القرءان والسنّة
والربا الذى حرمه القرأن والسنة نوعان وإن كان أهل العلم قد عدد أنواعاً أخرى ؛ أما الربا المحرم فى القرءان والسنة فهو إمّا أن يكون ربا نسيئة أو ربا فضل وأنتبه لكى تقف على الفارق الكبير بين الربا فى الجاهلية والربا فى عصرنا الحالى لتقف على هذه الحقيقة المؤلمة وهى أن الربا المعاصر أبشع وأقبح من ربا الجاهلية وأن ربا الجاهلية كان أرحم من الربى المعاصر وكلاهما حرام .
ربى النسيئة أو ربى التأجيل
صورته أن يذهب الرجل إلى رجلاً أخر ليقول له أعطنى ألف دينار مثلاً إلى أجل معلوم محدد فيعطيه الألف دينار بلا زيادة ، فإذا حان وقت السداد وأنتهى الأجل ولم يستطع السداد ذهب المدين إلى الدائن وقال أنظرنى وأمهلنى فيقول له الدائن أنظرك وأمهلك بالزيادة وهذه الزيادة الربوية محرمة وهذا هو ربى النسيئة أى التأجيل والربى واضح فى هذه العملية بعناصره الثلاثة : العنصر الأول الزيادة على أصل المال ، العنصر الثانى الزمن أو الأجل الذى يحدد الزيادة على أصل المال والعنصر الثالث فهو الفائدة المشروطة المضمونة المحددة . إذن كل عملية ربوية توفّرت فيها هذه العناصر الثلاثة فهى ربى حرام وإن إختلف الأسم أو المسمى .
ولذلك فإن الربا هو زيادة المال للمال لعنصر الزمان ليس إلا ن وأنظر إلى ربا الجاهلية كان الرجل يعطى المال بدون زيادة إلا إذا تأخر المدين عن الوقت المعلوم فيمهله بالزيادة ولكن الأن ترى أن الربى المعاصر أبشع من ربى الجاهلية لأن الزيادة تحسب منذ اللحظة الأول لتوقيع عقد الربا أو القرض سواء كان هذا القرض إنتاجياً أو إستهلاكياً .
أمّا ربى الفضل فهو بيع الشئ بالشئ من نوعه أو جنسه بالزيادة ولنفترض أن معك تمر جيد فلو إشتريت كيلوا من التمر الجيد بإثنين من التمر الردئ فهذا هو الربا ، وفى الصحيحين من حديث أبى هريرة وغيره أن النبى صلى الله عليه وسلم أستعمل رجل على خيبر أى ولاه على خيبر فأتى بتمرطيب أو جيد فقال صلى الله عليه وسلم أكل تمر خيبر هكذا فقال لا يا رسول الله ولكننا نأخذ الصاع من هذا بالصاعين ونأخذ الصاعين بالثلاثة فقال صلى الله عليه وسلم لا تفعل هذا بع الجمع – أى التمر الردئ المختلط بالدراهم وإبتع بالدراهم التمر الجيد ) وقد حددها رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من هذا فى حديث أبو هريرة فى البخارى ومسلم وغيره فقال صلى الله عليه وسلم ( الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلاً بمثل يداً بيد سواءاً بسواء فمن أزاد أو إستزاد فقد أربى الآخذ والمعطى سواءاً بسواء فإذا أختلفت الأصناف فبيعوا كيف شئتم يداً بيد ) هذا هو ربى الفضل بيع الشئ بالشئ من نوعه أو من جنسه بالزيادة ولكن بع ما تريد وأقبض مالك وأشترى ما تريد بعد ذلك حتى من نوع هذه السلعة على سبيل المثال بع ما تملك من التمر الردئ مثلاُ أو الجيد بالمال وأشترى بعد ذلك ما شئت من أنواع التمر الأخرى
البنوك الربوية والبنوك الأسلامية
ومن رحمة الله أن الأمة كثرت فيها البنوك الأسلامية ولأننا نعلم أن البنوك ضرورة لا يمكن أن يقوم الأقتصاد إلا عليها لكن فى الوقت ذاته لا يُمكن أن نُخدع بحفنة من المرابين الذين يتحكمون الأن فى إقتصاد العالم هؤلاء المرابين الذين يريدون أن يبينوا لنا ويملئوا عقولنا وقلوبنا أن النظام الأقتصادى لا يمكن أن يقوم أبداً إلا على هذا النظام الربوى ونقول بمنتهى الصدق والواقعية أن النظام الأسلامى والنظام الربوى لا يلتقيان فى بداية ولا يتوافقان فى نتيجة ولا يتفقان أبداً فى وسط ( وأحل الله البيع وحرم الربا ) فالربى حرام فوق أى أرض وتحت أى سماء بنص القرءان والسنة ولا ينبغى أن نتصور أبداً بحال أن الأقتصاد العالمى لا يمكن أن يقوم إلا على هذا النظام الربوى وأن ما ينادون الأن إلى العودة إلى النظام الأسلامى مجرد خياليون يتكلمون عن المدينة الفاضلة فلا يمكن أن يحدث هذا على أرض الواقع ، ولكن نقول لهؤلاء المرابين لقد شاء ربنا أن نرى هذه التجارب التى تنمو فى الأمة وشتان بين رجل يقف أمام بنك إسلامى وأخر يقف أمام بنك ربوى فلو أودعت نقودك فى بنك إسلامى فقد أعذرت إلى الله وأديت ما عليك إن كنت مضطراً إلى ذلك .
ونختم ببعض الأحاديث النبوية عن حقيقة المال
فى الحديث الصحيح الذى رواه أحمد والترمذى بسند صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم قال ( ثلاثٌ أقسم عليهن وأحدثكم حديثاً تحفظوه ما نقص مال عبد من صدقة ولا ظُلم عبدٌ مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله عزاً ولا فتح الله باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر وأحدثكم حديث تحفظوه إنما الدنيا لأربعة نفر عبدٌ رزقه الله مالاً وعلماُ فهو يتقى فيه ربه – أى فى علمه وماله – ويصل فيه رحمه ويعلمُ لله فيه حقاً فهذا أفضل المنازل وعبداً رزقه الله علماً ولم يرزقه مالا فهو صادق النية يقول لو أن لى مالاً لعملت بعمل فلان أى من أعمال البر والخير قال صلى الله عهليه وسلم فهو بنيته فأجرهما سواء وعبدٌ رزقه الله مالاً ولم يرزقه علماً فهو لا يتقى فيه ربه ولا يصل فيه رحما ولا يعرف لله فيه حقاً فهذا أخبث المنازل وعبدُ لم يرزقه الله مالاً ولا علماً فهو خبيث النيه يقول لو أن لى مالاً لعملت فيه بعمل فلان أى من أعمال الفسق واللهو والفجور والمعاصى قال صلى الله عليه وسلم فهو بنيته فوزرهما سواء ) وفى صحيح البخارى من حديث عبد الله إبن مسعود أن النبى صلى الله عليه وسلم قال ( أيكم مالُ وارثه أحبُ إليه من ماله قالوا يا رسول الله ما منا من أحد إلا وماله أحب إليه من مال وارثه قال صلى الله عليه وسلم فإن ماله ما قدّم ومال وارثه ما أخر ) وفى صحيح مسلم ومسند أحمد وغيرهما من حديث عبد الله إبن الشخّير أن النبى صلى الله عليه وسلم قال ( يقول إبن أدم مالى مالى وهل لك من مالك يا إبن أدم إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأبقيت ) وفى سنن الترمذى بسند صحيح من حديث عائشة أن النبى صلى الله عليه وسلم أمرها أن تتصدق بالشاة المذبوحة ثم عاد فقال ما بقى يا عائشة قالت ما بقى إلا كتفها فقال صلى الله عليه وسلم بل بقيت كلها غير كتفها )
والله المستعان ؛
تعليقات