ملخص مدارج السالكين 6 ( الفرق بين الفراسة والإلهام ، درجات الألهام )
الفرق بين الفراسة والإلهام
الفراسة تتعلق بنوع كسب وتحصيل وأمّا الإلهام فموهبة مجردة لا تنال بكسب البتة .
درجات الإلهام
الدرجة الأولى من درجات الألهام :
( نبأ يقع وحياً قاطعاً مقروناً بسماع . إذ مطلق النبأ الخبر الذى له شأن فليس كل خبر نبأ وهو نبأ خبر عن غيب مُعظّم )
والإلهام قد يقع بواسطة سمع وفى هذه الحالة لا يعد إلهاما بل هو من قبيل الخطاب وهذا يشتمل حدوثه لغير الأنبياء ، وقد يحدث الإلهام بلا واسطة .
ما يقع لأصحاب الرياضات ( والرياضات مجاهدة للنفس وترويضها على الطاعة والقرب من الله بأنواع العبادات ) من سماع فهو من أحد وجوه ثلاثة :
الوجه الأول من الخطاب المسموع لأصحاب الرياضات :
وهو أعلى هذه الخطابات وفيه أن يخاطبه الملك خطاباً جزئياً وهذا يقع لغير الأنبياء فقد كانت الملائكة تخاطب عمران بن حصين بالسلام فلما أكتوى تركت خطابه فلما ترك الكى عاد إليه خطاب الملائكة بالسلام ، وهذا الخطاب نوعان :
الأول يسمعه بأذنه وهو نادر بالنسبة إلى عموم المؤمنين.
الثانى خطاب يُلقى فى قلبه يخاطب به الملك روح الإنسى أو روح إبن أدم :
كما فى الحديث المشهور( إن للملك لمّة بقلب إبن أدم فلمة الملك إيعاد بالخير وتصديق بالوعد ، ولمة الشيطان إيعاد بالشر وتكذيب بالوعد ثم قرأ صلى الله عليه وسلم : الشيطان يعدكم الفقر : الأية... ) والحديث أخرجه الترمذى فى كتاب تفسير القرءان . ومن هذا الخطاب للروح أيضاً واعظ الله عزوجل فى قلوب عباده المؤمنين كما فى جامع الترمذى ومسند أحمد من حديث النواس بن سمعان عن النبى صلى الله عليه وسلم قال ( إن الله ضرب مثلاً صراطاً مستقيماً وعلى كنفى الصراط سوران لهما أبواب مُفتّحة وعلى الأبواب ستورٌ مُرخاة وداعٍ يدعو على رأس الصراط وداعٍ يدعو فوق الصراط فالصراط المستقيم الأسلام والسوران حدود الله والأبواب المُفتّحة محارم الله فلا يقع أحد فى حدٍّ من حدود الله حتى يكشف الستر والداعى على رأس الصراط كتاب الله والداعى فوق الصراط واعظ الله فى قلب كل مؤمن ) فهذا الواعظ فى قلوب المؤمنين هو الإلهام الألهى بواسطة الملائكة .
الوجه الثانى من الخطاب المسموع :
خطاب الهواتف من الجان وقد يكون المُخاطِب جنيّاً مؤمناً صالحاً وقد يكونُ شيطان وهو أيضاً نوعان أحدهما بالأذن والثانى بالقلب كما فى قول الله عزوجل ( يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطانُ إلا غرورا ) ( الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء ) وقد قال عمر بن الخطاب رضى الله لغيلان بن سلمة – وهو من الصحابة لمّا طلّق نسائه وقسّم ماله بين بنيه- : إنى لأظن الشيطان فيما يسترق من السمع سمع بموتك فقذفه فى نفسك . والشيطان يقذف فى النفس وحيه وفى السمع خطابه فيقولُ المغرور المخدوع : قيل لى وخوطبت – أى خاطبنى الله وأوحى لى .
الوجه الثالث من الخطاب المسموع :
وهو خطاب حالى تكون بدايته من النفس وعودته إليها فيتوهمه من خارج وإنما هو من من نفسه منها بدأ وإليها يعود .
وبعد فهذه الوجوه الثلاثة هى وجوه الخطاب المسموع ومن سمّع نفسه غيرها فإنما هو مغرور مخدوع .
الدرجة الثانية من درجات الإلهام :
( إلهام يقع عياناً وعلامته صحته : أنه لا يخرق سترا ولا يجاوز حداً ولا يخطئ أبداً )
ويختلف عن النوع الأول أن الأول علم وهذا مُكاشفة وهو أتمّ من الأول ظهورا ونسبته إلى القلب نسبة المرئى إلى العين .
لا يخرق ستراً : لا يخرق ما ستر الله من نفسه عن الناس بل يستر نفسه ولا يكشف حاله .
لا يُجاوز حداً : لا يتجاوز حدود الله إلى إرتكاب المعاصى مثل الكهانة وأصحاب الكشف الشيطانى .
لا يُخطئ أبداً : بخلاف الشيطان فإن خطأه كثير .
الدرجة الثالثة من درجات الإلهام :
( إلهام يجلو عين التحقيق صرفاً وينطق عن عين الأزل محضاً والإلهام غاية تمتنع الإشارة إليها )
وعين التحقيق هو الفناء فى شهود الحقيقة بحيث يضمحل كل ما سواها فى ذلك الشهود وتعود الرسوم أعداماً محضة وحاصل هذا الإلهام أنه إلهام ترتفع معه الوسائط وتضمحل وتعدم لكن فى الشهود لا فى الوجود ، وأمّا الإتحادية القائلون بوحدة الوجود فإنهم يجعلون ذلك إضمحلالاً وعدماً فى الوجود ويجعلون صاحب المنازل – وهو إسماعيل الهروى صاحب منازل السائرين والذى يشرح كتابة الإمام العلامة بن القيم فى هذا الكتاب مدارج السالكين – يجعلون صاحب المنازل معهم وهو برئ منهم عقلاً وديناً وحالاً ومعرفةً والله أعلم .
تعليقات