U3F1ZWV6ZTE3NDMwODE4MzA4MTc5X0ZyZWUxMDk5Njg2NzQ0NjUyNQ==
أبحث فى جوجل
أبحث فى جوجل
إعلان

العجلة والتسرع



إن العجلة وعدم التأنى من أخطر أمراض الأمة على الأطلاق ؛ فقد تُوقعنا فى الإفساد ونحن نريد الإصلاح وقد تُوقعنا فى الضرر من حيث نريد النفع ؛ كما أنها قد تورد العبد المهالك فى الدارين الدنيا والأخرة .

ما هى العجلة 

العجلة لغة هى التسرع وإصطلاحاً هى التسرع وطلب الشئ أو فعل الشئ قبل أوانه أو قبل الوقت اللائق به . ونذكر قاعدة جليلة يجب أن نعلمها جيداً ألا وهى : من تعجل الشئ قبل حدوثه عوقب بالحرمان منه ؛ قد تشتهى ثمرة مانجو فتقطفها قبل أوانها ولا تلبث أن تقذفها من فمك لا تطيق مرارتها وبهذا فقد خسرتها حال نضوجها .
والله ما ذكر العجلة فى القرءان إلا وذمّها فهى من الصفات المذمومة التى وصف الله بها الإنسان وهى مذمومة فى جميع المواضع التى ذُكرت فيها فى القرءان إلا فى موضع واحد سنبيّنه ؛ يقول تعالى (خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آَيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ (37) الأنبياء ، (وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا (11) الإسراء ، (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا (58) الكهف ، وأما الحالة الواحدة التى ذكر الله فيها العجلة ولم يذمها فهى العجلة والإسراع فى فعل الخير وعمل الأخرة ففى هذا الشأن لا يحتاج الأمرُ لتأنى ، فقد روى الإمام داود فى سننه بسند صحيح من حديث أنس بن مالك أن النبى صلى الله عليه وسلم قال ( التؤدة فى كل شئ إلا فى عمل الأخرة ) ، يقول تعالى (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) ال عمران ، (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21) الحديد ، (خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26) المطففين .
وكما ذكرنا فى البداية أن العجلة قد تُهلك صاحبها فى الدنيا والأخرة ؛ روى البخارى ومسلم من حديث سهل بن سعد الساعدى أن رجلاً فى معركة غزاها مع النبى صلى الله عليه وسلم أبلى فيها بلاءاً عجيبا حتى قال الصحابة رضى الله عنهم ما أبلى اليوم أحدٌ مثل ما أبلى فلان لا يدعُ شاذة ولا فاذةً فى العدو إلا تبعها بسيفه فلما سمع النبى صلى الله عليه وسلم قال هو من أهل النار ، سمع هذه الكلمة أحدٌ من الصحابة فقال أنا أتيكم بخبره فتتبّع الرجل إذا جرى جرى معه وإذا وقف وقف معه وفجأة أُصيب هذا الرجل بسهم غارب ( طائش ) وقع فى صدره فلم يتحمل الرجل فاستعجل الموت فأتى بسيفه ووضع ذُبابة سيفه ( مُقدمته ) فى صدره وإتكأ على صدره حتى خرج من بين كتفه فقتل نفسه فأنطلق الصحابى إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال أشهد أنك رسول الله فقال النبى وما ذاك فقال الرجل كان ما كان من شأن الرجل الذى قلت فيه من أهل النار كذا وكذا وقصّ عليه ما قد رأى فقال النبى صلى الله عليه وسلم ( إن الرجل ليعمل الزمان الطويل فيما يبدو للناس بعمل أهل الجنة حتى يكون ما بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وإن أحدكم ليعمل الزمان الطويل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس حتى ما يكون بينه وبين إلا ذراعاً فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها وفى لفظ البخارى قال النبى صلى الله عليه وسلم ( إنما الأعمال بالخواتيم ) .
وفى صحيح مسلم من حديث أنس دخل النبى صلى الله عليه وسلم  ليعود رجلاً من المسلمين قد مرض فصار مثل الفرخ فلما دخل عليه النبى صلى الله عليه وسلم قال هل تدعو الله بشئ فقال نعم يا رسول الله إنى أدعوا الله بدعاء ثابت عندى فقال صلى الله عليه وسلم ماذا تقول قال الرجل أقول اللهم ما كنت مُعاقبى به فى الأخرة فعجّله لى فى الدنيا فقال النبى صلى الله عليه وسلم لا تطيقه لا تستطيعه هلّا قلت اللهم آتنا فى الدنيا حسنة وفى الأخرة حسنة وقنا عذاب النار ثم دعا له النبى المختار فشفاه العزيز الغفار.

العجلة سبب فى عدم إستجابة الدعاء

وقد يدعو الإنسان ويتعجّل الدعاء فيُصاب بالحسرة إذا لم يُستجاب له ويترك الدعاء وقد روى البخارى ومسلم من حديث أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال ( يُستجاب لأحدكم ما لم يعجل ) فقالوا وما الإستعجال يا رسول الله قال صلى الله عليه وسلم ( يقول قد دعوت وقد دعوت فلم أر يُستجاب لى فيستحسر عند ذلك ويدعُ الدعاء ) وقد ثبت فى الحديث الذى رواه أبو يعلى من حديث أنس بن مالك أن النبى صلى الله عليه وسلم قال ( التأنى من الله والعجلة من الشيطان )  وكما ذكرنا التعجل مذموم إلا فى عمل الأخرة وتذكر قول موسى لله ( وعجلت إليك رب لترضى ) تذكر هذا القول فى كل عمل صالح تدفعك نفسك لأن تتوانى وتتكاسل عنه ، فالله أمرك بالعجلة فيه ( وسارعوا ) و ( وسابقوا ) أما فيما يخص أمر الدنيا فقال ( فأمشوا فى مناكبها ) لم يقل الله إجروا أو هلموا أو أسرعوا ، وإن جريت فى أمور الدنيا وأسرعت لن تأخذ إلا التعب وسيفوتك أمر الأخرة وأعلم أن الله قد ضمن لك رزقك فلا تتعجل لتأخذه  ، فلا تتعجل حتى لا تقول ( رب إرجعون لعلى أعمل صالحاً فيما تركت ) ويرد العزيز عليك ( كلا إنها كلمةٌ هو قائلها ) ؛ يقول رسول صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس والحديث فى الصحيحين ( إن فيك لخصلتين يحبهما الله ورسوله الحلم والأناة ) أى التمهل والتأنى ؛ كن حليماً متأنياً بصيرا وليس معنى هذا أن تكون جباناً ولكن كن كالماء إذا واجه الصخور هل سيخترقها ؟ كلا بل سيُغير مجراه ؛ عليك ألا تصطدم بالصخور إلا إذا كنت كالسيل الجارف والمطلوب هو أن ننفذ كلام الله قبل أن نواجه عدونا ولا نتكاسل بحجة أننا نتكلم عن العجلة كما أنه لا يجب أن يأخذنا إندفاعنا نحو مواجهة نحن لسنا أهلا لها فقط ( وأعدوا لهم ما إستطعتم من قوة ) .
وبعد أعلم أن الله قد جعل لكل شئ قدرا فلا تتعجل فى أمر قد تندم عليه يوماً لا ينفع ندم فيه وأسوق إليك نموذج عملى رائع فى التأنى أختم به حديثى عن العجلة وهو لمن علّم الدنيا معنى التأنى و الصبر والإحتساب ولسيد البشرية محمد صلى الله عليه وسلم ؛ وأسمع بقلبك ، والله المستعان ؛

صلح الحديبية درس رائع فى التأنى 





Comments
NameEmailMessage