U3F1ZWV6ZTE3NDMwODE4MzA4MTc5X0ZyZWUxMDk5Njg2NzQ0NjUyNQ==
أبحث فى جوجل
أبحث فى جوجل
إعلان

الإمام زيد على زين العابدين بن الحسين بن على رضى الله عنهم( ملخص كتاب أئمة الفقه التسعة لعبد الرحمن الشرقاوى )



عاش فى عصر الفتوحات الإسلامية المزدهرة فى عصر الدولة الأموية حيث كانت الدولة الأموية تواصل فتوحاتها لترسى قواعد الإمبراطورية الإسلامية ومع ذلك كان الخلفاء يضطهدون مخالفيهم من الرعية ويتتبعون آل البيت ومن يتشيعون لهم ليقتلوهم بلا رحمة وكان الخليفة الأموى لا يطيق نصيحة حتى لقد أعلن هشام بن عبد الملك وهو فى بيت الله الحرام أنه سيقطع رأس من يقول له إتق الله ولم يكن للمسلمين أن يرفعوا الرأس بالعصيان فى وجوه الخلفاء طلباً للعدل أو نهياً عن المنكر حتى لا يتصدع بنيان تلك الجيوش الموجّهة لفتح بلاد جديدة تنشر فيه الإسلام ، وهكذا آثر الصمت عدد من علماء الإسلام نجاة بأنفسهم من بطش الحاكمين .
فى هذا الجو المضطرب الذى يمزقه التناقض بين ما يحبه الإنسان وما يكرهه ولد زيد بن على زين العابدين . ولد فى المدينة عام ثمانين للهجرة وما زال رجع الأنين على الحسين شهيد كربلاء يملأ الأذان وما زالت الفجيعة تغص الحلوق وتحرق الأكباد  ما من شئ بعد يطفئ النار التى فى الصدور ، وأستمر الإضطهاد ، وسارت الدولة على إقصاء آل البيت وألزمتهم المدينة فالتزموها لا يبرحونها إلا فى الحج
وكان عميد آل البيت بعد إستشهاد الإمام الحسين رضى الله عنه هو إبنه على زين العابدين وكان فقيهاً إختار أن يعلم الناس ويفقههم فى الدين ليكونوا من بعده أئمة صالحين  ولما خرج الحسين يبايع أهل العراق فى العراق ليقفوا فى وجه حكام بنى أمية الطاغين ثم بايعوه لينصروه حتى يسترد لهم شرفهم وكبريائهم إذ هم يغدرون بهم وبأل البيت ويتركوهم لظالميهم حتى إن القتلة قد ذبحوا آل البيت من الذكور ولم يرحموا أحد حتى الأطفال وشردوا نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الفلوات ثم ساقوهن فى موكب وحشى من كربلاء إلى دمشق تتقدمهن رأس سيد الشهداء على سن حربة . وكان على زين العابدين قد نجا فقد أنقذه مرضه وإستماتة عمته السيدة زينب دفاعاً عنه . وظلت تلك الذكريات المؤلمة تعيش فى فى أعماق على وصورة أبيه لا تفارق عينيه . ومن أجل ذلك رفض شيعة آل البيت فى العراق وطلبهم أن ينهض من المدينة كما نهض أبوه وصرف من إستنهضوه وظل يوصى ولديه محمد الباقر وزيداً ألا ينخدعا بإستنهاض أهل العراق ففى مأساة الحسين عبرة ولما توفى عليا ترك علما غزيرا وترك إبنه الأكبر محمد راعياً وأستاذا لإبنه الأصغر زيد .
وتعجب زيد لسكوت علماء أهل المدينة بعلمائها وفقهائها وقرّائها عن هذا الفساد الذى تموج به دولة الإسلام أنذاك وتحدث إلى جعفر إبن أخيه الأكبر محمد وكان فى مثل سنه ولكن جعفر بن محمد طلب منه أن يسكت ويصبر وبهذا نصحه أخوه الأكبر فقد رخص الله تعالى للمسلم أن يسكت على الظلم ولا ينهض لمقاومة الفساد والبغى إن هو حشى على نفسه أو عرضه أو ماله . ومات أخوه الأكبر محمد الباقر وبقى هو وإبن أخيه يتذاكران ويحفظان علوم آل البيت وقد سمع زيد خلال الحج والعمرة من رجال يعيشون فى البصرة والكوفة فأراد أن يطلب علمهم وسمع منهم أنه فى خارج المدينة يُلعن الإمام على كرم الله وجهه وزوجه فاطمة الزهراء رضى الله عنهما على منابر المسلمين بامر حكام المدينة وعلم أن هؤلاء الحكام يرتكبون كل المظالم والمعاصى التى نهى عنها الإسلام .. ورحل زيد إلى البصرة والكوفة وكانت النفوس تغلى بالسخط والرفض وقد نشأت فرق إنتشرت فى أطراف الدولة تتهم معاوية بالكفر ، وتدين الذين ايدوه وتحكم على الفقهاء الذين ناصروه وأيدوا ورثته فى الخلافة بانهم ليسوا من الله فى شئ . تفجر تيار السخط فى البصرة والكوفة وسائر الأمصار ، وأخذ أحفاد الذين اسلموا الحسين وخذلوه يستعدون للنهوض ضد حكام بنى أمية .. وأعتبروا ثورتهم توبة إلى الله مما فعلوه بالحسين وأتصلو بزيد بن على زين العابدين ، وهو فى البصرة والكوفة يختلف إلى العلماء . على أن زيد بن على زين العابدين كان ما يزال يذكر تحذير أبيه وما زالت صورة ما صنعه أهل الكوفة بجده الحسين تطوف أمام عينيه ..
وفى العراق وجد جماعات مختلفة متطرفة من شيعة آل البيت أضطرهم جور الحكام وظلمهم لآل البيت إلى المبالغة والتطرف .. وألتفوا حول زيدا .. منهم جماعة تدعى أن الوحى كان سينزل على الإمام على ولكنه أخطأ !! وأخرون يواجهون لعن على من على المنابر بصب اللعنات على الشيخين أبى بكر الصديق وعمر رضى الله عنهما !! ومنهم جماعة تعتقد أن على بن أبى طاب لم يمت ولكنه رُفع إلى السماء كعيسى بن مريم عليه السلام  وحاول زيد ان يرد تلك الجماعات إلى الصواب فلم يستطع ، وحاور رؤسائهم فأنكروا عليه رأيه ، وأتهموه انه يناصب جده الإمام على العداء فأعلن برأته منه جميعاِ .. كما فعل أخوه الأكبر وأبوه من قبل . 

رأى الأمام زيد في بعض المسائل 

رأيه فيمن يرتكب الكبيرة 

كان يرى أن إقتراف الكبيرة منزلة بين الكفر والإيمان .. ويسمى مرتكبها فاسقاً وهو مسلم لا كافر، ولكنه ليس مؤمناً ، لإن المؤمن ولى الله والكافر يعصى الله . ثم إن الإيمان يقتضى الطاعة ، ومرتكب الكبيرة عا ص ، ولكن لا يخلده الله فى العذاب ، بل يعذبه الله بقدر ذنبه .
وقد رأى الإمام فى الأمور و القضايا الجديدة التى تُستحدث وليس فى الكتاب أو السنة حكم لها فقد ذهب الإمام إلى وجوب النظر فى تشابه هذه الأمور الجديدة مع الأمور التى وردت لها أحكام فى الكتاب والسنة ، فإن تشابهت جميعاً، وتوفرت فيما لم يرد حكمه فى الكتاب والسنة .. طبق الحكم نفسه وهذا هو القياس .. على أنه إذا تعارض قياسان أحدهما ظاهر ضعيف والأخر قوى غير ظاهر ، وجب الأخذ بما هو أقوى وهذا هو الإستحسان .. فأن لم يمكن الوصول إلى حكم بعد هذا فما من سبيل إلى الوصول إلى حكم عادل بعد هذا إلا بإعمال العقل فالعقل وحده هو الذى يحكم على الأفعال بالحُسن أو القُبح ، وبما يقتضه أقتراف أيهما من ثواب أو عقاب . وكان الحكام يحاولون أن يخفوا الحكم أو الرأى ، وأن يعطلوا عمل العقل ، ليفرضوا على الأئمة قبول ما يفعلون ، زاعمين أنهم خلفاء الله فى أرضه . كان زيد يعرف أن هشام بن عبد الملك يتربص به أمثال جعفر الصادق وواصل بن عطاء و أبو حنيفة الذين أبتعدوا عن السياسة وإن لم يسلموا من أذى هشام وأعماله . وكان أيضاً يضيق بأرائه فى الفقه ، وبدعوته ألى إعمال العقل وتحرير الفكر ، وحماية إرادة الإنسان . وعلى الرغم من كل ذلك فقد خرج زيد ليجعل من الفكر حركة ، ومن الثقافة عملاً . وأعلن أنه لا يحق لمسلم أن يقبل هدية أو عطاء من حاكم مالم يكن هذا الحاكم عادلاً يحقق مصالح الأمة فأحرج بذلك عدد من الفقهاء و العلماء . ثم أذن فى الناس أن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر واجب شرعى وأصل من أصول الدين . وألتف الناس حول زيد ، ألتف أتباع البيت والفقهاء ، والفقهاء الصالحون الحريصون على دينهم والحالمون بالعدل والمجتمع الفاضل والطهارة وكل أعداء الزيف ألتفوا جميعاً حول الإمام زيد . وأخذ بعضهم يطالب الأمام زيد بأن يتقدم يسترد الإمامة وليكون هو الخليفة .. ولينتزع من أظفار البغى حق آل البيت فى إمارة المؤمنين . . وكتب هشام إلى والى العراق أن يمنع الناس من حضور مجلس زيد إلا أن الناس لم يفعلوا رغم كل شئ .

رأيه فى شروط الخلافة 

كان الإمام زيد قد صرح رأيه فى شروط الخلافة وهى ثلاث شروط :
الشرط الأول : الشورى أى لا ينفرد بالرأى ولا يستبد فى الحكم
الشرط الثانى : المبايعة أى أن يختاره الناس بإراده حره غير مكرهين
الشرط الثالث : العدل أى أن يقيم الخليفة المجتمع على قواعد الشرع ويحقق المساواه بين الناس فى الحقوق والواجبات والفرص ولا يحكم بهواه .
ولقد أدرك هشام أن هذا الرأى يهز عرشه ويكاد يدكه دكا . وأستشعر الخليفة الخطر وخشى إن هو وثب على زيد أو بطش به أن تشتعل الثورة على بنى مروان وكان زيد قد جمع الأمة حوله من الفقهاء والشباب والصالحين وأهل التقوى والفقراء ولم يبق مع الخليفة غير المرتزقة والمنتفعين والندامى والمضحكين وأشباه الرجال . ولم يفلح هشام من أن يهز صورته فى أعين الناس رغم محاولاته .. وترك زيد المدينة مرة أخرى وسافر إلى العراق ، حيث شيعة آل البيت ومثقفوها ينصرونه ويمنعونه ، وكان والى العراق أنذاك هو خالد بن عبد الله القسرى وبدلا من أن ينصب للإمام زيد الفخاخ بأمر من هشام بن عبد الملك أقام له مآدب التكريم فأمر هشام بعزله وسجنه وولى بدلا منه عتلا هو يوسف بن عمر الثقفى وهو فظ غليظ القلب سئ المكر فعذب خالد فى سجنه عذابا شديدا . وكان يريد من خالد أن يتهم زيد أنه خائن للأمانه ليشوه صورته أمام الناس ، كان يريد خالد أن يقول أنه أودع زيدا مالا فأكله عليه ولكن باءت حيلته بالفشل بحجة زيد إذ كيف يودعه مالا وهو والى العراق وقد قدم عليه زيد ضيفا .  
ورأى  زيد قصراً منيفاً باهر الغنى فاخر الرياش محلى بعقود ذهبية ، فزحفت من أعماقه أنين المطحونين ، أنه لا يحق لإحد من المسلمين أن يعيش فى مثل هذا الترف ، قبل أن يحصل كل فرد فى الدولة من مسلمين وغير مسلمين على الكفاية لا الكفاف : المطعم و الملبس والمسكن والمركب والدواء والعلم والأمن ، كل ما يكفى حاجاته المشروعة وهذا هو الإسلام الحق .
ثم صعد زيد إلى هشام ، فلما دخل عليه لم يجد موضعاً يجلس فيه ، ولم يفسح له هشام ، فجلس حيث أنتهى به المجلس ثم قال له هشام بلغنى أنك تذكر الخلافة وتتمناها وأنت إبن أمة ، إن الخليفة ليذكره بجدته أم أبيه على زين العابدين ويزرى بها .. وأم على زين العابدين كانت من بنات كسرى سُبيت وأختان لها فى عهد عمر بن الخطاب فكانت هى للحسين بن على فأولدها على زين العابدين وكانت الثانية لمحمد بن أبى بكر والثالثة لعبد الله بن عمر وعندما أستشهد الحسين أنقطعت أمرأته الفارسية تلك لتربية ولدها على ورفضت الزواج ، وكانت صغيرة السن فائقة الجمال ، حميدة الخصال . قال زيد لهشام إن لك جوابا ، فإن أحببت أجبتك به وإن أحببت أمسكت فقال هشام : بل أجب ، فقال زيد : إن الأمهات لا يقعدن بالرجال عن الغايات وقد كانت أم أسماعيل أمة لأم أخيه إسحاق ، وأخوه بن صريحة مثلك فاختاره الله عليه فأخرج من صلبه خير البشر محمد صلى الله عليه وسلم . فقال له هشام : أخرج ، قال زيد : أخرج ثم لا ترانى إلا من حيث تكره . وعرف الناس بما دار بين الخليفة وزيد فجهروا بالسخط على الخليفة ، أخذوا على الرغم من كل شئ يلعنونه فى أسواق الكوفة هو و أسلافه من الملوك  الأمويين .
وقد أقام زيد بالكوفة وبايع الناس لجهاد الظالمين ونصرة آل البيت وتداع الناس إلى بيعته حتى وصلوا أربعين ألفا فى السلاح والعتاد . ولكن أحد أبناء عمه قد نصحه خوفاً من غدر الشيعة كما غدروا بجده الحسين وقد بايعه ثمانون ألفاً ثم لم يثبت معه سوى ثلاثمائة . ولكن زيداً قد نهض وما من شئ يمكن أن يقعده وأتفق زيداً مع من بايعوه على أن يخرجوا لجهاد الظالمين فى أول صفر سنة 122 هـ
ثم إن جواسيس الخليفة هشام بن عبد الملك قد أعلموه بذلك فأتهم والى العراق أنه غافل عما يدبر زيد فأخذ والى العراق يلتمس زيداً فى كل البيوت التى يظن أنه ينزل بها فلم يجده فقبض على زعماء مؤيديه وضربهم ففزع الباقون وبدأ زعماء المبايعين يتخاذلون عن الإمام زيد خوفاً وطمعاً ونقضوا البيعة ودعوا الأخرين إلى الإنصراف عنه . ثم إن زيداً جمّع من بقى من رؤوس مؤيديه ليخرج بهم للجهاد فى أول صفر كما كانت البيعة غير أن والى العراق حبسهم فى مسجد الكوفة وأغلق  أبواب الأسواق على من فيها وأختار أوسع أصحاب زيداً نفوذاً فضرب عنقه على باب القصر وفزع الباقون وهكذا أُضطر زيداً إلى القتال قبل الموعد المحدد بشهر . ولم يجب زيداً إلا نحو مائتين وكان قد بايعه من قيل أربعون ألفاً .. مائتين من الفقهاء والمثقفين والأحرار .
وظل زيداً ينادى : أخرجوا من الذل إلى العز ، أخرجوا إلى الدين فإنكم لستم فى دين ولا دنيا فلم يخرج إليه أحد ، وتذكر مأساة جده الحسين فقال أخاف أن يكونوا قد فعلوها حسينية ، وفى الحق أن أهل العراق قد فعلوها حسينة . ثم إن الفقيه الفارس الإمام زيد تقدّم يقود نحو مائتين من فرسان الحقيقة وهم بلا مدد يقاتلون جيشاً كثيفاً موصول الأمداد وقاتلوهم ببسالة منقطعة النظير، وأنقض الألآف من عسكر الأمويين يرمون زيداً وصحبه المائتين بالسهام حتى نالوا منهم وقضوا عليهم . ثم إن الأمويين مثّلوا بجثمانه وصلبوه على جذع نخلة ...  وكانت هذه هى نهاية فقيد عظيم ؛ نهاية فاجعة كُتبت على كثير من آل البيت ؛ كما كتبت على جده أبى الشهداء الحسين بن على رضى الله عن آل البيت أجمعين ..
تعليقات
الاسمبريد إلكترونيرسالة