هو علم من أعلام الجهاد فى سبيل الله وإمام من أئمة فى ميدان تصمت فيه الألسنة الطويلة وتخطب فيه السيوف والرماح على منابر الرقاب ، أنه عالمٌ وحده فى فن القتال وإدارة الحروب أنه القائد الذى أقبل إلى تاريخه وسيرته قادةُ الدنيا ينهلون من مورده الخالد فى فن القتال وإدارة القيادة والحروب ، أنه فارس الأسلام والمسلمين وقائد المجاهدين ، أنه سيفٌ من سيوف رب العالمين بشهادة سيد المرسلين الصادق الأمين ، أنه ترياق وساوس الشياطين ، ترياق وساوس الكافرين والمنافقين ، أنه فارس قريش وصاحب أعنة الخيل فيها ، داهية العرب كافة فى عالم الكر والفر.
ونحن نتكلم عن خالد نشتاق للنصر الذى حُرمت منه الأمة أزماناً بعيدة ولكن :
لأن عرف التاريخُ أوساً وخزرجا فلله أوسٌ قادمون وخزرجُ
وإن كنوز الغيب تُخفى طلائعاً حرة رغم المكائدُ تخرجُ
ولننظر إلى الأطفال الرجال فى فلسطين الذين يقدون كلماتهم مُعطرة بدمائهم :
يا عابدُ الحرمين لو أبصرتنا لعرفت أنك فى العبادة تلعبُ
من كان يخضبُ خده بدموعهِ فنحُورونا بدماءنا تتخضبُ
ريحُ العبيرُ لكم ونحنُ عبيرُنا وهج السنابك والغبارُ الأطيبُ
من كان يُتعبُ خيلهُ فى باطلٍ فخيولُنا يومُ الصبيحةِ تتعبُ
ولقد أتانا من مقال نبينا قولٌ صحيحٌ صادقٌ لا يكذبُ
لا يستوى غبار خيلُ اللهِ فى ألف أمرءٍ ودخان نارٌ تلهبُ
فهؤلاء الأطفال جنود الله على أرض فلسطين :
من قال أن بنان الطفل يوماً ستلمسُ تاريخاً فينفجرُ
من قال إن خُطى الأطفالِ مُرعبةٌ ومن خطاهم يبدأُ السفرُ
من أين جاءوا ولم يحمل بهم نبأُ ولا تمخّض عنهم قطُ مؤتمرُ
جيلٌ من الصخر قد قُدت ملامحه ومن رماد الشظايا أورقَ الشجرُ
جيلٌ تألق فى أفاقهِ حجرٌ أستغفرُ الله بل هزَّ الورى حجرُ
وكان ما كان من صحوٍ ومن مطرٍ وأولُ الغيثُ قطرٌ ثم ينهمرُ
وقد رموا يهوداً بأحجارٍ مسومةٍ على رؤسهم ألقت بها سقرُ
وما رميتم ولكن الأله رمى فكيف يُهزمُ من باللهِ ينتصرُ
نشأته قبل الإسلام
نشأ خالد بن الوليد فى بيئة غنية مُترفة ، نشأ فى بيت الوليدُ بن المُغيرة ، والوليدُ بن المغيرة كان أغنى أهل مكة حتى كانوا يلقبونه بالوحيد ، قال بن عباس كان الوليدُ بن المغيرة يقولُ أنا الوحيد بن الوحيد لا نظير لى ولا لأبى المغيرة فى العرب.
كان الوليد ينهى أهل مكة أن يوقدوا ناراً فى منى فى الحج ويأبى أن يُطعم الحجيج كلهم فى منى أحدٌ إلا هو ، وكان عنيداً عين بعث الله محمداً وللقرءان مُكذبا وأتهم رسول الله بالسحر والقرءان بأنه كلام سحر يُفرق بين الأحبة بعضهم بعض وتوعده ربنا فى سورة المدثر : أنه فكر وقدر ... ووحيداً أى فى جاهه وثرائه وسلطانه قاله بعض المفسرون ، ووحيدا أى خلقته وحده وسيموت وحده ويُبعثُ وحده قاله بعض المفسرون وهو جائز أيضاً ، ووحيداً أى خلقته أنا وحدى ولم يخلقه أحدٌ غيرى قاله بعض المفسرون وهو جائز أيضا ولكن المعنى الأول أولى ، ثم يطمعُ أن أزيد أى فى الدنيا والأخرة و كان يقول إن كان محمد صادق فيما يقول أننا ننتقل إلى جنة فإن الجنة ما خُلقت إلا لى ويرد رب العزة كلا أنه كان لأياتنا عنيدا .
فسبحان من ربى موسى فى قصر فرعون وأخرج من صلب الوليد خالد بن الوليد وأخرج من صلب أبى جهل عكرمة بن أبى جهل وسبحان من أخرج من ظهر عقبة بن معيط أم كلثوم بنت عقبة ، سبحان من بيده القلوب وله كل شئ أسلم .
كان الوليد يبغض المصطفى بغضاً شديداً وورث خالد بن الوليد هذه الكراهية الشديدة للأسلام من أبيه ، وراض خالد نفسه على الخشونة وشظف العيش والفروسية والقتال وكان يترك هذه البيئة المترفة المُنعمة وينطلق بعيداً بعيداً إلى الصحراء المُحرقة ليتعلم الفروسية وقيادة الخيول وكان يعشق هذه البيئة بيئة الخيل والصحراء والشعاب والوديان والهضاب وراض نفسه على ذلك وكره عيش الترف والنعيم إلى أن تولى فى غزوة أحد قيادة الميمنة فى جيش المشركين بقيادة أبى سفيان الذى خرج لملاقاة النبى صلى الله عليه وسلم ليُعوضوا الهزيمة النكراء التى أبتلوا بها فى غزوة بدر الكبرى وأستطاع خالد أن يحول نصر المؤمنين إلى هزيمة بعد أن خالف بعض الرماة أمر المصطفى صلى الله عليه وسلم وتركوا الجبل ليغنموا مع الغانمين حين بدت بوادرُ النصر للمسلمين وهنا وبعينين كعينى الصقر يمتازُ بها خالدُ بن الوليد من أول لحظة إلى أخر لحظة لقى الله فيها يلتقط خالد بن الوليد هذه الثغرة الخطيرة وهذه الزّلة العسكرية الكبيرة وبسرعة خاطفة كسرعة البرق أو الضوء يُطُّوق خالد بن الوليد المسلمين المسلمين من الخلف وتحدث فتنة شديدة ويُقتل عدد كبير من المسلمين فى هذه الغزوة بعد هذه الخطفة الخالدية الجريئة بل ويتعرض النبى نفسه للقتل كما حُسمت المعركة لصالح المشركين بعد أن فرّوا بالفعل فى الصحراء ؛ بل وفى غزوة الخندق يُكلَّفُ خالد بن الوليد مع كتيبة كاملة من خيل قريش والأحزاب بقتل النبى صلى الله عليه وسلم ولكن الله سلّم وأعزّ جندهُ ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده بريحٍ لا يعلمُ قدرها وقدرتها إلا من أرسلها ، وما يعلمُ جنود ربك إلا هو وما هى إلا ذكرى للبشر ، وينصر الله المسلمين فى غزوة الأحزاب أو الخندق ؛ وفى سنة الحديبية يخرج خالد مع مائتى فارس كله همه أن يقتل النبى صلى الله عليه وسلم حتى أضطر النبى يومها أن يصلى صلاة الخوف ؛ بل حتى فى عمرة القضاء وحين عاد النبى ليطوف بالبيت بعد الحديبية كره خالد أن يرى هذا المشهد كما كره أن يرى النبى صلى الله عليه وسلم مع أصحابه يدخلون مكة ويطوفون بالبيت الحرام فماذا قرر خالد ؟ قرّر أن يترك مكة كلها وأن يخرج بعيداُ بعيداً حتى لا يرى هذا المشهد الذى يتألق بالنور والتوحيد .
إسلامه
وفى السنة الثامنة من الهجرة وقد خلا يوما الى نفسه, وأدار خواطره الرشيدة على الدين الجديد الذي تزداد راياته كل يوما تألقا وارتفاعا, وتمنّى على الله علام الغيوب أن يمدّ اليه من الهدى بسبب.. والتمعت في فؤاده الذكي بشائر اليقين, فقال:
" والله لقد استقام المنسم....
وان الرجل لرسول..
فحتى متى..؟؟
أذهب والله, فأسلم"..
ولنصغ اليه رضي الله عنه وهو يحدثنا عن مسيره المبارك الى رسول الله عليه الصلاة والسلام, وعن رحلته من مكة الى المدينة ليأخذ مكانه في قافلة المؤمنين:
".. وددت لو أجد من أصاحب, فلقيت عثمان بن طلحة, فذكرت له الذي أريد فأسرع الاجابة, وخرجنا جميعا فأدلجنا سحرا.. فلما كنا بالسهل اذا عمرو بن العاص, فقال مرحبا يا قوم,
قلنا: وبك..
قال: أين مسيركم؟ فأخبرناه, وأخبرنا أيضا أنه يريد النبي ليسلم.
فاصطحبنا حتى قدمنا المدينة أول يوم من صفر سنة ثمان..فلما اطّلعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمت عليه بالنبوّة فردّ على السلام بوجه طلق, فأسلمت وشهدت شهادة الحق..
فقال الرسول: قد كنت أرى لك عقلا رجوت ألا يسلمك الا الى خير..
وبايعت رسول الله وقلت: استغفر لي كل ما أوضعت فيه من صدّ عن سبيل الله..
فقال: ان الاسلام يجبّ ما كان قبله..
قلت: يا رسول الله على ذلك..
فقال: اللهم اغفر لخالد بن الوليد كل ما أوضع فيه من صدّ عن سبيلك..
وتقدّم عمرو بن العاص, وعثمان بن طلحة, فأسلما وبايعا رسول الله"...
ومن هذه اللحظات يدخل عالماً جديدا أذن له أن يقوم على التوحيد والأسلام تحت نبى الأسلام محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم .
غزوة مؤته
بعد ثلاثة أشهر من إسلامه يأمر النبى صلى الله عليه وسلم أن يخرج جيشاً ليناطح الصخور الصّماء فى بلاد الروم لمقاتلة الروم أو لتأديب القبائل التى إعتدت على حدود الدولة الإسلامية ويقوم النبى صلى الله عليه وسلم ليختار قادة هذا الجيش الذى يتكون من ثلاثة آلاف مقاتل لا أكثر ، والحديث رواه البخارى فى كتاب المغازى من حديث عبد الله بن عمر قال إبن عمر أمر النبى صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة بقيادة الجيش فقال فإن أُصيب زيد فجعفر فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة ، وأنطلق الجيش بهؤلاء القادة ولما وصل الجيش الكريم إلى أرض مؤته وجدوا أنفسهم أمام موقف مُذهل ومفاجأة عسكرية مذهلة فقد وجد الجيش الذى يتكون من ثلاثة آلاف مقاتل نفسه أمام جيش جرّار يزيد على 100 ألف مقاتل وأرادوا أن يرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبروه بالخبر لكن الشاعر الشهيد والبطل الكريم عبد الله بن رواحة قام بكلماته العذبة الرقيقة ليُلهب الإخلاص والحماس الصادق فى قلوب المجاهدين الصادقين قام حينما رأى الهزيمة النفسية قد تسربت إلى بعض النفوس وقد تردد الكثير من أفراد جيش المسلمين إلى قتال جيش الروم الجرّار فقام عبد الله بن رواحة ليقول : أيها الناس والله إن التى تكرهون للتى خرجتم تطلبون إنها الشهادة وما نُقاتل القوم بعدد ولا قوة ولا كثرة وما نُقاتل القوم إلا بهذا الدين الذى أكرمنا الله به فـأنطلقوا فإنها أحدى الحسنيين إمّا النصرُ أو الشهادة .... ولنذكر حديثاً فى هذا المقام وددنا أن لو نذكره : من لم يغزو ولم يُحدّث نفسه بالغزو مات ميتة الجاهلية أو مات على شعبة من النفاق ، ولله على هذه الأمة من الرحمات ما الله به أعلمُ فقد تُكتب فى الشهداء وأنت تقرأ هذه الكلمات ، كيف ذلك ؟ أصدق النية مع الله ، وقد يموتُ أخر فى ميدان القتال وهو من أهل النار ، وروى البخارى ومسلم من حديث جابر بن عبد الله قال النبى صلى الله عليه وسلم وهو فى طريق عودته من غزوة تبوك ( إن بالمدينة أقواماً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم شاركوكم الأجر قالوا وهم بالمدينة يا رسول الله قال وهم بالمدين حبسهم العذر )
يا راحلين إلى البيت العتيق لقد سرتم جسوماً وسرنا نحنُ أرواح
إنَّا أقمنا على عُذرٍ نكابدهُ ومن أقام على عُذرٍ فقد راح
فاللهم أرحم ضعفنا ,اقبل عذرنا وأجبر كسرنا يا أرحم الراحمين .
ونعود لعبد الله بن رواحة وقد حرّكت كلماته الأخلاص والحماس فى قلوب الصحابة وقُتل القائد الأول زيد بن حارثة وقبل أن تسقط الراية على الأرض إلتقطها القائد الثانى طيار الشهداء جعفر بن أبى طالب ولما قُطعت ذراعيه أمسكها بعضدتيه ولكن هيهات هيهات فالجيش جرّار فقُتل القائد الثانى وإلتقط الراية عبد الله بن رواحة ولكن هيهات هيهات فالفارق كبير والأعداءُ كُثر والحربُ طاحنة وأصحاب النبى يتساقطون كزهور حديق عصفت بها رياحٌ عاتية ويسقط اللواء على الأرض بعدما قُتل القائد الثالث ، وبعد سقوط آخر القواد شهيدا, سارع الى اللواء ثابت بن أقوم فحمله بيمينه ورفعه عاليا وسط الجيش المسلم حتى لا بعثر الفوضى صفوفه..
ولم يكد ثابت يحمل الراية حتى توجه بها مسرعا الى خالد بن الوليد, قائلا له:
" خذ اللواء يا أبا سليمان"...
ولم يجد خالد من حقّه وهو حديث العهد بالاسلام أن يقود قوما فيهم الأنصار والمهاجرون الذين سبقوه بالاسلام..
أدب وتواضع وعرفان ومزايا هو لها اهل وبها جدير!!
هنالك قال مجيبا ثابت بن أقرم:
" لا آخذ اللواء, أنت أحق به.. لك سن وقد شهدت بدرا"..
وأجابه ثابت:" خذه, فأنت أدرى بالقتال مني, ووالله ما أخذته الا لك".
ثم نادى في المسلمين: اترضون امرة خالد..؟
قالوا: نعم..
واعتلى العبقري جواده. ودفع الراية بيمينه الى الأمام كأنما يقرع أبوابها مغلقة آن لها أن تفتح على طريق طويل لاحب سيقطعه البطل وثبا..
في حياة الرسول وبعد مماته, حتى تبلغ المقادير بعبقريته الخارقة أمرا كان مقدورا...
ولّي خالد امارة الجيش بعد أن كان مصير المعركة قد تحدد. فضحايا المسلمين كثيرون, وجناهم مهيض.. وجيش الروم في كثرته الساحقة كاسح, ظافر مدمدم..
ولم يكن بوسع أية كفاية حربية أن تغير من المصير شيئا, فتجعل المغلوب غالبا, والغالب مغلوبا..
وكان العمل الوحيد الذي ينتظر عبقريا لكي ينجزه, هو وقف الخسائر في جيش الاسلام, والخروج ببقيته سالما, أي الانسحاب الوقائي الذي يحول دون هلاك بقية القوة المقاتلة على أرض المعركة.
بيد أن انسحابا كهذا كان من الاستحالة بمكان..
ولكن, اذا كان صحيحا أنه لا مستحيل على القلب الشجاع فمن أشجع قلبا من خالد, ومن أروع عبقرية وأنفذ بصيرة..؟؟!
وفى ظلام الليل فى سرعة البرق يضع خالد بن الوليد خطة مذهلة أذهلت الرومانيين سنوات طويلة بل وإلى الأن لا زالت خطةُ خالد تُدرّس فى الجامعات العسكرية فنحنُ أمام عبقرية لم تعرف ميادين القتال لها نظيراً حتى الأن ، أتى خالد بالميمنة إلى الميسرة والعكس وأخرّ المقدمة إلى الساقة أى المؤخرة والعكس وكلّف طائفة أخرى وأمرها إذا أصبح الصباح أن تتخلف وراء الجيش بمسافة وضعها بدقة وأمر هذه الطائفة إذا أصبح الصباح أن تثير الجلبة والصياح وأن تثير الغبار والتراب ليرتفع إلى عنان السماء وبدات المعركة مع بدايات الفجر المشرق وأُذهل الروم فقد وجدوا وجوهاً غير الوجوه وأعلاماً غير الأعلام وسمعوا صيحة وصراخاً ورأوا غباراً يعلو إلى عنان السماء فظن الروم أن جيشاً جيشاً جديداً ومدداً جديدا قد جاء من المدينة إلى جند المسلمين فأنسحبوا وأمتلأت قلوبهم بالفزع والرعب وأستطاع البطل العنيد أن يُحطّم فى هذه الساعة وفى هذا اليوم تسعة أسياف فى يده وأستطاع أن يفتح ثغرة لإنسحاب مأمون لجيشه وهذا إنتصار لا يعرف قدره ولا معناه إلا القاده وإستطاع ذلك ليبقى على القوة الباقية لجيش المسلمين فى هذه المعركة الطاحنة الفاصلة الحاسمة التى لا تتكافئ فى القوى بأى صورة من الصور ويرجع خالد إلى مكة وقد كُتب له النصر ولكن قبل أن يرجع خالد نرى النبى صلى الله عليه وسلم وقد وصف المعركة لإصحابة قبل أن تأتيه أنبائها من الأرض فقد جاءته من السماء والحديث فى البخارى وغيره من حديث أنس يقول أنس : نعى رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة وقال أخذ زيد الراية فأصيب ثم أخذ جعفر الراية فأصيب ثم أخذ عبد الله بن رواحة الراية فأصيب يقول أنس : وعيناه تذرفان ثم قال صلى الله عليه وسلم ( ثم أخذ الراية سيفٌ من سيوف الله حتى فتح الله عليهم 9 ومن هذا اليوم لُقب خالد بسيف الله المسلول .
فتح مكة
وتنكث قريش عهدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, فيتحرك المسلمون تحت قيادته لفتح مكة..
وعلى الجناح الأيمن من الجيش, يجعل الرسول خالدا أميرا..
ويدخل خالد مكة, واحدا من قادة الجيش المسلم, والأمة المسلمة بعد أن شهدته سهولها وجبالها. قائدا من قوّاد جيش الوثنية والشرك زمنا طويلا.. وكما كان قائداً للميمنة فى أحد هو قائد الميمنة فى فتح مكة . ويُكلّفه النبى صلى الله عليه وسلم بهدم العزى فيهدمه وهو يقول : يا عُزى كفرانك لا سبحانك إنى أرى الله قد أهانك .
حروب الردة
ويظل خالد الى جانب رسول الله, واضعا كفاياته المتفوقة في خدمة الدين الذي آمن به من كل يقينه, ونذر له كل حياته.
وبعد أن يلحق الرسول بالرفيق الأعلى, ويحمل أبو بكر مسؤولية الخلافة, وتهبّ أعاصير الردّة غادرة ماكرة, مطوقة الدين الجديد بزئيرها المصمّ وانتفاضها المدمدم.. يضع أبو بكر عينه لأول وهلة على بطل الموقف ورجل الساعة.. ألي سليمان, سيف الله, خالد بن الوليد..!!
وصحيح أن أبا بكر لم يبدأ معارك المرتدين الا بجيش قاده هو بنفسه, ولكن ذلك لا يمنع أنه ادّخر خالدا ليوم الفصل, وأن خالدا في المعركة الفاصلة التي كانت أخطر معارك الردة جميعا, كان رجلها الفذ وبطلها الملهم..
عندما بدأت جموع المرتدين تتهيأ لانجاز مؤامرتها الضخمة, صمم الخليفة العظيم أبو بكر على أن يقود جيوش المسلمين بنفسه, ووقف زعماء الصحابة يبذلون محاولات يائسة لصده عن هذا العزم. ولكنه ازداد تصميما.. ولعله أراد بهذا أن يعطي القضية التي دعا الناس لخوض الحرب من أجلها أهميّة وقداسة, لا يؤكدها في رأيه الا اشتراكه الفعلي في المعارك الضارية التي ستدور رحاها بين قوى الايمان, وبين جيوش الضلال والردة, والا قيادته المباشرة لبعض أو لكل القوات المسلمة..
ولقد كانت انتفاضات الردة بالغة الخطورة, على الرغم من أنها بدأت وكأنها تمرّد عارض..
لقد وجد فيها جميع الموتورين من الاسلام والمتربصين به فرصتهم النادرة, سواء بين قبائل العرب, أم على الحدود, حيث يجثم سلطان الروم والفرس, هذا السلطان الذي بدأ يحسّ خطر الاسلام الأكبر عليه, فراح يدفع الفتنة في طريقه من وراء ستار..!!
ونشبت نيران الفتننة في قبائل: أسد, وغطفان, وعبس, وطيء, وذبيان..
ثم في قبائل: بني غامر, وهوزان, وسليم, وبني تميم..
ولم تكد المناوشات تبدأ حتى استحالت الى جيوش جرّارة قوامها عشرات الألوف من المقاتلين..
واستجاب للمؤامرة الرهيبة أهل البحرين, وعمان, والمهرة, وواجه الاسلام أخطر محنة, واشتعلت الأرض من حول المسلمين نارا.. ولكن, كان هناك أبو بكر..!!
عبّأ أبو بكر المسلمين وقادهم الى حيث كانت قبائل بني عبس, وبني مرّة, وذبيان قد خرجوا في جيش لجب..
ودار القتال, وتطاول, ثم كتب للمسلمين نصر مؤزر عظيم..
ولم يكد الجيش المنتصر يستقر بالمدينة. حتى ندبه الخليفة للمعركة التالية..
وكانت أنباء المرتدين وتجمّعاتهم تزداد كل ساعة خطورة .. وخرج أبو بكر على رأس هذا الجيش الثاني, ولكن كبار الصحابة يفرغ صبرهم, ويجمعون على بقاء الخليفة بالمدينة, ويعترض الامام علي طريق أبا بكر ويأخذ بزمام راحلته التي كان يركبها وهو ماض امام جيشه الزاحف فيقول له:
" الى أين يا خليفة رسول الله..؟؟
اني أقول لك ما قاله رسول الله يوم أحد:
لمّ سيفك يا أبا بكر لا تفجعنا بنفسك..."
وأمام اجماع مصمم من المسلمين, رضي الخليفة أن يبقى بالمدينة وقسّم الجيش الى احدى عشرة مجموعة.. رسم لكل مجموعة دورها..
وعلى مجموعة ضخمة من تلك المجموعات كان خالد بن الوليد أميرا..
ولما عقد الخليفة لكل أمير لواءه, اتجه صوب خالد وقال يخاطبه:
" سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: نعم عبدالله. وأخو العشيرة, خالد ابن الوليد, سيف من سيوف الله. سلّه الله على الكفار والمنافقين"..والحديث رواه أحمد فى مسنده ورجاله رجال الصحيح ، وتبدأ حروب الردة عاصفة ولم يُهزم خالد فى معركة واحدة قط بإذن الله تعالى حتى جاءت المعركة الفاصلة الحاسمة معركة اليمامة بقيادة الدعى الكذاب مسيلمة الكذاب .
معركة اليمامة
هناك باليمامة كان بنو حنيفة, ومن انحاز اليهم من القبائل, قد جيّشوا أخطر جيوش الردة قاطبة, يقوده مسيلمة الكذاب. وكانت بعض القوات المسلمة قد جرّبت حظها مع جيوش مسيلمة, فلم تبلغ منه منالا.. وجاء أمر الخليفة الى قائده المظفر أن سر الى بني حنيفة.. وسار خالد.. ولم يكد مسيلمة يعلم أن ابن الوليد في الطريق اليه حتى أعاد تنظيم جيشه, وجعل منه خطرا حقيقيا, وخصما رهيبا.. والتقى الجيشان: وحين تطالع في كتب السيرة والتاريخ, سير تلك المعركة الهائلة, تأخذك رهبة مضنية, اذ تجد نفسك أمام معركة تشبه في ضراوتها زجبروتها معارك حروبنا الحديثة, وان تلّفت في نوع السلاح وظروف القتال..
ونزل خالد بجيشه على كثيب مشرف على اليمامة, وأقبل مسيلمة في خيلائه وبغيه, صفوف جيشه من الكثرة كأنها لا تؤذن بانتهاء..!!
وسّلم خالد الألوية والرايات لقادة جيشه, والتحم الجيشان ودار القتال الرهيب, وسقط شهداء المسلمين تباعا كزهور حديقة طوّحت بها عاصفة عنيدة..!!
وأبصر خالد رجحان كفة الأعداء, فاعتلى بجواده ربوة قريبة وألقى على المعركة نظرة سريعة, ذكية وعميقة..
ومن فوره أدرك نقاط الضعف في جيشه وأحصاها..
رأى الشعور بالمسؤولية قد وهن تحت وقع المفاجأة التي دهمهم بها جيش مسيلمة, فقرر في نفس اللحظة أن يشدّ في أفئدة المسلمين جميعا الى أقصاه.. فمضى ينادي اليه فيالق جيشه وأجنحته, وأعاد تنسيق مواقعه على أرض المعركة, ثم صاح بصوته المنتصر:
" امتازوا, لنرى اليوم بلاء كل حيّ".
وامتازوا جميعا..
مضى المهاجرون تحت راياتهم, والأنصار تحت رايتهم " وكل بني أب على رايتهم".
وهكذا صار واضحا تماما, من أين تجيء الهزيمة حين تجيء واشتعلت الأنفس حماسة, اتّقدت مضاء, وامتلأت عزما وروعة..
وخالد بين الحين والحين, يرسل تكبيرة أو تهليلة أو صيحة يلقى بها امرا, فتتحوّل سيوف جيشه الى مقادير لا رادّ لأمرها, ولا معوّق لغاياتها..
وفي دقائق معدودة تحوّل اتجاه المعركة وراح جنود مسيلمة يتساقطون بالعشرات, فالمئات فالألوف, كذباب خنقت أنفاس الحياة فيه نفثات مطهر صاعق مبيد..!!
لقد نقل خالد حماسته كالكهرباء الى جنوده, وحلّت روحه في جيشه جميعا.. وتلك كانت احدى خصال عبقريّته الباهرة..
وهكذا سارت أخطر معارك الردة وأعنف حروبها, وقتل مسيلمة..
وملأت جثث رجاله وجيشه أرض القتال, وطويت تحت التراب الى الأبد راية الدّعيّ الكذاب..
وفي المدينة صلى الخليفة لربه الكبير المتعال صلاة الشكر, اذ منحهم هذا النصر, وهذا البطل..
الحروب مع فارس فى العراق
وكان أبو بكر قد أدرك بفطنته وبصيرته ما لقوى الشر الجاثمة وراء حدود بلاده من دور خطير في تهديد مصير الاسلام واهله.. الفرس في العراق.. والروم في بلاد الشام..
امبرطوريتان خرعتان, تتشبثان بخيوط واهنة من حظوظهما الغاربة وتسومان الناس في العراق وفي الشام سوء العذاب, بل وتسخرهم, وأكثرهم عرب, لقتال المسلمين العرب الذين يحملون راية الدين الجديدة, يضربون بمعاوله قلاع العالم القديم كله, ويجتثون عفنه وفساده..!
هنالك أرسل الخليفة العظيم المبارك توجيهاته الى خالد أن يمضي بجيشه صوب العراق..
لقد استهلّ عمله في العراق بكتب أرسلها الى جميع ولاة كسرى ونوابه على ألوية العراق ومدائنه..
" بسم الله الرحمن الرحيم
من خالد بن الوليد.. الى مرازبة فارس..
يلام على من اتبع الهدى
أما بعد, فالحمد لله الذي فضّ خدمكم, وسلب ملككم, ووهّن كيدكم
من صلى صلاتنا, واستقبل قبلتنا, واكل ذبيحتنا فذلكم المسلم, له ما لنا وعليه ما علينا
اذا جاءكم كتابي فابعثوا اليّ بالرهن واعتقدوا مني الذمّة
والا, فوالذي لا اله غيره لأبعثن اليكم قوما يحبون الموت كما تحبون الحياة"..!!
وجاءته طلائعه التي بثها في كل مكان بأنباء الزّخوف الكثيرة التي يعدها له قوّاد الفرس في العراق, فلم يضيّع وقته, وراح يقذف بجنوده على الباطل ليدمغه.. وطويت له الأرض طيّا عجيبا.
في الأبلّة, الى السّدير, فالنّجف, الى الحيرة, فالأنبار, فالكاظمية. مواكب نصر تتبعها مواكب... وفي كل مكان تهلّ به رياحه البشريات ترتفع للاسلام راية يأوي الى فيئها الضعفاء والمستعبدون.
أجل, الضعفاء والمستعبدون من أهل البلد الذين كان الفرس يستعمرونهم, ويسومونهم سوء العذاب..
وكم كان رائعا من خالد أن بدأ زحفه بأمر أصدره الى جميع قوّاته:
" لا تتعرّضوا للفلاحين بسوء, دعوهم في شغلهم آمنين, الا أن يخرج بعضهم لقتالكم, فآنئذ قاتلوا المقاتلين".
ودخل خالد بن الوليد فى عام واحد مع الفرس خمس عشرة معركة لم يُهزم فى معركة واحدة بفضل الله جل وعلا ولقد إستطاع خالد بفضل الله فى هذا العام الواحد أن يُنجز ما عجز الرومان عن إنجازه فى عشرة أو عشرين عاما . وكانت أنباء النصر تأتى خليفة رسول الله فى المدينة فيخر ساجداً فى المسجد النبوى ويذيع أنباء النصر بين الصحابة فيقول بكلماته الجميلة عدا أسدكم على الأسد فغلبه عقمت النساء أن يلدن مثل خالد . وفى خطفة خالدية لا يقدرُ عليها إلا خالد يحينُ عليه وهو فى أوج هذه الأنتصارات فى أرض العراق يحينُ عليه موسم الحج وهو أول موسم حج يحين عليه بعد هذه الإنتصارات المتلاحقة المتتابعة ويحن قلبه لأداء هذا الركن وبسرية تامة يأتى خالدُ بن الوليد فى أسبوعين أثنيين من أعلى العراق إلى أقصى الحجاز وعلى رأس الحج خليفة رسول الله أبو بكر لا يعلم بوجوده ولا يعلم أحد من المسلمين بوجود خالد لا يعلمُ بخبره لا الأعداء ولا فرد من أفراد الجيش وحين يعلمُ الخليفةُ الراشد أبو بكر يعاتبه عتاباً رقيقاكيف يصنعُ ذلك يقول له أبو بكر : هنيئاً لك أبا سليمان فأتمم يتمم الله عليك ولا يدخلنك عُجبٌ فتخسر وتخزُل ولا تمن على أحدٍ بعمل فإن الله له المن وهو ولى الجزاء .
معركة اليرموك
كان النصر الذي أحرزه الاسلام على الفرس في العراق بشيرا بنصر مثله على الروم في الشام..
فجنّد الصدّيق أبو بكر جيوشا عديدة, واختار لامارتها نفرا من القادة المهرة, أبو عبيدة بن الجراح, وعمرو بن العاص, ويزيد بن أبي سفيان, ثم معاوية بن أبي سفيان..
وعندما نمت أخبار هذه الجيوش الى امبراطور الروم نصح وزراءه وقوّاده بمصالحة المسلمين, وعدم الدخول معهم في حرب خاسرة..
بيد أن وزراءه وقوّاده أصرّوا على القتال وقالوا:
" والله لنشغلنّ أبا بكر على أن يورد خيله الى أرضنا"..
وأعدوا للقتال جيشا بلغ قوامه مائتي ألف مقاتل, وأ{بعين ألفا.
وأرسل قادة المسلمين الى الخليفة بالصورة الرهيبة للموقف فقال أبو بكر:
" والله لأشفينّ وساوس الروم بترياق وساوس الشياطين والله لأشفين وساوسهم بخالد "
وتلقى ترياق الوساوس.. وساوس التمرّد والعدوان والشرك, تلقى أمر الخليفة بالزحف الى الشام, ليكون أميرا على جيوش الاسلام التي سبقته اليها..
وما اسرع ما امتثل خالد وأطلع, فترك على العراق المثنّى بن الحارثة وسار مع قواته التي اختارها حتى وصل مواقع المسلمين بأرض الشام, وأنجز بعبقريته الباهرة تنظيم الجيش المسلم وتنسيق مواقعه في وقت وجيز, وبين يدي المعركة واللقاء, وقف في المقاتلين خطيبا فقال بعد أن حمد ربه وأثنى عليه:
" ان هذا يوم من أيام الله, لا ينبغي فيه الفخر ولا البغي..
أخلصوا جهادكم وأريدوا الله بعملكم, وتعالوا نتعاور الامارة, فيكون أحدنا اليوم أميرا, والآخر غدا, والآخر بعد غد, حتى يتأمّر كلكم وأتركوا لى الأمارة فى اليوم الأول"...
هذا يوم من أيام الله..
ما أروعها من بداية..!!
لا ينبغي فيه الفخر ولا البغي..
وهذه أكثر روعة وأوفى ورعا!!
ولم تنقص القائد العظيم الفطنة المفعمة بالايثار, فعلى الرغممن أن الخليفة وضعه على رأس الجيش بكل أمرائه, فانه لم يشا أن يكون عونا للشيطان على أنفس أصحابه, فتنازل لهم عن حقه الدائم في الامارة وجعلها دولة بينهم..
اليوم أمير, ودغا أمي رثان.. وبعد غد أمير آخر..وهكذا..
كان جيش الروم بأعداده وبعتاده, شيئا بالغ الرهبة..
لقد أدرك قوّاد الروم أن الزمن في صالح المسلمين, وأن تطاول القتال وتكاثر المعارك يهيئان لهم النصر دائما, من أجل ذلك قرروا أن يحشدوا كل قواهم في معركة واحدة يجهزون خلالها على العرب حيث لا يبقى لهم بعدها وجود, وما من شك أن المسلمين أحسّوا يوم ذاك من الرهبة والخطر ما ملأ نفوسهم المقدامة قلقا وخوفا..
ولكن ايمانهم كان يخفّ لخدمتهم في مثل تلك الظلمات الحالكات, فاذا فجر الأمل والنصر يغمرهم بسناه..!!
ومهما يكن بأس الروم وجيوشهم, فقد قال أبو بكر, وهو بالرجال جدّ خبير:
" خالد لها".!!
وقال:" والله, لأشفينّ وساوسهم بخالد".
فليأت الروم بكل هولهم, فمع المسلمين الترياق..!!
عبأ ابن الوليد جيشه, وقسمه الى فيالق, ووضع للهجوم والدفاع خطة جديدة تتناسب مع طريقة الروم بعد أن خبر وسائل اخوانهم الفرس في العراق.. ورسم للمعركة كل مقاديرها..
ومن عجب أن المعركة دارت كما رسم خالد وتوقع, خطوة خطوة, وحركة حركة, حتى ليبدو وكأنه لو تنبأ بعدد ضربات السيوف في المعركة, لما أخطأ التقدير والحساب..!!
كل مناورة توقعها من الروم صنعوها..
كا انسحاب تنبأ به فعلوه..
وقبل أن يخوض القتال كان يشغل باله قليلا, احتمال قيام بعض جنود جيشه بالفرار, خاصة أولئك الذين هم حديثو العهد بالاسلام, بعد أن رأى ما ألقاه منظر جيش الروم من رهبة وجزع..
وكان خالد يتمثل عبقرية النصر في شيء واحد, هو الثبات..
وكان يرى أن حركة هروب يقوم بها اثنان أو ثلاثة, يمكن أن تشيع في الجيش من الهلع والتمزق ما لا يقدر عليه جيش العدو بأسره...
من أجل هذا, كان صارما, تجاه الذي يلقي سلاحه ويولي هاربا..
وفي تلك الموقعة بالذات موقعة اليرموك, وبعد أن أخذ جيشه مواقعه, دعا نساء المسلمين, ولأول مرّة سلّمهن السيوف, وأمرهن, بالوقوف وراء صفوف المسلمين من كل جانب وقال لهن:
" من يولّي هاربا فاقتلنه"..
وكانت لفتة بارعة أدت مهمتها على أحسن وجه..!!
وقبيل بدء القتال طلب قائد الروم أن يبرز اليه خالد ليقول له بضع كلمات ..
وبرز اليه خالد, حيث تواجها فوق جواديهما في الفراغ الفاصل بين الجيشين..
وقال ماهان قائد الروم يخاطب خالدا"
" قد علمنا أنه لم يخرجكم من بلادكم الا الجوع والجهد..
فان شئتم, أعطيت كل واحد منكم عشرة دنانير, وكسوة, وطعاما, وترجعون الى بلادكم, وفي العام القادم أبعث اليكم بمثلها".!!
وضغط خالد الرجل والبطل على أسنانه, وأدرك ما في كلمات قائد الروم من سوء الأدب..
وقرر أن يردذ عليه بجواب مناسب, فقال له:
وقبيل بدء القتال طلب قائد الروم أن يبرز اليه خالد ليقول له بضع كلمات ..
وبرز اليه خالد, حيث تواجها فوق جواديهما في الفراغ الفاصل بين الجيشين..
وقال ماهان قائد الروم يخاطب خالدا"
" قد علمنا أنه لم يخرجكم من بلادكم الا الجوع والجهد..
فان شئتم, أعطيت كل واحد منكم عشرة دنانير, وكسوة, وطعاما, وترجعون الى بلادكم, وفي العام القادم أبعث اليكم بمثلها".!!
وضغط خالد الرجل والبطل على أسنانه, وأدرك ما في كلمات قائد الروم من سوء الأدب..
وقرر أن يردذ عليه بجواب مناسب, فقال له:
" انه لم يخرجنا من بلادنا الجوع كما ذكرت, ولكننا قوم نشرب الدماء, وقد علمت أنه لا دم أشهى وأطيب من دم الروم, فجئنا لذلك"..!!
ولوة البطل زمام جواده عائدا الى صفوف جيشه. ورفع اللواء عاليا مؤذنا بالقتال..
" الله أكبر"
" هبّي رياح الجنة"..
كان جيشه يندفع كالقذيفة المصبوبة.
ودار قتال ليس لضراوته نظير..
وأقبل الروم في فيالق كالجبال..
وبجا لهم من المسلمين ما لم يكونوا يحتسبون..
ورسم المسلمون صورا تبهر الألباب من فدائيتهم وثباتهم..
فهذا أحدهم يقترب من أبي عبيدة بن الجرّاح رضي الله عنه والقتال دائر ويقول:
" اني قد عزمت على الشهادة, فهل لك من حاجة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبلغها له حين ألقاه"؟؟
فيجيب أبو عبيدة:
" نعم قل له: يا رسول الله انا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا".
ويندفع الرجل كالسهم المقذوف.. يندفع وسط الهول مشتاقا الى مصرعه ومضجعه.. يضرب بسيفه, ويضرب بآلاف السيوف حتى يرتفع شهيدا..!!
وهذا عكرمة بن أبي جهل..
أجل ابن أبي جهل..
ينادي في المسلمين حين ثقلت وطأة الروم عليهم قائلا:
" لطالما قاتلت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يهدني الله الاسلام, افأفرّ من أعداء الله اليوم"؟؟
ثم يصيح:" من يبايع على الموت"..
فيبايعه على الموت كوكبة من المسلمين, ثم ينطلقون معا الى قلب المعركة لا باحثين عن النصر, بل عن الشهادة.. ويتقبّل الله بيعتهم وبيعهم,
فيستشهدون..!!
وكتب الله النصر لخالد وفى أوج هذه الإنتصارات يتوفى أبو بكر ويتولى الخلافة عمر بن الخطاب ويأتى البريد يحمل كتاب خليفة خليفة رسول الله بأمر عمر بعزل خالد من القيادة العامة وتولية أبى عبيدة وأسمعها من عمر قال لا أمير على أبى عبيدة قالها لعمرو بن العاص ولما بعث عمر كتيبة إلى الأنصار قال : إنى لم أعزل خالد بن الوليد عن سخط ولا عن خيانة ولكن رأيتُ الناس فُتنوا به فخشيتُ أن يوكلوا إليه فأحببتُ أن يعلموا أن الصانعَ هو الله وألا يكونوا بعرض فتنة وهذا توحيد عمر وهذا فهمه وتلك عبقريته ، بل لقد قال عمر وهو على فراش الموت حين قالوا ألا تولى بعدك أحد فقال عمر والله لو أدركت أبا عبيدة لوليته فلئن سألنى ربى لقلت له عزوجل سمعتُ عبدك وخليلك يقول لكل أمة أميناً وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح ووالله لو أدركت خالد بن الوليد لوليته فلئن لقيتُ ربى فسألنى لمّا وليت خالد بن الوليد لقلت له عزوجل سمعت عبدُك وخليلُك يقول خالد بن الوليد سيفٌ من سيوفِ الله سلّلهُ الله على المشركين والمنافقين والحديث كل رواته ثقات إلا أبا العجماء فإنه مختلف فيه وقد وثّقه بن حبان وإبن معين والدارقطنى وغيرهم وهذا هو عمر فلا ينبغى أبداً لأى عقل سفيه أن يقول إن عمر قد عزل خالد بن الوليد لحقد فى صدره على خالد ، يا سادة هذا لا يليقُ بنا نحن أحاد المسلمين فكيف بأصحاب النبى وقد ربّاهم المصطفى صلى الله عليه وسلم وكفى .
وفاته
وها هو خالد بعد رحلة مضنية ها هو خالد ينامُ على فراش الموتا فى بيته فيبكى ويقول لقد شهدتُ كذا وكذا زحفاً وهأنذا وليس فى جسدى موضع شبر إلا وفيه ضربة بسيف أو رمية بسهم أو طعنة برمح وهأنذا أموتُ على فراش حتفى ألقى كما يموت البعير فلا نامت أعينُ الجبناء . فلمسيرتك المجد أبا سليمان ولذكراك الخلد يا خالد ووالله لقد إشتاقت قلوبُنا وقلوب أمتنا إليك يا خالد فما أحوج الأمة الأن إلى خالد وما ذلك على الله بعزيز وكما قلنا فى البداية :
فلئن عرف التاريخُ أوساً وخزرجا فلله أوسٌ قادمون وخزرجُ
وإن كنوزَ الغيبِ تُخفى طلائعاً حرة رغم المكائدُ تخرجُ
رضى الله عن أبا سليمان خالد بن الوليد وجمعنا به مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم فى جناتٍ ونهر فى مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر . والله المستعان ؛