U3F1ZWV6ZTE3NDMwODE4MzA4MTc5X0ZyZWUxMDk5Njg2NzQ0NjUyNQ==
أبحث فى جوجل
أبحث فى جوجل
إعلان

الإمام حعفر الصادق ( ملخص كتاب أئمة الفقه التسعة لعبد الرحمن الشرقاوى )



هو الإمام جعفر بن محمد الباقر على زين العابدين بن الحسين بن على بن أبى طالب رضى الله عنهم الذى أشتهر بجعفر الصادق وذلك لأنه كان صافى النفس ، واسع الأفق ، مُرهف الحس ، متوقد الذهن ، كبير القلب يلتمس فى غضبه الأعذار للأخرين ، حاد البصيرة ضاحك السن ، مُضئ القسمات ، عذب الحديث ، حلو المعشر ، سباقاً إلى الخير ، براً طاهراً ، صادق الوعد تقياً . جده لأمه هو أبى بكر الصدّيق وجده لأبيه هو الإمام على وهو نسب لم يجتمع لأحد غيره . وُلد فى المدينة سنة 80 هـ ومات فيها سنة 148 هـ . وكان مع هذا الحسب متواضعاً لله وقد وعى منذ طفولته نصيحة أبيه الإمام محمد الباقر : ما دخل فى قلب أمرئٍ شئ من الكبر إلا نقص من عقله مثل ما دخل . كان عالماً جليلاً يتقن التفسير و يحفظ الأحاديث و السنة من أوثق مصادرها وقد أتاح له ذلك أن يكشف ما وضعه المزيفون تزلّفاً للحاكمين أو خدمة لطرف من أطراف السياسة . وكان عصر الأمام جعفر مشوباً بالأسى تخضب الرايات المنتصرة فيه دماء الشهداء من آل البيت ويطغى الأنين الفاجع على عربدة الحكام . كان عصر الفتوحات الرائعة والفزع العظيم والدموع حيث إضطهاد آل البيت من حكام الدولة الأموية . وكانت المنابر تئن بلعنات الإمام على وزوجه الزهراء إلى أن جاء الخليفة الأموى العادل عمر بن عبد العزيز فتبرأ إلى الله من هذا العار ، وأمر الخطباء أن يتلوا بدلا من لعن الإمام على فى ختام خطبة الجمعة الأية الكريمة التى ما زالت تتلى إلى الأن : إن الله يأمر بالعدل ... الأية وطابت نفس جعفر كما طابت نفوس الصالحين وأهل التقوى والعلم بما صنعه الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز .
وورث جعفر عن أبيه معارفه وعلومه وتوقيره لأل البيت ولصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ومات محمد الباقر وأبنه محمد فى نحو الخامسة و الثلاثين ، وقد أتقن معارف أهل آل البيت وأهل السنة وقد ترسّخت فى عقله نصائح أبيه : إياك والكسل والضجر فإنهما مفتاح كل شر . إنك إن كسلت لم تؤد حقاً وأن ضجرت لم تصبر على حق . إن طلب العلم مع أداء الفرائض خيرٌ من الزهد . إذا صحب العالم الأغنياء فهو صاحب دنيا ، وإذا لزم السلطان من غير ضرورة فهو لص . إياك أن تصاحب خمسة ولا تحادثهم ولا ترافقهم فى طريق : الفاسق و البخيل و الكذاب والأحمق وقاطع الرحم ، لأن الفاسق يبيعك بأدنى متعة ، والبخيل يقطع المال حين الحاجة ، والكذاب كالسراب يُبعد القريب ويُقرّب البعيد ، والأحمق يريد أن ينفع فيضر ، وقاطع الرحم ملعون فى كتاب الله . وقد هداه عكوفه على دراسة القرأن والحديث إلى أن واجب المسلم أن يؤمن عن إقتناع وتدبر وتفكر فى ظواهر الحياة والكون ، فهى دليله إلى الإيمان بوحدانية الله .. وهداه هذا التفكير إلى الإهتمام بعلوم الطبيعة و الكيمياء والفلك و الطب و النبات و الأدوية لأنها علوم تحقق مصالح الناس ، وتحرر الفكر ، وتهديه إلى الإيمان العميق الحق الراسخ . وقد تتلمذ على يديه فى علوم الكيمياء جابر بن حيان .
كانت  الثورة ضد حكام الدولة الأموية تشتد إلى أن سقطت ثم أرسل الثوار رسالة إلى جعفر الصادق يطالبونه فيها أن يقبل البيعة ليصبح هو الخليفة ولكن رفض ، وكان يقول : من طلب الرياسة هلك . على أن الرياسة ظلت تطلبه وهو يرفض . ثم بايع الناس أبا العباس حفيد عبد الله بن عباس وبدأ عصر الدولة العباسية . ولما مات أبو العباس ورثه الخليفة المنصور .. إذ بمنافقى الدولة الأموية يحيطون بالمنصور ويوسوسون له بالأراء نفسها ، وإذ بهم يوهمونه أنه فوق الحساب لأنه ظل الله فى الأرض حتى لقد جعل المنصور يحمل الناس على تقبيل الأرض بين يديه .. ثم وصل فجور هؤلاء المرتزقة إلى آخر مدى ، فلقد شرعوا البغى وأحدثوا خرقاً فى الإسلام ، ووضعوا الأحاديث النبوية لخدمة الطبقة الحاكمة ، وحكم الصادق على العهد الجديد بمن يمثلونه ويفيدون منه .

كان الإمام على غزارة علمه متواضعاً رقيقاً مع كل من يعرف ومن لا يعرف .. وكم تلقى من إساءات من بعض الحمقى والأغبياء وذوى النفوس المعقدة أو الضمائر العفنة أو ذوى الفظاظة ، فما قابلها إلا بالإبتسام أو الصبر ، وكان يتمثل قول الله تعالى : وأعرض عن الجاهلين . وكان يكره الخصومة ويسعى جهده إلى الصلح فإن عرف أن هناك خصومة على مال تبرع من ماله خُفية ليعطى طالب  المال ، وكان يقول : لا يتم المعرف إلا بثلاثة : بتعجيله وتصغيره وستره .
ناضل الإمام الصادق لإقرار التسامح الدينى ولإرساء قواعد شريفة للتعامل بين المسلمين وأهل الكتاب من نصارى ويهود . ولصدق الإمام وصفائه فى التعامل مع الحياة و الناس والأشياء ، ولرقته وعذوبته وتسامحه ولإشراقه الروحى الرائع وذكائه المتوقد الخارق ولجسارته فى الدفاع عن الحق وقوته على الباطل ولطهارته وسموه وخلقه العظيم إلتف الناس حوله على إختلاف آرائهم ، والحق يقال لم يجمع الناس على حب أحد فى ذلك العصر كما أجمعوا على حب الإمام الصادق .
وأخذ الخليفة العباسى المنصور يراقب الإمام جعفر متوجساً من جيشان العواطف نحوه وإعجاب الناس به . وكان المنصور يعرف بتجربته الخاصة أن الإمام جعفر بن محمد عازف عن الإشتغال بالسياسة ولكن المنصور مع ذلك ما كان ليستريح لإلتفاف الناس حوله فى كل مكان فى المدينة حيث يقيم ، وفى العراق حيث يعلّم الناس ويحاور الزنادقة و الملحدين وأصحاب الأراء الذين يخالفونه فى أمور الدين وقد أرسل إليه الخليفة المنصور أحد فصحاء الزنادقة ليُحاوره فعجز هيبةً من الإمام .
كانت جماعات الزهد فى عصر بنى أًمية تحبب الناس إلى الفقر وتدعوهم إلى العزوف عن الدنيا وذلك حتى لا يحاسبوا الحكام بثرائهم الفاحش ، وشجّع بنو العباس هذا الإتجاه إلى الزهد حتى لقد قويت الدعوة إلى الإنصراف عن هموم الحياة ، ورأى الإمام أن هذه الدعوة تزيد الأغنياء غنى والفقراء فقراً وأنها ليست من الله فى شئ .. فهى تزيّن للفرد ألا يهتم بمصلحة الأمة ، وألا يحاسب الحكام ، وتتيح للحكام أن يعطلوا الشورى وهى أساس الحكم فى الإسلام . ومضى الإمام الصادق يناقش الزاهدين فالزهد كما يفهمه الإمام الصادق هو ( الإكتفاء بالحلال لا التجرد من الحرام ) .. ثم إنه أخذ ينشر من فتاوى الإمام على وأقضيته ما حرص الحكام المستغلون على إخفائه .. فأفتى بأنه لا يحق لمسلم أن يدّخر أكثر من قوت عام إذا كان فى الأمة صاحب حاجة .. حاجة إلى طعام أو مسكن أو كساء أو علاج أو دواء أو ما يركبه . وكان إستبداد الخليفة المنصور قد إستشرى ، وكما فعل الحكام الأمويين من قبل ، بطش المنصور بكل من يخالف رأيه ووجه بطشه إلى آل البيت ، وقد إستدعى الإمام جعفر إلى العراق أتهمه بأنه يريد الخلافة فقال الصادق ( والله ما فعلت شيئاً من ذلك ، لقد كُنت فى ولاية بنى أُمية وأنت تعلم بأنهم أعدى الخلق لنا وإنهم لا حق لهم فى هذا الأمر ، فوالله ما بغيت عليهم ولا بلغهم عنى شئ مع جفائهم الذى كان لى فكيف أصنع هذا الأن وأنت إبن عمى وأمس الخلق بى رحماً ) فقال المنصور : أظنك صادقاً . وعاد الإمام الصادق إلى المدينة مٍُكرماً .
ومن عحب أن المنصور على الرغم من ضيقه بأراء الإمام ما كان يملك إلا أن يبجّله ، ويقول عنه أنه ( بحر موّاج لا يدرك طرفه ولا يبلغ عمقه ) ولكنه حاول أن يُحرج الإمام الصادق فاستدعى أبا حنيفة النعمان وقال (له فتن الناسَ جعفر بن محمد فهئ له من المسائل الشداد ) ثم إستدعاهما وجلس الناس ، وما أنفك أبو حنيفة يسأل الإمام فى أربعين مسألة فيقول فيها رأى فقهاء الحجاز ورأى فقهاء العراق ورأى فقهاء ال البيت ورأيه هو ، وطرب أبا حنيفة وقال عن الإمام الصادق ( إنه أعلم الناس فهو أعلمهم بإختلاف الفقهاء ) و صحبه أبو حنيفة بعد ذلك سنتين يتلقى عنه العلم ، وقد قال : لولا السنتان لهلك النعمان . وكان الصادق يعتمد فى حواره على الأدلة العلمية وعلى الإستقراء والإستنباط لا على المسلمات . وقد نادى بتحكيم العقل حيث لا يوجد حكم فى الكتاب أو السنة .. فبما أن هدف الشريعة هو تحقيق المصلحة للبشر ، وبما أن العقل قادر على معرفة الخير و الشر وتمييز الحسن من القبيح فإن العقل يهدى إلى ما فيه المنفعة و الخير فيؤخذ ، و ما فيه الضرر فيُترك . وهكذا عاش الإمام فى المدينة يُعلّم الناس ويجتهد فى إستنباط أصول الفقه .. وعلى الرغم من أراء الصادق لم تكن تروق المنصور فقد كان الخليفة حريصاَ على أن يُقرّب منه الإمام جعفر إلا أن الإمام لا يريد ذلك وقد قال له ( ليس لنا ما نخافك من أجله ولا عندك من أمر الأخرة ما نرجوه ، ولا أنت فى نعمة فنهنئك ولا نراها نقمة فنعزيك ) فكتب إليه المنصور تصحبنا لتنصحنا فأجابه الإمام الصادق ( من أراء الدنيا لا ينصحك ، ومن أراد الأخرة لا يصحبك ) فلم يرق هذا للمنصور وأتهمه بجمع الزكاة وهذا أمر لا يجوز إلا للسلطان وجاء له بشاهد زور ، ولكن الجميع يعرف أن الإمام صادق ، ثم إن شاهد الزور كبر عليه أن يشهد زوراً على الصادق وروّعه ذلك ثم لم يجد الخليفة راضياً عنه فسقط ميتاً ، ثم دعى الإمام له بالرحمة وحطت ذبابة على وجه الخليفة لم يفلح فى إبعادها إذ كانت تعود فتحط على وجهه فسأل الصادق : لماذا خلق الله الذباب؟ فقال الإمام ليذل به الجبابرة . فقال له الخليفة متلطفاً : سر من غدك إلى حرم جدك إن إخترت ذلك ، وإن إخترت المقام عندنا لم نأل فى إكرامك وبرك فوالله لا قيلت قول أحد فيك بعدها أبداً ) فخرج الإمام إلى المدينة وهو إذ ذاك شيخٌ قد جاوز الخامسة والستين وأقام بالمدينة لا يبرحها يعلم الناس ويفقههم فى أمور دينهم ، ثم مات الإمام فى الثامنة والستين ولما علم الخليفة أخذ يبكى حتى إخضلت لحيته وهو يقول ( إن سيد الناس وعالمهم وبقية الأخيار منهم توفى . إن جعفر ممن قال الله فيهم : ثم أورثنا الكتاب الذين إصطفينا من عبادنا . رحم الله الإمام رحمة واسعة .


تعليقات
الاسمبريد إلكترونيرسالة