أبو عبيدة بن الجراح رجل من طراز عمر فهو الزاهد الأمين العادل الراشد التقى العابد الخاشع الذكى فارس الفرسان القوى العنيد وقائد الأبطال الفارس العنيد وهو رجل الأمانة والفلاح رجل التقى والصلاح أبو عبيدة بن الجراح .
أبو عبيدة أمين الأمة
روى البخارى ومسلم فى صحيحيهما من حديث أنس ومن حديث حذيفة بن اليمان أنه صلى الله عليه وسلم قال إن لكل أمة أميناً وإن أميننا أيتها الأمة أبو عبيدة بن الجراح ) وليس معنى هذا أن غيره من الصحابة الكرماء الأمناء لا يتصفون بهذا الصفة ولكنه خص بمزيد من هذه الصفة كما قال الحافظ بن حجر وإلا فإن النبى صلى الله عليه وسلم قد خصّ كل صحابى بميزة ومنقبة وخص أبو عبيدة بتلكم المنقبة واى منقبة انها الأمانة وأنظر لخطاب النبى لجميع الأمة حتى أخر رجل تقوم عليه الساعة فإن أبو عبيدة أمين الأمة إلى قيام الساعة . وفى رواية أخرى فى الصحيحين من حديث حذيفة بن اليمان لما أقبل وفد نجران على النبى صلى الله عليه وسلم وكان الوفد نصرانياً جاء هذا الوفد إلى النبى وصالح النبى وطلب هذا الوفد من النبى أن يبعث إليهم رجلاً أميناً ليأخذ أموال الصلح الذى تم الأتفاق عليه ولكن الوفد طلب من النبى طلباً هو فى الحقيقة طلب غريب فقالوا للنبى صلى الله عليه وسلم إبعث إلينا رجلاً أميناً وقال صلى الله عليه وسلم لأبعثن إليكم رجلاً أميناً حق أمين وفى رواية مسلم كررها النبى مرتين وفى رواية ئفاستشرف لها الناس ثم قال النبى صلى الله عليه وسلم قم يا أبا عبيدة ثم قال صلى الله عليه وسلم إن لكل أمة أميناً وأمين هذه الأمة أبو عبيدة إبن الجراح وفى صحيح مسلم من حديث أنس لما قدم وفد اليمن إلى النبى قالوا يا رسول الله إبعث إلينا رجلاً يعلمنا والسنة والأسلام فقال صلى الله عليه وسلم أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح وبعث معهم أبا عبيدة .
ماذا تعرف عن أبو عبيدة
أبو عبيدة بن الجراح هو أحد العشرة المبشرين بالجنة وأحد الثمانية الذين سبقوا بالأسلام وأحد الخمسة الذين أسلموا على يد أبى بكر وهو الرجل الذى قال فى حقه عمر وهو يختار أهل الشورى لو كان أبو عبيدة حى لأستخلفته لأنه مات فى عهد عمر و قد قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وهو يجود بأنفاسه :( لو كان أبوعبيدة بن الجراح حيا لاستخلفته فان سألني ربي عنه ، قلت : استخلفت أمين الله ، وأمين رسوله ) وقال فى حقه معاذ بن جبل أنه لمن خير من يمشى على الأرض ، وأبو عبيدة بكل عمله ومناقبة يأتى فى ميزان أبى بكر لأنه كما ذكرنا أحد الخمسة الذين أسلموا على يد أبى بكر وهؤلاء الخمسة العظام هو : عثمان بن عفان وطلحة بن عبد الله والزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبى وقاص وأبو عبيدة خامسهم وهولاء الخمسة العظماء سيأتون فى ميزان أبى بكر كما ستأتى الأمة كلها وعلى رأسها أبى بكر فى ميزان الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وذلك لحديث النبى صلى الله عليه وسلم فى صحيح مسلم من حديث أبى هريرة : من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من يتبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شئ ومن دعا إلى ضلالة كان له من الأثم مثل آثام من يتبعه لا ينقص ذلك من من آثامهم أو أوزارهم شئ . وقد أسلم أبو عبيدة قبل أن يدخل النبى دار الأرقم بن أبى الأرقم ونال نصيبه من أذى المشركين فاضطر للهجرة إلى الحبشة وفى السنة الخامسة من النبوة ترامت الأنباء إلى الموحدين فى أرض الحبشة ومنهم أبو عبيدة أن المشركين قد سجدوا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بيت الله الحرام فظن أبو عبيدة وإخواننا هناك أن المشركين قد أسلموا ووحدو الله عز وجل وحديث سجود المشركين خلف رسول الله رواه البخارى مختصراً فى صحيحه قال سجد النبى صلى الله عليه وسلم بالنجم وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والأنس ، فلما سمع أبو عبيدة بذلكم الخبر الذى حدث حقيقة وأنكره المشركون بعدما فعلوه ترك أبو عبيدة البحبشة وعاد إلى مكة وإلإن شئت قل لم يستطع فراق النبى صلى الله عليه وسلم وبعد ذلك هاجر إلى يثرب – المدينة – مع المسلمين .
قائد الأوفياء
غزوة بدر ( عدو أباه )
في غزوة بدر جعل أبو ( أبو عبيدة ) يتصدّى لأبي عبيدة ، فجعل أبو عبيدة يحيد عنه ، فلمّا أكثر قصدَه فقتله ، فأنزل الله هذه الآية
قال تعالى :"( لا تجدُ قوماً يؤمنون بالله واليومِ الآخر يُوادُّون مَنْ حادَّ الله ورسوله ولو كانوا آباءَ هُم أو أبناءَ هم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتبَ في قلوبهم الأيمان ")
غزوة أحد ( فدائى رسول الله )
يقول أبوبكر الصديق -رضي الله عنه-:( لما كان يوم أحد ، ورمي الرسول -صلى الله عليه وسلم- حتى دخلت في وجنته حلقتان من المغفر ، أقبلت أسعى الى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وانسان قد أقبل من قبل المشرق يطير طيرانا ، فقلت : اللهم اجعله طاعة ، حتى اذا توافينا الى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اذا هو أبوعبيدة بن الجراح قد سبقني ، فقال : ( أسألك بالله يا أبا بكر أن تتركني فأنزعها من وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- )فتركته ، فأخذ أبوعبيدة بثنيته احدى حلقتي المغفر ، فنزعها وسقط على الأرض وسقطت ثنيته معه ، ثم أخذ الحلقة الأخرى بثنيته الأخرى فسقطت ، فكان أبوعبيدة في الناس أثرم ) وقيل بعدما كُسرت ثنيته والله ما رؤى هتماً قط أجمل وأحسن من هتم أبو عبيدة :
أعطوا ضريبتهم للدين من دمهم ، ونحنُ نزعمُ نصرث الدين مجاناأعطوا ضريبتهم صبراً على محنٍ ، صاغت بلالاً وعماراً وسلمانا ، عاشوا على الحبِ أفواهً وأفئدةً باتوا على البؤس والنعماء إخوانا ، الليل يعرفه يبكون فى وجلٍ ، والحربُ تعرفهم فى الخطب فرساناً ، والله يعرفهم أنصارُ دعوتهم ، والناسُ تعرفهم للحقٍ إخوانا
غزوة الخبط ( كرامة الفقيه )
أرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- أباعبيدة بن الجراح أميرا على ثلاثمائة وبضعة عشرة مقاتلا ، وليس معهم من الزاد سوى جراب تمر ، والسفر بعيد ، فاستقبل أبوعبيدة واجبه بغبطة وتفاني ، وراح يقطع الأرض مع جنوده وزاد كل واحد منهم حفنة تمر ، وعندما قل التمر أصبح زادهم تمرة واحدة في اليوم ، وعندما فرغ التمر راحوا يتصيدون ( الخبط ) أي ورق الشجر فيسحقونه ويسفونه ويشربون عليه الماء ، غير مبالين الا بانجاز المهمة ، لهذا سميت هذه الغزوة بغزوة الخبط . ورأو دابة ميتة تسمى العنبر قد ساقها البحر إليهم فلما رأها أبو عبيدة قال لا ميتة لا تأكلوها ثم تغير إجتهاده وهذا هو الفهم والفقه فقال أبو عبيدة نحن رسل الله وفى حاجة الله ورسوله وقد أضطررنا فكلوا ( فن إضطر غير باغ ولا عاد ... ) هذا هو الفهم فأذن لهم بالأكل وفى رواية قال جابر فأقمنا عليها شهرا وفى رواية أخرى فى الصحيح فأكلنا منها خمسة عشر يوما فلما عدنا وأخبرنا النبى صلى الله عليه وسلم قال صلى الله عليه وسلم هذا رزقٌ أخرجه الله عزوجل لكم هل بقى معكم شئ من لحمه فتطعون ويعلق الأمام النووى على هذه الكلمات النبوية الرقيقة الجميلة ويقول أراد النبى صلى الله عليه وسلم بهذه المبالغة فى أن يبين لهم أنه لحمٌ حلال يقولُ جابر فأرسلنا منه إلى النبى صلى الله عليه وسلم فأكل وهذه كرامة من الله لأبى عبيدة والصحابة معه ، من غير جهد يرسل الله لهم هذا الرزق السمين الضخم حتى قال جابر فأكلنا منه وأدّهنا من ودكه حتى سمنت أبداننا .
معركة اليرموك
في أثناء قيادة خالد -رضي الله عنه- معركة اليرموك التي هزمت فيها الامبراطورية الرومانية توفي أبوبكر الصديق -رضي الله عنه- ، وتولى الخلافة بعده عمر -رضي الله عنه- ، وقد ولى عمر قيادة جيش اليرموك لأبي عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمة وعزل خالدوصل الخطاب الى أبى عبيدة فأخفاه حتى انتهت المعركة ، ثم أخبر خالدا بالأمر ، فسأله خالد :( يرحمك الله أباعبيدة ، ما منعك أن تخبرني حين جاءك الكتاب ؟)فأجاب أبوعبيدة :( اني كرهت أن أكسر عليك حربك ، وما سلطان الدنيا نريد ، ولا للدنيا نعمل ، كلنا في الله أخوة ) وأصبح أبوعبيدة أمير الأمراء بالشام ولما فُتح بيت المقدس على يد أبى عبيدة وقد أصر أهل بيت المقدس على ألا يتم الصلح وألا يسلموا مفاتيح بيت المقدي إلا لأمير المؤمنين عمر إبن الخطاب ويُرسل ابو عبيدة خطاباً إلى عمر فيأتى عمر فى موكب مهيب فى تواضعه خادمٌ ودابةُ واحدة مع عمر الذى جاء من المدينة ليتسلم بيت المقدس ويمر عمر فى بركة ماء ويخلع نعليه فيراه أبو عبيده فيقول يا امير المؤمنين ما أحب أن القوم أستشرفوك أى لا أحب أن يراك القومُ هكذا وأنت على هذه الحالة لتستلم بيت المقدس فيقول أميرُ المؤمنين عمر أوه يا أبا عبيدة لو يقولها غيرك يا أبا عبيدة لقد كنا أذل قوم فأعزنا الله بالأسلام فمهما أبتغينا العزة فى غيره أذلنا الله وفى بعض الروايات فى الطبرانى وغيره أن عمر بن الخطاب لمّا أقبل قال أين اخى وقالوا ومن أخى قال أبا عبيدة فأقبل إليه ابو عبيدة فلما رأى أبو عبيدة عمر اسرع إليه أبو عبيدة ليقبل يده فأنكفأ عمر ليقبل رجل أبا عبيدة فكف عمر فكف أبو عبيدة .
وفاة البطل
حل الطاعون بعمواس وسمي فيما بعد "طاعون عمواس" وكان أبوعبيدة أمير الجند هناك فخشي عليه عمر من الطاعون فكتب اليه يريد أن يخلصه منه قائلا : (اذا وصلك خطابي في المساء فقد عزمت عليك ألا تصبح الامتوجها الي واذا وصلك في الصباح ألا تمسي الا متوجها الي فان لي حاجة اليك) وفهم أبوعبيدة المؤمن الذكي قصد عمر وانه يريد أن ينقذه من الطاعون فكتب الى عمر متأدبا معتذرا عن عدم الحضور اليه وقال : ( لقد وصلني خطابك يا أمير المؤمنين وعرفت قصدك وانما أنا في جند من المسلمين يصيبني ما أصابهم فحللني من عزمتك يا أمير المؤمنين) ولما وصل الخطاب الى عمر بكى فسأله من حوله :(هل مات أبوعبيدة ؟) فقال :(كأن قد)والمعنى أنه اذا لم يكن قد مات بعد والا فهو صائر الى الموت لا محالة اذ لا خلاص منه مع الطاعون
كان أبو عبيـدة -رضي الله عنه- في ستة وثلاثيـن ألفاً من الجُند ، فلم يبق إلاّ ستـة آلاف رجـل والآخرون ماتوا،مات أبوعبيـدة -رضي الله عنه- سنة (18) ثماني عشرة للهجرة في طاعون عمواسوقبره في غور الأردنرحمه الله وأسكنه الفردوس الأعلى.
Comments