U3F1ZWV6ZTE3NDMwODE4MzA4MTc5X0ZyZWUxMDk5Njg2NzQ0NjUyNQ==
أبحث فى جوجل
أبحث فى جوجل
إعلان

الرد على أهل الباطل بفاتحة الكتاب



إشتمال الفاتحة على الرد على جميع المبطلين من أهل المِلل والنِّحل والرد على أهل البدع والضلال من هذه الأمة :

وهذا يُعلم بطريقتين : مُجمل ومُفصّل 

المُجمل : أن الطريق أو الصراط المستقيم هو طراط الله ورسله لا صراط المغضوب عليهم ولا الضالين ؛ فهو طريق السنّة والجماعة . فكل علم أو عمل أو حقيقة أو حال أو مقام خرج من مشكاة نبوته وعليه السكة المحمدية بحيث يكون من ضرب المدينة فهو من الصراط المستقيم وما لم يكن كذلك فهو من صراط أهل الغضب والضلال فما ثم خروج عن هذه الطرق الثلاث: طريق الرسول صلى الله عليه وسلم وما جاء به وطريق أهل الغضب وهي طريق من عرف الحق وعانده وطريق أهل الضلال وهي طريق من أضله الله عنه . ولا ريب أن ما كان عليه رسول الله وأصحابه علما وعملا وهو معرفة الحق وتقديمه وإيثاره على غيره فهو الصراط المستقيم.
وأما المفصل: فبمعرفة المذاهب الباطلة واشتمال كلمات الفاتحة على إبطالها فنقول:
الناس قسمان: مقر بالحق تعالى وجاحد له فتضمنت الفاتحة إثبات الخالق تعالى والرد على من جحده بإثبات ربوبيته تعالى للعالمين.
وتأمل حال العالم كله علويه وسفليه بجميع أجزائه: تجده شاهدا بإثبات صانعه وفاطره ومليكه فإنكار صانعه وجحده في العقول والفطر بمنزلة إنكار العلم وجحده لا فرق بينهما بل دلالة الخالق على المخلوق والفعال على الفعل والصانع على أحوال المصنوع عند العقول الزكية المشرقة العلوية والفطر الصحيحة أظهر من العكس.
فالعارفون أرباب البصائر يستدلون بالله على أفعاله وصنعه إذا استدل الناس بصنعه وأفعاله عليه ولا ريب أنهما طريقان صحيحان كل منهما حق والقرآن مشتمل عليهما.
فأما الإستدلال بالصنعة فكثير وأما الإستدلال بالصانع فله شأن وهو الذي أشارت إليه الرسل بقولهم لأممهم 14:10 {أَفِي اللَّهِ شَكّ} أي أيشك في الله حتى يطلب إقامة الدليل على وجوده؟ وأي دليل أصح وأظهر من هذا المدلول فكيف يستدل على الأظهر بالأخفى؟ ثم نبهوا على الدليل بقولهم {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْض}.
وسمعت شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية قدس الله روح يقول: كيف يطلب الدليل على من هو دليل على كل شيء؟ وكان كثيرا ما يتمثل بهذا البيت
وليس يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل
ومعلوم أن وجود الرب تعالى أظهر للعقول والفطر من وجود النهار ومن لم ير ذلك في عقله وفطرته فليتهمها.


 تفصيل الرد على المبطلين 

الرد على الملاحدة 

والملاحدة أو أهل الإلحاد هم القائلين بوحدة الوجود وأنه ما ثم وجود قديم خالق ووجود حادث مخلوق بل وجود هذا العالم هو عين وجود الله وهو حقيقة وجود هذا العالم فليس عند القوم رب وعبد ولا مالك ومملوك ولا راحم ومرحوم ولا عابد ومعبود ولا مستعين ومستعان به ولا هاد ولا مهدي ولا منعم ولا منعم عليه ولا غضبان ومغضوب عليه بل الرب هو نفس العبد وحقيقته والمالك هو عين المملوك والراحم هو عين المرحوم والعابد هو نفس المعبود وإنما التغاير أمر اعتباري بحسب مظاهر الذات وتجلياتها فتظهر تارة في صورة معبود كما ظهرت في صورة فرعون وفي صورة عبد كما ظهرت في صورة العبيد وفي صورة هاد كما في صورة الأنبياء والرسل والعلماء والكل من عين واحدة بل هو العين الواحدة فحقيقة العابد ووجوده أو إنيته هي حقيقة المعبود ووجوده وإنيته.
والفاتحة من أولها إلى آخرها تبين بطلان قول هؤلاء الملاحدة وضلالهم.

المُقرّون بأن الله هو صانع العالم

وهم نوعان
النوع الأول : وهو من ينفى مباينة الله لخلقه (أى مغايرته وإنفصاله وتفرده عن خلقه بذاته كما تفرد بصفاته) وهؤلاء يقولون : لا مباين ولا محايث ولا داخل العالم ولا خارجه ولا فوقه ولا تحته ولا عن يمينه ولا عن يساره ولا خلفه ولا أمامه ولا فيه ولا بائن عنه.
وترد الفاتحة على هؤلاء من خلال إثبات صفة الربوبية لله (رب العالمين) فإن الربوبية المحضة تقتضي مباينة الرب للعالم بالذات كما باينهم بالربوبية وبالصفات والأفعال فمن لم يثبت ربا مباينا للعالم فما أثبت رباً
فإنه إذا نفى المباينة لزمه أحد أمرين لزوما لا انفكاك له عنه ألبتة إما أن يكون هو نفس هذا العالم وحينئذ يصح قوله فإن العالم لا يباين ذاته ونفسه ومن ههنا دخل أهل الوحدة وكانوا معطلة أولا واتحادية ثانيا.
وإما أن يقول: ما ثم رب يكون مباينا ولا محايثا (المحايث أى الموجود فى الكون كله) ولا داخلا ولا خارجا كما قالته الدهرية المعطلة للصانع.
وأما هذا القول الثالث المشتمل على جمع النقيضين: إثبات رب مغاير للعالم مع نفي مباينته للعالم وإثبات خالق قائم بنفسه لا في العالم ولا خارج العالم ولا فوق العالم ولا تحته ولا خلفه ولا أمامه ولا يمنته ولا يسرته: فقول له خبىء والعقول لا تتصوره حتى تصدق به فإذا استحال في العقل تصوره فاستحالة التصديق به أظهر وأظهر وهو منطبق على العدم المحض والنفي الصرف وصدقه عليه أظهر عند العقول والفطر من صدقه على رب العالمين.
فضع هذا النفي وهذه الألفاظ الدالة عليه على العدم المستحيل ثم ضعها على الذات العلية القائمة بنفسها التي لم تحل في العالم ولا حل العالم فيها ثم انظر أي المعلومين أولى به؟
واستيقظ لنفسك وقم لله قومة مفكر في نفسه في الخلوة في هذا الأمر متجرد عن المقالات وأربابها وعن الهوى والحمية والعصبية صادقا في طلب الهداية من الله فالله أكرم من أن يخيب عبدا هذا شأنه وهذه المسألة لا تحتاج إلى أكثر من إثبات رب قائم بنفسه مباين لخلقه بل هذا نفس ترجمتها.

المثبتون للخالق 

وهم نوعان أيضاً ( أهل توحيد وأهل إشراك)
وأهل الإشراك نوعان (أهل إشراك فى ربوبيته وأهل إشراك فى إلهيته)
النوع الأول من أهل الإشراك (مُشركى الربوبية)
وهم المجوس ومن ضاهاهم من القدرية
وأهل إشراك الربوبية يُثبتون مع الله خالقاً أخر ، فأما المجوس فهم يُثبتون مع الله خالقاً أخر وإن لم يقولوا إنه مُكافئ له ، وأمّا القدرية المجوسية فهم يُثبتون مع الله خالقين للأفعال بمعنى أن أفعال العباد ليست مقدورة لله ولا مخلوقة لهم وإنما هى محض إرادة العبد وتصدر من العبد بمحض إرادته ومشيئته دون مشيئة الرب (تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً )
رد الفاتحة على هؤلاء
من خلال قوله (رب العالمين) فربوبية الله ربوبية مطلقة شاملة فهى ربوبية لجميع ما فى العالم من الذوات والأفعال والصفات والحركات .
من خلال قوله (الحمد لله ) أن في عموم حمده ما يقتضي حمده على طاعات خلقه إذ هو المعين عليها والموفق لها وهو الذي شاءها منهم كما قال في غير موضع من كتابه 76:30 {وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} فهو محمود على أن شاءها لهم وجعلهم فاعليها بقدرته ومشيئته فهو المحمود عليها في الحقيقة وعندهم (أى القدرية) أنهم هم المحمودون عليها ولهم الحمد على فعلها وليس لله حمد على نفس فاعليتها عندهم ولا على ثوابه وجزائه عليها.
وفي قوله {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} رد ظاهر عليهم إذ استعانتهم به إنما تكون عن شيء هو بيده وتحت قدرته ومشيئته فكيف يستعين من بيده الفعل وهو موجده إن شاء أوجده وإن شاء لم يوجده بمن ليس ذلك الفعل بيده ولا هو داخل تحت قدرته ولا مشيئته؟.
وفي قوله {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} أيضا رد عليهم فإن الهداية المطلقة التامة هي المستلزمة لحصول الإهتداء ولولا أنها بيده تعالى دونهم لما سألوه إياها وهي المتضمنة للإرشاد والبيان والتوفيق والإقدار وجعلهم مهتدين وليس مطلوبهم مجرد البيان والدلالة كما ظنته القدرية لأن هذا القدر وحده لا يوجب الهدى ولا ينجي من الردى وهو حاصل لغيرهم من الكفار الذين استحبوا العمى على الهدى واشتروا الضلالة بالهدى.
النوع الثاني: أهل الإشراك به في إلهيته
وهم المقرون بأنه وحده رب كل شيء ومليكه وخالقه وأنه ربهم ورب آبائهم الأولين ورب السماوات السبع ورب العرش العظيم وهم مع هذا يعبدون غيره ويعدلون به سواه في المحبة والطاعة والتعظيم وهم الذين اتخذوا من دون الله أندادا فهؤلاء لم يوفوا {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} حقه وإن كان لهم نصيب من (نعبدك) لكن ليس لهم نصيب من {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} المتضمن معنى: لا نعبد إلا إياك حبا وخوفا ورجاء
وطاعة وتعظيما ف {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} تحقيق لهذا التوحيد وإبطال للشرك في الإلهية كما أن {إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} تحقيق لتوحيد الربوبية وإبطال للشرك به فيها وكذلك قوله {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} فإنهم أهل التوحيد وهم أهل تحقيق {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} وأهل الإشراك: هم أهل الغضب والضلال.

الرد على الجهمية مُعطلة الصفات 

والجهية تنفى صفات الكمال عن الله وتعطل صفاته العليا وأسمائه الحسنى . والفاتحة ترد على هؤلاء من وجوه :
إثبات الحمد الكامل له ( الحمد لله ) ولا يُحمد إلا كاملاً
إثبات صفة الرحمة له (الرحمن الرحيم ) وما يتضمن من إثبات الصفات التى تستلزمها .
إثبات صفات الربوبية والإلهية (الله رب العالمين ) اللتان تستلزمان جميع صفات الفعل وجميع أوصاف الكمال .


تضمنها : الرد على الجبرية 

الجبرية هم من يزعمون أن أفعال الإنسان قدرية لا دخل له فيها ، وبهذا فإن الله لا يُعاقب العبد على أفعال ليست من إختياره أو أفعال هو مجبور عليها .
والفاتحة ترد على هؤلاء من خلال إثبات صفة الحمد ( الحمد لله رب العالمين ) فإن الله يُعاقب المُسئ من عباده على نفس الفعل الذى فعله حقيقة لأن حمد الله يقتضى أن لا يُعاقب عبيده على ما لا قدرة لهم فيه .
إذن الحمد لله تنفى الجبرية وتدحضها .
ترد الفاتحة أيضاً على هؤلاء من خلال صفة الرحمة (الرحمن الرحيم ) لأن إثبات الرحمة لله والرحمانية ينفى ما يزعمه الجبرية من تُرّهات .
ترد الفاتحة أيضاً على الجبرية من خلال صفتى العبادة والإستعانة حيث أن نسبة العبادة والإستعانة المذكورة فى الفاتحة من العباد لرب العباد إنما هى نسبة حقيقية لا مجازية فالعبد حقيقة هو العابد وهو المستعين .

الرد على القائلين بالموجب بالذات دون الإختيار والمشيئة

 (أى أنهم قالوا أن الله موجود بذاته ولكن لا تصرف له ولا إختيار فى أفعال العباد)
والرد على هؤلاء المبطلين من وجوه أربع :
أولاً من إثبات حمده ( الحمد لله ) إذ كيف يُحمد من ليس مُختاراً لوجوده ، ولا هو بمشيئته وفعله فالفاعل يُحمد بقدرته ومشيئته على أفعاله الحميدة .
ثانياً : من إثبات ربوبيته (رب العالمين ) فالربوبية تقتضى فعله بمشيئته وإختياره وتدبيره وقدرته.
ثالثاً : إثبات ملكه (مالك يوم الدين ) فحصول ملك لمن لا إختيار له ولا فعل ولا مشيئة غير معقول (أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون)
رابعاً من كونه مستعانا (وإياك نستعين) فإن الإستعانة بمن لا اختيار له ولا مشيئة ولا قدرة محال.
خامساً : من كونه مسئولا أن يهدي عباده (إهدنا الصراط المستقيم ) فسؤال من لا اختيار له محال وكذلك من كونه منعما

الرد على منكرى تعلق علمه بالجزيئات 

أحدها: كمال حمده وكيف يستحق الحمد من لا يعلم شيئا من العالم وأحواله وتفاصيله ولا عدد الأفلاك ولا عدد النجوم ولا من يطيعه ممن يعصيه ولا من يدعوه ممن لا يدعوه؟.
الثاني: أن هذا مستحيل أن يكون إلها وأن يكون ربا فلا بد للإله المعبود والرب المدبر من أن يعلم عابده ويعلم حاله.
الثالث: من إثبات رحمته فإنه يستحيل أن يرحم من لا يعلم.
الرابع: إثبات ملكه فإن ملكا لا يعرف أحدا من رعيته ألبتة ولا شيئا من أحوال مملكته ألبتة ليس بملك بوجه من الوجوه.
الخامس: كونه مستعانا.
السادس: كونه مسئولا أن يهدي سائله ويجيبه.
السابع: كونه هاديا.
الثامن: كونه منعما.
التاسع: كونه غضبانا على من خالفه.
العاشر: كونه مجازيا يدين الناس بأعمالهم يوم الدين.
فنفي علمه بالجزيئات مبطل لذلك كله.


أحدها: إثبات حمده التام فإنه يقتضي كمال حكمته وأن لا يخلق خلقه عبثا ولا يتركهم سدى لا يؤمرون ولا ينهون ولذلك نزه الله نفسه عن هذا في غير موضع من كتابه وأخبر أن من أنكر الرسالة والنبوة وأن يكون ما أنزل على بشر من شيء فإنه ما عرفه حق معرفته ولا عظمه حق تعظيمه ولا قدره حق قدره بل نسبه إلى ما لا يليق به ويأباه حمده ومجده.
فمن أعطى الحمد حقه علما ومعرفة وبصيرة استنبط منه "أشهد أن محمدا رسول الله" كما يستنبط منه "أشهد أن لا إله إلا الله" وعلم قطعا أن تعطيل النبوات في منافاته للحمد كتعطيل صفات الكمال وكإثبات الشركاء والأنداد.
الثاني: إلهيته وكونه إلها فإن ذلك مستلزم لكونه معبودا مطاعا ولا سبيل إلى معرفة ما يعبد به ويطاع إلا من جهة رسله.
الثالث: كونه ربا فإن الربوبية تقتضي أمر العباد ونهيهم وجزاء محسنهم بإحسانه ومسيئهم بإساءته هذا حقيقة الربوبية وذلك لا يتم إلا بالرسالة والنبوة.
الرابع: كونه رحمانا رحيما فإن من كمال رحمته: أن يعرف عباده نفسه وصفاته ويدلهم على ما يقربهم إليه ويباعدهم منه ويثيبهم على طاعته ويجزيهم بالحسنى وذلك لا يتم إلا بالرسالة والنبوة فكانت رحمته مقتضية لها.
الخامس: ملكه فإن الملك يقتضي التصرف بالقول كما أن الملك يقضي التصرف بالفعل فالملك هو المتصرف بأمره وقوله فتنفذ أوامره ومراسيمه حيث شاء والمالك هو المتصرف في ملكه بفعله والله له الملك وله الملك فهو المتصرف في خلقه بالقول والفعل.
وتصرفه بقوله نوعان: تصرف بكلماته الكونية وتصرف بكلماته الدينية وكمال الملك بهما.
فإرسال الرسل: موجب كمال ملكه وسلطانه وهذا هو الملك المعقول في فطر الناس وعقولهم فكل ملك لا تكون له رسل يبثهم في أقطار مملكته فليس بملك.
وبهذه الطريق يعلم وجود ملائكته وأن الإيمان بهم من لوازم الإيمان بملكه فإنهم رسل الله في خلقه وأمره.
السادس: ثبوت {يَوْمِ الدِّينِ} وهو يوم الجزاء الذي يدين الله فيه العباد بأعمالهم خيرا وشرا وهذا لايكون إلا بعد ثبوت الرسالة والنبوة وقيام الحجة التي بسببها يدان المطيع والعاصي.
السابع: كونه معبودا فإنه لا يعبد إلا بما يحبه ويرضاه ولا سبيل للخلق إلى معرفة ما يحبه ويرضاه إلا من جهة رسله فإنكار رسله إنكار لكونه معبودا.
الثامن: كونه هاديا إلى الصراط المستقيم وهو معرفة الحق والعمل به وهو أقرب الطرق الموصلة إلى المطلوب فإن الخط المستقيم هو أقرب خط موصل بين نقطتين وذلك لا يعلم إلا من جهة الرسل فتوقفه على الرسل ضروري أعظم من توقف الطريق الحسى على سلامة الحواس.
التاسع: كونه منعما على أهل الهداية إلى الصراط المستقيم فإن إنعامه عليهم إنما تم بإرسال الرسل إليهم وجعلهم قابلين الرسالة مستجيبين لدعوته وبذلك ذكرهم منته عليهم وإنعامه في كتابه.
العاشر: انقسام خلقه إلى منعم عليهم ومغضوب عليهم وضالين فإن هذا الإنقسام ضروري بحسب إنقسامهم في معرفة الحق والعمل به إلى عالم به عامل بموجبه وهم أهل النعمة وعالم به معاند له وهم أهل الغضب وجاهل به وهم الضالون هذا الإنقسام إنما نشأ بعد إرسال الرسل فلولا الرسل لكانوا أمة واحدة فانقسامهم إلى هذه الأقسام مستحيل بدون الرسالة وهذا الإنقسام ضروري بحسب الواقع فالرسالة ضرورية.
وقد تبين لك بهذه الطريق والتي قبلها: بيان تضمنها للرد على من أنكر المعاد الجسماني وقيامة الأبدان وعرفت اقتضاءها ضرورة لثبوت الثواب والعقاب والأمر والنهي وهو الحق الذي خلقت به وله السماوات والأرض والدنيا والآخرة وهو مقتضى الخلق والأمر ونفيه نفي لهما.


فإن حقيقة الرسالة: تبليغ كلام المرسل فإذا لم يكن ثم كلام فماذا يبلغ الرسول صلى الله عليه و سلم بل كيف يعقل كونه رسولا؟ ولهذا قال غير واحد من السلف: من أنكر أن يكون الله متكلما أو يكون القرآن كلامه فقد أنكر رسالة محمد صلى الله عليه وسلم بل ورسالة جميع الرسل التي حقيقتها: تبليغ كلام الله تبارك وتعالى ولهذا قال منكرو رسالته عن القرآن 74:24 25 {إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ، إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ} وإنما عنوا القرآن المسموع الذي بلغوه وأنذروا به.
فمن قال: إن الله لم يتكلم به فقد ضاهأ قوله قولهم تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
أحدها: إثبات حمده فإنه يقتضي ثبوت أفعاله لا سيما وعامة مواد الحمد في القرآن أو كلها إنما هي على الأفعال وكذلك هو ههنا فإنه حمد نفسه على ربوبيته المتضمنة لأفعاله الإختيارية ومن المستحيل مقارنة الفعل لفاعله هذا ممتنع في كل عقل سليم وفطرة مستقيمة فالفعل متأخر عن فاعله بالضرورة.
وأيضا فإنه متعلق الإرادة والتأثير والقدرة ولا يكون متعلقها قديما ألبتة.
الثاني: إثبات ربوبيته للعالمين وتقريرما ذكرناه والعالم كل ما سواه فثبت أن كل ما سواه مربوب والمربوب مخلوق بالضرورة وكل مخلوق حادث بعد أن لم يكن فإذا ربوبيته تعالى لكل ماسواه تستلزم تقدمه عليه وحدوث المربوب ولا يتصور أن يكون العالم قديما وهو مربوب أبدا فإن القديم مستغن بأزليته عن فاعل له وكل مربوب فهو فقير بالذات فلا شيء من المربوب بغنى ولا قديم.
الثالث: إثبات توحيده فإنه يقتضي عدم مشاركة شيء من العالم له في خصائص الربوبية والقدرة من خصائص الربوبية فالتوحيد ينفى ثبوته لغيره ضرورة كما ينفى ثبوت الربوبية والإلهية لغيره.


والرافضة هم من يبغضون السنة ويعادونها ويُعادون أهلها
وفاتحة الكتاب ترد عليهم من قوله {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} إلى آخرها.
ووجه تضمنه إبطال قولهم: أنه سبحانه قسم الناس إلى ثلاثة أقسام (منعم عليهم) وهم أهل الصراط المستقيم الذين عرفوا الحق واتبعوه (ومغضوب عليهم) وهم الذين عرفوا الحق ورفضوه و (ضالون) وهم الذين جهلوه فأخطأوه فكل من كان أعرف للحق وأتبع له: كان أولى بالصراط المستقيم.
ولا ريب أن أصحاب رسول صلى الله عليه و سلم ورضي الله عنهم هم أولى بهذه الصفة من الروافض فإنه من المحال أن يكون أصحاب رسول صلى الله عليه و سلم ورضي الله عنهم جهلوا الحق وعرفه الروافض أو رفضوه وتمسك به الروافض.
ثم إنا رأينا آثار الفريقين تدل على أهل الحق منهما فرأينا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتحوا بلاد الكفر وقلبوها بلاد إسلام وفتحوا القلوب بالقرآن والعلم والهدى فآثارهم تدل على أنهم هم أهل الصراط المستقيم ورأينا الرافضة بالعكس في كل زمان ومكان فإنه قط ما قام للمسلمين عدو من غيرهم إلا كانوا أعوانهم على الإسلام وكم جروا على الإسلام وأهله من بلية وهل عاثت سيوف المشركين عباد الأصنام من عسكر هولاكو وذويه من التتار إلا من تحت رءوسهم؟ وهل عطلت المساجد وحرقت المصاحف وقتل سروات المسلمين وعلماؤهم وعبادهم وخليفتهم إلا بسببهم ومن جرائهم؟ ومظاهرتهم للمشركين والنصارى معلومة عند الخاصة والعامة وآثارهم في الدين معلومة.
فأي الفريقين أحق بالصراط المستقيم؟ وأيهم أحق بالغضب والضلال إن كنتم تعلمون؟.


Comments
NameEmailMessage