رسالة لمن بلغ عمره ستين عاما
نصائح
أقدمها لإبائنا من بلغوا الستين وهى فى كتاب (يا صاحب الستين) لعلى بن سعيد بن
دعجم :
يقول الكاتب
يقول الكاتب
هذه بعض المحاذير التي لا تنبغي في هذا
السن بالذات، والتصريح بها أولى من التلميح أو التعميم، وذك لوجودها عند البعض ...
قيل لحكيم: أي شيء أشد؟ قال: دنو أجل وسوء عمل .
1 - كثرة المزاح والكلام فيما لا ينفع في
الآخرة والاشتهار به،
أو كثرة القصص والأخبار الدنيوية قليلة
الفائدة والتي زاحم حفظها حفظ القرآن والسنة، فتجد أحدهم يحفظ مئات القصص والأخبار
والاشعار التي لن تنفعه في الآخرة يوم عرض الأعمال، فتمنى الواحد زيادة حسنة أو
نقص سيئة، ولكن هيهات، بل إنه ربما لا يحفظ جزءا من القرآن أو بعض الأحاديث أو
شيئا من سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - والصالحين في كل زمان ومكان.
2 - بذل الشهادة لكل من طلبها دون تأكد أو
تثبت، وربما كانت بمقابل مالي أو معنوي في غير حق وبر، بل ربما شهادة زور أو قول
زور يختم به حياته بما يغضب الله، ويلحق بهذا المحذور: الأيمان الكاذبة (الغموس)
على أمر من أمور الدنيا كبير أو صغير.
3 - التصابي والتجمل المبالغ فيه، لدرجة
الوقوع في محظورات شرعية كحلق اللحية أو التخفيف الشديد منها، أو الصبغ بالسواد
وغيرها من الأمور التي لا تحسن بالشاب المسلم فكيف بالشيخ الكبير، ولينظر بأي حال
يريد أن يلقى الله وهو عليه في هيئته ومنظره ومخبره، فإنه (يُبعث كل عبدٍ على ما
ماتَ عليه) رواه مسلم.
قال هشام بن الحكم الثقفي: كان يقال: خمسة
أشياء تقبح بالرجل: الفتوة في الشيوخ، والحرص في القراء، وقلة الحياء في ذوي
الأحساب، والبخل في ذوي الأموال، والحدة في السلطان .
4 - التعلق بالشهوات والإكثار من
المباحات، كالتوسع في المناكح والمطاعم والمشارب والنوم الكثير نهاراً، والسهر
ليلاً على ملهيات ومشغلات عن الله تعالى وعن معالي الأمور.
5 - صحبة من لا تزيد صحبته إلا نقصا ممن
لا يذكر إلا بالدنيا وملذاتها وحطامها الزائل، ولقد أمر الله تعالى بصحبة الصادقين
فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ
الصَّادِقِينَ} [التوبة:119] قال الطبري: وكونوا في الدنيا من أهل ولاية الله
وطاعته تكونوا في الآخرة مع الصادقين في الجنة، يعني مع من صدق الله الإيمان به .
ونهى - صلى الله عليه وسلم - عن صحبة غير المؤمن فقال: «لا تصاحب إلا مؤمنا» .
وقال الإمام طاووس رحمه الله لابنه: يا
بني صاحب العقلاء
تنسب إليهم وإن لم تكن منهم، ولا تصاحب
الجهال فتنسب إليهم .
6 - كثرة الأسفار والرحلات غير المفيدة،
وأشد من ذلك المحرمة أو التي تؤدي إلى محرم في مثل ما يسمى بالسياحة الخارجية
والسفر إلى بلاد الإباحية والانحلال الخلقي لتمتيع ناظريه أو ما هو أسوأ من ذلك،
أو أن يبرر لنفسه بأنه يعوض ما فاته كما يخدعه الشيطان.
7 - زيادة الهلع والقلق على أمور المعاش،
خصوصا إذا كان ذلك بعد انخفاض في موارده المالية بسبب التقاعد أو غيره، وليوقن
بقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها» .
وليحذر البخل والشح حال صحته واستطاعته
وبالذات في آخر حياته، ولما سئل - صلى الله عليه وسلم - عن أي الصدقة أفضل؟ قال:
«أن تصدق وأنت صحيح شحيح تأمل العيش وتخشى الفقر ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم»
وفي لفظ: «وأنت حريص تأمل الغنى» أي قاربت الروح الحلقوم، والشح: بخل مع حرص،
والتصدق في الحياة وفي الصحة أفضل منه بعد الموت (أي بالوصية) وفي المرض، لأنه في
حال الصحة يصعب عليه إخراج المال غالبا، لما يخوفه به الشيطان ويزين له من إمكان
طول العمر والحاجة إلى المال .
8 - البدء في مشاريع ضخمة تستهلك وقته
وجهده دون مشاركة أحد من أبناءه له في التنفيذ أو المتابعة بل لقد سمعتُ كثيرا من
الآباء يشكو أبناءه: أنهم لا يساعدونه في شيء من تلك الأعمال وإنما قام بها من
أجلهم، حتى إن بعضهم لما يئس من مساعدتهم قام بتصفيتها بأقل من تكلفتها الحقيقية
نادماً على ما أضاع فيها من جهود وأوقات، عازماً على الاستمتاع بما بقي من طاقته
وماله فيما يحب هو.
ما ينبغي لصاحب الستين
فما فوق
إن المرء المسلم ينبغي له أن يكون على ما
يحبه الله تعالى في كل وقت، شابا كان أو شيخاً، لكن الأمر أكثر تأكيدا في حق كبير
السن.
لقد ذهب أكثر العمر في شأن الدنيا ولم يبق
إلا القليل جداً من العمر فلنجعله أو أكثره في شأن الآخرة، فإنها والله الحياة
الحقيقية كما قال تعالى: {وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ}
[العنكبوت:64] والمعنى: (لهي دار الحياة التي لا موت فيها، ولا تنغيص يشوبها كما
يشوب الحياة الدنيا) .
ولأن الغالب (أن الشيخ قد حفظ العلوم
والتجارب الكثيرة ومارس الأمور ودربها وكثرت تجاربه، وهذه الأحوال تعينه على وجوه
الفكر وقوة النظر، فقامت مقام النقصان الحاصل بسبب ضعف البدن والقوى) .
فإن المطلوب منه تجاه الآخرين: بذلُ الرأي
الحسن والمشورة الصادقة والتعليم النافع لمن دونه، فذلك منتظر منه أكثر من غيره.
أما تجاه نفسه: فالاجتهاد في الذكر
والاستغفار وألوان العبادة وملء الوقت بها مطلوب أكثر ممن هو دونه في السن.
ولئن كان يطلب كل ذلك ممن بلغ هذا العمر
فإنه لا يعني التبتل وترك الدنيا تماماً، فإن ذلك مخالف للفطرة التي فطر الله
الناس عليها، ولكن المطلوب مزيد عناية بأمر الآخرة الباقية، والتخفف من الدنيا
العاجلة الفانية.
جاء عند البخاري أن - صلى الله عليه وسلم
- قال: «لا يزال قلب الكبير شاباً في اثنتين: في حب الدنيا، وطول الأمل».
وقال: «يكبر ابن آدم ويكبر معه اثنتان: حب
المال وطول العمر» وعند مسلم: «يهرم ابن آدم ويشب معه اثنتان: الحرص على المال
والحرص على العمر».
(أنتهى)
وبعد ؛
فإنى إذا وجهت رسالتى لمن بلغ الستين من
خلال هذا الكتاب الصغير النافع فإنى أوجه رسالتى الأن(وبالأحرى) لمن يبلغ العشرين أو
الثلاثين ،
أخى وحبيبى فى الله
عمرك رأس مالك الحقيقى فلا تضيعه وأستغل معظمه إن لم يكن كله فيما
ينفعك إذ تقدم بك العمر فضلا عن لقاء ربك ، وتصور وقارن بين حالك إن كتب الله لك
البقاء وقد صرت شيخاً ، وضع فى ذهنك صورتين : أولهما صورة لشيخ عالم بكتاب الله وأحكام
الحلال والحرام وسيرة النبى وسير النبلاء ذاكراً لله حافظاً لكتابه يتلوه عن ظهر
قلب متدبراً لمعانيه وهو بين هذا وذاك مشتاقاً للقاء الله ، والصورة الأخرى وأنت
جالس على المقهى لا تدرى ماذا تفعل تتكلم عن هذا وذاك فى أشياء لا تنفع إن لم تكن
تضر أو وأنت جالس فى البيت وحيداً تتمنى لقاء صديق أو قريب ، تخشى الموت وتخشى لقاء
الله وقد فرطت فى جنب الله ، فلا تغتر بشبابك وتذكر أنه زائل وأن المال الذى تلهث
وراءه والدنيا زائله فإعمل لله ولقاء الله ، والله المستعان وعليه التكلان ،
اللهم
إنا نسألك حسن الخاتمة ؛
تعليقات