قطوف
من تفسير سورة يونس (من أيسر التفاسير للجزائرى)
بداية السورة والربع
الأول
الأيتين 1، 2
{ قدم صدق } : أي أجراً حسناً بما قدموا
في حياتهم من الإِيمان وصالح الأعمال .
من هداية الأية 2 : قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ
مُبِينٌ (2)
عدم تورع أهل الكفر عن الكذب والتضليل .
الأيات من 3 : 6
{ ثم استوى على العرش } : أي استوى استواء
يليق به عز وجل فلا يقال كيف؟
{ ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات
بالقسط } أي بالعدل : بيان لعلة الحياة بعد الموت إذ هذه الدار دار عمل والآخرة
دار جزاء على هذا العمل فلذا كان البعث واجباً حتماً لا بد منه ولا معنى لإِنكاره
لأن القادر على البدء قادر على الإِعادة من باب أولى وأحرى.
الأيات من 7 : 10
{ دعواهم فيها سبحانك اللهم } : أي يطلبون
ما شاءوا بكلمة سبحانك اللهم .
{ تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم }
. ونعيم الجنة روحاني وجسماني فالجسماني يحصلون عليه بقولهم : سبحانك اللهم ، فإذا
قال أحدهم هذه الجملة « سبحانك اللهم » حضر لديه كل مُشتهى له . والروحاني يحصلون
عليه بسلام الله تعالى عليهم وملائكته { وتحيتهم فيها سلام }
من هداية الآيات :
1- التحذير من نسيان الآخرة والإقبال على
الدنيا والجري وراء زخارفها .
2- التحذير من الغفلة بعدم التفكر بالآيات
الكونية والقرآنية إذ هذا التفكير هو سبيل الهداية والنجاة من الغواية .
الأيات من 11: 14
{ في طغيانهم يعمهون } : أي في ظلمهم
وكفرهم يترددون لا يخرجون منه كالعميان .
{ مر كأن لم يدعنا } : مضى في كفره وباطله
كأن لم يكن ذاك الذي دعا بكشف ضره .
هذه الفترة التي كانت تنزل فيها هذه
السورة المكية كان المشركون في مكة في هيجان واضطراب كبيرين حتى إنهم يطالبون
بنزول العذاب عليهم إذ ذكر تعالى ذلك عنهم في غير آية من كتابه منها { سأل سائل
بعذاب واقع } ومنها { ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب } وفي هذا
الشأن نزل قوله تعالى { ولو يعجِّل الله للناس الشر } أي عند سؤالهم إياه ، أو
فعلهم ما يقتضيه كاستعجاله الخير لهم { لقضي إليهم أجلهم } أي لهلكوا الهلاك العام
وانتهى أجلهم في هذه الحياة.
الأيات من 15 : 18
{ المجرمون } : المفسدون لأنفسهم بالشرك
والمعاصي .
ما زال السياق في تقرير قضايا أصول الدين
الثلاث : التوحيد والوحي والبعث.
من هداية الأية 15 : وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا
بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآَنٍ غَيْرِ
هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ...(15)
من الدعوة إلى الله تعالى تلاوة آياته
القرآنية على الناس تذكيراً وتعليماً .
بيان ما كان عليه المشركون من تعنت وجحود
ومكابرة .
من هداية الأية 16 : قُلْ لَوْ شَاءَ
اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ
فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (16)
كون النبي صلى الله عليه وسلم عاش أربعين
سنة لم يعرف فيها علماً ولا معرفة ثم برز في شيء من العلوم والمعارف فتفوق وفاق كل
أحد دليل على أنه نبي يوحى إليه قطعاً .
من هداية الأية 17 : فَمَنْ أَظْلَمُ
مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ إِنَّهُ لَا
يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (17)
لا أحد أظلم من أحد رجلين رجل يكْذب على
الله تعالى وآخر يكذِّب الله تعالى .
الأيتين 19 ، 20
{ أمة واحدة } : أي على دين واحد هو
الإِسلام .
{ إنما الغيب لله } : اي إن علم الآية متى
تأتي من الغيب والغيب لله وحده فلا أنا ولا أنتم تعلمون إذاً فانتظروا إنا معكم من
المنتظرين .
{ لولا أنزل عليه آية من ربه } أي هلاَّ
أُنزل على محمد آية خارقة من ربه لنعلم ونستدل بها على أنه رسول الله وقد يريدون
بالآية عذاباً فلذا أمر الله رسوله أن يرد عليهم بقوله { إنما الغيب لله } فهو
وحده يعلم متى يأتيكم العذاب وعليه { فانتظروا إني معكم من المنتظرين } ولم تطل
مدة الانتظار ونزل بهم العذاب ببدر فهلك رؤساؤهم وأكابر المستهزئين .
من هداية الأية 19 : وَمَا كَانَ النَّاسُ
إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا...(19)
الأصل هو التوحيد والشرك طارىء .
الشر والشرك هما اللذان يحدثان الخلاف في
الأمة والتفرق فيها أما التوحيد والخير فلا يترتب عليهما خلاف ولا حرب ولا فرقة .
من هداية الأية 20 : وَيَقُولُونَ لَوْلَا
أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ
فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (20)
بيان علة بقاء أهل الظلم والشرك يظلمون
ويفسدون إلى آجالهم .
الغيب كله لله فلا أحد يعلم الغيب إلا
الله ومن علَّمه الله شيئاً منه وهذا خاص بالرسل لإِقامة الحجة على أممهم .
الأيات من 21 : 23
{ رحمة } : أي مطر بعد قحط أو صحة بعد مرض
أو غنى بعد فاقة .
{ ضراء } : حالة من الضر بالمرض والجدب
والفقر .
{ مكر في آياتنا } : أي استهزاء بها
وتكذيب .
{ بريح طيبة } : أي مناسبة لسير السفن
موافقة لغرضهم .
{ ريح عاصف } : أي شديدة تعصف بالشجر
فتقتلعه والبناء فتهدمه .
{ وأحيط بهم } : أي أحدق بهم الهلاك من كل
جهة .
الآية الثانية ( 22 ) فهي تُري المشركين
ضعفهم وعجزهم وحاجتهم إلى الله تعالى ، ومن كان كذلك فكيف يستهزىء بربه ويسخر من
آياته ويكذب رسوله إن أمرهم لعجب.
{ متاع الحياة الدنيا } أي ذلك متاع
الحياة الدنيا شقاء كان أو سعادة.
من هداية الأيات
من مكر مكر الله به والله أسرع مكراً
وأكبر أثراً وضرراً .
إخلاص العبد الدعاء في حال الشدة آية أن
التوحيد أصل والشرك طارىء .
المشركون الأولون أحسن حالاً من جهلة هذه
الأمة إذ يشركون في الرخاء ويخلصون في الشدة أما جهال المسلمين اليوم فشركهم دائم
في الرخاء والشدة على السواء .
بَغْيُ الإِنسان عائد على نفسه كمكره
ونكثه وفي الحديث { ثلاث على أصحابها رواجع : البغي والمكر والنكث ) .
الأيتين 24 ، 25
{ مثل الحياة الدنيا } : أي صفتها
المنطبقة عليها المُتَّفِقة معها .
{ فاختلط به } : أي بسببه نبات الأرض أي
اشتبك بعضه بعض .
{ وظن أهلها أنهم قادرون عليها } : أي
متمكنون من تحصيل حاصلاتها الزراعية .
{ أتاها أمرنا } : أي قضاؤنا بإهلاكها
وتدميرها عقوبة لأصحابها .
{ حصيداً } : أي كأنها محصودة بالمنجل ليس
فيها شيء قائم .
{ كأن لم تغن بالأمس } : أي كأن لم تكن
موجودة غانية بالأمس .
من هداية الأيتين
بيان الصورة الحقيقية للحياة الدنيا في
نضرتها وسرعة زوالها .
التحذير من الاغترار بالدنيا والركون
إليها .
التحذير من الذنوب فإنها سبب الشقاء وسلب النعم
.
الربع الثانى
الأيات من 26 : 30
{ الحسنى وزيادة } : الحسنى الجنة
والزيادة النظر إلى وجه الله الكريم .
{ ولا يرهق وجوههم } : أي لا يغشى وجوههم
.
{ قتر } : غَبرة من الكآبة والحزن .
{ السيآت } : جمع سيئة ما يُسيء إلى النفس
من ذنوب الشرك والمعاصي .
{ فزيلنا بينهم } : فرقنا بينهم . يزايل
الله تعالى أي يفرق بينهم وهو معنى قوله تعالى { فزيلنا بينهم }
{ تبلو كل نفس } : أي تَختبر .
{ ما أسلفت } : أي ما قدمت .
{ وضل عنهم ما كانوا يفترون } : أي غاب
عنهم ما كانوا يكذبون .
من هداية الأية 30 : هُنَالِكَ تَبْلُو
كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ...(30)
في عرصات القيامة تعلم كل نفس ما أحضرت ،
وما قدمت وأخرت وتبلو ما أسلفت فتعرف وأنى لها أن تنتفع بما تعرف؟ .
الأيات من 31 : 33
{ ومن يدبر الأمر } : أي أمر الخلائق كلها
بالحياة والموت والصحة والمرض والعطاء والمنع .
{ فأنى تصرفون } : أي كيف تصرفون عن الحق
بعد معرفته والحق هو أنه لا إله إلا الله .
{ ومن يخرج الحي من الميت } كالفرخ من
البيضة { ويخرج الميت من الحي } كالبيضة من الدجاجة ، والنخلة من النواة ، والنواة
من النخلة .
{ ومن يدبر الأمر } في السماء والأرض
كتعاقب الليل والنهار ونزول الأمطار ، وكالحياة والموت والغنى والفقر والحرب
والسلم والصحة والمرض إلى غير ذلك مما هو من مظاهر التدبير الإِلهي في الكون .
{ كذلك حقت كلمة ربك على الذين فسقوا أنهم
لا يؤمنون } أي مثل ذلك الصرف الذي يصرفة المشركون عن الحق بعد معرفته إلى الضلال
أي كما حق ذلك حقت كلمة ربك وهي أن الله لا يهدي القوم الفاسقين فهم لا يهتدون ،
وذلك أن العبد إذا توغل في الشر والفساد بالإِدمان والاستمرار عليه يبلغ حداً لا
يتأتىَّ له الرجوع منه والخروج بحال فهلك على فسقه لتحق عليه كلمة العذاب وهي {
لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين }
من هداية الأية : قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ
مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمْ مَنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ
يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ
يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (31)
مشركوا العرب كانوا يشركون في الألوهية
ويوحدون في الربوبية . وليس بنافع أن يوحد العبد في الربوبية ويشرك في الألوهية .
من هداية الأية : فَذَلِكُمُ اللَّهُ
رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ
(32)
ليس بعد الحق إلا الضلال فلا واسطة بينهما
فمن لم يكن على حق فهو على ضلال .
من هداية الأية : كَذَلِكَ حَقَّتْ
كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (33)
التوغل في الشر والفساد يصبح طبعاً لصاحبه
فلا يخرج منه حتى يهلك به .
الأيات من 34 : 36
{ فأنى تؤفكون } : أي كيف تصرفون عن الحق
بعد معرفته .
{ أمَّن لا يَهِدِّي } : أي لا يهتدي .
{ كيف تحكمون } : أي هذا الحكم الفاسد وهو
اتباع من لا يصح اتباعه لأنه لا يهدي .
{ إن الظن لا يغني من الحق شيئاً } أي إن
الظن لا يكفي عن العلم ولا يغني عنه أي شيء من الإِغناء، والمطلوب في العقيدة
العلم لا الظن .
من هداية الأيتين 34 ، 35 : قُلْ هَلْ
مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ
يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (34) قُلْ هَلْ مِنْ
شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ
أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمْ مَنْ لَا يَهِدِّي
إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35)
تقرير التوحيد بإبطال الآلهة المزعومة حيث
اعترف عابدوها بأنها لا تبدأ خلقاً ولا تعيده بعد موته ، ولا تهدي إلى الحق ،
والله يبدأ الخلق ثم يعيده ويهدي إلى الحق .
من هداية الأية 36 : وَمَا يَتَّبِعُ
أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا
إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (36)
كراهية القول بالظن والعمل به وفي الحديث
« إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث » .
الأيات من 37 : 39
{ أم يقولون افتراه } : أي اختلقه من نفسه
وَتَقوَّلَهُ من عنده .
{ بما لم يحيطوا بعلمه } : أي بما توعدهم
الله تعالى به من العذاب .( أو كذبوا بالقرءان فهم أيضاً لم يحيطوا به علماً).
{ ولما يأتهم تأويله } : أي ولما يأتهم
بعد ما يؤول إليه ذلك الوعيد من العذاب .أو (ولم يأتهم تأويل القرأن أى الواقع
والحقيقة التى تؤكدها كلمات القرءان وهى البعث الحساب والجزاء والجنة والنار
وغيرها من الأمور الغيبية)
{ ولكن تصديق الذي بين يديه } أي ولكنه
كلام الله ووحيه أوحاه إلى رسوله وأنزله تصديق الذي بين يديه أي من الكتب التي
سبقت نزوله وهي التوراة والإِنجيل { وتفصيل الكتاب } الذي كتبه الله تعالى على أمة
الإِسلام من الفرائض والشرائع والأحكام . وقوله تعالى { لا ريب فيه } أي لا شك في
أنه وحي الله وكلامه نزل من رب العالمين . وهو الله مربي الخلائق أجساماً وعقولاً
وأخلاقاً وأرواحاً ومن مقتضى ربوبيته إنزال كتاب فيه تبيان كل شيء يحتاج إليه
العبد في تربيته وكماله البدني والروحي والعقلي والخلقي . وقوله تعالى { بل كذبوا
بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله } أي إن القضية ليست قضية أنهم ما استطاعوا
أن يدركوا أن القرآن كلام الله ، وإنما القضية هي أنهم كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه
من وعيد الله تعالى لهم بالعذاب ، ولما يأتهم بعد ما يؤول إليه الوعيد إذ لو رأوا
العذاب ما كذبوا ، ولذا قال تعالى { كذلك كذب الذين من قبلهم } أي { حتى ذاقوا
بأسنا } كما في آية الأنعام . وهنا قال تعالى { فانظر كيف كان عاقبة الظالمين }
فقد أهلك تعالى الظلمة من قوم نوح بالغرق ومن قوم هود بريح صرصر ومن قوم صالح
بالصيحة ومن قوم شعيب بالرجفة ومن أمم أخرى بما شاء من أنواع العذاب فهؤلاء إن لم
يتوبوا واستمروا في تكذبيهم فسوف يحل بهم ما حل بغيرهم.
من هداية الآيات :
1- تقرير عقيدة الوحي وإثبات نبوة محمد
صلى الله عليه وسلم .
2- من أدلة أن القرآن كلام الله تصديقه
للكتب السالفة وعدم التناقض معها إذ هما من مصدر واحد وهو الله رب العالمين .
3- من أدلة القرآن على أنه وحي الله تحدى
الله العرب بالإِتيان بسورة واحدة فصاحته وبلاغته ، وإعجازه وعجزهم عن ذلك .
4- استمرار المشركين في العناد والمجاحدة
علته أنهم لم يذوقوا ما توعدهم الله به من العذاب إذ لو ذاقوا لآمنوا ولكن لا
ينفعهم حينئذ الإِيمان .
الأيات من 40 : 44
{ ومنهم من يؤمن به } : أي من أهل مكة
المكذبين بالقرآن من يؤمن به مستقبلاً .
{ وربك أعلم بالمفسدين } : وهم دعاة
الضلالة الذين يفسدون العقول والقلوب والجملة تهديد لهم .
{ ومنهم من يستمعون إليك } إلى قراءتك
القرآن وإلى قولك إذا قلت داعياً أو آمراً ناهياً ، ومع هذا فلا يفهم ولا ينتفع
بما يسمع ، ولا لوم عليك في ذلك لأنك لا تسمع الصم ، وهؤلاء صم لا يسمعون ، ومنهم
من ينظر إليك بأعين مفتحة ويرى علامات النبوة وآيات الرسالة ظاهرةً فى حالك ومقالك
ومع هذا لا يهتدي ولا لوم عليك فإنك لا تهدي العمى ولو كانوا لا يبصرون .
الأيات من 45 : 48
{ كأن لم يلبثوا } : أي في الدنيا أحياء
في دورهم وأمواتاً في قبورهم .
{ فإذا جاء رسولهم } : أي في عرصات
القيامة .
{ متى هذا الوعد } : أي بالعذاب يوم
القيامة .
{ وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفيك }
أي إن أريناك بعض الذي نعدهم من العذاب في الدنيا فذاك ، أو نتوفينك قبل ذلك فعلى
كل حال مرجعهم إلينا جميعاً بعد موتهم ، فنحاسبهم ونجازيهم بحسب سلوكهم في الدنيا
الخير بالخير والشر بمثله ، وقوله تعالى { ثم الله شهيد على ما يفعلون } تقرير
وتأكيد لمجازاتهم يوم القيامة لأن علم الله تعالى بأعمالهم وشهادته عليها كافٍ في
وجوب تعذيبهم .
الأيات من 49 : 52
{ قل أرأيتم } : أي قل لهم أخبروني .
{ أثم إذا ما وقع آمنتم به؟ } أي اتستمرون
على التكذيب والعناد ، ثم إذا وقع آمنتم به ، وهل ينفعكم إيمانكم يومئذ؟ فقد يقال
لكم توبيخاً وتقريعاً الآن تؤمنون به ، وقد كنتم به تستعجلون .
الربع الثالث
الأية 53
إي حرف إجابة وتقترن دائماً بالقسم نحو إي
والله ، إي وربي .
الأيات من 54 : 58
{ وأسروا الندامة } : أخفوها في أنفسهم
على ترك الإِيمان والعمل الصالح .
{ موعظة من ربكم } : أي وصية من ربكم
بالحق والخير ، وباجتناب الشرك والشر .
{ فضل الله ورحمته } : ما هداهم إليه من
الإِيمان والعمل الصالح ، واجتناب الشرك والمعاصي .
{ فبذلك فليفرحوا } : أي فبالإِيمان
والعمل الصالح بعد العلم والتقوى فليسروا وليستبشروا .
{ هو خير مما يجمعون } : أي من المال
والحطام الفاني .
{ يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم
وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين } وكل من الموعظة التي هي الأمر والنهي
بأسلوب الترغيب والترهيب والشفاء والهدى والرحمة قد حواها القرآن الكريم كأنه قال
يا أيها الناس وفيكم الجاهل والفاسق والمريض بالشرك والكفر والضال عن الحق ،
والمعذب في جسمه ونفسه قد جاءكم القرآن يحمل كل ذلك لكم فآمنوا به واتبعوا النور
الذي يحمله وتداووا به واهتدوا بنوره تشفوا وتكملوا عقلاً وخلقاً وروحاً وتسعدوا
في الحياتين معاً .
{ قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو
خير مما يجمعون } أي بلَّغهم يا رسولنا آمراً إياهم بأن يفرحوا بالإِسلام وشرائعه
والقرآن وعلومه فإن ذلك خير مما يجمعون من حطام الدنيا الفاني ، وما يعقب من آثار
سيئة لا تحتمل ولا تطاق .
من هداية الأية : قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ
وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)
يستحب الفرح بالدين ويكره الفرح بالدنيا .
الأيات من 59 : 61
{ أرأيتم } : أي أخبروني .
{ ءآلله أذن لكم } : أي في التحريم حيث
حرمتم البحيرة والسائبة وفي التحليل حيث أحللتم الميتة .
{ شهوداً إذْ تفيضون فيه } : أي تأخذون في
القول أو العمل فيه .
{ وما يعزب عن ربك } : أي يغيب .
{ إلا في كتاب مبين } : أي اللوح المحفوظ
ومبين أي واضح .
من هداية الأيات
إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (61)
إثبات اللوح المحفوظ وتقريره كما صرحت به
الآيات والأحاديث .
الأيات من 62 : 64
{ ألا } : أداة استفتاح وتنبيه .
{ إن أولياء الله } : جمع وليّ وهو المؤمن
بشرط أن يكون إيمانه وتقواه على نور من الله .
{ لهم البشرى } : أي بالجنة في القرآن
الكريم وعند الموت وبالرؤيا الصالحة يراها أو ترى له .
{ لا تبديل لكلمات الله } : أي لوعده الذي
يعده عباده الصالحين ، لأن الوعد بالكلمة وكلمة الله لا تبدل .
يخبر تعالى مؤكداً الخبر بأداة التنبيه {
ألا } وأداة التوكيد { إن } فيقول : { ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم
يحزنون } أي لا يخافون عند الموت ولا في البرزخ ولا يوم القيامة ولا هم يحزنون على
ما يتركون وراءهم بعد موتهم ولا في الدار الآخرة وبين تعالى أولياءه وعرف بهم فقال
: { الذين آمنوا وكانوا يتقون } أي آمنوا به وبرسوله وبكل ما جاء به رسوله عن ربه
، وكانوا يتقون طوال حياتهم وسائر ساعاتهم سخط الله تعالى فلا يتركون واجباً هم
قادرون على القيام به ، ولا يغشوْن محرماً لم يُكرهوا عليه .
الأيات من 65 : 67
إلا الظن: الظن أضعف الشك.
يخرصون: أي يكذبون.
يسمعون: أي سماع إجابة وقبول.
من هداية الأية : أَلَا إِنَّ لِلَّهِ
مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ
مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ
إِلَّا يَخْرُصُونَ (66)
ما يُعبد من دون الله لم يقم عليه عابدوه
أي دليل ولا يملكون له حجة وإنما هم مقلدون يتبعون الظنون والأوهام.
الأيات من 68 : 70
{ سبحانه } : أي تنزه عن النقص وتعالى أن
يكون له ولد .
{ الغَنِيُّ } : أي الغِنَى المطلق بحيث
لا يفتقر إلى شيء .
{ متاع في الدنيا } : أي ما هم فيه اليوم
هو متاع لا غير وسوف يموتون ويخسرون كل شيء .
نهي الله الرسول صلى الله عليه وسلم عن
الحزن من جراء أقوال المشركين الفاسدة الباطلة . ونزه الله تعالى نفسه عن هذا
الكذب فقال سبحانه ، وأقام الحجة على بطلان قول المشركين بأنه هو الغَنيُّ الغِنَى
الذاتي الذي لا يفتقر معه إلى غيره فكيف إذاً يحتاج إلى ولد أو بنت فيستغني به وهو
الغني الحميد ، وبرهان آخر على غناه أن له ما في السموات واما في الأرض الجميع
خلقه وملكه فهل يعقل أن يتخذ السيد المالك عبداً من عبيده ولداً له . وحجة أخرى هل
لدى الزاعمين بأن لله ولداً حجة تثبت لك والجواب لا ، لا . قال تعالى مكذباً إياها
: { إن عندكم من سلطان بهذا } أي ما عندكم من حجة ولا برهان بهذا الذي تقولون ثم
وبخهم وقرعهم بقوله : { أتقولون على الله ما لا تعلمون؟ } وأمر رسوله صلى الله
عليه وسلم أن يقول معلناً عن خيبة الكاذبين وخسرانهم .
{ إن الذين يفترون على الله الكذب لا
يفلحون } وإن قيل كيف لا يفلحون وهم يتمتعون بالأموال والأولاد والجاه والسلطة
أحياناً فالجواب في قوله تعالى { متاع في الدنيا } أي لك متاع في الدنيا ، يتمتعون
به إلى نهاية أعمارهم ، ثم إلى الله تعالى مرجعهم جميعاً ، ثم يذيقهم العذاب
الشديد الذي ينسون معه كل ما تمتعوا به في الحياة الدنيا ، وعلل تعالى ذلك العذاب
الشديد الذي أذاقهم بكفرهم فقال : { بما كانوا يكفرون } أي يجحدون كمال الله وغناه
فنسبوا إليه الولد والشريك .
من هداية الآيات :
من هداية الآيات :
1- كفر من ينسب إلى الله تعالى أي نقص
كالولد والشريك أو العجز مطلقاً .
2- كل دعوى لا يقيم لها صاحبها قاطعاً
وحجة واضحة فلا قيمة لها ولا يحفل بها .
3- أهل الكذب على الله كالدجالين والسحرة
وأهل البدع والخرافات لا يفلحون ونهايتهم الخسران .
4- لا ينبغي للمؤمن أن يغتر بما يرى عليه
أهل الباطل والشر من المتع وسعة الرزق وصحة البدن فإن ذلك متاع الحياة الدنيا ، ثم
يؤول أمرهم إلى خسران دائم .
الربع الرابع
الأيتين 71 ، 72
{ كبر عليكم مقامي } : أي عظم عليكم مقامي
بينكم ادعوا الى ربي .
{ غمّة } : أي خفاء ولبساً لا تهتدون منه
إلى ما تريدون .
{ واتل عليهم نبأ نوح } أي خبره العظيم
الشأن أدعوكم إلى الله ، وتذكيري إياكم بآيات الله ، فإني توكلت على الله فأجمعوا
أمركم أي اعزموا عزماً أكيداً وادعوا أيضاً شركاءكم للاستعانة بهم ، ثم أحذركم أن
يكون أمركم عليكم غمة أي خفياً ملتبساً عليكم فيجعلكم تترددون في إنفاذ ما عزمتم
عليه ، ثم اقضوا إليَّ ما تريدون من قتلي أو نفيي ولا تنظرون أي لا تؤخروني أي
تأخير .
من هداية الآيات :
1- تسلية الدعاة بمثل موقف نوح العظيم إذ
قال لقومه : أجمعوا أمركم ونفذوا ما تريدون إني توكلت على الله .
2- ثمرة التوكل شجاعة واطمئنان نفس وصبر
وتحمل مع مضاء عزيمة .
الأيات من 73 : 78
{ المعتدين } : الذين تجاوزوا الحد في
الظلم والاعتداء على حدود الشرع .
{ الحق } : الآيات التي جاء بها موسى عليه
السلام وهي تسع .
{ لتلفتنا } : لتصرفنا وتحول وجوهنا عما
وجدنا عليه آباءنا .
{ الكبرياء } : أي العلو والسيادة والملك
على الناس .
من هداية الآيات :
فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا
كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ (74)
بيان سنة الله في البشر وهي أن التوغل في
الشر والفساد والظلم يوجب الختم على القلوب فيحرم العبد الإِيمان والهداية .
فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ
عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ (76)
الاتهامات الكاذبة من شأن أهل الباطل
والظلم والفساد .
الأيات من 79 : 81
{ ساحر عليم } : أي ذو سحر حقيقي له تأثير
عليم بالفن .
{ إن الله سيبطله } : أي يظهر بطلانه أمام
النظارة من الناس .
{ بكلماته } : أي بأمره إذ يقول للشيء كن
فيكون .
الأيات من 82 : 87
{ إلا ذرِّيَّة } : أي طائفة قليلة من
أولاد بني إسرائيل .
{ وملائهم } : أي أشرافهم ورؤسائهم .
{ أن يفتنهم } : أن يضطهدهم ويعذبهم .
{ لعال في الأرض } : قاهر مُستبدٌ .
{ أن تبوَّءا } : اتخذوا لقومكما بمصر
بيوتا تبوءون إليها وترجعون .
{ قبلة } : أي مساجد تصلون فيها .
من هداية الآيات : وَأَوْحَيْنَا إِلَى
مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآَ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا
بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (87)
اتخاذ المساجد في المنازل للصلاة فيها عند
الخوف .
بشرى الله تعالى للمؤمنين والمقيمين
للصلاة بحسن العاقبة في الدارين .
الأيتين 88 ، 89
ربنا اطمس على أموالهم } أي أذهب أثرها
بمسحها وجعلها غير صالحة للانتفاع بها
{ واشدد على قلوبهم } : اربط عليها حتى لا
يدخلها إيمان ليهلكوا وهم كافرون .
الربع الخامس
الأيات من 90 : 92
{ وجاوزنا ببني إسرائيل } : أي قطعنا بهم
البحر حتى تجاوزوه .
{ البحر } : بحر القلزم .
{ بغيا وعدوا } : أي بغيا على موسى وهرو ن
واعتداء عليهما .
{ جاوزنا } أي قطعنا بهم البحر حتى
تجاوزوه ، وذلك بأن أمر موسى أن يضرب بعصاه البحر فضرب فانفلق البحر فكان كل فرق
كالطود العظيم ويَبِسَت الأرض ودخل موسى مع بني إسرائيل يتقدمهم جبريل عليه السلام
على فرس حتى تجاوزا البحر إلى الشاطىء ، وجاء فرعون على فرسه ومعه ألوف الجنود
فتبعوا موسى وبني إسرائيل فخلوا البحر فلما توسطوه أطبق الله تعالى عليهم البحر
فغرقوا أجمعين إلا ما كان من فرعون فإنه لما أدركه الغرق أي لحقه ووصل الماء إلى
عنقه أعلن عن توبته فقال : { آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل }
ولكبريائه لم يقل لا إله إلا الله ولو قالها لتاب الله عليه فأنجاه بل قال : { لا
إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل } وهو يعرف أنه الله . وقوله : { وأنا من
المسلمين } مبالغة في طلب النجاة من الغرق بالتوبة حيث أعلن أنه من المسلمين أن
المستسلمين المناقدين لأمره.
من هداية الآيات :
حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آَمَنْتُ
أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ
الْمُسْلِمِينَ (90)
فضل لا إله إلا الله فقد ورد أن جبريل كان
يحول بين فرعون وبين أن يقول : لا إله إلا الله فينجو فلم يقلها فغرق وكان من
الهالكين .
وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ
آَيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92)
تقرير حقيقة وهي أن أكثر الناس في هذه
الحياة غافلون عما يراد بهم ولهم ولم ينتبهوا حتى يهلكوا .
الأية 93
{ مبوأ صدق } : أي أنزلناهم منزلاً صالحاً
طيباً مرضياً .
{ حتى جاءهم العلم } : وهو معرفتهم أن
محمداً صلى الله عليه وسلم هو النبي المنتظر وأنه المنجي .
الأيات من 94 : 97
{ شك } : ما قابل التصديق فالشاك غير
المصدق .
{ لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من
الممترين } ، يقسم تعالى لرسوله بأنه قد جاءه الحق من ربه وهو الحديث الثابت
بالوحي الحق وينهاه أن يكون من الممترين أي الشاكين في صحة الإِسلام ، وأنه الدين
الحق الذي يأبى الله إلا أن يظهره على الدين كله ولو كره المشركون .
الأيات من 98 : 100
{ فلولا } : أداة تحضيض هنا بمعنى هلاّ
وفيها معنى التوبيخ والنفي .
الأيات من 101 : 103
{ ماذا في السموات والأرض } : أي من عجائب
المخلوقات ، وباهر الآيات .
الأيات من 104 : 109
من هداية الآيات :
وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا
كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ
يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107)
لا يؤمن عبد حتى يوقن أن ما أراده الله له
من خير أو شر لا يستطيع أحد دفعه ولا تحويله .
تعليقات