سورة المنافقون (قطوف من المتشابه والتفسير)
قطوف من المتشابه
ضبط نهاية الأية 6 (سواء ، فاسقين )
إن الله لا يهدى القوم الفاسقين : وليست (والله ) لأن الأية تتكلم عن
منافق عتل من أكبر المنافقين فجاء التأكيد بإن لتأكيد عدم مغفرة الله له ولمن على
شاكلته ، ولذا نجد الله يخاطب رسوله صلى الله عليه وسلم : سواء عليهم أستغفرت لهم
أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم .
وضبط نهاية الأية 7 (تنفقوا ، يفقهون) والأية 8 (العزة ، يعلمون)
بعد الأية 8 قد ينسى القارئ ذكر الأية 9 والضابط بالجملة الإنشائية
(المناقق تلهيه الأموال والأولاد)
قطوف من التفسير
(إذا جاءك المنافقون (1) لنزول هذه السورة سبب هو أن زيد بن أرقم رضى
الله عنه قال : كنت مع عمى فسمعت عبد الله بن أبى بن سلول يقول : لا تنفقوا على من
عند رسول الله حتى ينفضوا ، وقال : لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل
، فذكرت ذلك لعمى فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأرسل رسولاً إلى ابن
أبى وأصحابه فحلفوا ما قالوا فصدقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذبنى فأصابنى
هم لم يصبنى مثله ، فجلست فى بيتى فأنزل الله عزوجل إذا جاءك المنافقون إلى قوله
الأعز منها الأذل فأرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : إن الله قد
صدقك .
والله يعلم إنك لرسوله (2) هذه الجملة جملة معترضة بين الجملتين
المتعاطفتين ، وفائدة هذا الإعتراض دفع ما قد يتوهمه من يسمع جملة (والله يشهد إن
المنافقين لكاذبون) أنه تكذيب لجملة (إنك لرسول الله)
ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا (3) أى آمنوا بألسنتهم ، ثم كفروا بقلوبهم ، أى
أستمروا على ذلك . فطبع الله على قلوبهم : أى ختم عليها بالكفر . فهم لا يفقهون :
أى الإيمان ، أى لا يعرفون معناه ولا صحته .
تعجبك أجسامهم (4) أى لجمالها إذ كان أبن أبى جسيماً صحيحاً وصبيحاً ذلق
اللسان . وإن يقولوا تسمع لقولهم : أى لفصاحتهم وذلاقة ألسنتهم . ومن هداية هذه
الأية : التحذير من الإغترار بالظاهر كحسن الهندام وفصاحة اللسان. كأنهم خشب مسندة
: وهذا تشبيه رائع : أنهم لطول أجسامهم وجمالها وعدم فهمهم وقلة الخير فيهم كأنهم
خشب مسندة على جدار لا تشفع ولا تنفع . يحسبون كل صيحة عليهم : وذلك لخوفهم والرعب
المتمكن فى نفوسهم نتيجة ما يضمرون من كفر وعداء للأسلام وبغض لأهله ، فهم إذا
سمعوا صيحة من معسكر أو صوت منشد ضالة يتوقعون أنهم معنيون بذلك شأن الخائن وأكثر
ما يخافون أن ينزل القرآن بفضيحتهم وهتك أستارهم . ومن هداية هذه الأية الكشف عن
نفسية الخائن والظالم والمجرم وهو الخوف والتخوف من كل صوت أو كلمة خشية أن يكون
ذلك بياناً لحالهم وكشفاً لجرائمهم .
وإذا قيل لهم تعالوا يستغفرلكم رسول الله (5) وذلك عندما قال بن أبى ما
قال من كلمات خبيثة منها قوله فى المهاجرين : سمن كلبك يأكلك . وقوله لصاحبه : لا
تنفقوا على المهاجرين حتى يتفرقوا عن محمد صلى الله عليه وسلم وقوله مهدداً : لئن
رجعنا إلى المدينة ليخرجن منها الأعز ،
يعنى نفسه ورفاقه المنافقين ، الأذل ، يعنى الأنصار والمهاجرين .فلما قال هذا كله
وأكثر فى غزوة بنى المصطلق وأُخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه فحلف
بالله ما قال شيئاً من ذلك أبداً وذهب ، فنزلت هذه السورة الكريمة تكذبه . ولما
نزلت هذه السورة بفضيحته جاءه من قال له : يا أبا الحباب (كنية بن أبى ) إنه قد
نزل فيك آى شداد فاذهب إلى رسول الله يستغفر لك ، فلوى رأسه أى عطفه إلى جهة غير
جهة من يخاطبه وقال : أمرتمونى أن أؤمن فآمنت وأمرتمونى أن أعطى زكاة مالى فأعطيت
فما بقى إلا أن أسجد لمحمد صلى الله عليه وسلم ، فنزلت هذه الأيات الثلاث . وقوله
تعالى : إن الله لا يهدى القوم الفاسقين : أى أمثال بن أبى ، وبن أبى من أكثر
الفاسقين فسقاً ، إذ جمع بين الكذب والحلف الكاذب والنفاق والشقاق والعداء والكبر
والكفر الباطنى ، وذكر الله تعالى قولات هذا المنافق واحدة بعد واحدة : قال : لا
تنفقوا على المهاجرين حتى يتفرقوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرعه رب العزة
وأدبه ببيان فساد ذوقه ورأيه فقال تعال ( ولله خزائن السموات والأرض) . والقول
الثانى لهذا المنافق : لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل . قالها فى
غزوة بنى المصطلق وهى غزوة سببها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم أن بنى
المصطلق يجتمعون لحربه وقائدهم الحارث أبن أبى ضرار وهو أبو جويرية زوج رسول الله
صلى الله عليه وسلم أحدى أمهات المؤمنين . فلما سمع بذلك خرج إليهم حتى لقيهم على
ماء من مياههم يقال له المريسيع من ناحية قديد إلى الساحل فوقع القتال ، فُهزم بنى
المصطلق وأمكن رسول الله من أبنائهم ونسائهم وأموالهم وآفاءها على المؤمنين ،
وأصطفى لنفسه صلى الله عليه وسلم جويرية بوصفها بنت سيد القوم إكراماً لها ثم
عتقها وتزوجها ، فرأى المؤمنون آن ما بأيديهم من السبى لا ينبغى لهم وقد أصبحوا
أصهار نبيهم فعتقوا كل ما بأيديهم فقالت عائشة رضى الله عنها : ما أعلم أمرأة كانت
أعظم بركة على قومها من جويرية بنت الحارث فقد أعتق بتزويج رسول الله لها مائة أهل
بيت من بنى المصطلق .
وفى هذه الغزاة قال بن أبى قولته الخبيثة وذلك أن رجلين أنصارياً
ومهاجراً تلاحيا على الماء فكسع المهاجر الأنصارى (وكسعه أى ضربه فى دبره) برجله
فصاح بن أبى قائلاً : عليكم صاحبكم ، ثم قال : والله ما مثلنا ومحمد إلا كما قال
القائل : سمن كلبك يأكلك ، والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ،
وعاب عن ذهن هذا المنافق أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين : أى الغلبة والظهور
والعلو لا للمنافقين والمشركين الكافرين ولكن المنافقين لا يعلمون ذلك ولا غيره
لعمى أبصارهم ، ولما بلغ الغزاة المدينة وقف عبد الله بن عبد الله بن أبى فى عرض
الطريق وأستل سيفه فلما جاء أبوه يمر قال له : والله لا تمر حتى تقول محمد الأعز
وأنا الأذل ، فلم يبح حتى قالها : وكان ولده مؤمناً صادقاً من خيرة الأنصار .
لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ( 9) لا هى النافية أشربت معنى
النهى فجزمت المضارع ، وفى الأية دليل على أن ما لا يشغل عن ذكر الله من مال وولد
لا أثم فيه .
Comments