مختصر
تفسير سورة الجاثية
(3)
لأيات للمؤمنين : كون الآيات
للمؤمنين دون الكافرين باعتبار أنهم هم المنتفعون بها لأنهم يسمعون ويبصرون ويعقلون
والكافرون فاقدون لذلك فلم تكن الآيات لهم لعدم انتفاعهم بها.
(4)
أيات لقوم يوقنون : اليقين لا يكون إلا بعد الإيمان فالإيمان يثمر اليقين فالمؤمن يرى
في خلق السموات والأرض أي في إيجادهما على ما هما عليه آيات على قدرة الله تعالى وعلمه
وحكمته فيرتفع إيمانهم إلى مرتبة اليقين فيرون في أدق الأشياء كالأجنة في الأرحام وما
هو أخفى يرون فيه آيات تزيد في يقينهم وتحملهم على حبهم لله وطاعتهم له والتقرب إليه.
ومن
هداية الأيات : الإيمان أعم من
اليقين ومقدم عليه في الترتيب واليقين أعلى في الرتبة.
(5)
أيات لقوم يعقلون : والعقل مرتبة ثالثة بعد الإيمان واليقين في باب الاهتداء فالذي
يرى اختلاف الليل والنهار ونزول الأمطار وما ينجم عنها من نباتات وزروع ولم يهتد إلى
الإيمان فيؤمن فهو غير عاقل ولا يصح نسبته إلى العقلاء.
(5)
وما أنزل الله من السماء من رزق: أي من مطر، وسمي المطر رزقاً لأنه يسببه. وتصريف الرياح:
أي من صبا إلى دبور، ومن شمال إلى جنوب، ومن سموم إلى باردة ومن نسيم إلى عاصفة.
(10)
ولا يغنى عنهم ما كسبوا شيئاً في الآية
إشارة إلى أن أصحاب هذه الصفات(المذكورة فى الأيات من 7 : 9) يكونون من أرباب الأموال لأنهم يكتسبونها بكل وسيلة
ولو ببيع عقولهم وضمائرهم وأموالهم والمحافظة عليها من عوامل ردهم لدعوة الإسلام ومحاربتها
كما هو مشاهد.
(13)
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ
: التفكر هو منبع الإيمان واليقين والعقل
إذا من فكر عقل ومن عقل آمن ومن آمن أيقن ومن أيقن طلب النجاة من النار والفوز بالجنان
بالإيمان وصالح الأعمال بعد ترك الشرك والمعاصي.
(14)
قل للذين آمنوا يغفروا : يغفروا مجزوم لأنه في جواب الأمر (قل) وجائز أن يكون مجزوما
بتقدير لام الأمر محذوفة أي ليغفروا.
(14)
للذين لا يرجون أيام الله : جائز أن يراد بأيام الله ثوابه وعقابه أو نصره لأوليائه
وإيقاعه بأعدائه. أو البعث الآخر ولقائه.
(16)
والحكم: أي الفصل في القضايا بين المتنازعين
على الوجه الذي يحقق العدل.
(17)
وآتيناهم بينات من الأمر أمر الدين تحملها التوراة والإنجيل {فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا
مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ} الإلهي يحمله القرآن ونبيه فاختلفوا فيما كان
عندهم من الأنباء عن نبي آخر الزمان ونعوته وما سيورثه الله وأمته من الكمال الدنيوي
والأخروي فحملهم بغي حدث بينهم وهو الحسد على الكفر فكفروا به وكذبوه فهذه الآية نظيرها
آية البقرة: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى
الْكَافِرِينَ}
(18)
ثم جعلناك على شريعة من الأمر: أي ثم
جعلناك يا رسولنا على شريعة من أمر الدين الحق الذي ارتضاه الله لعباده. الشريعة لغة المذهب والملة ويقال لمشرعة الماء أي مشرعة الشاربة
شريعة ومنه الشارع لأنه طريق إلى المقصد فالشريعة ما شرع الله لعباده من الدين والجمع
شرائع.
على للاستعلاء
أي التمكن والثبات والشريعة الدين والملة المتبعة والأمر الشأن العظيم والأمر هو أمر
الله تعالى الذي أراده لك ولأمتك من الدين المنجي المسعد في الدارين.
(20)
{هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ} يريد القرآن الكريم إنه عيون القلوب بها تبصر النافع من
الضار والحق من الباطل فمن آمن به وعمل بما فيه اهتدى إلى سعادته وكماله ومن لم يؤمن
به ولم يعمل بما فيه ضل وشقي. البصائر جميع بصيرة وهي إدراك العقل الأمور على حقيقتها شبهت
ببصر العين.
(21)
اجترحوا السيئات: أي اكتسبوا بجوارحهم
الشرك والمعاصي.
أم للإضراب
الانتقالي والاستفهام المقدر بعد أم استفهام إنكاري أي لا يحسب الذين اجترحوا السيئات
أنهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات. والآية نزلت كما قال البغوي في نفر من المشركين
في مكة قالوا للمؤمنين إن كان ما تقولون حقاً لنفضلن عليكم في الآخرة كما فضلنا عليكم
في الدنيا.
(22)
وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ
: الباء للتعويض لأن ما كسبته النفس لا
تجزى به وإنما تجزى بمثله وما يناسبه من خير وشر.
(23)
وأضله الله على علم: أي على علم من الله
تعالى بأنه أهل للإضلال وعدم الهداية. وجعل على بصره غشاوة: أي ظلمة على عينيه فلا
يبصر الآيات والدلائل. أم للإضراب
الانتقالي والاستفهام المقدر بعد أم استفهام إنكاري أي لا يحسب الذين اجترحوا السيئات
أنهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات. والآية نزلت كما قال البغوي في نفر من المشركين
في مكة قالوا للمؤمنين إن كان ما تقولون حقاً لنفضلن عليكم في الآخرة كما فضلنا عليكم
في الدنيا.
(24)
وما يهلكنا إلا الدهر: أي وما يميتنا إلا مرور الزمان علينا. وما لهم بذاك من علم:
أي وليس لهم أدنى علم على قولهم لا من وحي وكتاب إلهي ولا من عقل صحيح. إن هم إلا يظنون:
أي ما هم إلا يظنون فقط والظن لا قيمة له ولا يبنى عليه حكم. قال القرطبي كان المشركون أصنافاً منهم هؤلاء ومنهم من كان يثبت
الصانع وينكر البعث ومنهم من يشك بالبعث ولا يقطع بإنكاره.
من
هداية الأية : بيان أنه لا علم
صحيح إلا من طريق الوحي الإلهي.
(28)
وترى كل أمة جاثية: أي كل أمة ذات دين
جاثية على ركبها تنتظر حكم الله فيها. {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً1} أي وترى
أيها الرسول يوم القيامة كل أهل دين وملة وقد جثوا على ركبهم خوفاً وذلاً مستوفزين
للعمل بما يؤمرون به.
الأمة الجماعة العظيمة أمرها واحد يجمعهم دين والجثو البروك على الركب في استنفار وهي
هيئة الخضوع.
(29)
إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون: أي نأمر
بنسخ ما كنتم تعملون. {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أي نأمر
ملائكتنا بنسخ أعمالهم أي بإثباتها وحفظها وهاهي ذي بين أيديكم ناطقة صارخة بما كنتم
تعملون.
(31)
وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ : إقحام
لفظ (قوما) للدلالة على أن الإجرام صار خلقاً لهم مخالطاً لنفوسهم حتى صار مما يمقتون
به ولولا هذا لقال بل كنتم مجرمين، دون ذكر (قوم) والاستفهام في قوله أفلم تكن آياتي
للتقرير والتوبيخ.
(32)
وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ : هذه
الجملة تأكيد لجملة إن نظن إلا ظناً، والسين والتاء في بمستيقنين للمبالغة في عدم حصول
الفعل.
(33)
وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون: أي نزل وأحاط بهم العذاب الذي كانوا يستهزئون به إذا
ذكروا به وخوفوا منه في الدنيا.
(35)
وغرتكم الحياة الدنيا: أي طول العمر والتمتع بالشهوات والمستلذات. {فَالْيَوْمَ لا
يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} أي لن يطلب منهم أن يعتبوا ربهم بالتوبة
إليه، إذ لا توبة بعد الموت والرجوع إلى الدنيا غير ممكن في حكم الله وقضائه وهنا تعظم
حسرتهم ويشتد العذاب عليهم ويعظم كربهم.
Comments