مختصر تفسير سورة فصلت من أيسر
التفاسير
وتسمى
سورة حم السجدة وتسمى سورة المصابيح وسورة الأموات لذكر المصابيح والأموات والسجدة
وفصلت فيها.
(2) تنزيل مبتدأ وسوغ الابتداء به ما في التنكير من معنى التعظيم كأن
قيل تنزيل عظيم ومن الرحمن الرحيم الخبر وكتاب بدل من تنزيل وفصلت صفة لكتاب.
(3) فصلت آياته: أي بينت آياته غاية البيان بلسان عربي لقوم يعلمون
إذ هم الذين ينتفعون. {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ} أي هو كتاب فخم جليل القدر
فصلت آيته أي بينت حال كون ذلك التفصيل {قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ
يَعْلَمُونَ لسان العرب ويفهمون معاني
الكلام وأسراره. قوله {بَشِيراً وَنَذِيراً} وحال كونه أيضا بشيراً لأهل الإيمان
وصالح الأعمال بالفوز بالجنة والنجاة من النار، نذيراً للمشركين المكذبين من عذاب
النار
ومن هداية الأية : تعيّن تعلم اللغة العربية على كل مسلم يريد أن
يفهم كلام الله القرآن العظيم.و شاهده قول الأصوليين ما لا يتم الواجب إلا به فهو
واجب وما دام لا يفهم الشرع إلا بلغة القرآن وجب تعلم هذه اللغة.
(4) فأعرض أكثرهم : فأعرض أكثر هؤلاء عما في القرآن من الهدى فلم يهتدوا ومن
البشارة فلم يعنوا بها ومن النذارة فلم يحذروها فكانوا في أشد الحماقة إذ لم يعنوا
بالخير ولم يحذروا الشر فلم يأخذوا بالحيطة لأنفسهم.
فهم لا يسمعون: أي سماع تعقل وتدبر لينتفعوا بما يسمعون.
(5) في أكنة: أي أغطية جمع كنان: ما فيه يكن الشيء ويستر. وفي
آذاننا وقر: أي ثقل فلم نطق السمع. ومن بيننا وبينك حجاب: أي مانع وفاصل بيننا فلا
نسمع ما تقول ولا نرى ما تفعل.وروي أن أبا جهل استغشى على رأسه ثوباً فقال يا محمد
بيننا وبينك حجاب استهزاء منه.
وأعمل إننا عاملون : أى واعمل على نصرة دينك فإننا عاملون كذلك على
نصرة ديننا والحفاظ على معتقداتنا وهذه نهاية المفاصلة التي أبدتها قريش للرسول
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقيل اعمل على هلاكنا فإنا عاملون على هلاكك وقيل غير هذا والقول
الأول أولى .
(6) فاستقيموا إليه: بإخلاص العبادة له دون سواه. وويل للمشركين: أي
عذاب شديد سيحل بهم لإغضابهم الرب بمضادته بآلهة باطلة.و استقيموا إليه أي وجهوا
وجوهكم بالدعاء له والمسألة إليه كما يقال للرجل استقم إلى منزلك أي لا تعرج إلى
شيء غير القصد إليه.
{وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ}
يخبر تعالى أن الويل وهو مُرُّ العذاب إذ من معاني الويل أنه صديد وقيح أهل النار
وما يسيل من أبدانهم وفروجهم للمشركين بربهم
(7) قال ابن عباس لا يؤتون الزكاة أي لا يشهدون أن لا إله إلا الله
وهي زكاة الأنفس لأن السورة مكية والزكاة فرضت بالمدينة وقال بعضهم إن قريشاً
كانوا ينفقون النفقات ويسقون الحجيج ويطعمونهم فحرموا ذلك من آمن بمحمد صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنزلت هذه الآية.
ومن هداية الأية : وجوب الزكاة في الأموال، ووجوب تزكية النفوس
بالإيمان وصالح الأعمال.
(8) إن الذين أمنوا وعملوا الصحالحات : الجملة مستأنفة استئنافاً
بيانيا نشأ عن الوعيد المتقدم فكأن سائلاً يقول فإن اتعظ هؤلاء المشركون وتابوا من
الشرك وترك المعاصي فما جزاؤهم؟ فالجواب أن الذين آمنوا عملوا الصالحات لهم أجر
غير ممنون.
لهم أجر غير ممنون : أى غير مقطوع ، و المن القطع ومن منّ صدقته فقد
قطعها قال الشاعر: لعمرك ما بابي بذي غلق
على الصديق ولا خيري بممنون
(9) بالذي خلق الأرض في يومين: أي الأحد والاثنين.
(10) وجعل فيها رواسي: أي جبالاً ثوابت. وبارك فيها: أي في الأرض
بكثرة المياه والزروع والضروع. وقدر فيها أقواتها: أي أقوات الناس والبهائم. في
أربعة أيام: أي في تمام أربعة أيام وهي الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء. سواء
للسائلين: أي في أربعة أيام هي سواء لمن يسأل فإنها لا زيادة فيها ولا نقصان.
(11) ثم استوى إلى السماء: أي قصد بإرادته الربانية إلى السماء وهي
دخان قبل أن تكون سماء.
لا تعارض بين قوله تعالى في هذه الآية {ثم استوى إلى السماء} المشعر
بأن خلق السموات كان بعد خلق الأرض، وبين قوله: {والأرض بعد ذلك دحاها} من سورة
النازعات المفهم أن دَحْوَ الأرض كان بعد خلق السماء، إذ فسر تعالى دحو الأرض
بإخراج مائها ومرعاها وهو ما ترعاه الحيوانات التي سيخلقها عليها، ثم قوله {خلق
الأرض في يومين} على صورة يعلمها هو ولا نعلمها نحن وتقدير الأقوات في قوله {وقدر
فيها أقواتها} لا يستلزم أن يكون فعلا أظهر ما قدره إلى حيز الوجود، وحينئذ لا
تعارض بين ما يدل من الآيات على خلق الأرض أولا ثم خلق السموات وهو الذي صرحت به
الأحاديث إذ خلق الأرض في يومين وقدر الأقوات في يومين وبعد أن خلق السموات دحا
الأرض فأخرج منها ما قدره فيها من أقوات وأرزاق الحيوانات حسب سنته في ذلك.
(12) فقضاهن سبع سماوات في يومين: أي الخميس والجمعة ولذا سميت
الجمعة جمعة لاجتماع الخلق فيها. وأوحى في كل سماء أمرها (1) : أي ما أراد أن يكون
فيها من الخلق والأعمال.
وزينا السماء الدنيا بمصابيح: أي بنجوم.
وحفظاً: أي وحفظناها من استراق الشياطين السمع بالشهب الموجودة فيها.
(13) الصاعقة حقيقتها أنها نار تخرج مع البرق تحرق ما تصيبه، وتطلق
على الحادثة المبيدة السريعة الإهلاك.
(16) ريحاً صرصراً: أي ذات صوت يسمع له صرصرة مع البرودة الشديدة. في
أيام نحسات: أي مشئومات عليهم لم يفلحوا بعدها.
(17) من هداية الأية : بما كانوا يكسبون : لا مصيبة إلا بذنب
"بما كانوا يكسبون " أي من
الذنوب.
(19) فهم يوزعون: أي يحبس أولهم ليلحق آخرهم ليساقوا إلى النار
مجتمعين.
(21) وهو خلقكم أول مرة: أي بدأ خلقكم في الدنيا فخلقكم ثم أماتكم ثم
أحياكم.
(22) وما كنتم تستترون: أي عند ارتكابكم الفواحش والذنوب أي تستخفون
من أن يشهد عليكم سمعكم وأبصاركم فتتركوا الفواحش والذنوب. ولكن ظننتم أن الله لا
يعلم: أي ولكن عند ارتكابكم الفواحش ظننتم أن الله لا يعلم ذلك منكم. أرداكم: أي
أهلككم.و شهادة جلودهم وجوارحهم عليهم هي شهادة تكذيب وافتضاح وإلا إدانتهم متحققة
بصحائف أعمالهم وإجراء ضمائر السمع والبصر والجلود بصيغة جمع العقلاء لأن التحاور
معهم أنزلهم منزلة العقلاء.
في الصحيحين حادثة ذكرت أنها سبب نزول هذه الآية وهي أن عبد الله بن
مسعود قال كنت مستتراً بأستار الكعبة فجاء ثلاثة نفر قريشيان وآخر قليل فقه قلوبهم
كثير شحم بطونهم فتكلموا بكلام لم أفهمه فقال أحدهم أترون أن الله يسمع ما نقول؟
فقال الآخر يسمع إن جهرنا ولا يسمع إن أخفينا وقال الآخر إن كان يسمع إذا جهرنا
فهو يسمع إذا أخفينا. قال عبد الله فذكرت ذلك للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فأنزل الله تعالى {وما كنتم تستترون} الخ..
(23)
وذالكم ظنكم الذى ظننتم بربكم أرداكم : من هداية الأية : التحذير
من سوء الظن بالله تعالى ومن ذلك أن يظن المرء أن الله لا يطلع عليه. أو لا يعلم
ما يرتكبه، أو أنه لا يحاسبه أو لا يجزيه.
(24) وإن يستعتبوا: أي يطلبوا العتبى وهي الرضا فلا يعتبون أي لا
يرضى عنهم هذه حالهم أبدا.
(25) وقيضنا لهم قرناء: أي وبعثنا لكفار مكة المعرضين قرناء من
الشياطين. فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم: أي حسنوا لهم الكفر والشرك، وإنكار
البعث والجزاء.ومعنى : قيضنا: أتحنا وهيّنا لهم قرناء أي شياطين يلازمونهم قد
يكونون من الجن ومن الإنس إذ الشياطين من الجنسين.
(26) يخبر تعالى عن أولئك المعرضين عن كفار قريش وأنهم قالوا لبعضهم
بعضاً لا تسمعوا لهذا القرآن الذي يقرأه محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى
لا تتأثروا به، والغوا فيه أي الغطوا وصيحوا بكلام لهو وصفقوا وصفروا حتى لا يتأثر
به من يسمعه من الناس لعلكم تغلبون رجاء أن تغلبوا محمداً على دينه فتبطلوه ويبقى
دينكم. وهذا منتهى الكيد والمكر من أولئك المعرضين عن دعوة الإسلام. قال ابن عباس
كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو بمكة إذا قرأ القرآن يرفع صوته
فكان أبو جهل وغيره يطردون الناس عنه ويقولون لا تسمعوا له والغوا فيه فكانوا
يأتون بالمكاء والصفير والصياح وفي الصحيح أنهم أخرجوا أبا بكر من مكة خوفاً أن
يفتن أبناءهم ونساءهم بقراءته القرآن لرقة صوته وبكائه.
(29) ليكونا من الأسفلين : هذا التعليل أرادوا به التوطئة لاستجابة
الله تعالى لما علموا من غضب الله تعالى فأرادوا أن يتوسلوا إليه تعالى بذلك.
(30) ثم استقاموا: أي ثبتوا على ذلك فلم يبدلوا ولم يغيروا ولم
يتركوا عبادة الله بفعل الأوامر وترك النواهي.
تتنزل عليهم الملائكة: أي عند الموت وعند الخروج من القبر بحيث
تتلقاهم هناك.
أن لا تخافوا ولا تحزنوا: أي بأن لا تخافوا مما أنتم مقبلون عليه
فإنه رضوان الله وحمته ولا تحزنوا عما خلفتم رواءكم.
وفي صحيح مسلم عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال قلت يا رسول الله قل
لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك وفي رواية غيرك. قال: قل آمنت بالله
ثم استقم.
وذكر القرطبي في تفسير الاستقامة أكثر من عشرة أقوال للصحابة والسلف،
ثم قال وهذه الأقوال وإن تداخلت فتلخيصها "اعتدلوا على طاعة الله عقداً
وقولاً وفعلاً وداوموا على ذلك".
(34) ادفع بالتي هي أحسن: أي ادفع أيها المؤمن السيئة بالخصلة التي
هي أحسن كالغضب بالرضى، والقطيعة بالصلة. ومن هداية الأية : تقرير أن الحسنة لا
تتساوى مع السيئة. كما أن الحسنات تتفاوت والسيئات تتفاوت. قال ابن عباس في هذه
الآية ادفع بالتي هي أحسن إلى قوله ولي حميم أمره الله تعالى بالصبر عند الغضب
والحلم عند الجهل والعفو عند الإساءة وهو كما قال رضي الله عنه.
(35) وما يلقاها إلا الذين صبروا: أي وما يعطى هذه الخصلة التي هي
أحسن.
لما كانت هذه الخصلة وهي الدفع بالتي هي أحسن لا تتأتى إلا لذوي
الأخلاق الفاضلة والنفوس الكاملة الشريفة قال تعالى: {وَمَا يُلَقَّاهَا} أي وما
يعطى هذه الخصلة {إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا} فكان الصبر خلقاً من أخلاقهم {وَمَا
يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} في الأخلاق والكمال النفسي، في الدنيا،
والآخرة والأجر العظيم وهو الجنة في الآخرة.
(36) {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ
بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} يرشد الرب تعالى عبده ورسوله وكل فرد
من أفراد أمته إن نزغه من الشيطان نزغ بأن وسوس له بفعل شر أو ترك خير، أو خطر له
خاطر سوء أن يفزع إلى الله تعالى يستجير به فإن الله تعالى هو السميع العليم
فالاستجارة به من الشيطان تحمي العبد وتقيه من وسواس الشيطان وما يلقيه في النفس
من خواطر سيئة، ولله الحمد والمنة على هذا الإرشاد الرباني الذي لا يستغني عنه أحد
من عباده.وفائدة الاستعاذة بالنسبة إلى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
تجديد داعيه العصمة المركوزة في نفس النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأن
الاستعاذة بالله من الشيطان استمداد للنعمة وصقل النفس مما يغان على القلب كما قال
الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر
الله في اليوم مائة".
(39) ترى الأرض خاشعة: يابسة جامدة لا نبات فيها ولا حياة.
{وَمِنْ آيَاتِهِ} أي علامات قدرته على إحياء الموتى للبعث والجزاء
إنك أيها الإنسان ترى الأرض أيام المحل والجدب هامدة جامدة لا حركة لها فإذا أنزل
الله تعالى عليها ماء المطر اهتزت وربت أي تحركت تربتها وانتفخت وعلاها النبات
وظهرت فيها الحياة كذلك إذا أراد الله إحياء الموتى أنزل عليهم ماء من السماء وذلك
بين النفختين نفخة الفناء ونفخة البعث فينبتون كما ينبت البقل.
(40) يلحدون في آيات الله: أي يجادلون فيها ويميلون بها فيؤولونها
على غير تأويلها لإبطال حق أو إحقاق باطل. اعملوا ما شئتم: هذا تهديد لهم على
إلحادهم وليس إذناً لهم في العمل كما شاءوا.
(41) وإنه لكتاب عزيز: أي القرآن لكتاب عزيز أي منيع لا يقدَر على
الزيادة فيه ولا النقص منه.و معنى عزيز ممتنع عن الناس أن يقولوا مثله.
لا يأتيه الباطل من بين يديه: أي لا يقدر شيطان من الجن والإنس أن
يزيد فيه شيئاً وهذا معنى من بين يديه.
ولا من خلفه: أي ولا يقدر شيطان من الجن والإنس أن ينقص منه شيئا
ولما كان المراد من هذا الكلام التهديد سكت عن الخبر إذ هو أظهر من
أن يذكر والعبارة قد تقصر عن أدائه بالصورة الواقعة له. وقد يقدر لنفعلن بهم كذا
كذا ...
فالخبر مقدر تقديره: هالكون أو معذبون وما ذكر في التفسير في تقدير
الخبر حسن.
وتضمنت الآية 41 ، 42 ست صفات للقرآن العظيم هي كالتالي: أنه ذكرٌ
يذكر الناس بما يغفلون عنه. أنه ذكرٌ للعرب أي شرف لهم كقوله {وإنه لذكر لك
ولقومك} أنه كتاب عزيز والعزيز النفيس والمنيع أيضا إذ عجز الإنس والجن أن يأتوا
بمثله أنه لا يتطرق إليه الباطل ولايخالطه بحال أنه مشتمل على الحكمة وهو حكيم وذو
حكمة وحاكم أيضا وأنه تنزيل من حميد والحميد المحمود حمداً كثيرا.
(44) وقوله تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً} أي
كما اقترح بعض المشركين، لقالوا: {لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ} أي هلاّ بينت آياته
لنا حتى نفهمها، ثم قالوا: {أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} أي أقرآن أعجمي ونبي عربي
مستنكرين ذلك متعجبين منه وكل هذا من أجل الإصرار على عدم الإيمان بالقرآن الكريم
والنبي الكريم وتوحيد الرب الكريم.
هدى وشفاء: أي هدى من الضلالة، وشفاء من داء الجهل وما يسببه من
أمراض.
والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر: أي ثقل فهم لا يسمعونه وهو عليهم
عمى فلا يفهمونه.
أولئك ينادون من مكان بعيد: والمنادى من مكان بعيد لا يسمع ولا يفهم
ما ينادى له.
ولما علم تعالى ذلك منهم أمر رسوله أن يقول لهم قل هو أي القرآن
الكريم هدى وشفاء :هدى يهتدى به إلى سبيل السعادة الكمال والنجاح، وشفاء من أمراض
الشك والشرك والنفاق والعجب والرياء والحسد والكبر، والذين لا يؤمنون بالله رباً
وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً هو أي القرآن في آذانهم وقر أي حمل ثقيل أولئك
ينادون من مكان بعيد ولذا فهم لا يسمعون ولا يفهمون.
هذه تسلية وأخرى في قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى
الْكِتَابَ} أي التوراة فاختلفوا فيه فمنهم المصدق ومنهم المكذب، ومنهم العامل بما
فيه المطبق ومنهم المعرض عنه المتبع لهواه وشيطانه الذي أغواه وقوله تعالى
{وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ
لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} فيما اختلفوا فيه لحكم لأهل الصدق بالنجاة وأهل الكذب
بالهلاك والخسران وقوله: إنهم لفي شك منه أي من القرآن مريب أي موقع في الريبة
وذلك من جراء محادته والمعاندة والمجاحدة، وقوله: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ}
وهذه تسلية أعظم فإن من عمل صالحاً في حياته بعد الإيمان فإن جزاءه قاصر عليه
ينتفع به دون سواه، ومن أساء أي عمل السوء وهو ما يسوء النفس من الذنوب والآثام
فعلى نفسه عائد سوءه الذي عمله ولا يعود على غيره
(47) وما تخرج من ثمرات من أكمامها: أي من أوعيتها واحد الأكمام كِمّ
وكم الثوب مخرج اليد.
وما تحمل من أنثى: أي من أي جنس كان إنساناً أو حيواناً.
ولا تضع إلا بعلمه: أي ولا تضع حملهما إلا ملابسا بعلم الله تعالى
المحيط بكل شيء.
فهذه ثلاثة أمور وجب رد علمها إلى الله تعالى الأول علم ما تخرجه
أكمام النخل من الثمر بقدره وجودته وثباته وسقوطه والثاني حمل الأنثى من الناس
والحيوان والتي تلقح والتي لا تلقح، والثالث وقت وضع الأجنة فهذه وجب رد علمها إلى
الله تعالى إذ لا يعلمها إلا هو كسائر الغيوب.
ويوم يناديهم: متعلق بمحذوف تقديره اذكر يوم يناديهم، لما سألوا عن
الساعة أعلمهم أن أمر علم وقتها مرده إلى الله وحده فناسب ذكر بعض أحداثها فذكر
لهم ذلك.
قالو أذناك : أى أعلمناك الآن أنه ما منا من شهيد يشهد بأن لك شريكاً
إنه لا شريك لك وضل عنهم أي غاب عنهم ما كانوا يدعون من قبل في الدنيا، وظنوا
أيقنوا ما لهم من محيص أي مهرب من عذاب الله.
(49) يخبر تعالى عن الإنسان (1) الكافر الذي لم تزك نفسه ولم تطهر
روحه بالإيمان وصالح الأعمال إنه لا يسأم ولا يمل من دعاء الخير (2) أي المال
والولد والصحة والعافية فلا يشبع من ذلك بحال. ولئن مسه الشر من ضر وفقر ونحوهما
فهو يئوس (3) قنوط يؤوس من الفرج وتبدل الحال من عسر إلى يسر قنوط ظاهر عليه آثار
اليأس في منطقه وفي حاله كله.
شاهده من السنة قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصحيح
" لو أن لابن آدم واديين من ذهب لتمنى الثالث ولا يملأ عين ابن آدم إلا
التراب ويتوب الله على من تاب".
واشتملت الآية على خلقين عجيبين الأول خلق البطر بالنعمة والغفلة عن
الشكر لله تعالى والثاني اليأس والقنوط من رجوع النعمة بعد فقدها.
(53) في الآفاق وفي أنفسهم: أي في أقطار السموات والأرض من المخلوقات
وأسرار خلقها وفي أنفسهم من لطائف الصنعة وعجائب وبدائع الحكمة.
الآفاق جمع أفق الناحية من الأرض المتميزة عن غيرها والناحية من قبة
السماء.
قال القرطبي "وفي أنفسهم" من لطيف الصنعة وبديع الحكمة حتى
سبيل الغائط والبول فإن الرجل يشرب ويأكل من مكان واحد ويتميز ذلك من مكانين،
وبديع صنعة الله وحكمته في عينيه اللتين هم قطرة ماء ينظر بهما، وفي أذنيه وكيف
يفرق بين الأصوات المختلفة إلى غير ذلك.
Comments