مختصر تفسير سورة الشورى من أيسر
التفاسير للشيخ أبى بكر الجزائرى
مكية
وآياتها ثلاث
وخمسون آية
(5) يتفطرن من فوقهن: أي يتشققن من عظمة الرحمن وجلاله.
(6) الله حفيظ
عليهم: أي يحصي لهم أعمالهم ويجزيهم بها.
ومن هداية الأيات فى
قوله تعالى :وكذلك يوحى وإلى الذين من قبلك : وحدة الوحي بين سائر الأنبياء إذ هي تدور
على التوحيد والنبوة والبعث والجزاء والترغيب في العمل الصالح، والترهيب من العمل الفاسد.
(7) وكذلك أوحينا إليك:
أي ومثل ذلك الإيحاء إليك وإلى من قبلك أوحينا إليك.
القرآن مصدر
نحو غفران وأطلق على المقروء مبالغة في الاتصاف بالمقروئية لكثرة ما يقرأه القارئون
لحسنه وفوائده وعظيم مثوبته.
كنيت مكة بأم
القرى لأنها أقدم المدن العربية وقيل لأن الأرض دحيت من تحتها.
جملة فريق
الخ ابتدائية لأنها جواب لمن سأل عن حال الناس وهم مجتمعون في عرصات القيامة فأجيب
بأنهم فريقان فريق في الجنة وفريق في السعير.
(11) فاطر
السموات والأرض: خالقهما ومبدعهما على غير مثال سابق.
ليس كمثله
شيء: أي ليس مثل الله شيء إذ هو الخالق لكل شيء فلا يكون مخلوق مثله بحال من الأحوال.ولو
قُدر لمخلوق أن يكون مثله فلن يكون مثله لأنه سيكون مخلوق والله خالق.
ومعنى ليس
كمثله شيء: ليس مثله شيء فالكاف مقحمة لا غير، ولما كانت للتشبيه ومثله كذلك فهي إذاً
لتأكيد نفي الشبيه لله تعالى.
لما كانت جملة
ليس كمثله شيء صفة سلبية أعقب عليها بصفات إيجابية وهي كونه تعالى سميعا بصيرا، وهكذا
الحكم في صفات الله تعالى فيثبت له ما أثبته هو لنفسه وأثبته له رسوله من الصفات العلى
وينفى عنه من صفات النقص كالمثلية والتشبيه وما نفاه تعالى هو عن نفسه ونفاه عنه رسوله
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(12) {لَهُ
مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} أي له مفاتيح خزائن السموات والأرض، وله مغاليقها
فهو تعالى يبسط الرزق لمن يشاء امتحاناً ويضيق ابتلاء، لأنه بكل شيء عليم فلا يطلب
الرزق إلا منه، ولا يلجأ فيه إلا إليه.
المقاليد جمع
إقليد أو مقلاد على غير قياس وهو المفتاح، والمقاليد للخزائن وهي ما أودع الله تعالى
من أرزاق السموات والأرض لعباده، فلذا هو يبسط الرزق ويقدر حسب علمه وحكمته.
(13) ويهدي
إليه من ينيب: أي ويوفق لطاعته من ينيب إليه في أموره ويرجع إليه في جميع شأنه، بخلاف
المعرضين المستكبرين.
(14) بغياً
بينهم: أي حملهم البغي على التفرق في دين الله.
وإن الذين
أورثوا الكتاب من: أي وإن الذين أورثوا الكتاب من بعد الأولين وهم اليهود والنصارى
ومشركو العرب.
لفي شك منه
مريب: أي لفي شك مما جئتهم به من الدين الحق وهو الإسلام.
وقوله ولولا
كلمة سبقت من ربك وهو عدم معاجلة هذه الأمة المحمدية بعذاب الإبادة والاستئصال، وترك
عذابهم إلى يوم القيامة لولا هذا لعجل لهم العذاب من أجل اختلافهم فأهلك الكافرين وأنجى
المؤمنين. وهو معنى قوله تعالى {وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ
مُسَمّىً لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} أي فرغ منهم بالفصل بينهم بإهلاك الكافرين وإنجاء المؤمنين.
وقوله تعالى:
{وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ } أي من بعد اليهود والنصارى
وهم العرب إذ أنزل الله فيهم كتابه القرآن الكريم لفي شك منه أي من القرآن والنبي والدين
الإسلامي مريب أي بالغ الغاية في الريبة والاضطراب النفسي، كما أن اللفظ يشمل اليهود
والنصارى إذ هم أيضاً ورثوا الكتابين عمن سبقهم وأنهم فعلاً في شك من القرآن ونبيه
والإسلام وشرائعه.
(16) هذه الآية
نزلت في يهود بالمدينة نصبوا أنفسهم خصوماً لأصحاب رسول الله يجادلونهم يريدون تشكيكهم
في الإسلام والعودة بهم إلى وثنية الجاهلية وكان هذا قبل هجرة الرسول صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة فرد تعالى عليهم وأسكتهم بهذه الآية متوعداً إياهم
بالغضب والعذاب الشديد.
من هداية
الأيات
تعين ترك الحجاج
والمخاصمة مع أهل الكتاب وكذا أهل الأهواء والبدع لأنا على الحق وهم على الباطل، فكيف
نحاجهم إذ الواجب أن يسلموا وكفى.
(18) يستعجل
بها الذين لا يؤمنون: أي يطالب المكذبون بها لأنهم لا يخافون ما فيها لعدم إيمانهم
به.
والذين آمنوا
مشفقون منها: أي خائفون وذلك لإيمانهم فهم لا يدرون ما يكون لهم فيها من سعادة أو شقاء
ولذا هم مشفقون.
(21) أم لهم
شركاء شرعوا لهم من الدين: أي بل لهم شركاء من الشياطين شرعوا لهم من الدين.
ما لم يأذن
به الله: أي ما لم يشرعه الله تعالى وهو الشرك.
ولولا كلمة
الفصل لقضي بينهم: أي ولولا كلمة الفصل التي حكم الله بها بتأخير العذاب إلى يوم القيامة
لأهلكهم اليوم على شركهم وأنجى المؤمنين.
جائز أن يكون
الكتاب اسم جنس يشمل الكتب الإلهية إذ الله تعالى هو منزلها وجائز أن يكون المراد به
القرآن. وأل فيه للتفخيم من شأنه كأنه الكتاب الفذ في بابه.
(23) {قُلْ
لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} يأمر تعالى
رسوله أن يقول لقومه من المشركين لا أسألكم على إبلاغي إياكم دعوة ربي إلى الإيمان
به وتوحيده لتكملوا وتسعدوا أجراً أي مالاً لكن أسألكم أن تودوا قرابتي منكم فلا
تؤذوني وتمنعوني من الناس حتى أبلغ دعوة ربي.
هذا
الخطاب خاص بقريش قاله ابن عباس ومجاهد وعكرمة والاستثناء منقطع فهو بمعنى لكن
ومعنى الآية قل لا أسألكم عليه أي على البلاغ أجراً أي ثواباً وجزاءً إلا أن
تودّوني من قرابتي منكم أي تراعوا ما بيني وبينكم فتصدقوني وتنصروني حتى أبلغ
رسالتي وذلك أنه ما من بطن من بطون قريش إلا وفيه للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قرابة رحم وأما توجيه الآية على آل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فهو تمحل واضح إلا أن حب آل البيت وتعظيمهم واجب أكيد ووردت فيه أحاديث
كثيرة صالحة للاحتجاج بها.
(24) {أَمْ
يَقُولُونَ (1) افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِباً} أي بل يقولون أفترى على الله كذبا
أي يقول المشركون إن محمداً افترى على الله كذباً فادعى أن القرآن كلام الله ووحيه
وما هو إلا افتراء افتراه على الله. فأبطل الله تعالى هذه الدعوة وقال: {فَإِنْ
يَشَأِ اللهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ} أي يطبع على قلبك فتنسى القرآن ولا تقدر
على قوله والنطق به، فكيف إذًا يقال إنه يفتري على الله كذباً والله قادرٌ على
منعه والإحالة بينه وبين ما يقوله.
أم
للإضراب الانتقالي والاستفهام إنكاري ينكر تعالى على المشركين الذين قالوا إن
محمداً يفتري على الله الكذب فيقول أرسلني الله وما أرسله ويقول القرآن من وحي
الله، والله ما أوحى إليه فأنكر تعالى هذا على قائليه ووضح لهم أن دعواهم لا تمت
إلى الواقع بصلة.
(26) {وَيَسْتَجِيبُ
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} أي يجيب دعاءهم فيما طلبوه ويزيدهم
من فضله فيعطيهم ما لم يطلبوه فما أعظم كرمه وما أوسع رحمته!! هذا للذين آمنوا
وعملوا الصالحات. وأما الكافرون فلهم عذاب شديد.
فاعل
يستجيب هو الله عز وجل والذين مفعول به في محل نصب والسين والتاء للتأكيد إذ
استجاب هو بمعنى أجاب.
ومن هداية
الأية : وعد الله تعالى باستجابة دعاء المؤمنين العاملين للصالحات وهم أولياء الله
تعالى الذين إن سألوا أعطاهم وإن استعاذوه أعاذهم وإن استنصروه نصرهم. اللهم
اجعلنا منهم واحشرنا في زمرتهم.
(27) روي
أن خباب بن الأرت قال هذه الآية نزلت فينا نظرنا إلى أموال بني النضير وقريظة
وقينقاع فتمنيناها فنزلت {ولو بسط الله} الآية والآية تضمنت رداً على من يقول ما
دام الله يستجيب للذين آمنوا الخ لم لا يسألونه سعة الرزق فيغنيهم ويثريهم
بألاموال فكان الجواب ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض. وشاهده من السنة
هو قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فو الله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى
عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من قبلكم فتتنافسوها كما تنافسوها
وتهلككم كما أهلكتهم.
(28) وهو
الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا: أي المطر من بعد يأسهم من نزوله. والغيث المطر
وسمي غيثاً لأن به غيث الناس المضطرين.
وينشر
رحمته: أي بركات المطر ومنافعه في كل سهل وجبل ونبات وحيوان.
وهو الولي
الحميد: أي المتولي لعباده المؤمنين المحسن إليهم المحمود عندهم.
(30) وقوله
تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو
عَنْ كَثِيرٍ} ، وهذا مظهر آخر للقدرة والعلم يتجلى فيما يصيب الإنسان من مصيبة في
نفسه وولده وماله إن كل مصاب ينزل بالإنسان في هذه الحياة ناتج عن مخالفة لله
تعالى فيما وضع من القوانين والشرائع والسنن. وأعظم دلالة أن يعطل القانون الماضي
ويوقف مفعوله فيكسب العبد الذنب ولا يؤاخذ به عفواً من الله تعالى عليه، وهو معنى
قوله تعالى {وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} فله الحمد وله المنة. ومظهر آخر من مظاهر
قدرة الله وعلمه وحكمته هو أن الناس مهما أوتوا من قوة وتدبير وعلم ومعرفة لم ولن
يعجزوا الله تعالى {أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ} فالسماء فوقهم والأرض
تحتهم إن يشأ يخسف الأرض من تحتهم أو يسقط عليهم السماء كسفاً من فوقهم. فإلى أين
المهرب والجواب إلى الله فقط بالاستسلام له والانقياد بالطاعة وفي ذلك نجاتهم
وعزهم وكرامتهم زيادة على سعادتهم وكمالهم في الحياتين وقوله: {وَمَا لَكُمْ مِنْ
دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ} أي وليس لكم أيها الناس مع عجزكم من ولي
يتولاكم ولا ناصر ينصركم. إذاً ففروا إلى الله بالإيمان والإسلام له تنجوا وتسعدوا.
قال الحسن
لما نزلت هذه الآية قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما من اختلاج عرق
ولا خدش عود ولا نكبة حجر إلا بذنب، ولما يعفوا الله عنه أكثر. وشاهد آخر من كتاب
الله تعالى قوله تعالى {من يعمل سوء يجز به} .
(32) {وَمِنْ
آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ} أي ومن حججه عليكم يا عباد الله
الدالة على قدرة الله وعلمه وحكمته ورحمته أيضاً هذه السفن الجوار في البحر كأنها
جبال عالية تسير من إقليم إلى إقليم بتسخير الله تعالى البحار وإرسال الرياح وهي
تجري بمنافعكم حيث تنقل الركاب والبضائع من إقليم إلى آخر.
الجوار
جمع جارية والأعلام جمع علم والعلم الجبل والآيات جمع آية وهي العلامة الدالة على
الشيء الهادية إليه المعروفة به. وسميت السفينة جارية لأنها تجري في البحر وسميت
الشابة من النساء جارية لأنها يجري فيها ماء الشباب.
قال
الخليل كل شيء مرتفع عند العرب فهو علم واستشهد بقول الخنساء وهي ترثي أخاها صخرا:
وإن صخراً
لتأتم الهداة به كأنه علم في رأسه نار
(34) وقوله
{أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا } . وقوله {وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ } أي ولا
يؤاخذ بكل ذنب فقد يعفو عن كثير من الذنوب. إذ لو عاقب على كل ذنب وآخذ بكل خطيئة
لما بقي على وجه الأرض أحد إذ ما من أحد إلا ويذنب اللهم إلا ما كان من المعصومين
من الأنبياء والمرسلين فإنهم لا يذنبون، ولكن قد يذنب أصولهم وفروعهم فيهلكون ومن
أين يوجدون!!
(36) فما
أوتيتم من شيء: أي فما أعطيتم من شيء من متاع الدنيا كالمال والولد والمطعم
والمشرب والملبس والمسكن والمنكح والمركب.
فمتاع
الحياة الدنيا: أي يتمتع به زمناً ثم يزول ولا يبقى.
(40) {وَجَزَاءُ
سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} هذا هو الحكم الشرعي جزاء المسيء العقوبة بما أوجب
الله تعالى له في كتابه أو على لسان رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقوله
تعال فمن عفا عمن أساء إليه، أصلح ما بينه وبينه فعادت المودة وعاد الإخاء فأجره
على الله وهو خير له وأبقى من شفاء صدره بعقوبة أخيه الذي أساء إليه. وقوله تعالى
{إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} تعليل لعظم الأجر لمن عفا أي كونه تعالى لا يحب
الظالمين ضاعف الأجر وأجزل المثوبة للمظلوم إذا عفا وأصلح.
(45) {وَتَرَى
الظَّالِمِينَ} أي المشركين لما رأوا العذاب أي عذاب النار يقولون: متمنيين الرجوع
إلى الدنيا ليؤمنوا ويوحدوا حتى ينجوا من عذاب النار ويدخلوا الجنة مع الأبرار: هل
إلى مرد من سبيل؟ أي هل إلى مرد إلى الدنيا من طريق؟ قال تعالى {وَتَرَاهُمْ
يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا} أي على النار خاشعين خاضعين متواضعين من الذل ينظرون من
طرف خفي (2) يسترقون النظر لا يملأون أعينهم من النظر إلى النار لشدة خوفهم منها.
وهنا يقول الذين آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة وذلك
لخلودهم في النار وحرمانهم من الوصول إلى الحور العين في الجنة دار الأبرار، ويعلن
معلن فيقول: ألا إن الظالمين لأنفسهم بالشرك والمعاصي في عذاب مقيم لا يبرح ولا
يزول وقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ
دُونِ اللهِ} يخبر تعالى بأنه لم يكن لأولئك الظالمين من أهل النار من أولياء من
دون الله ينصرونهم بتخليصهم من العذاب. وقوله: {وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ
مِنْ سَبِيلٍ} أي فما له طريق إلى هدايته في الدنيا وإلى الجنة يوم القيامة.
الطرف
مصدر طرف يطرف طرفاً إذا حرك جفنه ولذا هو لا يثنى ولا يجمع قال تعالى {لا يرتد إليهم
طرفهم} ويطلق الطرف على العين كما في هذه الآية قال الشاعر:
فغض الطرف
إنك من نمير
فلا كعباً
بلغت ولا كلابا
(47) وما
لكم من نكير: أي وليس لكم ما تنكرون به ذنوبكم لأنها في كتاب الله لا يغادر صغيرة
ولا كبيرة إلا أحصاها.
بعد ذلك
العرض الهائل لأهوال وأحوال الظالمين في عرصات القيامة طلب الرب تعالى من عباده أن
يجيبوه لما طلبه منهم إنقاذاً لأنفسهم من النار فقال: {اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ
(1) } بمعنى أجيبوه لما دعاكم إليه من التوحيد والطاعات قبل فوات الفرصة وذلك قبل
الموت وقبل يوم القيامة اليوم الذي إذا جاء لا مرد له من الله، إذ لا يقدر على رده
إلا الله والله أخبر أنه لا يرده فمن يرده إذاً؟ فبادروا بالتوبة إلى ربكم قبل
مجيئه حيث لا يكون لكم يومئذ ملجأ تلجأون إليه هاربين من العذاب ولا يكون لكم نكير
يمكنكم أن تنكروا به ذنوبكم إذ قد جمعت لكم في كتاب واحد لم يترك صغيرة من الذنوب
ولا كبيرة إلا أحصاها عدا.
(49) من
هداية الأية : وجود عقم في الرجال وعقم في النساء، ولا بأس بالعلاج الجائز المشروع
عند الشعور بالعقم أو العقر. أما ما ظهر الآن من بنوك المني، والإنجاب بطريق صبّ
ماء فحل في فرج امرأة عاقر وما إلى ذلك فهذه من أعمال الملاحدة الذين لا يدينون
لله بالطاعة له والتسلم لقضائه، وإن صاموا وصلوا وادعوا أنهم مؤمنون إذ لا حياء
لهم ولا إيمان لمن لا حياء له، وحسبهم قبحا في سلوكهم هذا الكشف عن السوءات بدون
إنقاذ حياة ولا طلب رضا الله رب الأرض والسموات.
(51) {وَمَا
كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً (1) } يخبر تعالى أنه ليس
من شأن البشر كائنا من كان أن يكلمه الله تعالى إلا وحيا بأن يعلمه بطريق سريع خفي
إلهاماً أو مناماً فيفهم عن الله تعالى ما ألقاه في روعه (2) جازماً أنه كلام الله
ألقاه إليه، هذه طريقة وثانية أن يكلمه الله تعالى فيسمعه كلامه بدون أن يرى ذاته
كما كلم موسى عليه السلام غيره مرة. وثالثة أن يرسل إليه رسولاً كجبريل عليه
السلام فيبلغه كلام ربه تعالى هذا معنى قوله تعالى {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ
يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ (3)
رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ} أي ذو علو على خلقه
{حَكِيمٌ} في تدبيره لخلقه.
روى غير
واحد أن الآية نزلت ردا على قول من قال للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ألا
تكلم الله وتنظر إليه إن كنت نبياً كما كلمه موسى ونظر إليه فإنا لن نؤمن لك حتى
تفعل ذلك وجائز أن يكون اليهود الذين أشاروا بهذا على كفار قريش وجائز أن يكون
اليهود هم القائلون له.
روى غير
واحد أن الآية نزلت ردا على قول من قال للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ألا
تكلم الله وتنظر إليه إن كنت نبياً كما كلمه موسى ونظر إليه فإنا لن نؤمن لك حتى
تفعل ذلك وجائز أن يكون اليهود الذين أشاروا بهذا على كفار قريش وجائز أن يكون
اليهود هم القائلون له.
الروع بضم
الراء القلب أو العقل، والفتح الفزع. وفي الحديث "إن روح القدس نفثت في روعي
أن نفساً لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب"
والحديث صحيح. وأرج بعضهم خذوا ما حل ودعوا ما حرم.
من هداية
الأية : بيان طرق الوحي وهي ثلاثة الأولى الإلقاء في الروع يقظة أو مناماً
والثانية أن يكلم الله النبي بدون أن يرى ذاته عز وجل كما كلم موسى في الطور وكلم
محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الملكوت الأعلى والثالث أن يرسل إليه
الملك إما في صورته الملائكية أو في صورة رجل من بني آدم فيوحي إليه ما شاء الله
أن يوحيه من أمره.
(52) {مَا
كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ} أي القرآن {وَلا الْأِيمَانُ (2) } الذي هو عقيدة
وقول وعمل. وقوله {وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً} أي جعلنا القرآن نوراً نهدي به من
نشاء من عبادنا إلى الإيمان بنا وتوحيدنا وطلب مرضاتنا بفعل محابّنا وترك مساخطنا.
المنفي من الإيمان هو التفصيلي أما الإجمالي فقد
ولد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مؤمناً موحداً، ولذا لم يقل وما كنت مؤمناً
فالمنفي شرائع الإيمان وتفاصيله.
Comments