فى القرآن الكريم يدعونا رب العزة دائماً للتفكر فى خلقه والتدبر فى
مخلوقاته فى مواضع كثيرة من القرآن، وفى سورة الغاشية عندما دعانا رب العزة للتأمل
فى أربعة أشياء من خلقه وهى الإبل والسماء والأرض والجبال، بدأ سبحانه بالإبل قبل
السموات،
قال الله تعالى
أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت ، وإلى السماء كيف رفعت ، وإلى الجبال كيف
نصبت ، وإلى الأرض كيف سطحت
فلماذا هذا الترتيب ولماذا بدأ رب العزة بالإبل؟
نقدم فى هذا المقال ونوضح الأسباب والتى سيرتعد له جسدك وستملئ قلبك
بالإيمان وأن الله عظيمٌ فى خلقه فسبحان الله العظيم.
وقبل أن نوضح الإعجاز الربانى فى خلق الإبل نذكر أولاً سبب نزول الأية، حيث
لما تقدم ذكر أهل الشقاء والنعيم فى مطلع سورة الغاشية وذكر الجنة بأن فيها سررٌ
مرفوعة وأكواب موضوعة ونمارق مصفوفةٌ وزرابى مبثوثة أنكر الكفار ذلك وكذبوه وقالوا
هذا كلاٌ غير صحيح ولا يدخل العقل وأستهزءوا بالقرآن وقالوا كيف نصعد إليها إذا
كانت مرفوعة، فنزل الرد من رب العزة مفحماً لذوى العقول فقال سبحانه "أفلا
ينظرون إلى الإبل كيف خلقت" فالله سبحانه يخلق ولا يعجزه شئ ولا يمسه من لغوب
سواء خلق ذبابة أم خلق السموات أم خلق البشر أم خلق الإبل، فرغم أن خلق السموات
أكبر من خلق الناس إلا أن رب العزة لا يعجزه لا خلق الناس ولا خلق السموات ولا
يمسه نصب ولا تعب سبحانه وتعالى.
ولكن لماذا أختص الله الإبل بالذكر بعد هذه الأيات؟
القرآن مرتب ومنظم وبليغ وكل حرف فى موضعه، وكلما صفت القلوب أستشرقت عظمة
القرآن.
قال المفسرون : لما ذكر الله تعالى امر أهل الدارين من النعيم والشقاء تعجب
الكفار من ذلك فكذبوا وأنكروا فذكرهم رب العزة فى الآيات التالية بقدرته وصنعته
وأنه قادر على كل شئ كما خلق الحيوانات والسماء والأرض، ثم ذكر الله الإبل أولاً
لأنها كثيرة فى العرب، ولا يخفى تاملها عن صغير أو كبير فى أهل الجزيرة، ولم يذكر
مثلاً الفيلة او غيرها من مخلوقات الله كالأسود أو الدببية أو النمور أو غيرها رغم
عظم خلق هذه الحيوانات ايضاً لأنهم لم يروها وأنى لهم ذلك فذكرهم بشئ يرونه ليل
نهار ولكنهم يغفلون عن عظمة خلقه
والله قد ذكر الإبل ايضاً لأن
الإبل هى المخلوقات الوحيدة التى تبرك أى تجلس وتنزل إلى مستوى الإنسان لكى ترفعه
لأعلى فى مكانه على ظهرها، فسبحان الله العظيم، فالله الذى سخر هذه البهيمة التى
لا تعقل لفعل هذا، سخر هذه السرر المرفوعة كى تنزل لصاحبها وترفعه كما تفعل الإبل
وهذه هى الحكمة ولكنها ليست الحكمة الوحيدة، فهذا مثال لمن يفهمه، أما ذكر الإبل
أو غيرها من مخلوقات الله فالحكمة منه التدبر والتفكر فى خلق الله وهذا شئ مطلوب
لإولى الألباب ولمن كان له قلب أوالقى السمع وهو شهيد.
وقال الأصمعى :
فى هذه الأية وجهان ; الوجه الأول
المقصود به النوق أو الجمال لأنه من ذوات الأربع ، يبرك فتحمل عليه الحمولة ، وغيره من ذوات الأربع لا يحمل عليه
إلا وهو قائم . والوجه الثانى عنى بها
السحاب التي تحمل الماء والمطر . وقال الماوردي : وفي الإبل وجهان : أحدهما : وهو أظهرهما
وأشهرهما : أنها الإبل من النعم . الثاني : أنها السحاب . فإن كان المراد بها
السحاب ، فلما فيها من الآيات الدالة على قدرته ، والمنافع العامة لجميع خلقه .
وإن كان المراد بها الإبل من النعم ; فلأن الإبل أجمع للمنافع من سائر الحيوان.
فالإبل أموالهم ورواحلهم ، ومنها عيشهم ولباسهم ونسج بيوتهم وهي حمالة
أثقالهم ، وقد خلقها الله خلقا عجيبا بقوة قوائمها ويسر بروكها لتيسير حمل الأمتعة
عليها ، وجعل أعناقها طويلة قوية ليمكنها النهوض بما عليها من الأثقال بعد تحميلها
أو بعد استراحتها في المنازل والمبارك ، وجعل في بطونها أمعاء تختزن الطعام والماء
بحيث تصبر على العطش إلى عشرة أيام في السير في المفاوز مما يهلك فيما دونه غيرها
من الحيوان .
وضمير ينظرون عائد إلى معلوم من سياق الكلام وهم أهل الشرك الذين
أنكروا الأيات وأستهزأو بها
والهمزة للاستفهام الإنكاري إنكارا عليهم إهمال النظر في الحال إلى دقائق صنع الله في بعض مخلوقاته .
والهمزة للاستفهام الإنكاري إنكارا عليهم إهمال النظر في الحال إلى دقائق صنع الله في بعض مخلوقاته .
والإبل : اسم جمع للبعران لا واحد له من لفظه
فضلاً عن ما سبق ننظر نظرة سريعة لأجزاء خلق الأبل لنتعرف على إعجاز الله
فى خلق الإبل
فإذا تأملنا إلى إذن الأبل نجدها صغيرها يغطيها الشعر ويستطيع الجمل ان
يغلقها على راسه لمنع أتربة الصحرا من الدخول إليها خاصة كما نعلم أن حياة الجمل
أغلبها فى الصحراء.
وإذا نظرنا إلى أنف الجمل نجد أن فتحتيها ضيقتين مملؤتين بالشعر لتمنع رمال
الصحراء من الدخول إلى الأنف. وكذلك العينين فإن لها رموشاً ذات طبقتين لتحمى
العين من أتربة الصحراء وأيضاً ذيل الجمل مملؤء بالشعر ومخنوق إلى درجة تمنع
الرمال من الدخول إلى دبر الإبل بحيث تكون الرمال وكأنها طلقات من شدة الرياح وشدة
الحرارة. وجسم الجمل طويل ورجليه تكون بعيدة عن شوك الصحراء، وأيضاً خلق الله له
خفا فى قدميه وكأنه مخدة غليظة تمنع غوصه فى الرمال. والجمل هو الحيوان الوحيد
الذى يستطيع المشى فى أى نوع من أنواع الرمال مهما كانت نعومتها ولذلك سمى بسفينة
الصحراء وذلك بسبب خفه التى خلقها الله بطريقة إعجازية. ومن أكثر الأشياء المذهلة
قدرة الجمل على تخزين الماء فى سنامه والعودة إلى شربه حين يعطش وايضاً قدرته
الشديدة على تحمل أشد أنواع الحرارة، ومن عجائب الإبل أيضاً أنه يمكنها أن تحلب
يوميا عشرة كيلوجرامات من اللبن وفى السفر فى الصحراء يتحمل الجوع والعطش وفى
المقابل يمد صاحبه بالغذاء مما يجعله هو الحيوان المفضل فى الصحراء ، فسبحان من
دعانا إلى التأمل فى خلق الإبل، سبحان الله العظيم.
وهذا فيديو يوضح بالصور ما قدمناه فى هذا المقال
وهذا فيديو يوضح بالصور ما قدمناه فى هذا المقال
Comments