U3F1ZWV6ZTE3NDMwODE4MzA4MTc5X0ZyZWUxMDk5Njg2NzQ0NjUyNQ==
أبحث فى جوجل
أبحث فى جوجل
إعلان

التفسير الميسر لسورة الأحزاب (مختص تفسير سورة الأحزاب من أيسر التفاسير للشيخ أبى بكر الجزائرى)



مختصر تفسير سورة الأحزاب من أيسر التفاسير للشيخ أبى بكر الجزائرى

مدنية
وآياتها ثلاث وسبعون آية

الأيات من 1 : 5

إن الله كان عليما حكيما: أي عليما بخلقه ظاهراً وباطناً حكيما في تدبيره وصنعه.
واتبع ما يوحى إليك من ربك: أي تقيد بما يشرع لك من ربك ولا تلتفت إلى ما يقوله خصومك لك من اقتراحات أو تهديدات.
{ ذلكم قولكم بأفواهكم } : أي مجرد قول باللسان لا حقيقة له في الخارج فلم تكن المرأة أماً ولا الدعي ابنا .
لما كان القلب محط العقل والإِدراك كان وجود قلبين في جوف رجل واحد يحدث تعارضاً يؤدي إلى الفساد في حياة الإِنسان ذي القلبين لم يجعل الله تعالى لرجل قلبين في جوفه كما ادعى بعض أهل مكة أن أبا معمر جميل بن معمر الفهري كان له قلبان لما شاهدوا من ذكائه ولباقته وحذقه وغره ذلك فقال إن لي قلبين أعقل بهما أفضل من عقل محمد صلى الله عليه وسلم فكانت الآية رداً عليه قال تعالى { ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه } وفيه إشارة إلى أنه لا يجمع بين حب الله تعالى وحب أعدائه وطاعة الله وطاعة أعدائه.

الأيات من 6 : 14

{ إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفاً }: بأن توصوا لهم وصيَّة جائزة وهي الثلث فأقل .
{ كان ذلك في الكتاب مسطورا } : أي عدم التوارث بالإِيمان والهجرة والحلف مكتوب في اللوح المحفوظ .
بطلان التوارث بالمؤاخاة والهجرة والتحالف الذي كان في صدر الإِسلام .
{ يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود } الآيات هذه قصة غزوة الخندق أو الأحزاب قصها تبارك وتعالى على المؤمنين في معرض التذكير بنعمه تعالى عليهم ليشكروا بالإِنقياد والطاعة لله ورسوله وقبول كل ما يشرع لهم لإِكمالهم وإسعادهم في الحياتين فقال تعالى { يا أيها الذين آمنوا } أي يا من آمنتم بالله ربا وإلها وبمحمد نبيا ورسولا وبالإِسلام دينا وشرعاً { اذكروا نعمة الله عليكم } المتمثلة في دفع أكبر خطر قد حاق بكم وهو اجتماع جيوش عدَّة على غزوكم في عقر داركم وهم جيوش قريش وأسد وغطفان وبنو قريظة من اليهود الّبهم عليهم وحزّب أحزابهم حُيي بن أخطب النضري يريد الانتقام من الرسول والمؤمنين إذ أجلوهم عن المدينة وأخرجوهم منها فالتحقوا بيهود خيبر وتميم ، ولما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم خبرهم أمر بحفر الخندق تحت سفح جبل سلع غربي المدينة ، وذلك بإِشارة سلمان الفارسي رضي الله عنه إذ كانت له خبرة حربيّة علمها من ديار قومه فارس .
وتم حفر الخندق في خلال شهر من الزمن وكان صلى الله عليه وسلم يعطي لكل عشرة أنفار أربعين ذراعاً أي عشرين متراً ، وما إن فرغوا من حفره حتى نزلت جيوش المشركين وكانوا قرابة اثنى عشر ألفاً ولما رأوا الرسول والمسلمين وراء الخندق تحت جبل سلع قالوا هذه مكيدة لم تكن العرب تعرفها فتناوشوا بالنبال ورمى عمرو بن عبد ود القرشي بفرسه في الخندق فقتله علي رضي الله عنه ودام الحصار والمناوشة وكانت الأيام والليالي باردة والمجاعة ضاربة أطنابها قرابة الشهر .
{ إذ جاءتكم جنودٌ } هي جنود المشركين من قريش ومن بني أسد وغطفان { فارسلنا عليهم ريحا وجنوداً لم تروها } لما جاءتكم جنود المشركين وحاصروكم في سفح سلع أرسلنا عليهم ريحاً وهي ريح الصبا المباركة التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور وهي الريح الغربيّة . وفعلت بهم الصبا الأفاعيل حيث لم تبق لهم ناراً إلا أطفأتها ولا قدراً على الأثافي إلا أراقته ، ولا خيمة ولا قسطاطاً إلا أسقطته وأزالته حتى اضطروا إلى الرحيل وقوله { وجنوداً لم تروها } وهم الملائكة فأصابتهم بالفزع والرعب الأمر الذي أفقدهم كل رشدهم وصوابهم ورجعوا يجرون أذيال الخيبة والحمد لله وقوله تعالى { وكان الله بما تعملون بصيراً } أي بكل أعمالكم من حفر الخندق والمشادات والمناورات وما قاله وعمله المنافقون لم يغب عليه تعالى شيء وسيجزيكم به المحسن بالإِحسان والمُسيئ بالإِساءة .
{ وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض } أي النفاق لضعف إيمانهم { ما وعدنا الله ورسوله } أي من النصر { إلا غروراً } أي باطلا : وذلك أنهم لما كانوا يحفرون في الخندق استعصت عليهم صخرة فأبت أن تنكسر فدعي لها الرسول صلى الله عليه وسلم فضربها بالمعول ضربة تصدعت لها وبرق منها بريقٌ أضاء الساحة كلها فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبر المسلمون ، ثم ضربها ثانية فصدعها وبرقت منها برقة أضاءت ما بين لابتي المدينة فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبير الفتح وكبر المسلمون وضرب ثالثة فكسرها وبرقت لها برقة كسابقتيها وكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبر المسلمون ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد سلمان فرقى من الخندق فقال سلمان بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد رأيت شيئا ما رأيته قط فالتفت رسول الله إلى القوم فقال هل رأيتم ما رأى سلمان؟ قالوا نعم يا رسول الله فأعلمهم أنه على ضوء ذلك البريق رأى قصور مدائن كسرى كأنياب الكلاب وإن جبريل أخبرني أن أُمتي ظاهرة عليها كما رأيت في الضربة الثانية القصور الحمراء من أرض الروم وأخبرني جبريل أن أُمتي ظاهرة عليها ، ورأيت في الثالثة قصور صنعاء وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها فأبشروا أبشروا أبشروا فاستبشر المسلمون وقالوا الحمد لله موعود صدق .
فلما طال الحصار واشتدت الأزمة واستبد الخوف بالرجال قال المنافقون وضعفاء الإِيمان { ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً } إذ قال معتب بن قشير يعدنا محمد بفتح فارس والروم وأحدنا لا يقدر أن يتبرّز فرقاً وخوفاً ما هذا إلا وعد غرورا!!
وقوله { وإذ قالت طائفة منهم } أي من المنافقين . وهو أُويس بن قيظى أحد رؤساء المنافقين { يا أهل يثرب } أي المدينة قبل أن يبطل الرسول هذا الإِسم لها ويسميها بالمدينة { لا مقام لكم } أي في سفح سلع عند الخندق { فارجعوا } إلى منازلكم داخل المدينة بحجة أنه لا فائدة في البقاء هُنا دون قتال ، وما قال ذلك إلا فراراً من القتال وهروباً من المواجهة ، وقوله تعالى { ويستأذن فريقٌ منهم النبي } أي يطلبون الإِذن لهم بالعودة إلى منازلهم بالمدينة بدعوى أن بيوتهم عورة أي مكشوفة أمام العدو وهم لا يأمنون عليها وأكذبهم الله تعالى في قولهم فقال { وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا } اي ما يريدون بهذا الاعتذار إلا الفرار من وجه العدو ، وقال تعالى فيهم ومن أصدق من الله قيلا . { ولو دخلت عليهم } المدينة { من أقطارها } أي من جميع نواحيها من شرق وغرب وشمال وجنوب { ثم سئلوا الفتنة } أي ثم طلب منهم العدو الغازي الذي دخل عليهم المدينة الردة أي العودة إلى الشرك { لآتوها } أعطوها فوراً { وما تلبثوا بها إلا يسيراً } حتى يرتدوا عن الإِسلام ويصبحوا كما كانوا مشركين والعياذ بالله من النفاق والمنافقين .
من هداية الأيات
بيان أن غزوة الخندق كانت من أشد الغزوات وأكثرها ألماً وتعباً على المسلمين .
بيان حُسْنَ الظن بالله ممدوح ، وأن سوء الظن به تعالى كفر ونفاق .
تقرير النبوة المحمدية بإِخبار الغيب التي أخبر بها رسول الله فكانت كما أخبر من فتح فارس والروم واليمن .
يقول الشيخ طنطاوى
وغزوة الأحزاب، من الغزوات الشهيرة في تاريخ الدعوة الإسلامية، وكانت- على الراجح- في شهر شوال من السنة الخامسة بعد الهجرة.
وملخصها- كما ذكر الإمام ابن كثير- أن نفرا من اليهود- على رأسهم حيي بن أخطب- خرجوا إلى مكة، واجتمعوا بأشراف قريش وألبوهم على حرب المسلمين، فأجابوهم إلى ذلك.
ثم خرجوا إلى قبيلة غطفان فدعوهم لحرب المسلمين، فاستجابوا لهم- ايضا-.
وخرجت قريش في أحابيشها ومن تابعها، والجميع في جيش قريب من عشرة آلاف رجل.
وعند ما علم الرسول صلّى الله عليه وسلم بمقدمهم، أمر بحفر خندق حول المدينة.
ووصلت جيوش الأحزاب إلى مشارف المدينة، فوجدوا الخندق قد حفر، وأنه يحول بينهم وبين اقتحامها. كما أن المسلمين كانوا لهم بالمرصاد.
وخلال هذه الفترة العصيبة، نقض يهود بنى قريظة عهودهم مع المسلمين، وانضموا إلى جيوش الأحزاب، فزاد الخطب على المسلمين.
ومكث الأعداء محاصرين للمدينة قريبا من شهر. ثم جاء نصر الله- تعالى-، بأن أرسل على جيوش الأحزاب ريحا شديدة، وجنودا من عنده، فتصدعت جبهات الأحزاب، وانكفأت خيامهم، وملأ الرعب قلوبهم، وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ
قال ابن كثير: قوله وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا قال الحسن: ظنون مختلفة، ظن المنافقون أن محمدا وأصحابه يستأصلون، وأيقن المؤمنون أن ما وعد الله ورسوله حق، وأنه- سبحانه- سيظهر دينه على الدين كله ولو كره المشركون.
 
الأيات من 15 : 19

{ ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل } : أي من قبل غزوة الخندق وذلك يوم أحد قالوا : والله لئن اشهدنا الله قتالا لنقاتلن ولا نولي الأدبار .
{ وإذا لا تمتعون إلا قليلا } : أي وإذا فررتم من القتال فإنكم لا تمتعون بالحياة إلا قليلا وتموتون .
{ قد يعلم الله المعوقين منكم } : أي المثبطين عن القتال المفشلين إخوانهم عنه حتى لا يقاتلوا مع رسول الله والمؤمنين .
وقوله تعالى { أشحة عليكم } وصفهم بالبخل بعد وصفهم بالجبن وهما شر صفات المرء اي الجبن والبخل أشحة عليكم اي بخلاء لا ينفقون معكم لا على الجهاد ولا على الفقراء والمحتاجين.
{ فإِذا ذهب الخوف } اي راحت أسبابه بانتهاء الحرب { سلقوكم بألسنة } أي سلقكم أولئك الجبناء عند اللقاء أي ضربوكم بألسنة ذربة حادة كالحديد بالمطالبة بالغنمية أو بالتبجح الكاذب بأنهم فعلوا وفعلوا . وهذا حالهم إلى اليوم .
{ أشحة على الخير } أي بخلاء على مشاريع الخير وما ينفق في سبيل الله فلا ينفقون لأنهم لا يؤمنون بالخلف ولا بالثواب والأجر وذلك لكفرهم بالله ولقائه . ولذا قال تعالى { أولئك لم يؤمنوا } فسجل عليهم وصف الكفر ورتب عليه نتائجه فقال { فأحبط الله أعمالهم } أي أبطلها فلا يثابون عليها لأنها أعمال مشرك وأعمال المشرك باطلة ، وقوله { وكان ذلك على الله يسيرا } اي إبطال أعمالهم وتخييبهم فيها وحرمانهم من جزائها يسير على الله ليس بالعسير . ولذا هو واقع كما أخبر تعالى .
من هداية الأيات
ترك الجهاد خوفاً من القتل عمل غير صالح إذ القتال لا ينقص العمر وتركه ولا يزيد فيه .
الشح والجبن منصفات المنافقين وهما شر الصفات في الإِنسان .
الثرثرة وكثرة الكلام والتبجح بالأقوال من صفات أهل الجبن والنفاق .

الأيات من 20 : 25

{ يحسبون الأحزاب } : أي يحسب أولئك المنافقون الجبناء الأحزاب وهم قريش وغطفان .
{ لم يذهبوا } : أي لم يعودوا إلى بلادهم خائبين .
{ وإن يأت الأحزاب } : اي مرة أخرى فرضاً .
{ يودوا لو أنهم بادون في : أي من جبنهم وخوفهم يتمنَّون أن لو كانوا في البادية مع الأعراب } سكانها .
{ يسألون عن أنبائكم } : أي إِذَا كانوا في البداية لو عاد الأحزاب يسألون عن أنبائكم أي أخباركم هل انهزمتم أو انتصرتم .
من هداية الأيات
تقرير أن الكفر والنفاق صاحبهما لا يفارقه الجبن والخور والشح والبخل .
وجوب الائتساء برسول الله في كل ما يطيقه العبد المسلم ويقدر عليه .
يقول الشيخ طنطاوى
قال الآلوسى ما ملخصه: قال ابن السائب: الآية في عبد الله بن أبى وأمثاله ممن رجع من المنافقين من الخندق إلى المدينة. كانوا إذا جاءهم المنافق قالوا له: ويحك اجلس ولا تخرج، ويكتبون إلى إخوانهم في العسكر، أن ائتونا فإنا ننتظركم.
وكان بعضهم يقول لبعض: ما محمد وأصحابه إلا أكلة رأس، ولو كانوا لحما لالتهمهم أبو سفيان وأصحابه، فخلوهم
و «قد» للتحقيق، لأن الله- تعالى- لا يخفى عليه شيء. و «المعوقين» من العوق وهو المنع والصرف، يقال: عاق فلان فلانا، إذا صرفه عن الجهة التي يريدها.
و «من» في قوله مِنْكُمْ للبيان. والمراد بالأخوة: التطابق والتشابه في الصفات الذميمة، والاتجاهات القبيحة. التي على رأسها كراهيتهم للنبي صلّى الله عليه وسلّم ولأصحابه.
و «هلم» اسم فعل أمر بمعنى أقبل.
يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا.
أى: أن هؤلاء المنافقين بلغ بهم الجبن والخور، أنهم حتى بعد رحيل الأحزاب عن المدينة،
ما زالوا يحسبون ويظنون أنهم لم يذهبوا عنها، فهم يأبون أن يصدقوا أن الله- تعالى- قد رد الذين كفروا بغيظهم دون أن ينالوا خيرا.
وفي هذه الجملة ما فيها من التهكم بالمنافقين، حيث وصفتهم بأنهم حتى بعد ذهاب أسباب الخوف، ما زالوا في جبنهم يعيشون.
ثم بين- سبحانه- حالهم فيما لو عاد الأحزاب على سبيل الفرض والتقدير فقال:
وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ.
أى: إلى المدينة مرة ثانية.
يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ أى: وإن تعد جيوش الأحزاب إلى مهاجمة المدينة مرة ثانية، يتمنى هؤلاء المنافقون، أن يكونوا غائبين عنها، نازلين خارجها مع أهل البوادي من الأعراب، حتى لا يعرضوا أنفسهم للقتال.
فقوله: بادُونَ جمع باد وهو ساكن البادية. يقال: بدا القوم بدا، إذا نزحوا من المدن إلى البوادي.
والأعراب: جمع أعرابى وهو من يسكن البادية.
ثم بين- سبحانه- تلهفهم على سماع الأخبار السيئة عن المؤمنين فقال: يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا.
أى: هؤلاء المنافقون يسألون القادمين من المدينة، والذاهبين إليها عن أخباركم- أيها المؤمنون- حتى لكأنهم غير ساكنين فيها.
ولو كانوا فيكم عند ما يعود الكافرون إلى المدينة- على سبيل الفرض- ما قاتلوا معكم إلا قتالا قليلا حتى لا ينكشف أمرهم انكشافا تاما. فهم لا يقاتلون عن رغبة، وإنما يقاتلون رياء ومخادعة.
وهكذا نجد الآيات الكريمة قد أفاضت في شرح الأحوال القبيحة التي كان عليها المنافقون عند ما هاجمت جيوش الأحزاب المدينة، ووصفتهم بأبشع الصفات وأبغضها إلى كل نفس كريمة، حتى يحذرهم المؤمنون.
وكعادة القرآن الكريم في المقارنة بين الأخيار والأشرار، ساقت السورة بعد ذلك صورة مشرقة مضيئة للمؤمنين الصادقين، الذين عند ما رأوا جيوش الأحزاب قالوا: هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ والذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه دون أن يبدلوا تبديلا.

الأيات من 26 : 27

{ ظاهروهم } : أي ناصروهم ووقفوا وراءهم يشدون أزرهم .
{ من صياصيهم } : أي من حصونهم والصياصي جمع صيصيَّة وهي كل ما يمتنع به .
{ وأرضاً لم تطأوها } : أي لم تطأوها بعد وهي خبير إذ فتحت بعد غزوة الخندق .
{ وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب } هذا شروع في ذكر غزوة بني قريظة إذ كانت بُعيد غزوة الخندق في السنة الخامسة من الهجرة في آخر شهر القعدة وخلاصة الحديث عن هذه الغزوة أنه لما ذهب الأحزاب واد الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون إلى المدينة وكان بنو قريظة قد نقضوا عهدهم وانضموا إلى الأحزاب من المشركين عوناً لهم على رسول الله والمؤمنين فلما ذهب الأحزاب وانصرف الرسول والمؤمنون من الخندق إلى المدينة فما راع الناس إلا ومنادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي إلى بني قريظة فلا يصليّن أحدكم العصر إلا ببني قريظة وهي على أميال من المدينة وذلك أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم ظهر ذلك اليوم فقال يا رسول الله وضعت السلاح إن الله يأمرك بالسير غلى بني قريظة فقام رسول الله وأمر منادياً ينادي بالذهاب إلى بني قريظة وذهب رسول الله والمسلمون فحاصروهم قرابة خمس وعشرين ليلة وجهدهم الحصار وقذف الله في قلوبهم الرعب فقال لهم رسول الله « أتنزلون على حكمي » فأبوا فقال « أتنزلون على حكم سعد بن معاذ؟ » فقالوا نعم فحكمه فيهم فحكم بأن يُقتل الرجال وتسبى الذراري والنساء وتقسم الأموال ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مقرراً للحكم « لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سموات » . فحبسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في دار بنت الحارث من نساء بني النجار وخرج إلى سوق المدينة فحفر فيها خندقاً ثم جيء بهم وفيهم حيي بن أخطب الذي حزّب الأحزاب وكعب بن اسد رئيس بني قريظة ، وأمر علياً والزبير بضرب أعناقهم وطرحهم في ذلك الخندق .
وبذلك انتهى الوجود اليهودي المعادي بالمدينة النبويّة . والحمد لله .
فقوله تعالى { وأنزل } أي الله تعالى بقدرته { الذين ظاهروهم من أهل الكتاب } أي ظاهروا الأحزاب وكانوا عوناً لهم على الرسول والمؤمنين وهم يهود بني قريظة { من صياصيهم } أي أنزلهم من حصونهم الممتنعين بها ، { وقذف في قلوبهم الرعب } ولذا قبلوا التحكيم فحكّم فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الأوس سعد بن معاذ رضي الله عنه فحكم فيهم بقتل المقاتلة من الرجال وسبي النساء والذراري وهو معنى قوله تعالى { فريقا تقتلون } وهم الرجال { وتأسرون فريقا } وهم النساء والأطفال ، وقوله { وأورثكم أرضهم } الزراعية { وديارهم } السكنيّة { وأموالهم } الصامتة والناطقة وقوله { وأرضاً لم تطئوها } أي أورثكم أرضاً لم تطئوها بعد وهي أرض خبير حيث غزاهم رسول الله في السنة السادسة بعد صلح الحديبية وفتحها الله عليهم وقوله { وكان الله على كل شيء قديرا } تذييل المراد به تقرير ما أخبر تعالى به من نصر أوليائه وهزيمة أعدائه .
بيان عاقبة الغدر فإِن قريظة لما غدرت برسول الله انتقم منها فسلط عليها رسوله والمؤمنين فأبادوهم عن آخرهم ولم يبق إلاّ الذين لا ذنب لهم وهم النساء والأطفال .
بيان صادق وعد الله إذ أورث المسلمين أرضاً لم يكونوا قد وطئوها وهي خيبر والشام والعراق وفارس وبلاد أخرى كبيرة وكثيرة .
تقرير أن قدرة الله لا تحد أبداً فهو تعالى على كل شيء قدير لا يعجزه شيء .

الأيات من 28 : 30

{ قل لأزواجك } : أي اللائي هن تحته يومئذ وهن تسع طلبن منه التوسعة في النفقة عليهن ولم يكن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يوسع به عليهن .
{ فتعالين } : أي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يومئذ قد اعتزلهن شهرا .
{ امتعكن } : أي متعة الطلاق المشروعة على قدر حال المطلق سعة وضيقاً .
شاء الله تعالى أن يجتمع نساء الرسول صلى الله عليه وسلم لما رأين نساء الأنصار والمهاجرين قد وُسّع عليهن في النفقة لوجود يسر وسعة رزق بين أهل المدينة ، أن يطالبن بالتوسعة في النفقة عليهن أسوة بغيرهن وكن يومئذ تسعا وهن عائشة بنت ابي بكر ، وحفصة بنت عمر ، وأم حبيبة بنت أبي سفيان ، وسودة بنت زمعة ، وأم سلمة بنت ابي أميّة ، وزينب بنت جحش ، وميمونة بنت الحارث الهلالية ، وجويرية بنت الحارث المصطلقية ، وصفيّة بنت حيي بن أخطب النضريّة فأبلغت عائشة ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأثر لذلك ، لعدم القدرة على ما طُلب منه وقعد في مشربة له واعتزلهن شهراً كاملا حتى أنزل الله تعالى آية التخيير وهي هذه { يا ايها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردنّ الحياة الدنيا وزينتها } من لذيذ الطعام والشراب وجميل الثياب وحلي الزينة ووافر ذلك كله فتعالين إلى مقام الرسول الرفيع { أمتعكن } المتعة المشروعة في الطلاق { وأسرحكن } أي أُطلقكن { سراحاً جميلا } أي لا إضرار معه.
مشروعية المتعة بعد الطلاق وهي أن تعطى المرأة شيئا من المال بحسب غنى المطلّق وفقره لقوله تعالى { على الموسع قدره وعلى المقتر قدره } .
بيان أن سيئة العالم الشريف اسوأ من سيئة الجاهل الوضيع . ولذا قالوا حسنات الأبرار سيّئات المقربين كمثل من الأمثال السائرة للعظة والاعتبار .

الأيات من 31 : 34

{ فلا تخضعن بالقول } : أي نظراً لشرفكن فلا ترققن العبارة .
{ فيطمع الذي في قلبه مرض } : أي مرض النفاق أو مرض الشهوة .
الإِشارة إلى وجود جاهلية ثانية وقد ظهرت منذ نصف قرن وهى تبرج النساء بالكشف عن الرأس والصدور والسيقان وحتى الأفخاذ .
الأية 35
{ والقانتين والقانتات } : أي المطيعين لله ورسوله من الرجال والمطيعات من النساء .
{ والصابرين والصابرات } : أي الحابسين نفوسهم على الطاعات فلا يتركوها وعن المعاصى فلا يقربوها وعلى البلاء فلا يسخطوه ولا يشتكوا الله إلى عباده والحابسات .
بشرى المسلمين والمسلمات بمغفرة ذنوبهم ودخول الجنة إن اتصفوا بتلك الصفات المذكورة في هذه الآية وهي عشر صفات أولها الإِسلام وآخرها ذكر الله تعالى .
فضل الصفات المذكورة إذ كانت سبباً في دخول الجنة بعد مغفرة الذنوب .
تقرير مبدا التساوى بين الرجال والنساء في العمل والجزاء في العمل الذي كلف الله تعالى به النساء والرجال معاً وأما ما خص به الرجال أو النساء فهو على خصوصيته للرجال نصيب مما امتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن والله يقول الحق ويهدي السبيل .

الأيات من 36 : 40

{ وما كان لمؤمن ولا مؤمنة } الآيات هذا شروع في قصة زواج زيد بن حارثة الكلبي مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش بنت عمة النبي أميمة بنت عبد المطلب إنه لما أبطل الله التبني وحرمه بقوله : { وما جعل أدعياءكم أبناءكم } وقوله : { ادعوهم لآبائهم } تبع ذلك أن لا يرث المدعى ممن ادعاه ، وان لا تحرم مطلقته على من تبنَّاه وادعاه وهكذا بطلت الأحكام التي كانت لازمة للتَّبنِّي ، وكون هذا نزل به القرآن ليس من السهل على النفوس التي اعتادت هذه الأحكام في الجاهلية وصدر الإِسلام أن تتقبلها وتذعن لها بسهولة فأراد الله تعالى أن يخرج ذلك لحيز الوجود فألهم رسوله أن يخطب زينب لمولاه زيد ، واستجابت زينب للخطبة فهماً منها أنها مخطوبة لرسول الله لتكون أُماً للمؤمنين ولمن تبين لها بعد ليال أنها مخطوبة لزيد بن حارثة مولى رسول الله وليست كما فهمت وهنا أخذتها الحمية وقالت لن يكون هذا لن تتزوَّج شريفة مولى من موالى الناس ونصرها أخوها على ذلك وهو عبد الله بن جحش .
فنزلت هذه الآية وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم الاية فما كان منها الا أن قبلت عن رضى الزواج من زيد وتزوجها زيد وبحكم الطباع البشرية فان زينب لم تخف شرفها على زيد واصبحت تترفع عليه الأمر الذي شعر معه زيد بعدم الفائدة من هذا الزواج فأخذ يستشير رسول الله مولاه ويستأذنه في طلاقها والرسول يابى عليه ذلك علماً منه أنه إذا طلقها سيزوجه الله بها إنهاءً لقضية جعل أحكام الدَّعى كأحكام الولد من الصُّلب فكان يقول له : اتق الله يا زيد لا تطلق بغير ضرورة ولا حاجة إلى الطلاق واصبر على ما تجده من امرأتك ، وهنا عاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم ربُّه عز وجل إذ قال له : { وإذ تقول } اي اذكر إذ تقول { للذي أنعم الله عليه } أي بنعمة الإِسلام ، { وأنعمت عليه } بأن عتقته { أمسك عليك زوجك واتق الله ، وتخفى في نفسك } وهو أمر زواجك منها ، { ما الله مُبديه } اي مظهره لا محالة من ذلك { وتخشى الناس } أن يقولوا محمد تزوج امرأة ابنه زيد ، { والله أحق أن تخشاه } . وقد اراد منك الزواج من زينب بعد طلاقها وانقضاء عدتها هدماً وقضاء على الأحكام التي جعلت الدَّعى كابن الصُّلب .
بيان شدة حياء الرسول صلى الله عليه وسلم .
بيان إِكرام الله لزيد بأن جعل اسمه يقرأ على ألْسِنَة المؤمنين إلى يوم الدين .
بيان إِفضال الله على زينب لما سلمت أمرها لله وتركت ما اختارته لما اختاره الله ورسوله فجعلها زوجة لرسول الله وتولى عقد نكاحها في السماء فكانت تفاخر نساءها بذلك .
تقرير حديث ما ترك عبد شيئاً لله الا عوضه الله خيراً منه .

الأيات من 41 :48
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41)
قال ابن عباس رضي الله عنهما لم يعذر واحد في ترك ذكر الله إلا من غلب عليه عقله وورد في فضل الذكر قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إعطاء الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا وما هو يا رسول الله قال ذكر الله عز وجل- وقوله وقد جاءه أعرابيان فقال أحدهما يا رسول الله أي الناس خير؟ قال: من طال عمره وحسن عمله وقال الآخر إن شرائع الإسلام قد كثرت عليّ فمرني بأمر أتشبث به. فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يزال لسانك رطباً بذكر الله تعالى.
يجوز أن يراد بالتسبيح صلوات النوافل، وجائز أن يكون التسبيح نحو سبحان الله وبحمده إذ ورد عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصح من قال سبحان الله وبحمده مائة مرة غفر له ما تقدم من ذنبه.
{هُوَ الَّذِي يُصَلِّي  عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ} وصلاته تعالى عليهم رحمته لهم، وصلاة ملائكته الاستغفار لهم وقوله ليخرجكم من الظلمات أي من ظلمات الكفر والمعاصي إلى نور الإيمان والطاعات. فصلاته تعالى وصلاة ملائكته هو سبب الإخراج من الظلمات إلى النور.
وسراجاً منيراً: أي جعلك كالسراج المنير يهتدي به من أراد الهداية إلى سبيل الفلاح.
{وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ } أي أنظر بعد دعوتك إياهم، وبشر المؤمنين منهم أي الذين استجابوا لك وآمنوا وعملوا الصالحات بأن لهم من الله فضلا كبيراً ألا وهو مغفرة ذنوبهم وإدخالهم الجنة دار النعيم المقيم والسلام والتام.
عن عكرمة وابن عباس رضي الله عنهما لما نزلت {يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً} وقد كان أمر علياً ومعاذاً رضي الله عنهما أن يسيراً إلى اليمين فقال انطلقا فبشرا ولا تنفرا ويسرا ولا تعسرا إنه قد أنزل إنه قد أنزل عليّ (يا أيها النبي) الآية.

الأية 49
استدل بعض العلماء بقوله تعالى {ثم طلقتموهن} لما في ثم من المهلة على أن الطلاق لا يكون إلا بعد بالنكاح أي العقد، وأن من طلق امرأة قبل البناء عليها طلاقه لاغ لا عبرة به، وإن عينها فإنه لا يلزمه هذا مذهب نحو من ثلاثين صحابيا وتابعيا وإماما سمى البخاري منهم اثنين وسبعين وفي الحديث "لا طلاق قبل النكاح" وقال الجمهور إن عينها تطلق إن لم يعينها فلا طلاق عليه.
استدل الظاهرية بهذه الآية على أن من طلق طلاقاً رجعياً ثم راجع قبل أن تنقضي العدة ثم طلقها قبل أن يمسها أنه ليس عليها أن تتم عدتها وليس عليها عدة أخرى قياسا على المطلقة قبل البناء والجمهور على أنها تستقبل عدة أخرى وعليه مالك وجمهور فقهاء مكة والكوفة الكوفة والمدينة.
جواز الطلاق قبل البناء .
ليس على المطلقة قبل الدخول بها عدة بل لها أن تتزوج ساعة ما تطلق .
المطلقة قبل البناء إن سمى لها صداق فلها نصفه ، وإن لم يسم لها صداق فلها المتعة واجبة يقدرها القاضي بحسب سعة المطلق وضيقه .
حرمة أذية المطلقة بأي أذى ، ووجوب تخلية سبيلها تذهب حيث شاءت .
مشروعية المتعة لكل مطلقة .
بمناسبة طلاق زيد لزينب أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وقد خطبها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وزوجه ربه بها وله الحمد ناسب ذكر حكم المطلقة قبل البناء وأنها لا عدة عليها، وأنه لا مهر لها ولكن لها المتعة إن لم يكن قد سمى لها مهراً.
النكاح حقيقة في الوطء ويطلق ويراد به العقد كما في هذه الآية الكريمة ولم يرد في القرآن الكريم النكاح إلا والمراد منه العقد، لأنه في معنى الوطء، وهذا من أدب القرآن حيث يكنى عن الوطء بمثل المباشرة والملامسة والقربان والتغشي والإتيان.

الأية 50

{ مما أفاء الله عليك } : أي مما يسبى كصفية وجويرية .
{ خالصة لك من دون المؤمنين } : أي بدون صداق .
{ قد علمنا ما فرضنا عليهم } : أي على المؤمنين .
{ في أزواجهم } : أي من الأحكام كأن لا يزيدوا على أربع ، وأن لا يتزوجوا الا بولى ومهر وشهود .
{ وما ملكت ايمانهم } : أي بشراء ونحوه وأن تكون المملوكة كتابية ، وأن تستبرأ قبل الوطء .
{ لكيلا يكون عليك حرج } : أي ضيق في النكاح .
هذا النداء الكريم لرسول ربّ العالمين يحمل لرسول الله صلى الله عليه وسلم إجازة ربانية تخفف عنه أتعابه التي يعانيها صلى الله عليه وسلم لقد علم الله ما يعاني رسوله ومايعالج من أمور الدين والدنيا فمنَّ عليه بالتخفيف ورفع الحرج فقال ممتناً عليه { يا أيها النبي إنا أحللنا أزواجك اللاتي آتيت أجورهن } أي مهورهن وأحللنا لك { ما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك } من سبايا الجهاد كصفية بنت حبيب وجويرية بنت الحارث ، { وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك } من مكة إلى المدينة .
أما اللاتي لم تهاجر فلا تَحِلّ لك ، وامرأة مؤمنة اي وأحللنا لك امرأة مؤمنة لا كافرة إن وهبت نفسها للنبي بدون مهر وأراد النبي أن يستنكحها حال كون هذه الواهبة خالصة لك دون المؤمنين فالمؤمن لو وهبت له امرأة نفسها بدون مهر لم تحل له بل لا بد من المهر والولي والشهود .
وقوله تعالى { قد علمنا ما فرضنا عليهم } اي على المؤمنين في أزواجهم من أحكام كأن لا يزيد الرجل على أربع ، وأن لا يتزوج إلا بولي ومهر وشهود ، والمملوكة لا بد أن تكون كتابية أو مسلمة ، وأن لا يطأها قبل الاستبراء بحيضة قد علمنا كل هذا وأحللنا لك ما أحللنا خصوصية لك دون المؤمنين وذلك تخفيفاً عليك لكيلا يكون عليك حرج أي ضيق ومشقة وكان الله غفوراً لك ولمن تاب من المؤمنين رحيماً بك وبالمؤمنين .
بيان إكرام الله تعالى لنبيه في التخفيف عليه رحمة به فاباح له أكثر من أربع ، وقصر المؤمنين على أربع اباح له الواهبة نفسها أن يتزوجها بغير مهر ولا ولي ولم يبح ذلك للمؤمنين فلا بد من مهر وولي وشهود .
تقرير أحكام النكاح للمؤمنين وأنه لم يطرأ عليها نسخ بتخفيف ولا بتشديد .

الأيتين 51 : 52

{ ترجى من تشاء منهن } : أي تؤخر من نسائك .
{ وتؤوي إليك من تشاء } : أي وتضم إليك من نسائك من تشاء فتأتيها .
{ ومن ابتغيت } : أي طلبت .
{ ممن عزلت } : أي من القسمة .
{ فلا جناح عليك } : اي لا حرج عليك في طلبها وضمها إليك خيره ربه في ذلك بعد أن كان القسم واجبا عليه .
{ ذلك أدنى أن تقر أعينهن } : أي ذلك التخيير لك في إِيواء من تشاء وترك من تشاء اقرب إلى أن تقر أعينهن ولا يحزن .
{ ويرضين بما آتيتهن } : أي مما أنت مخير فيه من القسم وتركه ، والعزل والايواء .
{ والله يعلم ما في قلوبكم } : أي من حب النساء -أيها الفحول- والميل إلى بعض دون بعض وإنما خير الله تعالى رسوله تيسيراً عليه لعظم مهامه .
{ وكان الله عليما حليما } : أي عليما بضعف خلقه حليما عليهم لا يعاجل بالعقوبة ويقبل التوبة .
{ لا يحل لك النساء من بعد } : أي لا يجوز لك أن تتزوج بعد هؤلاء التسعة اللاتي اخترنك إكراماً لهن وتخفيفاً عنك .
{ ولا أن تبدل بهن من أزواج } : أي بأن تطلق منهن وتتزوج أخرى بدل المطلقة لا . لا .
{ إلا ما ملكت يمينك } : أي فالأمر في ذلك واسع فلا حرج عليك في التسرى بالمملوكة ، وقد تسرى صلى الله عليه وسلم بمارية المهداة إليه من قبل ملك مصر وولدت له إبراهيم ومات في سن رضاعه عليه السلام .
في هذه الآية الكريمة ( 51 ) { ترجى من تشاء منهن } الآية وسع الله تعالى عليه بأن أذن له في أن يعتزل وطء من يشاء ، وأن يرجئ من يشاء ، وأن يؤوي إليه ويضم من يشاء وأن يطلب من اعتزلها إن شاء فلا حرج عليه في كل ذلك ، ومع هذا فكان يقسم بَيْنَ نسائه ، ويقول اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمنى فيما تملك ولا أملك اللهم إلا ما كان من سودة رضي الله عنها فإنها وهبت ليلتها لعائشة رضى الله عنها .

الأيات من 53 : 55

غير ناظرين إناه: أي غير منتظرين وقت نضجه أي فلا تدخلوا قبل وقت إحضار الطعام وتقدم المدعوين إليه بأن يستغل أحدكم الإذن بالدعوة إلى الطعام فيأتي قبل الوقت ويجلس في البيت فيضايق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأهله.
{وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ  مَتَاعاً} أي طلبتم شيئاً من الأمتعة التي توجد في البيت كإناء ونحوه فاسألوهن من وراء حجاب أي باب وستر نحوهما لا مواجهة لحرمة النظر إليهن.
إن تبدوا شيئا أو تخفوه: أي إن تظهروا رغبة في نكاح أزواج الرسول بعد وفاته أو تخفوه في نفوسكم فسيجزيكم الله به شر الجزاء.
لا جناح عليهن في آبائهن الخ: أي لا حرج على نساء الرسول في أن يظهرن لمحارمهن المذكورين في الآية.
هذه الآية والمعروفة بآية الحجاب نزلت في شأن نفر من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما أكلوا طعام الوليمة التي أقامها رسول الله لما زوجه الله بزينب بنت جحش رضي الله عنها، وكان الحجاب ما فرض بعد على النساء مكثوا بعد انصراف الناس يتحدثون فقام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وخرج أمامهم لعلهم يخرجون فما خرجوا وتردد رسول الله على البيت فيدخل ويخرج رجاء أن يخرجوا معه فلم يخرجوا واستحى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقول لهم هيا فاخرجوا. فانزل الله تعالى هذه الآية فقوله تعالى غير ناظرين إناه يعني ذلك النفر ومن يريد أن يفعل فعلهم فإذا وجه إليه أخوه استدعاء لحضور وليمة بعد الظهر مثلا أتى المنزل من قبل الظهر يضايق أهل المنزل فهذا معنى غير ناظرين إناه أي وقته لأن الإنى هو الوقت.


الأيات من 56 : 59

يصلون على النبي: صلاة الله على النبي هي ثناؤه ورضوانه عليه، وصلاة الملائكة دعاء واستغفار له، وصلاة العباد عليه تشريف وتعظيم لشأنه.
صلوا عليه وسلموا تسليماً: أي قولوا: اللهم صل محمد وسلم تسليماً.
يدنين عليهن من جلابيبهن: أي يرخين على وجوههن الجلباب حتى لا يبدو من المرأة إلا عين واحدة تنظر بها الطريق إذا خرجت لحاجة.
ذلك أدنى أن يعرفن: أي ذلك الإدناء من طرف الجلباب على الوجه أقرب.
فلا يؤذين: أي يعرفن أنهن حرائر فلا يتعرض لهن المنافقون بالأذى.
أما الآية الرابعة (59) فإنه لما كان المؤمنات يخرجن بالليل لقضاء الحاجة البشرية إذ لم يكن لهم مراحيض في البيوت وكان بعض سفهاء المنافقين يتعرضون لهن بالغمز والكلمة السفيهة وهم يقصدون على عادتهم الإماء لا الحرائر فتأذى بذلك المؤمنات وشكون إلى أزواجهن ما يلقين من تعرض بعض المنافقين لهن فأنزل الله تعالى هذه الآية {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ  وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} والجلباب هو الملاءة أو العباءة تكون فوق الدرع السابغ الطويل، أي مُرْهُنَّ بأن يدنين طرف الملاءة على الوجه حتى لا يبقى إلا عين واحدة ترى بها الطريق، وبذلك يعرفن أنه حرائر عفيفات فلا يؤذيهن بالتعرض لهن أولئك المنافقون السفهاء عليهم لعائن الله.
لئن لم ينته المنافقون: أي عن نفاقهم وهو إظهار الإيمان وإخفاء الكفر.
والذين في قلوبهم مرض: أي مرض حب الفجور وشهوة الزنا.
والمرجفون في المدينة: أي الذين يأتون بالأخبار الكاذبة لتحريك النفوس وزعزعتها كقولهم العدو على مقربة من المدينة أو السرية الفلانية قتل أفرادها وما إلى ذلك.
يرى الكثيرون أن الصفات الثلاث لجنس واحد وهم المنافقون قد اجتمعت فيهم هذه الصفات الثلاث والواو مقحمة وليست للعطف.
لنغرينك بهم: أي لنسلطنك عليهم ولنحرشنك بهم.
ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا: أي في المدينة إلا قليلاً من الأيام ثم يخرجوا منها أو يهلكوا.
ملعونين: أي مبعدين عن الرحمة.
أينما ثقفوا أخذوا: أينما أخذوا أسروا وقتلوا تقتيلاً.

الأيات من 63 : 73

يسألك الناس عن الساعة: أي يهود المدينة كما سأله أهل مكة فاليهود سألوه امتحاناً والمشركون سألوه تكذيباً بها واستعجالاً لها.
لا تكونوا كالذين آذوا موسى: أي لا تكونوا مع نبيكم كما كان بنو إسرائيل مع موسى إذ آذوه بقولهم إنه ما يمنعه من الاغتسال معنا إلا أنه آدر.
فبرأه الله مما قالوا: أي أراهم أنه لم يكن به أدرة وهي انتفاخ إحدى الخصيتين.
وكان عند الله وجيها: أي ذا جاهٍ عظيم عند الله فلا يخيّب له مسعى ولا يرد له مطلباً.
قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى ينادي الله تعالى مؤمني هذه الأمة ناهياً لهم عن أذى نبيهم بأدنى أذى، وأن لا يكونوا كبني إسرائيل الذين آذوا موسى في غير موطن ومن ذلك ما ذكره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنه في قوله من رواية مسلم  "أن بني إسرائيل كانوا يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى بعض، وكان موسى يغتسل وحده فقالوا: ما منعه أن يغتسل معنا إلا أنه آدر، فذهب يوماً يغتسل فوضع ثوبه على حجر وأخذ يغتسل وإذا بالحجر يهرب بالثوب فيجري موسى وراءه حتى وقف به على جمع من بني إسرائيل فرأوا أنه ليس به أدرة ولا برص كما قالوا فهذا معنى فبرأه الله مما قالوا، وكان عند الله وجيها أي ذا جاه عظيم.
القول السديد هو لا إله إلا الله وهو القصد الحق وهو الذي يوافق ظاهره باطنه، وهو ما أريد به وجه الله دون سواه فالقول السديد الصائب يشمل كل هذا الذي ذكر.
إنا عرضنا الأمانة: أي ما ائتمن عليه الإنسان من سائر التكاليف الشرعية وما ائتمنه عليه أخوه من حفظ مال أو قول أو عرض أو عمل.
فأبين أن يحملنها وأشفقن منها: أي رفضن الالتزام بها وخفن عاقبة تضييعها.
وحملها الإنسان: أي آدم وذريته.
إنه كان ظلوماً جهولاً: أي لأنه كان ظلوماً أي كثير الظلم لنفسه جهولاً بالعواقب.





Comments
NameEmailMessage