مختصر تفسير سورة فاطر من أيسر التفاسير
للشيخ أبى بكر الجزائرى
مكية
وآياتها
خمس وأربعون آية
الأيات
من 1 : 3
الحمد لله:
أي قولوا الحمد لله فإنه واجب الحمد ومقتضى الحمد ما ذكر بعد.
فاطر
السموات والأرض: أي خالقهما على غير مثال سابق.
{أُولِي
أَجْنِحَةٍ} صفة للملائكة أي أصحاب أجنحة مثنى أي اثنين اثنين، وثلاث أي ثلاثة
ثلاثة، ورباع أي أربعة أربعة. وقوله {يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ} أي خلق الأجنحة ما
يشاء فقد خلق لجبريل عليه السلام ستمائة جناح كما أخبر بذلك رسول الله صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصحاح ويزيد في خلق (3) ما يشاء من مخلوقاته وهو على
كل شيء قدير.
الأيات
من 4 : 7
{يَا
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ} أي يا أهل مكة وكل مغرور من الناس
بالحياة الدنيا اعلموا أن وعد الله بالبعث والجزاء حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا
بطول أعماركم وصحة أبدانكم وسعة أرزاقكم، فإن ذلك زائل عنكم لا محالة {وَلا
يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ} أي حلمه وإمهاله {الْغَرُورُ } وهو الشيطان حيث يتخذ من
حلم الله تعالى عليكم وإمهاله لكم طريقا إلى إغوائكم وإفسادكم بما يحملكم عليه من
تأخير التوبة والإصرار على المعاصي، والاستمرار عليها
الغرور
بالضم مصدر غره يغره غرورا، وبالفتح الشيطان وهو المراد هنا وصيغته من صيغ
المبالغة "فعول" إذ هو كثير الغرور يأتيهم من حيث حلم الله وإمهاله
فيصرفهم عن الحق مغرراً إياهم بأنهم لو كانوا على باطل لأهلكوا كما أهلك الذين من
قبلهم، ويسوّف آخرين بحلم الله فيصرفهم عن التوبة.
من هداية
الأية
التحذير من
الاغترار بالدنيا أي من طول العمر وسعة الرزق سلامة البدن.
التحذير من
الشيطان ووجوب الاعتراف بعداوته، ومعاملته معاملة العدو فلا يقبل كلامه ولا يستجاب
لندائه ولا يخدع بتزيينه للقبيح والشر.
الأيات
من 8 : 11
فتثير
سحاباً: أي تزعجه وتحركه بشدة فيجتمع ويسير.
{مَنْ
كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً} فليطلبها من الله تعالى
بطاعته وطاعة رسوله فإن العزة لله جميعا فالعزيز من أعزه الله والذليل من أذله،
إنهم كانوا يطلبون العزة بالأصنام فاعلموا أن من يريد العزة فليطلبها من مالكها
أما الذي لا يملك العزة فكيف يعطيها لغيره إن فاقد الشيء لا يعطيه. وقوله
{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} أي إلى الله يصعد الكلم الطيب والعمل
الصالح يرفعه إلى الله تعالى فإذا كان قول بدون عمل فإنه لا يرفع إلى الله تعالى
ولا يثيب عليه، وقد ندد الله تعالى بالذين يقولون ولا يعملون فقال {كَبُرَ مَقْتاً
عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ}
وما يعمر
من معمر: أي وما يطول من عمر ذي عمر طويل إلا في كتاب.
ولا ينقص
من عمره: أي بأن يجعل أقل وأقصر من العمر الطويل إلا في كتاب.
الأيات
من 12 : 14
عذب فرات:
أي شديد العذوبة.
وهذا ملح
أجاج: أي شديد الملوحة.
مواخر: أي
تمخر الماء وتشقه عند جريانها في البحر.
ما يملكون
من قطمير: أي من لفافة النواة التي تكون عليه وهي بيضاء رقيقة.
جاء في
القرآن ذكر النقير والقطمير والفتيل واضطربت أقوال أهل اللغة في تحديدها والصحيح:
أن النقير النقرة في وسط النواة، وأن الفتيل الخيط الأبيض في وسط النواة، وأن
القطمير اللفافة البيضاء على النواة.
ولا ينبئك
مثل خبير: أي لا ينبئك أي بأحوال الدارين مثلي فإني خبير بذلك عليم.
خبير صفة
مشبهة مشتقة من خبر بضم الباء فلان الأمر إذا علمه علماً لا شك فيه وأجريت هذه الجملة
مجرى المثل يقال (ولا ينبئك مثل خبير) .
{وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ} أي لا
يتعادلان. {هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ (1) شَرَابُهُ} أي ماؤه عذب شديد العذوبة
{وَهَذَا مِلْحٌ (2) أُجَاجٌ} أي ماؤه شديد الملوحة لمرارته مع ملوحته، فهل يستوي
الحق والباطل هل تستوي عبادة الأصنام مع عبادة الرحمن؟ والجواب لا.
الأيات
من 15 : 18
ولا تزر
وازرة وزر أخرى: أي في حكم الله وقضائه بين عباده أن النفس المذنبة الحاملة لذنبها
لا تحمل وزر أي ذنب نفس أخرى بل كل وازرة تحمل وزرها وحدها.
وإن تدع
مثقلة: أي بأوزارها حتى لم تقدر على المشي أو الحركة.
لا يحمل
منه شيء: أي لا تجد من يستجيب لها ويحمل عنها بعض ذنبها حتى لو دعت ابنها أو أباها
أو أمها فضلا عن غيرهم، بهذا حكم الله سبحانه وتعالى.
قال الفضيل
بن عياض هي المرأة تلقى ولدها فتقول يا ولدي ألم يكن بطني لك وعاء، ألم يكن ثدي لك
سقاء ألم يكن حجري لك وطاء؟ فيقول بلى يا أماه فتقول يا بني قد أثقلتني ذنوبي
فاحمل عني منها ذنباً واحداً، فيقول إليك عني يا أماه فإني بذنبي عنك مشغول.
في قوله
تعالى أنتم الفقراء قصر صفة على موصوف أي قصر صفة الفقر على الناس وهو قصر إضافي
بالنسبة إلى الله تعالى أي أنتم المفتقرون إلى الله وليس هو بمفتقر إليكم ووصفه
تعالى نفسه بالحميد إشعار بأن غناه مقترن بجوده فهو يحمد لما يسديه من المعروف إلى
عباده.
من هداية
الأيات
بيان أن
الإنذار والتخويف من عذاب الله لا ينتفع به غير المؤمنين الصالحين.
الأيات
من 19 : 30
قال قطرب أحد
أعلام اللغة: الحرور: الحر والظل البرد.
وما أنت
بمسمع من في القبور: أي فكذلك لا تسمع الكفار فإنهم كالأموات. ولا يحزنك ذلك فإنك
ما أنت إلا نذير، والنذير ينذر ولا يُسأل عمن أجابه ومن لم يجبه.
فكيف كان
نكير: أي فكيف كان إنكاري عليهم بالعقوبة والإهلاك والجواب هو واقع موقعه والحمد
لله.
من هداية الأيات
استحسان
ضرب الأمثال للكشف عن الحال وزيادة البيان.
الكفار عمى
لا بصيرة لهم، وأموات لا حياة فيهم، والدليل عدم انتفاعهم بحياتهم ولا بأسماعهم
ولا أبصارهم.
ومن الجبال
جدد: أي طرق في الجبال إذ الجدة الطريق ومنه جادة الطريق.
الجدد جمع
جدّة وهي الطريقة والخطة في الشيء تكون واضحة فيه.
من هداية
الأيات
تسلية
الدعاة ليتدرّعوا بالصبر ويلتزموا الثبات.
الغربيب:
الشديد السواد ففي الكلام تقديم وتأخير إذ المعنى ومن الجبال سود غرابيب إذ العرب
تقول للأسود شديد السواد كلون الغراب أسود غربيب.
من هداية
هذه الآية الإشارة الواضحة إلى وجود اختلاف بشري جبلّي فطري كما هو في سائر
الكائنات الأرضية، وفي النباتات والحيوانات وحتى الجبال والمعادن ومن عرف هذا هان
عليه اختلاف الناس ولم يحزن له ولم يهتم ويكرب.
بيان مظاهر
القدرة والعلم الإلهي في اختلاف الألوان والطباع والذوات.
العلم سبيل
الخشية فمن لا علم له بالله فلا خشية له إنما يخشى الله من عباده العلماء.
الأيات
من 31 : 35
فمنهم ظالم
لنفسه: بارتكاب الذنوب.
ومنهم
مقتصد: مؤد للفرائض مجتنب للكبائر.
ومنهم سابق
بالخيرات: مؤد للفرائض والنوافل مجتنب للكبائر والصغائر.
لا يمسنا
فيها نصب: أي تعب.
ولا يمسنا
فيها لغوب: أي إعياء من التعب، وذلك لعدم التكليف فيها.
حاول كثير
من المفسرين البعد عن الحقيقة التي تضمنتها هذه الآية وهي أن الآية في أمة محمد
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ هي التي قال الله تعالى فيها هو اجتباكم
والاجتباء كالاصطفاء والظالم لنفسه لا يكون الكافر ولا المنافق وإنما هو المؤمن
يغشى بعض الكبائر وما في التفسير هو الحق فتأمله.
فمنهم: هذه
الفاء التفريعية التفصيلية حيث فصل بها مجمل الذين أوتوا الكتاب والبداية
بالظالمين لأنفسهم إيماء إلى أنهم غير محرومين من جنات عدن دفعاً لمن يتوهم أنهم
لما كانوا ظالمين لا يدخلون الجنة.
من هداية
الأيات
وجوب العمل
بالقرآن الكريم عقائد وعبادات وآداباً وأخلاقاً وقضاء وحكماً.
بيان شرف
هذه الأمة، وأنه المرحومة فكل من دخل الإسلام بصدق وأدى الفرائض واجتنب المحارم
فهو ناج فائز ومن قصر وظلم نفسه بارتكاب الكبائر ومات ولم يشرك بالله شيئاً فهو
آئيل إلى دخول الجنة راجع إليها بإذن الله.
{وَقَالُوا
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ} أي كل الحزن فلا حزن يصيبهم
إذ لا موت في الجنة ولا فراق ولا خوف ولا همَّ ولا كرب فمِن أين يأتي الحزن.
بيان نعيم
أهل الجنة وحلية أهلها وهي الأساور (3) من الذهب واللؤلؤ.
ثبت في
الصحيح أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "تبلغ الحلية من
المؤمن حيث يبلغ الوضوء".
الأيات
من 36 : 39
وهم
يصطرخون فيها: أي يصيحون بأعلى أصواتهم يطلبون الخروج منها.
يصطرخون
مبالغة في يصرخون افتعال من الصراخ وهو الصياح بشدة وجهد أي يصيحون من شدة ما
أصابهم.
من هداية
الأيات
الكافر
يعذب أبدا لعلم الله تعالى به وأنه لو عاش آلاف السنين ما أقلع عن كفره ولا حاول
أن يتوب منه فلذا يعذب أبداً.
في كون
البشرية أجيالا جيلا يذهب وآخر يأتي مجال للعظة والعبرة والعاقل من اعبر بغيره.
الاستمرار
على الكفر لا يزيد صاحبه إلا بعداً عن الرحمة ومقتاً عند الله تعالى والمقت أشد
الغضب.
الأيات
من 40 : 45
إن أمسكهما
من أحد من بعده: أي ولو زالتا ما أمسكهما أحد من بعده لعجزه عن ذلك.
من إحدى
الأمم: أي اليهود والنصارى.
ولن تجد
لسنة الله تبديلاً: أي فلا يبدل العذاب بغيره.
ولن تجد
لسنة الله تحويلاً: أي تحويل العذاب عن مستحقه إلى غير مستحقه.
{أَمْ
آتَيْنَاهُمْ} أي أم آتينا هؤلاء المشركين كتاباً يبيح لهم الشرك ويأذن لهم فيه
فهم لذلك على بينة بصحة الشرك. والجواب ومن أين لهم هذا الكتاب الذي يبيح لهم
الشرك؟ بل إن يعد (3) الظالمون بعضهم بعضاً {إِلَّا غُرُوراً} أي باطلاً إذ
الحقيقة أن المشركين لم يكن لهم كتاب يحتجون به على صحة الشرك،
إن نافية
بمعنى "ما" بقرينة الاستثناء والغرور الأباطيل تغرو وهي قول السادة
للسفلة إن هذه الآلهة تنفعكم وتقربكم وتشفع لكم كما أن الشياطين توحي لهم بذلك من
طريق الوسوسة.
{وَأَقْسَمُوا
بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ
إِحْدَى الْأُمَمِ} يخبر تعالى عن المشركين العرب بأنهم في يوم من الأيام كانوا
يحلفون بالله جهد أيمانهم أي غاية اجتهادهم فيها لئن جاءهم رسول يرشدهم ويعلمهم
لكانوا أهدى أي أعظم هداية من إحدى الطائفتين اليهود والنصارى. هكذا كانوا يحلفون
ولما جاءهم نذير (3) أي الرسول وهو محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما زادهم
مجيئه {إِلَّا نُفُوراً} أي بعداً عن الدين ونفرة منه، واستكباراً في الأرض، ومكر
السيء الذي هو عمل الشرك والظلم والمعاصي.
وقوله
تعالى {وَلا يَحِيقُ (4) الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} إخبار منه تعالى
بحقيقة يجهلها الناس وهي أن عاقبة المكر السيء تعود على الماكرين بأسوأ العقاب
وأشد العذاب
المكر
إخفاء الأذى وهو سيء لأنه غدر وخديعة.
وما كان
الله ليعجزه من شيء: أي ليسبقه ويفوته فلم يتمكن منه.
Comments