مختصر تفسير سورة الروم من أيسر التفاسير للشيخ ابى بكر الجزائرى
مكية
وآياتها
ستون آية
(2) { غُلبت } : أي غلبت فارس الروم .{ الروم } : إسم رجل هو روم
بن عيصو بن اسحق بن إبراهيم سميّت به قبيلة لأنه جدها .
(3) { في أدنى الأرض } : أي أقرب أرض الروم إلى فارس وهي أرضٌ
يقال لها الجزيرة « بين دجلة والفرات » . { وهم من بعد غلبهم سيغلبون } : أي وهم
أي الروم من بعد غلب فارس لهم سيغلبونها .
(4) ، (5) { ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله } اي ويوم يَغلِب
الروم فارساً يفرح المؤمنون بانتصار الروم على فارس لأن الروم أهل كتاب وفارساً
مشركون يعبدون النار ، كما يفرح المؤمنون أيضاً بانتصارهم على المشركين في بدر إذ
كان الوقت الذي انتصرت فيه الروم وهو وقت انتصر فيه المؤمنون على المشركين في بدر
.
(7) { يعلمون ظاهراً من الحياة} : أي لا يعلمون حقائق الإِيمان
وأسرار الشرع وإنما الدنيا يعلمون ما ظهر
من الحياة الدنيا كطلب المعاش من تجارة وزراعة وصناعة .{ وهم عن الآخرة هم غافلون
} : أي عن الحياة الآخرة ، وما فيها من نعيم وجحيم وما يؤدي إلى ذلك من عقائد
وأفعال وتُروك .
(8) { أو لم يتفكروا في أنفسهم } أي أيُنكرون البعث ولم
يتفكروا في أنفسهم كيف كانوا عدماً ثم وجدوا أطفالاً ثم شبابا ثم رجالا كهولا
وشيوخا يموتون أليس القادر على خلقهم وتربيتهم وإماتتهم قادر على بعثهم وحسابهم
ومجازاتهم على كسبهم في هذه الحياة الدنيا وقوله تعالى { ما خلق الله السموات
والأرض وما بينهما إِلا بالحق وأجل مسمى } أي لم يخلقهما عبثاً بل خلقهما ليّذكر
ويُشكر ، ثم إذا تم الأجل المحدد لهما افناهما ثم بعدث عبادة ليحاسبهم هل ذكروا
وشكروا أو تركوا ونسوا وكفروا ثم يجزيهم بحسب إيمانهم وطاعتهم أو كفرهم وعصيانهم .
(9) وآثاروا الأرض : أى قلّبوها للحرث والغرس والإنشاء
والتعمير.
(10) ثم كان عاقبة الذين أسأوا السوأى : الذين أسأوا أى أفسدوا
الأعمال فلم يصلحوها وكان عاقبتهم السوأى أى العاقبة السوأى وهى خسرانهم وهلاكهم ،
والسوأى تأنيث الأسوأ ، كالحسنى تأنيث الأحسن ، والأسوأ هو الأقبح من الأفعال والأقوال
والمعتقدات ، وجائز أن يكون المراد بالسوأى جهنم كما أن المراد بالحسنى الجنة كما فى
قوله تعالى : للذين أحسنوا الحسنى وزيادة .
(11) من
هداية الأيات فى قوله تعالى {
الله يبدأ الخلق يم يُعيده ، ثم إليه ترجعون } إعلان واضح صريح قاطع للشك مزيلٌ
للَّبس بأن الله ربُّ السموات والأرض وما بينهما هو الذي بدأ الخلق فخلق ما شاء ثم
يميته ثم يعيده ، وإليه لا إلى غيره ترجع الخليقة كلها راضية أو ساخطة محبّة أو
كارهة ، هكذا قرر تعالى عقيدة البعث والجزاء مُدللاً عليها بأقوى دليل وهو وجوده
تعالى وقدرته التي لا تُحد وعلمه الذي أحاط بكل شيء وحكمته التي لا يخلو منها عمل .
(12) يبلس المجرمون : أى ييأسوا من النجاة
وتنقطع ججتهم فلا يتكلمون . ويُقال : أبلس يبلس إبلاساً : إذا سكت متحيراً وأنقطعت
حجته وأيس أن تكون له حجة .
(15) فى روضة يُحبرون : أى فى روضة من
رياض الجنة يُسرون ويفرحون لما هم فيه من ألوان النعيم .
(16) { في العذاب محضرون } : أي مُدخلون لا يخرجون منه .
(17) قوله { وعشيِّاً } معطوف على قوله { حين تصبحون } أي وسبحوه في
العشي . وهي صلاة العصر { وحين تظهرون } اي وسبحوه حين تدخلون في الظهيرة وهي صلاة
الظهر .
(20) إذا أنتم بشراً تنتشرون : الإنتشار
هنا الظهور والتفرق هنا وهناك فى البلاد والأقطار تعملون سامعين مبصرين منكم
الصالح ومنكم الطالح .
(22) إن فى ذلك لأية للعالمين : أى
للعقلاء على قراءة للعالمين بفتح اللام ، ولأولى العلم على قراءة كسر اللام ؛
وبالفتح قرأ نافع وبالكسر قرأ حفص ، والمعنى واحد إذ لا يكون العالم عالماً بدون
عقل فكل عالم عاقل ، والعاقل يهديه عقله إلى أن يعلم فيعلم أيضاً .
(23) { لقوم يسمعون } : أي سماع تدبر وفهم وإدراك لا مجرد سماع
الأصوات .
إختيار لفظة السماع مع أية النوم فيه
إشارة إلى أن النائم يفقد السماع حال نومه بدون إرادته ولا إختياره .
(24) يريكم البرق خوفاً وطمعاً : أى خوفاً
للمسافرين من الأمطار الغزيرة ومن الصواعق الشديدة أن تصيبهم ، وطمعاً فى المطر
للمقيمين حيث تحيا به المزارع والأراضى وبه تتوفر أسباب الرزق .
(25) من
هداية الأية : وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ
السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ
إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (25)
تقرير عقيدة البعث والجزاء التي عليها مدار الإِصلاح البشري
بعد عقيدة الإِيمان بالله ربّاً وإلهاً .
(26) كل له قانتون : أى كل من السموات
والأرض من الملائكة والإنس والجن منقادون له تجرى عليهم أحكامه كما أرادها فلا
يتعطل منها حكم . والقنوت أى الطاعة والإنقياد .
(27) { وهو أهون عليه } : أي ايسر واسهل نظراً إلى أن الاعادة أسهل
من البداية .
{ وله المثل الأعلى في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم } وله
أي لله سبحانه وتعالى الوصف الأكمل في السموات والأرض وهو الألوهية والوحدانية فهو
الرب الذي لا إله إلا هو المعبود في السماء والأرض لا إله إلا هو فيهما ولا ربّ
غيره لهما وهو العزيز الغالب المنتقم ممن كفر به وعصاه الحكيم في تدبيره وتصريفه
لشؤون خلقه .
(28) ضرب لكم مثلاً من أنفسكم : الأية :
أى جعل لكم مثلاً منتزعاً من أنفسكم ومعنى الأية أى ليس لكم من مماليككم وعبيدكم
شريك منهم يشارككم فى أموالكم إذ لا ترضون بذلك ولا تقرونه أبداً ، إذاً فكذلك
الله تعالى لا يرضى أن يكون من عبيده من هو شريك له فى عبادته التى خلق كل شئ من
أجلها . وهذا المثل عظيم الفائدة وقد قال بعضهم إن فهم هذا المثل أفضل من حفظ كذا
مسألة فقهية .
(29) من
هداية قوله تعالى : بَلِ اتَّبَعَ
الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ
اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (29)
علَّة ضلال الناس اتباعهم لأهوائهم بغير علم وبانصرافهم عن
الهدى بالاسترسال في اتباع الهوى .
(30) فأقم
وجهك : هذه الفاء هى الفاء الفصيحة إذ هى مفصحة عن جواب سؤال مقدر تقديره هنا :
إذا علمت أحوال المعرضين عن الحق بعد ظهور دلائله فأقهم وجهك والمراد من الأمر
دوام إقامة الوجه والإستمرار عليه ، والمراد أى سدد وجهك للدين الإسلامى بحيث لا
تنظر إلا إليه . { فطرة الله } :
أي صنعة الله التي صنع عليها الإِنسان وهي قابليته للإِيمان بالله تعالى .
لا تبديل لخلق الله : أى لا تبدلوا تلك
الخلقة ولا تغيروها بل نموها وأبرزوها بالتربية حتى ينشأ الطفل على الإيمان
والتوحيد فالجملة خبرية لفظاً إنشائية معنى نحو : فهل أنتم منتهون بمعنى أنتهوا
وهى أبلغ من أنتهوا ، وكذلك لاتبديل لخلق الله أبلغ من لا تبدلوا .
(31) { منيبين إليه } : أي راجعين إليه تعالى بفعل محابه وترك مكارهه
.
(32) من
الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً : قرأ الجمهور فرقوا ، وقرأ حمزة والكسائى فارقوا
، والشيع جمع شيعة وهى الجماعة التى تتشايع أى توافق رأياً وتجمع عليه والحزب
الجماعة الذين رأيهم ونزعتهم واحدة .
(33) من هداية قوله تعالى : وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ
دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً
إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33)
بيان حال أهل الشرك والكفر والجهل في فرحهم بالنعمة فرح البطر
والشر وياسهم وقنوطهم عند نزول البلاء بهم والشدة .
(34) فتمتعوا فسوف تعلمون : أى أيها
الكافرون تمتعوا بما خولكم من نعمة فسوف تعلمون عاقبة كفركم لنعم الله وشرككم يوم
تردون عليه حفاة عراة لا ولى لكم من دونه تعالى ولا نصير ، والأمر هنا للتهديد
والوعيد على كفران النعم وإستبدال شكرها بالكفر بالمنعم عزوجل والشرك به .
(39) وما آتيتم من ربا : الأية : أى وما
أهديتم من هدية وسُميت ربا لأنهم يقصدون بها زيادية أموالهم . ليربوا فى أموال
الناس : أى ليكثير بسبب ما يرده عليكم من أهديتموه القليل ليرد عليكم بالكثير ،
فلا يربوا عند الله : أى لا يباركه الله ولايضاعف أجره . وفى الأية جواز هدية
الثواب الدنيوى كأن يهدى رجلاً شيئاً يريد أن يرد عليه ثواب أكثر منه ولكنه لا
ثواب فى الأخرة ، وتسمى هذه الهدية هدية الثواب وهى للرسول صلى الله عليه وسلم
محرمة لقوله تعالى (ولا تمنن تستكثر)
(43) { يومئذ يصدعون } أي يوم يأتي اليوم الذي لا مرد له يصدعون أي
يتفرقون فرقتين كما يتصدع الجدار فرقتين فريق في الجنة وفريق في النار .
(45)
(45) إنه لا يحب الكافرين : هذه الجملة علة لجملة محذوفة إذ
التقدير : ويجزى الكافرين بعدله وهو سوء العذاب لأنه لايحب الكافرين
(46) من هداية الأية : وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ
يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ
الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
(46)
تقرير الربوبية لله المستلزمة لألوهيته بذكر مظاهر القدرة
والعلم والرحمة والعدل .
(47) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ
رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ
الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)
بيان أن الله منتقم من المجرمين وإن طال الزمن ، وناصر
المؤمنين كذلك .
(48) { فتثير سحاباً } : أي تحركه وتهيجه فيسير وينتشر .{ ويجعله
كسفا } : أي قطعا متفرقة في السماء هنا وهناك .{ فترى الودق } : أي المطر يخرج من
خلال السحاب .
(49) { لمبلسين } : أي قنطين آيسين من إنزاله عليهم .
(52) ،
(53) فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى
وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (52) وَمَا أَنْتَ
بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ
بِآَيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (53)
بيان أن الكفار أموات ، ولذا هم لا يسمعون ولا يبصرون وأن
المؤمنين أحياء لأنهم يسمعون ويبصرون ، إذ الحياة لها آثارها في الجسم الحي والموت
كذلك .
(55) { كذلك كانوا يؤفكون } : أي كما صرفوا عن معرفة الصدق في اللبث
كانوا يصرفون في الدنيا عن الإِيمان بالبعث والجزاء في الآخرة فانصرافهم عن الحق
في الدنيا سبب لهم عدم معرفتهم لمدة لبثهم في قبورهم .
(57) { ولا هم يستعتبون } : أي لا يطلب منهم العتبى أي الرجوع إلى
ما يرضي الله تعالى بالإِيمان والعمل الصالح .
(58) { من كل مثل } : أي من كل صفة مستغربة تلفت الانتباه وتحرك
الضمير كالأمثال لعلهم يذكرون فيؤمنوا ويوحدوا .
(59) من
هداية قوله تعالى : كَذَلِكَ
يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (59)
أسوأ أحوال الإِنسان عندما يطبع على قلبه لكثرة ذنوبه فيصبح لا
يفهم ولا يعقل شيئاً وفي الخبر حبك الشيء يعمي ويصم .
(60) { لا يستخفنك الذين لا : أي لا يحملنك هؤلاء المشركون
المكذبون بلقاء الله على يوقنون } الخفة والطيش فتترك دعوتك إلى ربك .
Comments