نقدم في هذا الموضوع أذكار اليوم والليلة وأذكار الصباح والمساء كاملة مع نقاط هامة جدًا في الذكر وفضله وكيفيته وأوقاته، وأسأل الله العظيم أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته
المصدر
الأذكار للإمام النووي
محتويات أذكار اليوم والليلة
(1)
الأمر بالإِخلاص وحسن النِّيَّات في جميع الأعمال الظاهرات والْخَفِيِّات:
(2)
العمل بما ورد في فضائل الأعمال
(3) حكم
العمل بالحديث الضعيف في الفضائل والترغيب والترهيب
(4) استحباب
الجلوس في حِلَقِ الذكر
(5) كَيّفيَّةِ
الذِّكْرِ
(6)
هل العبادةَ ذكرٌ
(7)
فضل الذِّكر
(8) حكم
الذكر للمحدث والجنب
(9) آداب
الذاكر
(10) صفة
مواضع الذكر
(11) حُكم
الذكر في أحوال عدةٍ
(12) المرادُ
مِنَ الذِّكْرِ
(13) حكم
قضاء الذكر
(14) أحوال
تَعْرِضُ للذاكر يُستحب له قطعُ الذكر بسببها، ثم يعودُ إليه بعد زوالها
(15) لا
يُعْتَدُّ بالذكر حتى يُتَلَفَّظُ به
(16) ما
ورد في فضل الذكر (أذكار الصباح والمساء وفضلها من الأحاديث الصحيحة)
(17) ما
يقول إذا استيقظ من منامه:
(18) ما
يَقُول إذا لبسَ ثوبَه:
(19) ما
يقولُ إذا لبسَ ثوباً جديداً أو نعلاً وما أشبههُ:
(20) ما
يقولُ لصاحبه إذا رأى عليه ثوباً جديداً:
(21) كيفيّة
لباسِ الثوبِ والنعلِ وخَلْعِهما:
(22) ما
يقولُ إذا خلعَ ثوبَه لغُسْلٍ أو نومٍ أو نحوهِمَا:
(23) ما
يقول حال خروجِهِ من بيتِه:
(24) ما
يقولُ إذا دخلَ بيتَه:
(25) ما
يقول إذا استيقظ من الليل وخرج من بيته:
(26) ما
يقولُ إذا أراد دخول الخلاء:
(27) النّهي
عن الذِّكْرِ والكَلامِ عَلَى الخَلاَء:
(28) النهي
عن السلام على المجالس لقضاء الحاجة
(29) ما
يقولُ إذَا خَرَجَ مِنْ الخَلاَء:
(30) ما
يقولُ إذا أراد صَبَّ ماء الوضوءِ أو استقاءه:
(31) ما
يقول على وضوئه
(32) ما
يقولُ في ابتداء الوضوء بعد التسمية
(33) ما
يقول عقب الوضوء
(34) ما
يقولُ على اغْتسالِه:
(35) ما
يقولُ على تَيَمُّمِه:
(36) ما
يقولُ إذا توجَّهَ إلى المسجد:
(37) ما
يقولُه عندَ دخول المسجد والخروج منه:
(38) ما
يقولُ في المسجد:
(39) نية
الاعتكاف وتحية المسجد
(40) إنكاره
ودعائه على من يَنشُدُ ضالّةً في المسجد، أو يبيعُ فيه:
(41) فضيلةِ
الأذان:
(42) هل
الأفضل الآذان أم الإمامة
(43) صِفَةِ
الأَذان:
(44) صِفَةِ
الإِقامة:
(45) آداب
الأذان والإقامة
(46) ما
يقولُ مَنْ سمعَ المؤذّنَ والمقيمَ:
(47) الدُّعاء
بعد الأذان:
(48) ما
يقولُ بعدَ ركعتي سنّة الصبح:
(49) ما
يقولُ إذا انتهى إلى الصَّفّ:
(50) ما
يقولُ عند إرادته القيامَ إلى الصَّلاة:
(51) الدعاءِ
عندَ الإِقامة:
الأمر بالإِخلاص وحسن
النِّيَّات في جميع الأعمال الظاهرات والْخَفِيِّات:
قال الله
تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ
حُنَفَاءَ} [البيِّنة: 5] ، وقال تعالى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا
وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج: 37] . قال ابن عباس رضي الله
عنهما: معناه: ولكن يناله النِّيَّات.
وعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: قال
رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "إنَّما الأعْمالُ بالنِّيَّاتِ، وإنَّمَا
لكل امرئ مَا نَوَى، فَمَنْ كانَتْ هِجْرَتُهُ إلى الله وَرَسولِهِ، فَهِجْرَتُهُ
إلى الله وَرَسولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلى دُنْيا يُصِيبُها، أَوِ
امْرأةٍ يَنْكِحُها، فَهِجْرَتُه إلى ما هاجر إليه". هذا حديث صحيح متفق على
صحته [البخاري، رقم: 1؛ ومسلم، رقم: 1907] ، مجمع على عظم موقعه وجلالته، وهو أحدُ
الأحاديث التي عليها مدارُ الإِسلام، وكان السلفُ وتابعوهم من الخلف رحمهم الله
تعالى يَستحبُّون استفتاح المصنفات بهذا الحديث، تنبيهاً للمُطالع على حسن
النيّة1، واهتمامه بذلك والاعتناء به. [وممن ابتدأ به في أول كتابه الإمام أبو عبد
الله البخاري رحمه الله في أول حديث في: صحيحه، الذي هو أصح الكتب بعد كتاب الله
تعالى.
وقال الإمام الحارث المحاسبيُّ رحمه الله
[عن عَلاَمَة الصدق] : الصادق هو الذي لا يبالي [و] لو خرج كلُّ قَدْرٍ له في قلوب
الخلق من أجل صَلاح قلبه، ولا يحبُّ اطّلاع الناس على مثاقيل الذر من حسن عمله،
ولا يكرهُ أن يطلع الناس على السيئ من عمله، [فإنَّ كراهته لذلك دليل على أنه يحب
الزيادة عندهم، وليس هذا من أخلاق الصِّدِّقِين. وعن حُذيفة الْمَرْعَشِيّ رحمه
الله، قال: الإِخلاصُ أن تستوي أفعالُ العبد في الظاهر والباطن.
وعن أبي
القاسم القُشيري رحمه الله، قال: الإِخلاصُ إفرادُ الحق سبحانه وتعالى في الطاعة
بالقصد، وهو أن يُريد بطاعته التقرّب إلى الله تعالى دون [أي] شيء آخر؛ من تَصنعٍ
لمخلوق، أو اكتساب مَحْمَدَةٍ عند الناس، أو محبّة مدحٍ من الخلق، أو معنى من
المعاني سوى التقرّب إلى الله تعالى. [الرسالة القشيرية: باب الإخلاص] .
وعن ذي النون المصري رحمه الله، قال: ثلاثٌ
من علامات الإِخلاص: استواءُ المدح والذمّ من العَامَّة، ونسيانُ رؤية الأعمال في
الأعمال، ونسيان اقتضاء ثواب العمل في الآخرة.
العمل بما ورد في فضائل
الأعمال
اعلم أنه
ينبغي لمن بلغه شيء في فضائل الأعمال أن يعمل به، ولو مرّة واحدة، ليكون من أهله،
ولا ينبغي له أن يتركه مطلقاً، بل يأتي بما تيسر منه، لقول النبيّ -صلى الله عليه
وسلم- في الحديث المتفق على صحته [البخاري رقم: 7288؛ ومسلم، رقم: 1337] :
"إذَا أَمَرْتُكُمْ بَشَيءٍ فأْتُوا مِنْهُ ما اسْتَطَعْتُمْ".
حكم العمل بالحديث الضعيف في
الفضائل والترغيب والترهيب
قال
العلماءُ من المحدّثين والفقهاء وغيرهم: يجوز ويُستحبّ العمل في الفضائل والترغيب
والترهيب بالحديث الضعيف ما لم يكن موضوعاً.
وأما
الأحكام، كالحلال والحرام والبيع والنكاح والطلاق وغير ذلك؛ فلا يُعْمَل فيها إلا
بالحديث الصحيح أو الحسن إلا أن يكون في احتياطٍ في شيء من ذلك، كما إذا وردَ
حديثٌ ضعيفٌ بكراهة بعض البيوع أو الأنكحة، فإن المستحبَّ أن يتنزّه عنه، ولكن لا
يجب.
استحباب الجلوس في حِلَقِ
الذكر
اعلم أنه
كما يُستحبُّ الذكر يُستحبُّ الجلوس في حِلَق أهله، وقد تظاهرت الأدلة على ذلك،
وستردُ في مواضعها إن شاء تعالى، ويكفي في ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال:
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "إذا مَرَرْتُمْ بِرِياضِ الجَنَّةِ
فارْتَعُوا"، قالُوا: وَمَا رِياضُ الجَنَّةِ يا رَسُولَ الله؟ قالَ:
"حِلَقُ الذّكْرِ، فإنَّ لله تعالى سَيَّارَاتٍ مِنَ المَلائِكَةِ
يَطْلُبُونَ حِلَقَ الذّكْرِ، فإذَا أَتَوْا عَليْهِمْ حفوا بهم".
وورد في صحيح
مسلم، [رقم: 2701] ، عن معاوية رضي الله عنه أنه قال: خرجَ رسولُ الله -صلى الله
عليه وسلم- على حَلْقَةٍ من أصحابه، فقال: "ما أجْلَسَكُم"؟ قالوا:
جلسنا نذكُر الله تعالى، ونحمَدُه على ما هدانا للإسلام، ومَنَّ به علينا؛ قال:
"آلله ما أجْلَسَكُمْ إلا ذَاكَ"؟ [قالوا: واللَّهِ ما أجلسنا إلاّ ذاك؛
قال:] "أما إني لَمْ أستحلِفكُمْ تُهمةً لكُمْ، ولَكنَّهُ أتاني جبْرِيلُ،
فأخْبَرَنِي أنَّ الله تعالى يُباهي بكُمُ المَلائكَةَ".
وفى صحيح
مسلم، أيضاً [رقم: 2700] ، عن أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة رضي الله عنهما؛ أنهما
شهدا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنهُ قال: "لا يَقْعُدُ قَوْمٌ
يَذْكُرُون اللَّهَ تَعالى إلا حَفَّتْهُمُ المَلائِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ
الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عَليهِمْ السَّكِينَةُ، وَذَكَرََهُمُ اللَّهُ تَعالى
فِيمَنْ عِنْدَهُ".
كَيّفيَّةِ الذِّكْرِ
الذكر يكون
بالقلب، ويكون باللسان، والأفضلُ منه ما كانَ بالقلب واللسان جميعاً، فإن اقتصرَ
على أحدهما، فالقلبُ أفضل. ثم لا ينبغي أن يُتركَ الذكرُ باللسان مع القلب خوفاً
من أن يُظنَّ به الرياءُ، بل يذكرُ بهما جميعاً، ويقصدُ به وجهُ الله تعالى، وورد
عن الفضيل بن عِياض -رحمه الله- أن ترك العمل لأجل الناس رياءٌ؛ ولو فتح الإنسانُ
عليه بابَ ملاحظة الناس، والاحتراز من تطرُّق ظنونهم الباطلة لانْسدَّ عليه أكثرُ
أبواب الخير، وضيَّع على نفسه شيئاً عظيماً من مهمَّات الدين، وليس هذا طريقة
العارفين.
وورد في الصحيحين:
البخاري [رقم: 4723] ، ومسلم [رقم: 447] رضي الله عنهما، عن عائشة رضي الله عنها،
قال: نزلت هذه الآية: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا} ،
[الإسراء: 110] في الدُّعاء.
هل العبادةَ ذكرٌ
اعلم أن
فضيلة الذكر غيرُ منحصرةٍ في التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير ونحوها، بل كلُّ
عاملٍ لله تعالى بطاعةٍ فهو ذاكرٌ لله تعالى؛ كذا قال سعيدُ بن جُبير رضي الله
عنه، وغيره من العلماء.
وقال عطاءُ
رحمه الله: مجالسُ الذِّكر هي مجالسُ الحلال والحرام، كيف تشتري وتبيعُ، وتصلّي
وتصومُ، وتنكحُ وتطلِّق، وتحجّ؛ وأشباه هذا.
فضل الذِّكر
قال الله
تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ
وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ
وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ
وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ
وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ
اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 35] .
وفى صحيح
مسلم [رقم: 2676] ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
قال: "سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ" قالُوا: ومَا المُفَرِّدونَ يا رَسُولَ
الله؟ قالَ: "الذَّاكِرُونَ الله كَثِيراً وَالذَّاكرَاتُ".
وقال مجاهد:
لا يكونُ من الذاكرين الله تعالى كثيراً والذاكرات، حتى يذكر الله تعالى قائماً
وقاعداً ومضطجعاً.
وقال عطاء:
من صلَّى الصلوات الخمس بحقوقها، فهو داخلٌ
في قول الله
تعالى: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} ، [الأحزاب: 35] . وسئل
الشيخ الإِمام أبو عمرو ابن الصَّلاح -رحمه الله- عن الْقَدْرِ الذي يصيرُ به من
{الذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} [الأحزاب: 35] ، فقال [في:
الفتاوى، صفحة: 150] : إذا واظبَ على الأذكار المأثورة المثبتة صباحًا ومساءً، وفي
الأوقات والأحوال المختلفة، ليلاً ونهاراً، وهي مُبيّنة في كتاب: عمل اليوم
والليلة، كان من {الذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} [الأحزاب: 35]
، والله أعلم.
حكم الذكر للمحدث والجنب
أجمع
العلماءُ على جواز الذكر بالقلب واللسان للمُحْدِث والجُنب، والحائض والنفساء،
وذلك في التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير والصلاة على رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- والدعاء وغير ذلك. ولكنَّ قراءة القرآن حرامٌ على الجُنب والحائض والنفساء،
سواءٌ قرأ من القرآن قليلاً أو كثيراً، حتى بعض آية، ويجوز لهم إجراءُ القرآن على
القلب من غير لفظ، وكذا النَّظَرُ في المصحف، وإمرارُه على القلب.
ويجوز
للجُنب والحائض أن يقولا عند المصيبة: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ
رَاجِعُونَ} [البقرة: 156] ، وعند ركوب الدابة: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا
هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} [الزخرف: 13] ، وعند الدعاء: {رَبَّنَا
آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}
[البقرة: 202] إذا لم يقصدا به القرآن. [راجع: التبيان في آداب حملة القرآن، رقم:
146، 147] .
ولهما أن
يقولا: بسم اللَّه، سُبحانَ اللَّهِ والحمدُ لله، إذا لم يقصدا القرآن، سواءٌ قصدا
الذكر أو لم يكن لهما قصدٌ، ولا يأثمان إلا إذا قصدا القرآن.
وإذا لم
يجدا الماء تيمَّما وجاز لهما القراءةُ، فإن أحدثَ بعد ذلك لم تحرم عليه القراءة،
كما لو اغتسل، ثم أحدث. ثم لا فرق بين أن يكون تَيمُّمُه لعدم الماء في الحَضَر،
أو في السفر؛ فله أن يقرأ القرآن بعده وإن أحدث.
إذا لم يجد
الجُنبُ ماءً ولا تُراباً، فإنه يُصلِّي لحُرمة الوقت على حسب حاله، وتحرمُ عليه
القراءةُ خارجَ الصلاة، ويحرمُ عليه أن يقرأ في الصلاة ما زاد على الفاتحة.
وَهَل تحرم
عليه الفاتحة؟ فيه وجهان: أصحُّهما: لا تحرمُ، بل تجبُ، فإن الصَّلاةَ لا تصحُّ
إلا بها، وكما جازت الصلاةُ للضرورة [مع الجنابة] تجوزُ القراءة. والثاني: تحرمُ،
بل يأتي بالأذكار التي يأتي بها مَن لا يحسن شيئا من القرآن.
آداب الذاكر
ينبغي أن
يكون الذاكرُ على أكمل الصفات، فإن كان جالساً في موضع استقبال القبلة، وجلس
مُتذلِّلاً مُتخشعاً بسكينة ووقارٍ، مُطرقًا رأسه، ولو ذَكَرَ على غير هذه الأحوال
جاز ولا كراهةَ في حقه، لكن إن كان بغير عذر كان تاركاً للأفضل والدليل على عدم
الكراهة قول الله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ
اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ، الَّذِينَ يَذْكُرُونَ
اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ
السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ
فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: الآيتان: 190، 191] .
وثبت في:
الصحيحين، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتكئ
في حجري وأنا حائض، فيقرأ القرآن. رواه البخاري [رقم: 297] ، ومسلم [رقم: 301] .
صفة مواضع الذكر
ينبغي أن
يكون الموضعُ الذي يذكرُ فيه خالياً نظيفاً، فإنه أعظمُ في احترام الذكر والمذكور،
ولهذا مُدح الذكرُ في المساجد والمواضع الشريفة.
وينبغي
أيضاً أن يكون فمه نظيفاً، فإن كان فيه تَغَيُّر أزاله بالسِّواك، وإن كان فيه
نجاسة أزالها بالغسل بالماء، فإن ذكر ولم يغسلها فهو مكروهٌ، ولا يَحرمُ؛ ولو قرأ
القرآن وفمُه نجسٌ كُره، وفي تحريمه وجهان لأصحابنا، أصحُّهما أنه لا يحرم.
حُكم الذكر في أحوال عدةٍ
اعلم أن
الذكر محبوبٌ في جميع الأحوال، إلا في أحوال وَرَدَ الشرعُ باستثنائها، نذكرُ منها
هنا طرفاً إشارةٍ إلى ما سواه مما سيأتي في أبوابه إن شاء الله تعالى.
فمن ذلك أنه
يُكره الذكرُ حالة الجلوس على قضاء الحاجة، وفي حالة الجِماع، وفي حالة الخُطبة
لمن يسمعُ صوت الخطيب، وفي القيام في الصلاة، بل يشتغلُ بالقراءة، وفي حالة
النعاس. ولا يُكره في الطريق، ولا في الحمَّام، والله أعلمُ.
المرادُ مِنَ الذِّكْرِ
المرادُ من
الذكر حضورُ القلب، فينبغي أن يكون هو مقصودُ الذاكر، فيحرص على تحصيله، ويتدبر ما
يذكر، ويتعقل معناه؛ فالتدبُر في الذكر مطلوبٌ، كما هو مطلوبٌ في القراءة،
لاشتراكهما في المعنى المقصود، ولهذا كان المذهبُ الصحيح المختار استحباب مدَّ
الذاكر قوله: لا إله إلا الله، لما فيه من التدبر، وأقوالُ السلف وأئمة الخلف في
هذا مشهورةٌ؛ والله أعلم.
حكم قضاء الذكر
ينبغي لمن
كان له وظيفةٌ من الذكر في وقت من ليل أو نهار، أو عقب صلاةٍ، أو حالةٍ من
الأحوال، ففاتتهُ أن يتداركها، ويأتي بها إذا تمكن منها، ولا يهملها، فإنه إذا
اعتاد الملازمة عليها لم يعرّضها للتفويت، وإذا تساهل في قضائها سَهُلَ عليه
تضييعها في وقتها.
وقد ثبت في:
صحيح مُسلم [رقم: 747] ، عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى
الله عليه وسلم: "مَنْ نامَ عَنْ حِزْبِهِ أَوْ عَنْ شيءٍ مِنْهُ، فقرأهُ
فيما بَيْنَ صَلاةِ الفَجْرِ وصلاة الظهر، كتب له كأنما قرأه من اللَّيل".
أحوال تَعْرِضُ للذاكر يُستحب
له قطعُ الذكر بسببها، ثم يعودُ إليه بعد زوالها
منها: إذا
سُلِّم عليه ردّ السلام ثم عاد إلى الذكر، وكذا إذا عطس عنده عاطسٌ شَمَّتهُ ثم
عادَ إلى الذكر، وكذا إذا سمع الخطيبَ، وكذا إذا سمع المؤذّنَ أجابهُ في كلمات
الأذان والإقامة ثم عاد إلى الذكر، وكذا إذا رأى منكراً أزالهُ، أو معروفاً أرشد
إليه، أو مسترشداً أجابه ثم عاد إلى الذكر، وكذا إذا غلبه النعاس أو نحوه، وما
أشبه هذا كله؛ والله أعلم.
لا يُعْتَدُّ بالذكر حتى
يُتَلَفَّظُ به
اعلم أن
الأذكار المشروعة في الصلاة وغيرها، واجبةً كانت أو مستحبةً، لا يُحسبُ شيءٌ منها
ولا يُعتدّ به حتى يتلفَّظَ به، بحيثُ يسمعُ نفسهُ إذا كان صحيح السمع لا عارض له؛
والله أعلمُ.
ما ورد في فضل الذكر
قال الله
تعالى: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت: 45] وقال تعالى: {فَاذْكُرُونِي
أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152] وقال تعالى: {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ
الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الصَّافات:
143، 144] ، وقال تعالى: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ}
[الأنبياء: 20] .
عن أبي
هريرة رضيالله عنه، واسمهُ عبد الرحمن بن صخرٍ قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "كَلِمَتَانِ
خَفِيفَتانِ على اللِّسانِ، ثَقِيلَتَانِ في المِيزَانِ، حَبيبَتَانِ إلى
الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ العَظيمِ".
وهذا الحديث آخر شيء في "صحيح البخاري" [رقم: 7563؛ ومسلم، رقم: 2694] .
وفي
"صحيح مسلم" [رقم: 2731] ، عن أبي ذرّ رضي الله عنه، قال: قال لي رسول
الله -صلى الله عليه وسلم: "ألا أُخْبِرُكَ بِأَحَبِّ الكَلامِ إلى اللَّهِ
تَعالى؟ إِنَّ أحَبَّ الكَلام إلى اللَّه: سُبحانَ اللَّهِ وبِحَمْدِهِ".
وفي
"صحيح مسلم" [رقم: 2137] أيضاً، عن - سَمُرة بن جندب رضي الله عنه، قال:
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "أحَبُّ الكَلامِ إلى اللَّهِ تَعالى
أرْبَعٌ: سُبْحانَ الله، والحمد لله، ولا إله إلا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ؛ لا
يَضُرّكَ بِأَيَّهِنَّ بَدأتَ".
وفي
"صحيح مسلم" [رقم: 223] ، عن أبي مالك الأشعري1 رضي الله عنه، قال: قال
رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ، والحَمْدُ
لِلِّهِ تَمْلأُ المِيزَانَ، وَسُبْحانَ اللَّه والحَمْدُ لِلِّهِ تَمْلآنِ -أو
تملأ- مَا بَيْنَ
السَّمَوَاتِ والأرض". ["الأربعين النووية"، الحديث رقم: 23] .
وفى صحيح
مسلم أيضًا عن جُويريةَ أمّ المؤمنين رضي الله عنها، أن النبي -صلى الله عليه
وسلم- خرج من عندها بُكرة حين صلَّى الصبح وهي في مسجدها، ثم رجع بعد أن أضحى وهي
جالسة فيه، فقالَ: "مَا زِلْتِ اليَوْمَ عَلى الحال الَّتي فارَقْتُكِ
عليها"؟ قالت: نعم! فقال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم: "لَقَدْ قُلْتُ
بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلماتٍ ثَلاثَ مَرَّاتٍ لَوْ وزِنَتْ بِما قُلْتِ مُنْذُ
اليَوْمِ لَوَزَنَتُهُنَّ: سُبحانَ اللَّهِ وبِحمْدِهِ عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَا
نَفْسِهِ َوزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِماتِهِ".
وفي رواية:
"سبحانَ اللَّهِ عَدَدَ خَلْقِهِ، سبحان الله رضا نفسه، سبحان الله زنة عرشه،
سبحان اللَّهِ مِدَادَ كَلِماتِهِ".
وفي صحيح
مسلم [رقم: 2695] أيضاً، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله -صلى الله
عليه وسلم: "لأَنْ أقُولَ: سُبْحَانَ الله، والحمد لله، ولا إله إلا اللَّهُ،
وَاللَّهُ أَكْبَرُ؛ أَحَبُّ إِلَيّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ".
وفي
"صحيحي البخاري" [رقم: 6404] ، ومسلم [رقم: 2693] ؛ عن أبي أيَوبَ
الأنصاري رضي الله عنه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم، قال: "مَنْ قالَ: لا
إِلهَ إلا الله وحده لا شَريكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ على
كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ؛ عَشْرَ مَرَّاتٍ؛ كانَ كَمَنْ أعْتَقَ أَرْبَعَةَ أَنْفُسٍ
مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ".
وفي
"صحيحهما" [البخاري، رقم: 6403؛ مسلم، رقم: 2691] ، عن أبي هريرة رضي
الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ قالَ: لا إِلهَ إلا
الله وحده لا شَريكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ
قَدِيرٌ، في يَوْمٍ مائَةَ مَرَّةٍ، كانَتْ لَهُ عِدْلَ عَشْرِ رِقابٍ، وكتبت له
مائة حسنةٍ، ومُحِيَتْ عَنْهُ مائة سَيِّئَةٍ، وكانَتْ لَهُ حِرْزاً مِنَ
الشَّيْطانِ يَوْمَهُ ذلكَ حتَّى يُمْسيَ، ولَمْ يَأتِ أحدٌ بأفْضَلَ مِمَّا جاءَ
بِهِ إِلاَّ رجلٌ عَمِلَ أكْثَرَ منه".
وقال:
"مَنْ قالَ: سُبْحانَ اللَّهِ وبِحَمْدِهِ في يَوْمٍ مائَةَ مَرَّةٍ؛ حُطَّتْ
خَطَاياهُ وإنْ كانَتْ مِثْلَ ربد البَحْرِ".
وفي
"كتاب الترمذي" [رقم: 3383] ،وابن ماجه [رقم 3800] ، عن جابر بن عبد
الله رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:
"أفْضَلُ الذّكْرِ لا إلهَ إلاّ اللَّهُ". قال الترمذي: حديث حسن.
في
"صحيح البخاري" [رقم: 6407] ، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن
النبي -صلى الله عليه وسلم- أنهُ قال: "مَثَلُ الَّذي يَذْكُرُ رَبَّهُ
وَالَّذي لا يَذْكُرُهُ، مَثَلُ الحَيِّ وَالمَيِّتِ".
في
"صحيح مسلم" [رقم: 2696] ، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، قال: جاءَ
أَعْرَابيٌّ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: علِّمني كلاماً أقوله!
قالَ: "قُل: لا إله إلا الله، وحده لا شريك لَهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيراً،
وَالحَمْدُ لِلَّه كَثِيراً، وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبّ العالَمِينَ، لا حَوْلَ
وَلا قوة إلا بالله العزيز الحكيم"2، [راجع رقم: 1088 التالي] قال: فهؤلاء
لربي، فما لي؟ قال:
"قُل: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي وَارْحَمْنِي وَاهْدِني وَارْزُقْنِي".
في
"صحيح مسلم" [رقم: 2698] ، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، قال: كنّا
عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "أيَعْجِزُ أحَدُكُمْ أنْ يكسب في
كل يَوْمٍ أَلْفَ حَسَنَة"؟ فسأله سائل من جلسائه: كيف يكسب [أحدُنَا] 1 ألف
حسنة؟. قال: "يسبح مائة تَسْبِيحَةٍ، فَتُكْتَبُ لَهُ ألفُ حَسَنَةٍ، أَوْ
يحط عَنْهُ ألْفُ خَطِيئَةٍ".
في
"صحيح مسلم" [رقم: 720] ، عن أبي ذرّ رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- قال: "يُصْبحُ على كُلّ سُلامَى مِنْ أحَدِكُمْ صَدَقَةٌ،
فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وكُلّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وكُلُّ تَهْلِيلَةٍ
صَدَقَةٌ، وكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ بالمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ
عَنِ المُنْكَرِ صدقة، ويجزئ مِن ذلكَ ركْعَتانِ تركعهما من الضحى"
"السُّلاَمَى"
بضم السين وتخفيف اللام، وهو العضو، وجمعه سلاميات، بفتح الميم وتخفيف الياء.
"صحيحي
البخاري" [رقم: 3684] ومسلم [رقم: 2704] ، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه،
قال: قال لي النبيّ -صلى الله عليه وسلم: "ألا أدُّلُّكَ على كَنْزٍ مِنْ
كُنُوزِ الجَنَةِ"؟ فقلت: بلى! يا رسول الله، قال: "قُل: لا حَوْلَ
وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ".
عن سعد بن
أبي وقاص رضي الله عنه، أنه دخل مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على امرأة،
وبين يديها نوىً أو حصىً تُسَبِّح به، فقال: "ألا أُخْبرُكِ بِمَا هُوَ
أَيْسَرُ عَلَيْكِ مِنْ هَذَا، أو أَفْضَلُ"؟ فَقالَ: "سُبْحانَ الله
عَدَدَ مَا خَلَقَ في السَّماءِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ ما خَلَقَ في
الأرْضِ، وسُبْحانَ اللَّهِ عَدَدَ ما بَيْنَ ذلكِ، وسُبحَانَ الله عَدَدَ ما هُوَ
خالقٌ، واللَّهُ أَكْبَرُ مِثْلَ ذلكَ، والحمدُ لِلَّهِ مثْلَ ذلكَ، ولا إِلهَ
إِلاَّ اللَّهُ مثْلَ ذلكَ، ولا حول ولا قوة إلا بالله مِثْلَ ذَلكَ". قال
الترمذي: حديث حسن.
في
"سنن أبي داود" [رقم: 1529] ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ قَالَ رَضِيتُ بالله ربا، وبالإسلام
دينا، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيًّا ورسولًا؛ وَجَبَتْ لَهُ
الجَنَّةُ".
وروينا في
"كتاب الترمذي" [رقم: 3375] ، عن عبد الله بن بُسْر -بضمّ
الباء الموحدة، وإسكان السين المهملة- الصحابي رضي الله عنه، أن رجلاً قالَ: يا
رسول الله! إن شرائع الإِسلام قد كثرتْ عليّ، فأخبرني بشيء أتشبث به، فقال:
"لا يَزالُ لِسانُكَ رَطْباً مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعالى". قال الترمذي:
حديث حسن.
قلت:
"أتشبث" بتاء مثناة من فوق، ثم شين معجمة، ثم باء موحدة، مفتوحات؛ ثم
ثاءٌ مثلثة؛ ومعناه: أتعلَّقُ به وأستمسك.
وفى سنن
الترمذى أيضًا [رقم: 3376] ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- سئل: أيّ العبادة أفضل درجة عند الله تعالى يَوْمَ القِيامَةِ؟
قال: "الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيراً" قُلْتُ: يَا رَسُول الله! ومِن
الغازي في سبيل الله عزّ وجلّ؟ قال: "لَوْ ضَرَبَ بِسَيْفِهِ في الكُفَّارِ
والمُشْرِكِينَ حتَّى يَنْكَسِرَ سيفه، ويختصب دماً، لكان الذَّاكرون الله أفضل
درجة منه".
وفي
"كتاب ابن ماجه" [رقم: 3790] ؛ عن أبي الدرداء رضي الله عنه، قال: قال
رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "أَلا أُنْبِئُكُمْ بِخَيْرِ أعمالِكُمْ، وَأزْكاها عنْدَ
مَلِيكِكُمْ، وأرْفَعِها في دَرَجَاتِكُمُ، وخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ
الذَّهَبِ والوَرِق، وخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ،
فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ، ويضربوا أعناقكم"؟ قالوا: بلى! قال:
"ذِكْرُ اللَّهِ تَعالى".
وفي كتاب
الترمذي [رقم: 3458] ، عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله -صلى الله
عليه وسلم: "لقيتُ إبْرَاهِيمَ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ أسري بي، فقالَ:
يَا محمد! أقرئ أمتك مني السَّلامَ، وأخْبِرْهُمْ أَنَّ الجَنَّةَ طَيِّبَةُ
التُّرْبَةِ، عَذْبَةُ المَاءِ، وأنها قِيعانٌ، وأنَّ غِرَاسَها: سبحان الله،
والحمد لله، ولا إله إِلاَّ اللَّهُ، واللَّهُ أَكْبَرُ" قال الترمذي: حديث
حسن.
وفى كتاب
الترمذى أيضًا عن جابر رضي الله عنه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم، قال:
"مَنْ قالَ: سُبْحانَ الله وبِحمْدِهِ، غُرست لَهُ نَخْلَةٌ في
الجَنَّةِ" قال الترمذي: حديث حسن [صحيح] .
وفيه أيضًا
[رقم: 3593] ، عن أبي ذرّ رضي الله عنه، قال: قلتُ: يا رسولُ الله! أيُّ الكلام
أحبّ إلى الله تعالى؟ قال: "ما اصْطَفى اللَّهُ تَعالى لمَلائِكَتِهِ:
سُبْحانَ ربِّي وبِحَمْدِهِ، سُبْحانَ رَبي وبِحَمْدِهِ". قال الترمذي: حديث
حسن صحيح.
الأذكار من بداية
استيقاظ الإِنسان من نومه، ثم ما بعده على الترتيب إلى نومه في الليل، ثم ما بعد
استيقاظاته في الليلة التي ينام بعدَها؛ وبالله التوفيق.
باب ما يقول إذا استيقظ من
منامه:
ورد في الصحيحين
البخارى ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:
"يَعْقِدُ الشَّيْطانُ على قافِيةِ رأسِ أحَدِكُم إذا هُوَ نَامَ ثَلاثَ
عُقَدٍ، يَضْرِبُ على كُلّ عقدةٍ مَكانَها: عَلَيْكَ لَيْلٌ طَويلٌ فارْقُدْ، فإنِ
اسْتَيْقَظَ وَذَكَرَ الله تعالى انْحَلَّت عُقْدَةٌ، فإن تَوْضأ انْحَلَّتْ
عُقْدَةٌ، فإنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقَدُهُ كُلُّها، فأصْبَحَ نَشِيطاً طيب
النَّفْسِ، وإلاَّ أَصْبحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلانَ".
وفي
"صحيح البخاري" [رقم: 6312] ، عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما، وعن
أبي ذر رضي الله عنه، قالا: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أوى إلى فراشه
قال: "باسْمِكَ اللهم أحيا وأموت" وإذَا اسْتَيْقَظَ قالَ:
"الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي أحيانا بعد ما أماتَنا وإلَيْهِ النشُورُ".
وورد في
"كتاب ابن السني" [رقم: 9] ، بإسناد صحيح، عن أبي هريرة رضي الله عنه،
عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذَا اسْتَيْقَظَ أََحَدُكُمْ
فَلْيَقُلْ: الحمدُ لِلَّهِ الَّذي رَدََّ عَلَيّ رُوحِي، وَعافانِي في جَسَدِي،
وأذِن لي بذِكْرِهِ".
وورد فيه
أيضًا عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَا مِنْ
عَبْدٍ يَقُولُ عِنْدَ رَدّ اللَّهِ تَعالى رُوحَهُ عَلَيْهِ: لا إِلهَ إلا الله،
وحده لا شَريكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ على كُلّ شيء قدير؛
إلاَّ غَفَرَ اللَّهُ تَعالى لَهُ ذُنُوبَهُ، وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ ربد
البَحْرِ".
ما يَقُول إذا لبسَ ثوبَه:
يُستحبّ أن
يقول: باسم الله؛ وكذلك تُستحبّ التسمية في جميع الأعمال.
وفي "كتاب ابن السني" [رقم: 14] ، عن أبي
سعيد الخدري رضي الله عنه، واسمه: سعد بن مالك بن سنان، أن النبي -صلى الله عليه
وسلم- كان إذا لبس ثوباً [سمَّاهُ] : قميصاً أو رداء أو عمامة؛ يقولُ:
"اللَّهُمَّ إني أسألُكَ منْ خَيْرِهِ وَخَيْر مَا هو لَهُ، وأعُوذُ بِكَ
مِنْ شَرِّهِ وَشَرِّ ما هو له".
وجاء فيه أيضًا
[رقم: 272] ، عن معاذ بن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
قال: "مَنْ لَبِسَ ثَوْباً فَقالَ: الحَمْدُ لله الذي كَساني هَذَا
وَرَزَقنيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلاَ قُوَّة، غَفَرَ الله لَهُ ما
تَقَدَّمَ من ذنبه" ؛ والله أعلم.
ما يقولُ إذا لبسَ ثوباً
جديداً أو نعلاً وما أشبههُ:
وفي
"كتاب الترمذي" [رقم: 3560] ، عن عمر رضي الله عنه، قال: سمعتُ رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "مَنْ لَبِسَ ثَوْباً جَدِيداً، فَقَالَ:
الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَساني ما أُوَاري بِهِ عَوْرَتي، وَأَتَجَمَّلُ بِهِ في
حياتي؛ ثُمَّ عَمَدَ إلى الثَّوْب الَّذِي أَخْلَقَ فَتَصَدَّقَ بِهِ، كانَ في
حِفْظِ اللَّهِ، وفي كَنَفِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، وفِي سَتْرِ الله حيًّا وميتًا". والله أعلم.
ما يقولُ لصاحبه إذا رأى عليه
ثوباً جديداً:
ورد في
كتابي ابن ماجه [رقم: 3558] وابن السني [رقم: 269] ، عن ابن عمر رضي الله عنهما،
أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى على عمر رضي الله عنه ثوباً، فقال:
"أجَدِيدٌ هَذَا أمْ غَسِيلٌ"؟ فقال: بل غسيلٌ؛ فقال النبي -صلى الله
عليه وسلم: "الْبَسْ جَدِيداً، وَعِشْ حَمِيداً، وَمُتْ شَهِيداً
سعيدًا". والله أعلم.
كيفيّة لباسِ الثوبِ والنعلِ
وخَلْعِهما:
يستحب أن
يبتدئ في لبس الثوب والنعل والسراويل وشبهها باليمين من كميه ورجلي السراويل،
ويخلع الأيسر ثم الأيمن، وكذلك الاكتحال، والسواك، وتقليم الأظفار، وقصّ الشارب،
ونتف الإِبط، وحلق الرأس، والسلام من الصلاة، ودخول المسجد، والخروج من الخلاء،
والوضوء، والغسل، والأكل، والشرب، والمصافحة، واستلام الحجر الأسود، وأخذ الحاجة
من إنسان، ودفعها إليه، وما أشبه هذا؛ فكله يفعله باليمين، وضدّه باليسار.
وفي
"صحيحي" البخاري [رقم: 168] ومسلم[رقم: 268] ، عن عائشة رضي الله عنها،
قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُعجبه التيمّن في شأنه كله، في طهوره،
وترجُّلِه، وتنعّلِه.
وفي
"سنن أبي داود" [رقم:33] ، وغيره [كالإمام أحمد في "مسنده"
265/2] ، بالإِسناد الصحيح، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كانت يدُ رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- اليمنى لطهوره وطعامه، وكانت اليسرى لخلائه، وما كان من أذى.
ما يقولُ إذا خلعَ ثوبَه
لغُسْلٍ أو نومٍ أو نحوهِمَا:
في
"كتاب ابن السني" [رقم: 274] ، عن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله
-صلى الله عليه وسلم: "سِتْرُ ما بَيْنَ أَعْيُنِ الجِنّ وَعَوْرَاتِ بَنِي
آدَمَ أنْ يَقُولَ الرَّجُلُ المُسْلِمُ إذَا أرَاد أنْ يَطْرَحَ ثِيابَهُ: باسْمِ
اللَّهِ الَّذي لا إله إلا هو".
ما يقول حال خروجِهِ من بيتِه:
عن أُمّ
سلمة رضي الله عنها، واسمها هند، أن النبي -صلى الله عليه- وسلم كانَ إذَا خَرَجَ
مِنْ بَيْتِهِ، قالَ: "باسْمِ اللَّهِ، تَوَكَّلْتُ على اللَّهِ، اللَّهُمَّ
إنِّي أعُوذُ بِكَ أنْ أَضِل أَوْ أُضَل، أوْ أَزِل أَوْ أُزَل، أَوْ أَظلِم أَوْ
أُظْلَم، أوْ أَجْهَل أَوْ يُجْهَلَ عليَّ" حديث صحيح، رواه أبو داود [رقم:
5094] ، والترمذي [رقم: 3427] ، والنسائي [رقم: 5486] ، وابن ماجه [رقم: 3884] .
قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
هكذا في
رواية أبي داود: "أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ، أو أَزِلّ أو أُزَلَّ " وكذا
الباقي بلفظ التوحيد.
وفي رواية
الترمذي: "أعُوذُ بِكَ مِنْ أنْ نَزِلّ" وكذَلِكَ: "نُضل"،
"ونَظْلِمَ"، "ونَجْهَلَ" بلفظ الجمع.
وفي رواية
أبي داود: ما خرجَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- من بيتي إلا رفع طرفه إلى
السماء، فقال: "اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ".
في
"سنن أبي داود" [رقم: 5095] ، والترمذي [رقم: 3426] والنسائي [في
"عمل اليوم والليلة"، رقم: 89] وغيرهم، عن أنس رضي الله عنه، قال: قال
رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قالَ -يعني: إذَا خَرَجَ مِنْ بيته:
باسْمِ اللَّهِ، تَوَكَّلْتُ على الله، لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ باللَّهِ،
يُقالُ لهُ: كُفِيتَ، ووُقيت، وَهُدِيتَ؛ وتَنَحَّى عنهُ الشيطانُ". قال
الترمذي: حديث حسن [صحيحٌ غريب]
زاد أبو
داود في روايته: "فيقول"، يعني: الشيطان لشيطان آخر: "كَيْفَ لَكَ
بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وكُفِيَ وَوُقِيَ؟ ".
ما يقولُ إذا دخلَ بيتَه:
يُستحب أن
يقول: باسم الله، وأن يكثرَ من ذكر الله تعالى: وأن يسلّمَ سواءٌ كان في البيت
آدميّ أم لا، لقول الله تعالى: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى
أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} [النور: 61]
في
"كتاب الترمذي" [رقم: 2698] ، عن أنس رضي الله عنه، قال: قال لي رسول
الله صلى الله عليه وسلم: "يا بُنَيَّ! إذَا دَخَلْتَ على أهْلِكَ فَسَلِّمْ،
يكن بَرَكَةً عَلَيْكَ وعلى أهْلِ بَيْتِكَ". قال الترمذي:
حديث حسن صحيح.
عن أبي
أُمامةَ الباهلي رضي الله عنه، واسمه صُدَيُّ بن عَجْلان؛ عن رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- قال: "ثَلاَثَةٌ كُلُّهُمْ ضَامِنٌ على اللَّهِ عَزَّ وجل: رجل
خرج عازيًا في سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَهُوَ ضَامِنٌ على الله عَزَّ
وجَلَّ حَتَّى يتوفاه فيدخله الجنة، أو يرده بما نال مِنْ أجْرٍ وَغَنِيمَةٍ؛
وَرَجُلٌ رَاحَ إلى المَسْجِد، فَهُو ضَامِنٌ على الله تعالى حتَّى يَتَوَفَّاهُ
فَيُدْخلَهُ الجَنَّةَ، أَوْ يرده بما نال من أجر وغنيمة، وَرَجُلٌ دَخَلَ
بَيْتَهُ بِسلامٍ، فَهُوَ ضَامنٌ على اللَّهِ سُبْحانَهُ وتَعَالى". حديث
حسن. رواه أبو داود [رقم: 2494] بإسناد حسن، ورواه آخرون. [كالبخاري في "الأدب
المفرد"، رقم: 8094؛ وابن حبان، رقم: 499؛ والحاكم في "المستدرك"
73/2؛ والبيهقي في "السنن" 166/9] .
ومعنى
"ضامن على الله تعالى" أي: صاحب ضمان، والضمان: الرعاية للشيء، كما
يقالُ: تامرٌ ولابنٌ، أي: صاحب تمر، ولبن. فمعناه: أنه في رعاية الله تعالى، وما
أجزل هذه العطية! اللهمَّ ارزقناها.
عن جابر بن
عبد الله رضي الله عنهما، قال: سمعت النبي -صلى
الله عليه وسلم- يقول: "إذَا دَخَلَ الرجلُ بيتهُ، فَذَكَرَ اللَّهَ تَعالى
عنْدَ دُخُولِهِ، وَعِنْدَ طَعامِهِ، قالَ الشِّيْطانُ: لا مَبِيتَ لَكُمْ وَلا
عَشاءَ؛ وَإذا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ تَعالى عنْدَ دُخُولِه، قالَ
الشيطانُ: أدْرَكْتُمُ المَبِيتَ، وَإذا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ تَعالى عِنْدَ
طَعامِهِ، قالَ: أدْرَكْتُمُ المَبِيتَ والعَشَاء" رواه مسلم في
"صحيحه" [رقم: 2018، وسيرد رقم: 1172] .
ما يقول إذا استيقظ من الليل
وخرج من بيته:
يستحبّ له
إذا استيقظ من الليل وخرج من بيته أن ينظر إلى السماء، ويقرأ الآيات الخواتم من3
سورةِ آل عمران [الآيات: 190 - 200] : {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ
وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ، الَّذِينَ
يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ
فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً
سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلْ النَّارَ
فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ
مَا
لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ، رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي
لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا
ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ،
رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ
الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ، فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ
أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ
مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي
سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ
وَلأدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ
عِنْدِ اللهِ وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ، لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ
الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ، مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ
وَبِئْسَ الْمِهَادُ، لَكِنْ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللهِ
وَمَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِلأَبْرَارِ، وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ
يُؤْمِنُ بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ
لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ
أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ، يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} إلى آخر السورة. ["التبيان"، رقم: 471] .
وثبت في
"الصحيحين" [البخاري، رقم: 4569؛ مسلم، رقم: 763] أن رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- كان يفعله، إلا النظر إلى السماء، فهو في "صحيح
البخاري" دون مسلم.
وثبت في
"الصحيحين" [البخاري، رقم: 1120؛ مسلم، رقم: 769] ، عن ابن عباس رضي
الله عنهما، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا قام من الليل يتهجد، قال:
"اللهم لَكَ الحَمْدُ، أنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ والأرْضِ وَمَنْ فِيهنَّ،
وَلَكَ الحَمْدُ، لَكَ مُلْكُ السَّمَوَاتِ والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنْت
نُورُ السَّمَوَاتِ والأرْضِ ومَنْ فِيهنَّ، ولكَ الحَمدُ، أنْتَ الحَقُّ،
وَوَعْدُكَ الحَقّ، ولِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ، والجَنَّةُ حَقٌّ،
والنَّارُ حق، والنبيون حَقٌّ، ومُحَمَّدٌ حَقٌّ، والسَّاعَةُ حَقٌّ؛ اللَّهُمَّ
لَكَ أسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ،
وبِكَ خاصَمْتُ، وَإلَيْكَ حاكَمْتُ، فاغْفِرْ لي ما قَدَّمْتُ وَمَا أخَّرْتُ،
وَمَا أسْرَرْتُ وَما أعْلَنْتُ، أنْتَ المُقَدِّمُ وأنْتَ المُؤَخِّرُ، لا إله
إلا أنت".
زادَ بعض
الرواة: "ولا حول ولا قوة إلا بالله"؛ والله أعلمُ.
ما يقولُ إذا أراد دخول
الخلاء:
ثبت في
"الصحيحين" [البخاري، رقم: 142؛ مسلم، رقم: 375] ، عن أنس رضي الله عنه،
أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقولُ عندَ دُخول الخلاء: "اللَّهُمَّ
إني أعوذ بك من الخبث والخبائث".
يقال:
"الخبث" بضم الباء وبسكونها، ولا يصحّ قول من أنكر الإِسكان.
النّهي عن الذِّكْرِ والكَلامِ
عَلَى الخَلاَء:
يُكْرَه
الذكر والكلام حال قضاء الحاجة، سواءٌ كان في الصحراء أو في البنيان، وسواءٌ في
ذلك جميع الأذكار والكلام، إلا كلام الضرورة، حتى قال بعضُ أحصابنا: إذا عطس لا
يحمدُ الله تعالى، ولا يشمِّت عاطساً، ولا يردّ السلام، ولا يجيب المؤذّن، ويكون
المُسَلِّم مُقَصِّراً لا يستحقّ جواباً. والكلام بهذا كله مكروه كراهةَ تنزيه،
ولا يحرم، فإن عَطَسَ، فَحَمِدَ اللَّه تعالى بقلبه، ولم يحرّك لسانه فلا بأس،
وكذلك يفعل حال الجماع.
عن ابن عمر
رضي الله عنهما، قال: مرّ رجل بالنبيّ صلى الله عليه وسلم
وهو يبول، فسلَّمَ عليه، فلم يَرُدَّ عليهِ. رواه مسلم في "صحيحه" [رقم:
370] .
وعن المهاجر
بن قنفذ رضي الله عنه، قال: أتيتُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- وهو يبول، فسلَّمت
عليه، فلم يرد عليّ حتى تَوَضَّأَ، ثم اعتذر إِلَيَّ، وقال: "إني كَرِهْت أن
أذْكُرَ اللَّهَ تَعالى إلاَّ على طُهْر" أو قال: "على طهارةٍ"
حديث صحيحٌ، رواه أبو داود [رقم: 17] ، والنسائي [رقم: 38] ، وابن ماجه [رقم: 350]
بأسانيد صحيحه؛ والله أعلم.
النهي عن السلام على المجالس
لقضاء الحاجة
يُكره
السلام عليه، فإن سلَّم لم يستحقَّ جواباً لحديث ابن عمر والمهاجر المذكورين
[برقم: 146 و147] في الباب قبلَه؛ والله أعلمُ.
ما يقولُ إذَا خَرَجَ مِنْ
الخَلاَء:
يقول:
"غُفْرَانَكَ، الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي أذْهَبَ عَنِّي الأذَى
وَعافانِي".
ثَبَتَ في
الحديث الصحيح، في "سنن أبي داود" [رقم: 30] ، والترمذي [7] ، أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "غُفْرَانَك"
عن ابن عمر
رضي الله عنهما، قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذَا خَرَجَ مِنْ الخلاء
قال: "الحَمْدُ لِلَّه الَّذي أذَاقَنِي لَذَّتَهُ، وأبْقَى فِيّ قُوَّتَهُ،
وَدَفَعَ عَنِّي أَذَاهُ" رواه ابن السني [رقم: 25] والطبراني [رقم: 370 في
"الدعاء"؛ وراجع رقم: 144] والله أعلمُ.
ما يقولُ إذا أراد صَبَّ ماء
الوضوءِ أو استقاءه:
يُستحبّ أن
يقول: "باسم الله" كما قَدَّمناه
ما يقول على وضوئه
يُستحبّ أن
يقول في أوّله: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ" وإن قال:
"بِاسْمِ اللَّهِ" كفى.
فإن تَرَكَ
التسمية في أوّل الوضوء أتى بها في أثنائه. فإن تركها حتى فرغ، فقد فات محلها، فلا
يأتي بها، ووضوءُه صحيح، سواءٌ تركها عمداً أو سهواً. هذا مذهبنا ومذهب جماهير
العلماء.
ما يقولُ في ابتداء الوضوء بعد
التسمية
قال الشيخ
أبو الفتح نصر المقدسي الزاهد: يستحب للمتوضئ أن يقولَ في ابتداء وضوئه بعد
التسمية: أشهدُ أنْ لا إِلهَ إلاَّ اللَّه وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمداً
عبده ورسولُه.
يقول الإمام النووي وهذا الذي قالهُ لا بأس به، إلا أَنَّهُ لا أصل له من جهة
السنة، ولا نعلم أحداً من أصحابنا وغيرهم قال به؛ والله أعلم.
ما يقول عقب الوضوء
ويقول بعد
الفراغ من الوضوء: أشْهَدُ أنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّه وحدهُ لا شريكَ له، وأشهدُ
أنَّ محمدا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَوَّابِينَ،
واجْعَلْني مِنَ المُتَطَهِّرِينَ، سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وبِحَمْدِكَ، أشْهَدُ
أنْ لا إِلهَ إِلاَّ أنْتَ، أسْتَغْفِرُكَ وأتُوبُ إِلَيْكَ.
عن عمر بن
الخطاب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "مَنْ
تَوَضَّأ فَقالَ: أشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّه وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ
أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ فُتِحَتْ لَهُ أبْوَابُ الجَنَّةِ
الثَّمانِيَةُ، يَدْخُلُ مِنْ أيِّها شاءَ" رواه مسلم في "صحيحه "
[رقم: 234] ، ورواه الترمذي [رقم: 55] ، وزاد فيه: "اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي
مِن التَّوَّابِينَ، واجْعَلْنِي مِنَ المُتَطَهِّرِينَ".
ما يقولُ على اغْتسالِه:
يستحبّ
للمغتسل أن يقول جميع ما ذكرناه في الوضوء من التسمية وغيرها، ولا فرق في ذلك بين
الجُنب والحائض وغيرهما. وقال بعض أصحابنا: إن كان جُنُباً أو حائضاً لم يأتِ
بالتسمية، والمشهور أنها مستحبّة لهما كغيرهما، لكنهما لا يجوز لهما أن يقصدا بها
القرآن.
ما يقولُ على تَيَمُّمِه:
يُستحبّ أن
يقول في ابتدائه: باسمِ الله؛ فإن كان جُنباً أو حائضاً فعلى ما ذكرناهُ في
اغتساله. وأما التشهّد بعده، وباقي الذكر المتقدم في الوضوء والدعاء على الوجه
والكفّين، فلم أرَ فيه شيئاً لأصحابنا، ولا غيرهم، والظاهر أن حكمه على ما ذكرنا
في الوضوء، فإن التيمّم طهارةٌ كالوضوء.
ما يقولُ إذا توجَّهَ إلى
المسجد:
في
"صحيح مسلم" [رقم: 191/763] ، في حديث ابن عباس رضي الله عنهما الطويل
في مبيته في بيت خالته ميمونة رضي الله عنها، ذكر الحديث في تهجّد النبي -صلى الله
عليه وسلم- قال: فأذّن المؤذّن -يعني الصبح- فخرج إلى الصلاة وهو يقول:
"اللَّهُمَّ اجْعَلْ في قَلْبِي نُوراً، وفي لِسانِي نُوراً، وَاجْعَلْ في
سَمْعِي نُوراً، وَاجْعَلْ في بَصَري نُوراً، وَاجْعَلْ مِنْ خَلْفِي نُوراً،
وَمِنْ أمامي نُوراً، وَاجْعَلْ مِنْ فَوْقي نُوراً، وَمِنْ تَحْتِي نُوراً؛
اللَّهُمَّ أعْطِني نُوراً".
ما يقولُه عندَ دخول المسجد
والخروج منه:
يُستحبُّ أن
يقول: أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم؛
الحَمْد لِلَّهِ، اللَّهُمَّ صلَّى وسلَّم على مُحَمََّدٍ، وَعَلى آلِ مُحَمَّدٍ؛
اللهمّ اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك. ثم يقول: باسم اللَّهِ. ويقدّم رجله
اليمنى في الدخول، ويقدّم اليسرى في الخروج، ويقول جميع ما ذكرناه، إلا أنه يقول:
"أبواب فضلك" بدل "رحمتك".
يقول الإمام
النووي روينا عن أبي حُميد أو أبي أُسيد رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: "إذَا دَخَلَ أحَدُكُمُ المَسْجِدَ، فَلْيُسَلِّم على النبي
صلى الله عليه وَسَلَّمَ، ثُم ليَقُلِ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لي أبْوَابَ رَحْمَتِكَ؛
وَإذَا خَرَجَ فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ إِني أسألُكَ مِنْ فَضْلِكَ" رواه مسلم
في "صحيحه" [رقم: 713] وأبو داود [رقم: 465] والنسائي [رقم: 729] وابن
ماجه [رقم: 772] وغيرهم بأسانيد صحيحة، وليس في رواية مسلم: "فليسلم على
النبي صلى الله عليه وسلم" وهو في رواية الباقين.
عن عبد الله
بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما؛ عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنه كان إذا دخل
المسجد يقول: "أعُوذُ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم 1، من
الشيطان الرجيم" قال: "فإذَا قَال ذلكَ قالَ الشيطانُ: حُفِظَ مِنِّي
سائِرَ اليَوْمِ" حديث حسن، رواه أبو داود [رقم: 466]
في
"كتاب ابن السني" [رقم: 86] ، عن عبد الله بن الحسن، عن أمه، عن جدته،
قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل المسجد حمد الله تعالى، وسمَّى،
وقال: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي، وافْتَحْ لِي أبْوابَ رَحْمَتِكَ"،
وَإذَا خَرَجَ قالَ مِثْلَ ذلكَ، وقالَ: "اللَّهُمَّ افْتَحْ لي أبْوَابَ
فَضْلِكَ".
يقول الإمام
النووي روينا عن أبي أمامة رضي الله عنه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:
"أنَّ أحدَكُمْ إذَا أرَاد أن يَخْرُجَ مِنَ المَسْجِدِ تَدَاعَتْ جُنُودِ
إِبلِيسَ، وَأجْلَبَتْ، واجْتَمَعَتْ كما تجتمع النخل على يَعْسُوبِها، فإذَا قامَ
أحَدُكُمْ على بابِ المَسْجِدِ فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ إِني أعُوذُ بِكَ مِنْ
إِبْليسَ وجُنُودِهِ؛ فإنَّهُ إذَا قَالَها لَمْ يَضُرَّهُ".
اليعسوب:
ذَكَر النحل، [المقصود: مَلِكَةُ النحل] ، وقيل: أميرها.
ما يقولُ في المسجد:
يُستحبُّ
الإِكثارُ فيه من ذكر الله تعالى، بالتسبيح، والتهليل، والتحميد، والتكبير، وغيرها
من الأذكار، ويُستحبّ الإِكثارُ من قراءة القرآن؛ ومن المستحبّ فيه قراءةُ حديث
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعلم الفقه، وسائر العلوم الشرعية، قال الله
تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ
يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ، رِجَالٌ} [النور: 36، 37] الآية،
وقال تعالى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى
الْقُلُوبِ} [الحج: 32] ، وقال تعالى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ
خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} [الحج: 30] .
وعن أنس رضي
الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال للأعرابيّ الذي بال في المسجد:
"إنَّ هَذِه المَساجدَ لا تَصْلُحُ لشيءٍ مِنْ هَذَا البَولِ، وَلا القَذَرِ؛
إنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ تعالى؛ والصلاة، وَقَرَاءَةِ القُرآنِ" أو كما
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم في "صحيحه" [رقم: 285] .
نية الاعتكاف وتحية المسجد
وينبغي
للجالس في المسجد أن ينوي الاعتكاف، فإنه يصحّ اعتكافه عندنان ولو لم يمكث إلا
لحظة؛ بل قال بعض أصحابنا: يصحّ اعتكاف من دخل المسجد مارّاً ولم يمكث، فينبغي
للمارّ أيضاً أن ينوي الاعتكاف ليُحَصِّلَ فضيلتَه عند هذا القائل، والأفضل أن يقف
لحظة، ثم يمرّ، وينبغي للجالس فيه أن يأمر بما يراه من المعروف، وينهي عمّا يراه
من المنكر؛ وهذا وإن كان الإِنسان مأموراً به في غير المسجد، إلا أنه يتأكد القولُ
به في المسجد صيانةً له وإعظاماً، وإجلالاً، واحتراماً.
يقول الإمام
النووي قال بعض أصحابنا: من دخل المسجد، فلم يتمكن من صلاة تحية المسجد: إما لحدث،
وإما لشغل، أو نحوه؛ يستحب له أن يقول أربع مرات: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله
إلا الله، واللَّه أكبرُ؛ فقد قال به بعض السلف، وهذا لا بأس به؛ والله أعلمُ.
إنكاره ودعائه على من يَنشُدُ
ضالّةً في المسجد، أو يبيعُ فيه:
في
"صحيح مسلم" [رقم: 568] ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول
الله -صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سَمِعَ رَجُلاً يَنْشُدُ ضَالَّةً في
المَسْجِدِ، فَلْيَقُلْ: لا رَدَّها الله عَلَيْكَ، فإِنَّ المَساجِدَ لَمْ تُبْنَ
لِهَذَا".
فضيلةِ الأذان:
عن أبي
هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسو ل الله -صلى الله عليه وسلم: "لو يَعْلَمُ
النَّاسُ ما فِي النِّدَاءِ وَالصَّفّ الأوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إلاَّ أنْ
يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ، لاسْتَهَمُوا". رواه البخاري [رقم: 615] ومسلم [رقم:
437] في "صحيحيهما".
وعن أبي
هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذَا نُودِيَ
لِلصَّلاةِ أدْبَرَ الشَّيْطانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ، حتَّى لا يَسْمَعَ التَّأذِينَ"
رواه البخاري [رقم: 608] ومسلم [رقم: 389] .
وعن معاوية
رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:
"المُؤَذّنُونَ أطْوَلُ النَّاسِ أعناقاً يوم القيامة" رواه مسلم [رقم:
387] .
وعن أبي
سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:
"لاَ يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ المُؤَذّنِ جن ولا إنس ولا شيءٌ إِلاَّ شَهدَ
لَهُ يَوْمَ القيامة" رواه البخاري [رقم: 609]
هل الأفضل الآذان أم الإمامة
يقول الإمام
النووي : واختلف أصحابنا في الأذان والإمامة، أيّهما أفضل؟ على أربعة أوجه:
الأصحّ: أن الأذان أفضل، والثاني: الإمامةُ، والثالثُ: هما سواءٌ، والرابع: إن علم
من نفس القيام بحقوق الإِمامة، واستجمع خصالها؛ فهي أفضل، وإلا فالأذان أفضل.
صِفَةِ الأَذان:
اعلم أن
ألفاظه مشهورةٌ، والترجيعُ عندنا سنةٌ، وهو أنهُ إذا قال بعالي صوته: اللَّهُ
أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبرُ، قال سِرّاً بحيثُ يُسمع نفسَه، ومَن
بقربه: أشهدُ أنْ لا إله إله إلاّ الله، أشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّه، أشهد
أن محمدا رسولُ الله، أشهدُ أنَّ محمداً رسولُ اللهِ؛ ثم يعودُ إلى الجهر وإعلاء
الصوت، فيقول: أشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّه، أشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّه،
أشهد أن محمدا رسولُ اللهِ، أشهدُ أن محمدا رسول الله.
والتثويبُ
أيضاً مسنون عندنا، وهو أن يقول في أذان الصبح خاصة بعد فراغه من حيّ على الفلاح:
الصلاةُ خيرٌ من النوم، الصلاةُ خيرٌ من النوم.
صِفَةِ الإِقامة:
لمذهب
الصحيح المختار الذي جاءت به الأحاديث الصحيحة أن الإِقامة إحدى عشرة كلمة: الله
أكبر الله أكبر، أشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّه، أشهدُ أن محمدا رسول الله، حيّ
على الصلاة، حيّ على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر الله
أكبر، لا إله إلا الله.
حكم الأذان والإقامة
الأذانَ والإِقامةَ سنّتان عندنا على المذهب الصحيح المختار، سواءٌ في ذلك أذان الجمعة وغيرها. وقال بعض أصحابنا: هما فرض كفاية. وقال بعضهم: هما فرضُ كفاية في الجمعة دون غيرها. فإن قلنا: فرض كفاية، فلو تركه1 أهل البلد أو محلةٍ قُوتلوا على تركه. وإن قلنا: سنّة، لم يُقاتلوا على المذهب الصحيح المختار، كما لا يُقاتَلون على سنّة الظهر وشبهها. وقال بعض أصحابنا: يُقاتَلون، لأنه شعارٌ ظاهرٌ.
آداب الأذان والإقامة
ويُستحبُّ
ترتيل الأذان، ورفع الصوت به، ويستحب إدارج الإقامة، ويكون صوتها أخفض من الأذان؛
ويستحبّ أن يكون المؤذنُ حسن الصوت، ثقةً، مأموناً، خبيراً بالوقت، متبرعاً؛
ويستحبّ أن يؤذّن، ويقيم قائماً على طهارة، وموضع عالٍ، مستقبل القبلة، فلو أذّن
أو أقام مستدبر القبلة، أو قاعداً، أو مضطجعًا؛ ومحدثًا، أو جُنباً؛ صحّ أذانه
وكان مكروهاً، والكراهة في الجُنب أشدّ من المحدث، وكراهة الإِقامة أشد.
ما يقولُ مَنْ سمعَ المؤذّنَ
والمقيمَ:
يُستحبّ أن
يقول من سمع المؤذّن والمقيم مثل قوله، إلا في قوله: "حيّ على الصلاة، حيّ
على الفلاح" فإنه يقول في دُبُرِ كُلّ لفظة منهما: "لا حَوْلَ وَلا
قُوَّةَ إِلاَّ باللَّهِ".
ويقول في
قوله: "الصلاة خير من النوم": صدقتَ وبررتَ؛ وقيل: يقول: صدق رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- الصلاةُ خيرٌ من النوم.
ويقول في
كلمتي الإِقامة: أقامها الله وأدامها؛ ويقول عقيب قوله: "أشهدُ أنَّ محمداً
رسولُ الله": وأنا أشهد أن محمداً رسول الله؛ ثم يقول: رضيتُ بالله ربّاً،
وبمحمدٍ -صلى الله عليه وسلم- رسولا، وبالإِسلام ديناً.
فإذا فَرغَ
من المتابعة في جميع الأذان صلَّى وسلَّم على النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم قال:
اللَّهُمَّ ربَّ هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمدا الوسيلة والفضيلة،
وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته. [البخاري، رقم: 614] .
ثم يدعو بما
شاء من أمور الآخرة والدنيا.
يقول الإمام
النووي وروينا عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله -صلى الله
عليه وسلم: "إذَا سَمِعْتُمُ النِّداءَ فَقُولُوا مِثْلَ ما يَقُولُ
المُؤَذّنُ". رواه البخاري [رقم: 611] ، ومسلم [رقم: 383] في
"صحيحيهما".
في
"صحيحيهما".
214- وعن
عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم-
يقول: "إذَا سَمِعْتُمُ المُؤَذِّنَ فَقُولُوا مثل ما يقول، ثم صلّوا عَليَّ،
فإنَّهُ مَنْ صَلَّى عَليَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِها عَشْراً، ثُمَّ
سَلُوا الله لِي الوَسِيلَةَ، فإنها مَنْزِلَةٌ في الجَنَّةِ لا تَنْبَغِي إلاَّ
لِعَبْدٍ مِنْ عِبادِ الله، وأرْجُو أنْ أكُونَ أنا هُوَ، فَمَنْ سألَ لِيَ
الوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفاعَةُ". رواه مسلم في "صحيحه"
[رقم: 384] .
وعن عُمَرَ
بن الخطاب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "إذَا قالَ
المُؤَذّنُ: اللَّهُ أكبرُ اللَّهُ أكبرُ، فَقالَ أحَدُكُمْ: اللهُ أكبر الله
أكبرُ، ثم قال: أشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّه، قال: أشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلاَّ
اللهُ، ثُمَّ قالَ: أشهدُ أنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ، قالَ: أشْهَدُ أنَّ
مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ قالَ: حَيَّ عَلى الصَّلاةِ، قالَ: لا حَوْلَ
وَلا قُوَّةَ إِلاَّ باللَّهِ، ثُمَّ قالَ: حَيَّ عَلى الفَلاح، قالَ: لا حَوْلَ
وَلا قُوَّةَ إِلاَّ باللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أكْبَرُ اللهُ أكبرُ، قالَ:
اللَّهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ، ثمَّ قالَ: لا إلهَ إِلاَّ اللَّهُ، قالَ: لا إِلهَ
إِلاَّ الله؛ مِنْ قَلْبه دَخَلَ الجنَّة". رواه مسلم في "صحيحه"
[رقم: 385] .
وعن سعد ابن
أبي وقاص رضي الله عنه، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَن قَالَ
حِينَ يَسْمَعُ المُؤَذّنَ: أشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّه وحده لا شريك له،
وأن محمدا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، رَضِيتُ باللَّهِ رَبّاً، وبمحمدٍ صلى الله عليه
وسلم رسولا، وبالإسلام دِيناً؛ غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ".
وفي رواية:
"مَنْ قَالَ حِينَ يسمعُ المُؤَذّنَ:" وأنا أشهدُ" رواه مُسلمٌ في
"صحيحه" [رقم: 386] .
وعن جابر بن
عبد الله رضي الله عنهما، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ قال
حين يسمع النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبِّ هَذهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، والصلاة
القائمة، آت محمدا الوسيلة والفضيلة، وابْعَثْهُ مَقاماً محموداً الذي وعدتهُ؛
حَلَّتْ لَهُ شَفاعَتِي يَوْمَ القِيامَةِ". رواه البخاري في
"صحيحه" [رقم: 614] .
حكم إجابة المؤذن في حالات خاصة
إذا سمع
المؤذنَ أو المقيم، وهو يصلي لم يجبه في الصلاة، فإذا سلَّم منها، أجابه كما يجيبه
مَن لا يُصلي، فلو أجابه في الصلاة كُرِه ولم تبطلْ صلاتُه، وهكذا إذا سمعهُ وهو
على الخلاء لا يُجيبه في الحال، فإذا خرج أجابه، فأما إذا كان يقرأ القرآن أو
يسبّح أو يقرأ حديثاً أو عِلْمَاً آخر أو غير ذلك، فإنه يقطع جميع هذا، ويجيب
المؤذِّنَ، ثم يعود إلى ما كان فيه؛ لأن الإِجابة تفوت، وما هو فيه لا يفوت
غالباً، وحيثُ لم يتابعهُ حتى فرغ المؤذنُ يستحب له أن يتدارك المتابعة ما لم يطل
الفصل. والله أعلمُ.
الدُّعاء بعد الأذان:
عن أنس رضي
الله عنه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "لا يُرَدُّ الدُّعاءُ
بَينَ الأذَانِ والإِقامَةِ" رواه أبو داود [رقم: 521] ، والترمذي [رقم: 212]
، والنسائي [رقم: 67 في "عمل اليوم والليلة"، وزاد الترمذي في روايته في
كتاب الدعوات من "جامعه" [رقم: 3594] : قالوا: فماذا نقول يا رسول الله؟
قال: "سَلُوا اللهَ العافِيَةَ في الدُّنْيا والآخِرَةِ".
عن عبد الله
بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أنَّ رجلاً قال: يا رسول الله! إن المؤذّنين
يفضُلُوننا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "قُل كما يَقُولونَ، فإذَا
انْتَهَيْتَ، فَسَلْ تعطهُ". رواه أبو داود [رقم: 524] ولم يضعفه.
ما يقولُ بعدَ ركعتي سنّة
الصبح:
في
"كتاب ابن السني" [رقم: 101] ، عن أبي المُلَيْح، واسمه عامر بن أُسامة،
عن أبيه رضي الله عنه، أنه صلّى ركعتيّ الفجر، وأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
صلَّى قريباً منه ركعتين خفيفتين، ثم سمعهُ يقولُ وهو جالس: "اللَّهُمَّ رَبّ
جِبْرِيلَ وَإِسْرَافِيلَ وَمِيكائِيلَ ومحمدٍ النَّبي -صلى الله عليه وسلم-
أعُوذُ بِكَ مِنَ النار "، ثلاثَ
مرّاتٍ.
وورد فيه
أيضًا [رقم: 82] ، عن أنس، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "من قال
صبيحة يوم
الجمعة قبل صَلاةِ الغَدَاةِ: أسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ
الحَيَّ القَيُّومَ وأتوب إليه؛ ثلاث مرات، غَفَرَ اللَّهُ تَعالى ذُنُوبَهُ
وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ". [سيرد برقم: 468 و890] . والله
أعلم.
ما يقولُ إذا انتهى إلى
الصَّفّ:
عن سعد بن
أبي وقاص رضي الله عنه، أن رجلاً جاءَ إلى الصلاةِ ورسولُ الله -صلى الله عليه
وسلم- يُصَلِّي، فقال حين انتهى إلى الصف: اللهمّ آتني أفضل ما تُؤتي عبادك
الصالحين؛ فلما قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الصلاة، قال: "مَنِ
المُتَكَلِّمُ آنِفاً"؟ قَالَ: أنا يا رَسُولَ الله! قال: "إذَنْ
يُعْقَر جَوَادُكَ، وَتَسْتَشْهِد في سَبِيلِ الله تَعَالى". رواه النسائي
[في "عمل اليوم والليلة"، رقم: 93] ، وابن السني [رقم: 104] ، ورواه
البخاري في "تاريخ" [222/1] في ترجمة محمد بن مسلم بن عائذ.
ما يقولُ عند إرادته القيامَ
إلى الصَّلاة:
في
"كتاب ابن السني" [رقم: 105] ، عن أُمّ رافعٍ -رضي الله عنها- أنها
قالت: يا رسول الله! دُلَّني على عملٍ يأجرُني الله عزّ وجلّ عليه، قال: "يا
أم رافع! إذَا قُمْتِ إلى الصَّلاةِ فَسَبِّحِي اللَّهَ تَعَالى عَشْراً،
وَهَلِّلِيهِ عَشْراً، واحْمَدِيهِ عَشْراً، وكَبِّرِيهِ عَشْراً،
وَاسْتَغْفِرِيهِ عَشْراً؛ فإنَّكِ إذَا سَبَّحْتِ قالَ: هَذَا لي، وَإذَا
هَلَّلْتِ قالَ: هَذَا لِي، وَإذَا حَمِدْتِ قالَ: هَذَا لي، وَإذَا كَبَّرْتِ
قالَ: هَذَا لي، وَإذَا اسْتَغْفَرْتِ قالَ: قَدْ فَعَلْتُ".
الدعاءِ عندَ الإِقامة:
روى الإِمام
الشافعي رحمه الله، بإسناده في "الأُمّ" [223/1 - 224] حديثاً مرسلاً،
أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "اطْلُبُوا اسْتِجابَةَ الدعاء عند التقاء
الجيوش، وإقامة الصلاة، ونزلو الغيث" [وسيأتي برقم: 957 و1088] .
Comments