تفسير قوله تعالى "إذا نفشت فيه غنم القوم
يقول رب العزة فى سورة الأنبياء
وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79)
فما المقصود بقوله نفشت ، وما ملخص القصة
قوله: نَفَشَتْ من النفش وهو الرعي بالليل خاصة. يقال: نفشت الغنم والإبل، إذا رعت ليلا بدون راع.
وقد ذكر المفسرون عند تفسيرهم لهذه الآيات روايات ملخصها: أن رجلين دخلا على داود- عليه السلام- أحدهما صاحب زرع، والآخر صاحب غنم، فقال صاحب الزرع لداود:
يا نبي الله، إن غنم هذا قد نفشت في حرثى فلم تبق منه شيئا، فحكم داود- عليه السلام- لصاحب الزرع أن يأخذ غنم خصمه في مقابل إتلافها لزرعه.
وعند خروجهما التقيا بسليمان- عليه السلام- فأخبراه بحكم أبيه. فدخل سليمان على أبيه فقال له: يا نبي الله، إن القضاء غير ما قضيت، فقال له: كيف؟ قال: ادفع الغنم إلى صاحب الزرع لينتفع بها، وادفع الزرع إلى صاحب الغنم ليقوم عليها حتى يعود كما كان. ثم يعيد كل منهما إلى صاحبه ما تحت يده، فيأخذ صاحب الزرع زرعه، وصاحب الغنم غنمه.
وقوله- تعالى-: وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ جملة معترضة جيء بها لبيان شمول علم الله- تعالى- وإحاطته بكل شيء.
أى: وكنا لما حكم به كل واحد منهما عالمين وحاضرين، بحيث لا يغيب عنا شيء مما قالاه.
وضمير الجمع في قوله لِحُكْمِهِمْ: لداود وسليمان، واستدل بذلك من قال إن أقل الجمع اثنان، وقيل: ضمير الجمع يعود عليهما وعلى صاحب الزرع وصاحب الحرث أى: وكنا للحكم الواقع بين الجميع شاهدين.
والضمير المنصوب في قوله- تعالى-: فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ يعود إلى القضية أو المسألة التي عرضها الخصمان على داود وسليمان.
أى: ففهمنا سليمان الحكم الأنسب والأوفق في هذه المسألة أو القضية، وذلك لأن داود- كما يقول العلماء. قد اتجه في حكمه إلى مجرد التعويض لصاحب الحرث. وهذا عدل فحسب.
أما حكم سليمان فقد تضمن مع العدل البناء والتعمير، وجعل العدل دافعا إلى البناء والتعمير، وهذا هو العدل الحي الإيجابى في صورته البانية الدافعة، وهو فتح من الله وإلهام يهبه من يشاء».
وقوله- سبحانه- وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً ثناء من الله- تعالى- على داود وسليمان- عليهما السلام- والمقصود من هذا الثناء دفع ما قد يتبادر إلى بعض الأذهان من أن داود لم يكن مصيبا في حكمه.
أى: وكلا من داود وسليمان قد أعطيناه من عندنا حُكْماً أى: نبوة وإصابة في القول والعمل وَعِلْماً أى: فقها في الدين، وفهما سليما للأمور.
نسأل الله أن يفقهنا فى ديننا وأن يرزقنا الحكمة فمن يؤتى الحكمة فقد أوتى خيرًا كثيرا وما يذكر إلا أولو الألباب.
Comments