معنى قوله تعالى "فالتقمه الحوتُ وهو مُليم"
يقول الله عزوجل مخبرًا عن نبيه يونس في سورة الصافات
وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142)
ومعنى قوله تعالى إذ أبق إلى الفلك المشحون: أي إذ هرب إلى السفينة المملوءة بالركاب.
وأما معنى فالتقمه الحوت وهو مليم: أي ابتلعه الحوت وهو آت بما يلام عليه.
وملخص قصته أن الله- تعالى- أرسله إلى أهل نينوى بالعراق، فى القرن الثامن قبل الميلاد، فدعاهم إلى إخلاص العبادة لله- تعالى- فاستعصوا عليه، فضاق بهم ذرعا، وأخبرهم أن العذاب سيأتيهم خلال ثلاثة أيام، فلما كان اليوم الثالث خرج يونس من بلدة قومه، قبل أن يأذن الله له بالخروج، فلما افتقده قومه، آمنوا وتابوا، وتضرعوا بالدعاء إلى الله قبل أن ينزل بهم العذاب.
فلما لم ير يونس نزول العذاب، استحى أن يرجع إليهم وقال: لا أرجع إليهم كذابا أبدا، ومضى على وجهه فأتى سفينة فركبها فلما وصلت اللجة وقفت ولم تتحرك.
فقال صاحبها: ما يمنعها أن تسير إلا أن فيكم رجلا مشئوما، فاقترعوا ليلقوا في البحر من وقعت عليه القرعة، فكانت على يونس ثم أعادوها فوقعت عليه، فلما رأى ذلك ألقى بنفسه في البحر، فالتقمه الحوت..
فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ أى بعد أن وقعت القرعة عليه، ألقى بنفسه في البحر، «فالتقمه الحوت» أى: ابتلعه بسرعة: يقال: لقم فلان الطعام- كسمع- والتقمه، إذا ابتلعه بسرعة، وتلقّمه إذا ابتلعه على مهل.
وجملة «وهو مليم» حالية في محل نصب، أى: فالتقمه الحوت وهو مكتسب من الأفعال ما يلام عليه، حيث غادر قومه بدون إذن من ربه.
يقال: رجل مليم، إذا أتى من الأقوال أو الأفعال ما يلام عليه، وهو اسم فاعل من آلام الرجل، إذا أتى ما يلام عليه.
فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ. لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ أى: فلولا أن يونس- عليه السلام- كان من المسبحين لله- تعالى- المداومين على ذكره. لولا هذا التسبيح للبث يونس في بطن الحوت إلى يوم القيامة.
فهاتان الآيتان تدلان دلالة واضحة على أن الإكثار من ذكر الله- تعالى- وتسبيحه..
سبب في تفريج الكروب، وإزالة الهموم، بإذن الله ورحمته. وفي الحديث الشريف: «تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة» .
ورحم الله الإمام القرطبي فقد قال: «أخبر الله- عز وجل- أن يونس كان من المسبحين، وأن تسبيحه كان سبب نجاته، ولذا قيل: إن العمل الصالح يرفع صاحبه إذا عثر.
وفي الحديث الشريف: «من استطاع منكم أن تكون له خبيئة من عمل صالح فليفعل» فليجتهد العبد، ويحرص على خصلة من صالح عمله، يخلص فيها بينه وبين ربه، ويدخرها ليوم فاقته وفقره، ويسترها عن خلق الله، لكي يصل إليه نفعها وهو أحوج ما يكون إليه.
ومن الدروس الهامة جدًا التى يجب أن يتعلمها الإنسان عدم الإستعجال خاصة الدعاء، فعلى المرء أن يأخذ بالأسباب وليس عليه إراك النجاح، وكذلك الداعية أن يدعو إلى الله ولا يثنيه عن دعوته قلة التابعين، لأن لله تعالى تدابير لا يعلمها إلا هو وله جنود لا يعلمها إلا هو، فربما أتبع دعوته رجل واحد فصار أعلم الناس وأتبعه الملايين والأصل يعود للمعلم الأول، فها هو نبى الله يونس، ما أمن من قومه أحد فتعجل وترك قريته، فراجعوا أنفسهم فأمنوا جميعًا، ولم يدرك يونس ذلك لأنه لم يصبر على قومه وتعجل النتائج، وخرج بدون إذن ربه. فالصبر لا يأتى إلا بخير والجزع لا يورث إلا الندامة.
Comments