معنى قوله تعالى "ابسلو ما كسبوا"
يقول الله تعالى فى سورة الأنعام
وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (70)
فما المقصود بقوله تعالى "أولئك الذين أُبسلو بما كسبوا"
كلمة أبسلوا مأخوذة من مادة بسل ومعناها "منع" فيكون معنى الأية "أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا" أى مُنعوا ثواب أعمالهم فى الأخرة، منعًا فيه قهرٌ وإجبار، لأن بسل تأتى بمعنى المنع وتأتى بمعنى الجمع والضم، فإذا قلنا أن فلانٌ باسلُ الوجه وفلانٌ باسل اى شجاع يظهر ذلك فى تقاسيم وجهه، والإنسان الباسل أى الشجاع الذى يمنع نفسه، فلا يستطيع الأخرون الإعتداء عليه. وفى هذا المعنى يقول عنترة
وإذا ظُلمتُ فإن ظلمى باسلٌ .... مرٌ مذاقته كطعم العلقم
أى أنتقمُ إنتقامًا يمنعنى ويعيدُ لى كرامتى ومكانتى
فالبسلُ إذن هو المنع
ولذلك فإن من أسماء الأسد "الباسل" لأنه يمنع نفسه فلا يقهره أحد من الحيوانات
وبهذا فإن معنى أبسلو بما كسبوا أى أنهم عملوا أعمال خير فى الدنيا ولكنهم يمنعون ثواب تلك الأعمال فى الأخرة بالقهرة والغلبة، فتكونُ مرارةُ الندامة أشد، كما قال الله تعالى "وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءًا منثورأ" ذلك لأنهم اتخذوا دينهم الذي كلفوه ودعوا إليه وهو دين الإسلام لعبا ولهوا حيث سخروا من تعاليمه واستهزءوا بها، وغرتهم الحياة الدنيا حيث اطمأنوا إليها، واشتغلوا بلذاتها وزعموا أنه لا حياة بعدها.
فلفظ تبسل إذن مأخوذ من البسل بمعنى المنع بالقهر أو التحريم أو الحبس ومنه أسد باسل لمنعه فريسته من الإفلات. وشراب بسيل أى متروك وهذا الشيء بسيل عليك أى محرم عليك.
تعليقات