يقول رب العزة عزوجل فى أخر سورة الإنشقاق
بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (22) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ (23) فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (24) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (25)
قوله- سبحانه-: بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ إضراب انتقالي، من التعجيب من عدم إيمانهم مع ظهور كل الأدلة على وجوب الإيمان، إلى الإخبار عنهم بأنهم مستمرون على كفرهم، أى: ليس هناك أى مانع يمنع الكافرين من الإيمان، بعد أن قامت جميع الشواهد على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم، بل الحق أن هؤلاء الكافرين إنما استمروا على كفرهم بسبب عنادهم وحسدهم للرسول صلى الله عليه وسلم على ما آتاه الله- تعالى- من فضله، وتكذيبهم للحق عنادا وجحودا.
وقوله- سبحانه-: وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ كلام معترض بين سابقه ولا حقه، والمقصود به التهديد والوعيد.
ومعنى «يوعون» يضمرون ويخفون ويسرون، وأصل الإيعاء حفظ الأمتعة في الوعاء، يقال: أوعى فلان الزاد والمتاع، إذا جعله في الوعاء، والمراد به هنا: الإضمار والإخفاء، كما في قول الشاعر: والشر أخبث ما أوعيت من زاد.
أى: والله- تعالى- أعلم من كل أحد، بما يضمره هؤلاء الكافرون، وبما يخفونه في صدورهم من تكذيب للحق، ومن جحود للقرآن الكريم، ومن معاداة للمؤمنين.
وقوله: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ تفريع على قوله: بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ.
والتبشير: الإخبار بما يسر، والمراد به هنا التهكم بهم، بدليل توعدهم بالعذاب الأليم.
أى: فبشر- أيها الرسول الكريم- هؤلاء الكافرين المكذبين للحق، بالعذاب الأليم.
والاستثناء في قوله- تعالى-: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ
مَمْنُونٍ استثناء منقطع. أى: هذا هو حال الكافرين، لكن الذين آمنوا إيمانا حقا، وقدموا في دنياهم الأعمال الصالحة، فلهم في الآخرة أجر غير مقطوع، فقوله مَمْنُونٍ من منّ:
إذا قطع يقال: مننت الحبل إذا قطعته، أو لهم أجر خالص من شوائب الامتنان، وهو أن يعطى الإنسان غيره عطاء، ثم يتباهى عليه به.
نسأل الله- تعالى- أن يجعلنا من عباده المؤمنين الصادقين.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
.........
فما المقصود بقوله تعالى والله أعلم بما يوعون.
كلمة يوعون مأخوذة من الوعاء، والوعاء هو أى جسم أى جرم يعى أو يحوى غيره، فالصحن وعاء، والقدر وعاء والكيسُ وعاء ومعنى الله أعلم يما يوعون أى أن الله أعلم بما يضمرون أو يخفون أو يسرون فى قلوبهم أو أنفسهم، فالله جعل القلب أو النفس وكأنها وعاء يضمرون أو يخفون فيه الشر للنبى صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين، والله عزوجل فى هذا الخطاب القرآنى البليغ يهددهم بأنه يعلم تلك الشرور التى يضمرونها للنبى وللمؤمنين، سواء كان ذلك الشر والإضمار عداء أو مكيدة أو خبث أو أى نوع كان، فالله أعلم بتفاصيل تلك الشرور التى يحملونها فى قلوبهم ونفوسهم للنبى صلى الله عليه وسلم وصحبه.
فتأمل بلاغة القرآن فى تشبيه القلب أو النفس بالوعاء يعى أو يحوى أشياء أخرى بداخله.
وهذا المعنى نجده فى مواضع أخرى من القرآن الكريم فى قوله "والله عليم بذات الصدور"
فقوله سبحانه "والله أعلم بما يوعون" هو كلام معترض بين السابق واللاحق المقصود به التهديد والوعيد لهؤلاء الكفار.
ومن الفائدة العظيمة التى يمكن أن نحققها من تلك الأية أن الإنسان يجب أن يعلم أن الله تعالى علم بما يعي الإنسان في قلبه وما يحمل في نفسه وفى هذا تذكرة للعبد بأن يراقب ربه فلا يعي في قلبه إلا الإيمان ولا يحمل في نفسه إلا الخير فلا غل ولا حسد ولا شك ولا عداء ولا بغضاء.
نسأل الله سلامة القلب من الشر والحسد والبغضاء وأن نلقى ربنا بقلب سليم.
Comments