U3F1ZWV6ZTE3NDMwODE4MzA4MTc5X0ZyZWUxMDk5Njg2NzQ0NjUyNQ==
أبحث فى جوجل
أبحث فى جوجل
إعلان

تفسير قوله تعالى "هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون"

 يقول الله تعالى فى سورة الجاثية 

وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29)

فى الأية الأولى يعرض- سبحانه- مشهدا من مشاهد هذا اليوم الهائل الشديد فيقول: وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً.

وقوله: - سبحانه-: جاثِيَةً من الجثو وهو الجلوس على الركب بتحفز وترقب وخوف.

يقال: جثا فلان على ركبتيه يجثو جثوا وجثيا، إذا برك على ركبتيه وأنامله في حالة تحفز، كأنه منتظر لما يكرهه.

أى: وترى- أيها العاقل- في هذا اليوم الذي تشيب من هوله الولدان، كل أمة من الأمم متميزة عن غيرها، وجاثية على ركبها، مترقبة لمصيرها في تلهف وخوف فالجملة الكريمة تصور أهوال هذا اليوم، وأحوال الناس فيه، تصويرا بليغا مؤثرا، يبعث على الخوف الشديد من هذا اليوم، وعلى تقديم العمل الصالح الذي ينفع صاحبه يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً، وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ.

وقوله كُلَّ أُمَّةٍ مبتدأ، وقوله تُدْعى إِلى كِتابِهَا خبره. أى: كل أمة تدعى إلى سجل أعمالها الذي أمر الله- تعالى- ملائكته بكتابته لتحاسب عليه.

وقوله: الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ مقول لقول مقدر. أى: ويقال لهم جميعا في هذا الوقت: اليوم تجدون جزاء أعمالكم التي كنتم تعملونها في الدنيا من خير أو شر. ويقال لهم- أيضا-: هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ.

أى: هذا كتابنا الذي سجلته عليكم الملائكة، يشهد عليكم بالحق، لأنه لا زيادة فيما كتب عليكم ولا نقصان، وإنما هي أعمالكم أحصيناها عليكم.

قال القرطبي: قوله- تعالى-: هذا كِتابُنا قيل من قول الله لهم. وقيل من قول الملائكة.

يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ أى: يشهد. وهو استعارة، يقال: نطق الكتاب بكذا، أى:

بين. وقيل: إنهم يقرءونه فيذكرهم الكتاب ما عملوا، فكأنه ينطق عليهم.

دليله قوله- تعالى-: وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا مالِ هذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها وقوله- سبحانه-: وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ.

وقوله: يَنْطِقُ في موضع الحال من الكتاب» «1» .

وقال الجمل في حاشيته: فإن قيل: كيف أضيف الكتاب إليهم في قوله: كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا.

وأضيف هنا إلى الله- تعالى- فقال: هذا كِتابُنا؟

فالجواب أنه لا منافاة بين الأمرين، لأنه كتابهم بمعنى أنه مشتمل على أعمالهم، وكتاب الله، بمعنى أنه- سبحانه- هو الذي أمر الملائكة بكتابته «2» .

وقوله- سبحانه-: إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ تعليل للنطق بالحق، أى:

إنا كنا نأمر ملائكتنا بنسخ أعمالكم، أى: بكتابتها وتثبيتها عليكم في الصحف، حسنة كانت أو سيئة، فالمراد بالنسخ هنا: الإثبات لا الإزالة.

ثم فصل- سبحانه- ما يترتب على ما سبق من أحكام فقال: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ أى: فيدخلهم- سبحانه- في جنته ورضوانه.

ذلِكَ العطاء الجزيل هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ الذي لا يدانيه فوز.

.........

النسخ المقصود به الكتابة، كما أنه يأتى أيضًا بمعنى الإزالة كما فى قوله تعالى "ما ننسخ من أية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها" 

ومعنى الأية أن اللوح المحفوط قد كتب الله فيه مقادير العباد وأحصى فيه كل شئ، وفيه مكتوب ما يقع فى الكون كله إلى يوم القيامة.

وهناك ملائكة تنسخ فى ليلة القدر ما فى اللوح المحفوظ ما هو كائن إلى عام أو فى عام أو لمدة عام ، وهناك حفظة من الملائكة يكتبون ما يقعُ كل يوم، فإذا جاء يوم الأثنين أو الخميس تعرض الملائكة الحفظة الذين يكتبون ما يقع كل يوم على الملائكة التى أستنسخت ما فى اللوح المحفوظ ما هو كائن فى ذلك العام وقد نسخته أو سطرته فى ليلة القدر، تعرض ما كتبته على ذلك العبد فيجدونه موافقًا حتى ينتهى العام ثم يأتى العام الجديد وهكذا ، ويمضى الأمر على هذا حتى يكتب الله قبض روح ذلك العبد فتطوى صحيفته أو يطوى كتابه وقد نُسخت فيها جميع أعماله، ثم يقال له يوم القيامة " أقرء كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا" ويقول أهلُ الشرك "مال هذا الكتاب لا يغادرُ صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا" 

فمعنى "نستنسخ" إذن أى نطلب نسخه لتكون حجة عليكم يوم القيامة تقرأونها بأنفسكم ولهذا المعنى شواهد أخرى من القرآن كقوله تعالى "ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد" وكقوله أيضا "وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون" 

وفى هذه الأية تقرير لعقيدة كتابة أعمال العباد وتقديمها لهم يوم القيامة في كتاب خاص.


Comments
NameEmailMessage