تفسير قوله تعالى "سارهقه صعودا"
يقول الله تعالى فى سورة المدثر
ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا (12) وَبَنِينَ شُهُودًا (13) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا (16) سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا (17)
هذه الأيات من سورة المدثر نزلت فى شأن الوليد بن المغيرة المخزومى أحد زعماء قريش وكبرائها، ذلك لأنه عاند الحق وحارب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وأصر على كفره رغم وضوح طريقة الهداية له.
قال مقاتل رحمه الله "مازال الوليدُ بعد نزول هذه الأيات فى نقص من من ماله وولده حتى هلك، وأما فى الأخرة فقد عاقبه الله عزوجل بحيث يكلفه أن يصعد عقبة فى النار كلما وضع عليه يده ذابت فإذا رفعها عادت، فإذا وضع عليها رجله ذابت فإذا رفعها عادت، كما فى الحديث الشريف.
وقيل الصعود جبلُ فى جهنم يصعد إليه وينزل متهاويًا
وفى الكشاف عن النبى صلى الله عليه وسلم :
«الصعود جبل من نار يصعد فيه سبعين خريفا ثم يهوى فيه كذلك أبدا»
ومن المعروف فى الدنيا أن الشخص الذى يصعد جبلًا يُرهق أثناء الصعود إرهاقًا شديدًا ينقطع معه النفس وتخور فيه قواهُ
كما قال الله تعالى "فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدرًا ضيقًا حرجًا كأنما يصعد فى السماء"
فصعودٌ مرهق وهويُ مدمر أعاذنا الله ونجانا
ويلاحظ فى الأيات الكريمات أن الله عزوجل قد ذمه ذمًا لم يذم به أحدًا غيره، وهذا جزاء كل من عاند الحق ونابذه، أن له الخزى فى الدنيا ولعذابُ الأخرة أشدُ وأخزى وهم لا يُنصرون.
وأما قصة الوليدُ بن المغيرة مع القرآن فقد ذكر المفسرون في ذلك روايات منها: أن المشركين عند ما اجتمعوا في دار الندوة، ليتشاوروا فيما يقولونه في شأن الرسول صلى الله عليه وسلم وفي شأن القرآن الكريم- قبل أن تقدم عليهم وفود العرب للحج. فقال بعضهم: هو شاعر، وقال آخرون بل هو كاهن.. أو مجنون.. وأخذ الوليد يفكر ويرد عليهم، ثم قال بعد أن فكر وقدر: ما هذا الذي يقوله محمد صلى الله عليه وسلم إلا سحر يؤثر، أما ترونه يفرق بين الرجل وامرأته، وبين الأخ وأخيه.
قالوا: وكان الوليد من أغنى أهل مكة، فقد كانت له أموال كثيرة من الإبل والغنم والعبيد والبساتين وغير ذلك من أنواع الأموال.
وَبَنِينَ شُهُوداً أى: وجعلت له- بجانب هذا المال الممدود- أولادا يشهدون مجالسه، لأنهم لا حاجة بهم إلى مفارقته في سفر أو تجارة، إذ هم في غنى عن ذلك بسبب وفرة المال في أيدى أبيهم.
قيل: كانوا عشرة، وقيل ثلاثة عشر، منهم: الوليد، وخالد، وعمارة، وهشام، والعاصي، وعبد شمس.
وقد أسلم منهم ثلاثة، وهم: خالد، وهشام، وعمارة.
والإرهاق:
الإتعاب الشديد، وتحميل الإنسان ما لا يطيقه. يقال: فلان رهقه الأمر يرهقه، إذا حل به بقهر ومشقة لا قدرة له على دفعها. ومنه قوله- تعالى-: وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً.
وقوله- سبحانه-: وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ، كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً....
والصعود: العقبة الشديدة، التي لا يصل الصاعد نحوها إلا بمشقة كبيرة، وتعب قد يؤدى إلى الهلاك والتلف. وهذه الكلمة صيغة مبالغة من الفعل صعد.
Comments