أولًا : تفسير قوله تعالى "بل إدارك علمهم فى الأخرة"
معنى قوله تعالى "بل إدارك علمهم في الأخرة"
ذكر بعض المفسرين أن كفار مكة سألوا النبي صلّى الله عليه وسلم عن وقت قيام الساعة، فنزل قوله- تعالى-:
قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65) بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ (66)
والغيب: مصدر غاب يغيب، وكثيرا ما يستعمل بمعنى الغائب، ومعناه: ما لا تدركه الحواس، ولا يعلم ببداهة العقل.
بل إدارك علمهم فيها وجهان من وجوه القراءة للعلماء : بل إدارك علمهم ، والوجه الثانى بل أدرك علمهم
فأما الوجه الأول فمعناه تكامل علمهم وتتام أي أن علمهم قد تم وكمل أو ادرك بعضه بعضًا وتم في الأخرة، وذلك لأنهم كانوا في الدنيا متشككين في الأخرة، فإذا عاينوها فقد تتام علمهم وتكامل يوم القيامة، ولكن حيث لا ينفع ذلك العلم، ذلك لأنهم كانوا مرتابين في البعث، فلما رأوا البعث أكتمل علمهم به، كما قال تعالى "ثم لترونها عين اليقين"
وهذا حال الكفار في كل زمان ومكان، فكما نرى أهل الكفر الآن في شك من الأخرة ومن غيبيات الأخرة من حساب وبعث وجنة ونار، وهم في شك وليس جهل تام لأنه قد يرد على بعضهم أن سيبعث وقد لا يرد، ولكن العلم يكون تامًا متكاملًا في الأخرة، حيث عاينوها ورأو ما فيها.
نعم قد يرون شيئًا في الدنيا يذكرهم بها أو عند معاينة الموت أو في القبر، لكنه يتكامل العلم اليقينى بالبعث والنشور والجزاء عندما يلقون الله في الأخرة.
وعلمهم الذى تكامل ليس فقط بوقوع القيامة، بل تكامل علمهم بكل ما أخبرهم الله به، فكل شيء أخبرهم الله به في القرآن تأكدوا منه حق التأكد وتكامل علمهم به يوم القيامة.
ووجه أخر للمفسرين في هذه الأية، بل إدارك أي بل تتابع، أي هذا يقول فيها قولًا، وهذا يقول قولًا، فأقوالهم تعددت في شأن الأخرة هل هي كائنةٌ أو ليست بكائنة، وجميعهم أي أهل الكفر جميعهم في شك منها، بل هم منها عمون.
والوجه الأول في تفسير الأية هو الأشهر
وأما أدرك عِلْمُهُمْ"، أَيْ: تَسَاوَى عِلْمُهُمْ فِي ذَلِكَ، كَمَا فِي الصَّحِيحِ لِمُسْلِمٍ: أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لِجِبْرِيلَ -وَقَدْ سَأَلَهُ عَنْ وَقْتِ السَّاعَةِ -مَا الْمَسْؤُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ (7) أَيْ: تَسَاوَى فِي الْعَجْزِ عَنْ دَرْك ذَلِكَ عِلْمُ الْمَسْؤُولِ والسائل.
د/ مصطفى العدوى
ذكر بعض المفسرين أن كفار مكة سألوا النبي صلّى الله عليه وسلم عن وقت قيام الساعة، فنزل قوله- تعالى-:
قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65) بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ (66)
والغيب: مصدر غاب يغيب، وكثيرا ما يستعمل بمعنى الغائب، ومعناه: ما لا تدركه الحواس، ولا يعلم ببداهة العقل.
قال القرطبي: وفي صحيح مسلم عن عائشة، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «من زعم أن محمدا صلّى الله عليه وسلم يعلم ما في غد، فقد أعظم على الله الفرية»
قوله- سبحانه-: وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ تأكيد لانفراد الله- تعالى- بعلم الغيوب، ولفظ «أيان» ظرف زمان متضمن معنى متى.
أى: وما يشعر هؤلاء الكافرون الذين سألوا عن وقت قيام الساعة، ولا غيرهم، متى يكون بعثهم من قبورهم للحساب، إذ علم وقت قيام الساعة لا يعلمه إلا الله وحده.
فالجملة الكريمة تنفى عنهم العلم بموعد قيام الساعة في أدق صورة وأخفاها، فهم لا يشعرون ولا يحسون بقيام الساعة، بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ، فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها، وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ
ثم بين- سبحانه- حقيقة أمرهم في الآخرة بصورة أكثر تفصيلا. فقال: بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ..
وقوله- تعالى-: بَلِ ادَّارَكَ ... قرأه الجمهور- بكسر اللام وتشديد الدال وبعدها ألف- وأصله تدارك، بزنة تفاعل.
وللعلماء في تفسير هذه الآية أقوال أشهرها: أن التدارك بمعنى الاضمحلال والفناء، وأصله التتابع والتلاحق. يقال: تدارك بنو فلان، إذا تتابعوا في الهلاك، و «في» بمعنى الباء.
أى: بل تتابع علم هؤلاء المشركين بشئون البعث حتى اضمحل وفنى، ولم يبق لهم علم بشيء مما سيكون فيها قطعا مع توافر أسبابه ومباديه من الدلائل.
والمقصود: أن أسباب علمهم بأحوال الآخرة مع توافرها، قد تساقطت من اعتبارهم لكفرهم بها، فأجرى ذلك مجرى تتابعها في الانقطاع.
ومنهم من يرى أن التدارك هنا التكامل، فيكون المعنى: بل تكامل علمهم بشئون الآخرة، حين يعاينون ما أعد لهم فيها من عذاب، بعد أن كانوا ينكرون البعث والحساب في الدنيا..
ويبدو لنا أن الآية الكريمة تتسع للقولين، على معنى أن المشركين اضمحل علمهم بالآخرة لكفرهم بها في الدنيا، فإذا ما بعثوا يوم القيامة وشاهدوا العذاب، أيقنوا بحقيقتها، وتكامل علمهم واستحكم بأن ما كانوا ينكرونه في الدنيا. قد صار حقيقة لا شك فيها، ولا مفر لهم من عذابها..
التفسير الوسيط لطنطاوى
Comments