معنى قوله تعالى "مهطعين وعزين" في سورة المعارج
يقول الله تعالى في أخر سورة المعارج عن الكفار
فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (36) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ (37) أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (38)
فما المقصود بكلمتى معطعين ، وعزين؟
المهطع هو المسرع في خطوته الذى يمد عنقه ويُسرع في مشيته، فيقال جملٌ مهطع أي جملٌ مسرع مادًا عنقه للأمام، وكذلك الرجل إذا مد عنقه إلى الأسفل وأسرع يقال له أهطع، ومهطع
وكلمة عزين أي متحلقين في حلق
فالله يستنكر تلك الحالة لهؤلاء الكفار، مالهم يهطعون إليك النبى ويتحلقون حولك في حلق يمينًا وشمالاً
وعزين جمع عزه، وعزه هم العصبة أو الجماعة المجتمعين يعتزى بعضهم ببعض، ومنه كلام الناس في وقتنا الحالي كقولهم "فلان عزوة" أي يعتزى الناسٌ به، وعزوته بنى فلان، أي قبيلته التي يعتزى إليها، ومنه أيضًا العزين أو العزون، والتي هي جمع عزه وهم الجماعة والعصبة من الناس المتجمعة المتكاتفة يعتزى بعضها ببعض أي يكون لهم عزة أو رفعة بين الناس لإتحادهم وقوتهم وتكاتفهم، فالعزون هم حلق الرفاق الذين يتجمعون حول الرجل او حول الإمام أو حول الخطيب، والكفار في هذه الحالة يتجمعون حول النبى صلى الله عليه وسلم
وسأل نافع بن الأزرق عبد الله بن عباس عن هذه الأية فقال له : ما معنى قوله تعالى "عن اليمين وعن الشمال عزين"؟ قال يعنى متحلقين، قال هل تعرف العربُ ذلك؟ قال نعم : اما سمعت قول عبيد بن الأبرص الشاعر من بنى أسد
وجاءوا يُهرعون إليه حتى ... يكونوا حول منبره عزين
أي جاءوا مسرعين إليه حتى يتحلقو حول منبره وهو يخطب محبة لسماع كلامه لأن شيخهم وإمامهم القدوة
وفى التفسير الوسيط لفضيلة الإمام محمد سيد طنطاوى
والاستفهام في قوله- تعالى-: فَمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ، عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ للتعجيب من حال هؤلاء الذين كفروا، ومن تصرفاتهم التي تدل على منتهى الغفلة والجهل. و «ما» مبتدأ. و «الذين كفروا» خبره.
وقوله مُهْطِعِينَ من الإهطاع، وهو السير بسرعة، مع مد العنق، واتجاه البصر نحو شيء معين.
وعِزِينَ جمع عزة- كفئة- وهي الجماعة. وأصلها عزوة- بكسر العين- من العزو، لأن كل فرقة تعتزى إلى غير من تعتزى إليه الأخرى، فلامها واو، وقيل: لامها هاء، والأصل عزهة.
قال القرطبي: والعزين: جماعات متفرقة. ومنه الحديث الذي خرجه مسلم وغيره، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه يوما فرآهم حلقا فقال: مالي أراكم عزين: ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟ قالوا: وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: يتمون الصفوف الأول، ويتراصون في الصف .
وقد ذكروا في سبب نزول هذه الآيات، أن المشركين كانوا يجتمعون حول النبي صلى الله عليه وسلم ويستمعون إليه، ثم يكذبونه ويستهزئون به وبالمؤمنين، ويقولون: لئن دخل هؤلاء الجنة كما يقول محمد صلى الله عليه وسلم فلندخلنها قبلهم، وليكونن لنا فيها أكثر مما لهم .
والمعنى: ما بال هؤلاء الكافرين مسرعين نحوك- أيها الرسول الكريم- وناظرين إليك بعيون لا تكاد تفارقك، وملتفين من حولك عن يمينك وعن شمالك، جماعات متعددة، ومظهرين التهكم والاستهزاء بك وبأصحابك؟
ما بالهم يفعلون ذلك مع علمهم في قرارة أنفسهم بأنك أنت الصادق الأمين»
وقدم- سبحانه- الظرف قِبَلَكَ الذي بمعنى جهتك، على قوله مُهْطِعِينَ للاهتمام، حيث إن مقصدهم الأساسى من الإسراع هو الاتجاه نحو النبي صلى الله عليه وسلم للاستهزاء به وبأصحابه.
والمراد بقوله: عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ: جميع الجهات، إلا أنه عبر بهاتين الجهتين، لأنهما الجهتان اللتان يغلب الجلوس فيهما حول الشخص.
وقوله: عِزِينَ تصوير بديع لالتفافهم من حوله جماعات متفرقة في مشاربها، وفي مآربها، وفي طباعها.
والاستفهام في قوله- تعالى- أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ للنفي والإنكار.
أى: أيطمع كل واحد من هؤلاء الكافرين أن يدخل الجنة التي هي محل نعيمنا وكرامتنا بدون إيمان صادق، وبدون عمل نافع..؟
وقوله- سبحانه- كَلَّا ردع لهم وزجر عن هذا الطمع، أى: كلا ليس الأمر كما يزعمون من أنهم سيدخلون الجنة قبل المؤمنين أو معهم أو بعدهم.. وإنما هم سيكون مأواهم جهنم وبئس المصير.
وقال- سبحانه-: أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ ولم يقل: أيطمعون أن يدخلوا الجنة، للإشعار بأن كل واحد من هؤلاء الكافرين كان طامعا في دخولها، لاستيلاء الغرور والجهالة على قلبه.
Comments