يقول الله تعالى فى سورة الأحزاب
مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ
فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ
أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ
بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4)
القلب بضعة لحم صغيرة على هيئة (صنوبرة)
خلقها الله تعالى في الآدمي وجعلها محلا للعلم، وهو بين لمتين لمة من الملك ولمة
من الشيطان، وهو محل العلم ومحل الخطرات والوساوس ومحل الصدق واليقين ومحل الشك
والكذب، ومحل الانزعاج والطمأنينة فسبحان الله الخلاق العليم.
قال القرطبي ما ملخصه: قوله- تعالى- ما
جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ نزلت في رجل من قريش اسمه
جميل بن معمر الفهري، كان حفاظا لما يسمع، وكان يقول:
لي قلبان أعقل بهما أفضل من عقل محمد. فلما
هزم المشركون يوم بدر، ومعهم هذا الرجل، رآه أبو سفيان وهو معلق إحدى نعليه في يده
والأخرى في رجله- من شدة الهلع-، فقال له أبو سفيان: ما حال الناس؟ قال: انهزموا.
فقال له: فما بال إحدى نعليك في يدك والأخرى في رجلك؟ قال: ما شعرت إلا أنهما في
رجلي. فعرفوا يومئذ أنه لو كان له قلبان لما نسى نعله في يده.
وقيل سبب نزولها أن بعض المنافقين قال: إن
محمدا صلّى الله عليه وسلّم له قلبان، لأنه ربما كان في شيء فنزع في غيره نزعة ثم
عاد إلى شأنه الأول، فأكذبهم الله بقوله: ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ
قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ «1» .
ويرى بعضهم: أن هذه الجملة الكريمة، مثل ضربه
الله- تعالى- للمظاهر من امرأته، والمتبنى ولد غيره، تمهيدا لما بعده.
أى: كما أن الله- تعالى- لم يخلق للإنسان
قلبين في جوفه، كذلك لم يجعل المرأة الواحدة زوجا للرجل وأما له في وقت واحد،
وكذلك لم يجعل المرء دعيا لرجل وابنا له في زمن واحد.
وإلى هذا المعنى أشار صاحب الكشاف بقوله: أى:
ما جمع الله قلبين في جوف، ولا زوجية وأمومة في امرأة، ولا بنوة ودعوة في رجل..
لأن الأم مخدومة مخفوض لها الجناح، والزوجة ليست كذلك.
ولأن البنوة أصالة في النسب وعراقة فيه،
والدعوة: إلصاق عارض بالتسمية لا غير.
فإن قلت: أى فائدة في ذكر الجوف؟ قلت: الفائدة
فيه كالفائدة في قوله- تعالى-:
وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي
الصُّدُورِ وذلك ما يحصل للسامع من زيادة التصور والتجلي للمدلول عليه، لأنه إذا
سمع به، صور لنفسه جوفا يشتمل على قلبين فكان أسرع إلى الإنكار.
وفى أيسر التفاسير لأبو بكر الجزائرى
لما كان القلب محط العقل والإدراك كان وجود
قلبين في جوف رجل واحد يحدث تعارضاً يؤدي إلى الفساد في حياة الإنسان ذي القلبين
لم يجعل الله تعالى لرجل قلبين في جوفه كما ادعى بعض أهل مكة أن أبا معمر جميل بن
معمر الفهري كان له قلبان لما شاهدوا من ذكائة ولباقته وحذقه وغره ذلك فقال إن لي
قلبين أعقل بهما أفضل من عقل محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكانت الآية
رداً عليه قال تعالى {مَا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} وفيه إشارة إلى
أنه لا يجمع بين حب الله تعالى وحب أعدائه وطاعة الله وطاعة أعدائه.
.......
مختصر تفسير الأية
قبل أن نعرف معنى الأية يجب أن نعرف أولاً ما
هو القلب؟
القلب بضعة لحم صغيرة على هيئة (صنوبرة)
خلقها الله تعالى في الآدمي وجعلها محلا للعلم، وهو بين لمتين لمة من الملك ولمة
من الشيطان، وهو محل العلم ومحل الخطرات والوساوس ومحل الصدق واليقين ومحل الشك
والكذب، ومحل الانزعاج والطمأنينة فسبحان الله الخلاق العليم.
وأما معنى الأية فقد قال بعض العلماء فى
تفسيرها أن أهل الشرك كانوا يحذرون بعضهم بعضا وهم يتحدثون فى مجامعهم ويقولون :
أنتبهوا لهذا الرجل يعنون الرسول صلى الله عليه وسلم، فله قلبان، قلبه معه، وقلبٌ
معكم ، فنزلت الأية "ما جعل الله لرجل من قلبين فى جوفه" ولكن هذا السبب
ضعيف الإسناد جدا ولا يصح
ومن العلماء من قال الأيةٌ على ظاهرها
"ما جعل الله لرجل من قلبين فى جوفه" فهو قلبٌ واحد أما أن تفكر فيه
بالخير أو تضمر فيه الخير أو تضمر فيه الشر فى الموضوع الواحد، واستدلوا بذلك على
أن لا ينبغى للإنسان أن يتشتت بل يجب أن يركز فى موضوع واحد، وإن حدث أن إنشغل
بأكثر من شئ فلن يعطى الكمال لأيا منهما. كما أن الإنسان لا يستطيع عندما يصغى
لأحد أن يصغى لأكثر من شخص، فلن يستطيع أن يستمع لأكثر من واحد، فقط يمكنه أن
يستمع لشخص واحد فقط لكى يعى ما يقول ذلك الشخص وإن أستمع لأكثر من شخص فلن يحصل
أو يفهم شئ منهما.
وقد أول بعض القائلين بالإعجاز فى قوله تعالى
"ما جعل الله لرجل" ولم يقل "لشخص أو إنسان" أى لماذا قيد
وجود القلب الواحد للرجل ولم يتركه على العموم للرجل والمرأة. وقد أجابوا على ذلك
بأن المرأة قد تجمع فى جوفها أكثر من قلب، قلب لها وقلب لجنينها وقد تحمل فى أكثر
من جنين واحد، فبهذه الطريقة سيكون فى جوفها أكثر من قلب، وبهذا يتضح الإعجاز
اللفظى للقرآن والدقة البيانية لكلمات وجمل القرآن.
وعمومًا فإن المقصود من هذه الأية هو أن
القلب لا يمكن أن يتحمل الصفات المتضادة فى أن واحد فالإيمان محله القلب وكذلك
الكفر، ولذا لا يمكن أن يكون الرجل كافر ومؤمنًا فى نفس الوقت، والصدق محله القلب
وكذلك الكذب، والرجل لا يمكن أن يكون كاذبًا وصادقًا فى نفس الوقت، وأيضا إما أن يكون
بارًا أو فاجر، وإما منافق أو مصدق. وقول الله تعالى "ما جعل الله لرجل من
قلبين فى جوفه" هو تمهيد وتوطئه لما سيأتى بعده، وما جاء بعده قوله تعالى
"وما جعل أزواجكم اللأئى تظاهرون منهن أمهاتكم وما جعل أدعيائكم
أبنائكم" فلا يعقل أن تكون المرأة زوجتك وأمك فى نفس الوقت، أو يكون أبنك
بالتبنى هو أبنك الحقيقى فى نفس الوقت فذلك محال، والله تعالى إذا يستهل السورة
بتلك الأية، فإنما لأنه سيتناول قضايا هامة وهى قضية الظهار وقضية التبنى، فعندما
يقول الرجل لزوجته أنت على كظهر أمى، فهذا قولٌ باللسان سماه الله فى سورة المجادلة
منكرا وزورا، وقال فى سورة الأحزاب "ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو
يهدى السبيل"
والأية الكريمة صارت بعد ذلك مثلًا بين
الناس، فعندما يتحدث إليك شخص فى موضوع ثم جاء شخصٌ أخر ليتكلم فى موضوع أخر،
فستقول له أصبر ما جعل الله لرجل من قلبين فى جوفه، فصارت الأية الكريمة مثالا
يقال بين الناس يوضح أهمية التركيز فى شئ واحد لإستيعابه جيدًا والإلمام بدقائق
أموره والله تعالى أعلى وأعلم.
تعليقات