يقول رب العزة واصفًا أهل الجنة فى أخر سورة الكهف
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا (108)
فما المقصود بقوله تعالى "لا يبغون عنها حولا"
لا يبغون عنها حولا أى لا يبغون عنها إنتقالا أو تحولا اى لا يريدون أن ينتقلوا منهاأو يتحولوا عنها إلى أى مكان أخر غيرها.
فرب العزة جل وعلا يخبر أن أهل الجنة أو المقيمين فيها لا يبغون عنها حولا أى لا يريدون الإنتقال منها، لماذا؟
ذلك لشدة النعيم الذين هم فيه ولما رزقهم الله تعالى من القناعة والرضا بما هم فيه من النعيم حتى إنه لا يتمنى أحدٌ منهم أن ينتقل من المكان الذى هو فيه، علمًا بأن الجنة درجات، فلا شك أن الذى كان يعرف أو يرى ما فيه الأخرين من النعيم لتمنى أن ينتقل إليه، لكن الله رزق أهل الجنة بالقناعة والرضا بما هم فيه حتى أنه لا يتمنى أحدٌ منهم الإنتقال من المكان الذى هو فيه.
ولتعلم مدى عظم هذا الأمر تأمل الدنيا ونعيمها، حيث انه مهما تنعم أهل الدنيا من النعيم فإنه دائمًا يمل أذا أطال المكوث فى هذا النعيم ويتمنى أن ينتقل إلى غيره، ولذلك فإن الله سبحانه وتعالى يبدل أحوال من الحر إلى البرد ومن القسوة إلى الرخاء، ومن الصيف إلى الخريف إلى الشتاء إلى الربيع حتى لا يمل الناس ويتعايشوا فى هذا الدنيا، وكذلك الحال، لو مكث فى بيته ولو كان قصرا فسيحا وحدائق غناء فإنه يبقى فيه مدة ثم يمل، ويريد أن ينتقل إلى نزهة أو يسافر ويغير الجو بشكل أو بأخر لانه يمل.، أما فى الجنة فإنه لا يمل، لذلك وصف الله حال أهل الجنة بأنهم "لا يبغون عنها حولا"
ففي قوله- تعالى-: لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلًا لفتة دقيقة عميقة للإجابة على ما يعترى النفس البشرية من حب للانتقال والتحول من مكان إلى مكان، ومن حال إلى حال.
فكأنه- سبحانه- يقول: إن ما جبلت عليه النفوس في الدنيا من حب للتحول والتنقل. قد زال وانتهى بحلولها في الآخرة في الجنة، فالنفس الإنسانية عند ما تستقر في الجنة- ولا سيما جنة الفردوس- لا تريد تحولا أو انتقالا عنها، لأنها المكان الذي لا تشتاق النفوس إلى سواه، لأنها تجد فيه ما تشتهيه وما تبتغيه، نسأل الله- تعالى- أن يرزقنا جميعا جنات الفردوس.
Comments