يقول الله تعالى فى سورة الإنشقاق
وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11) وَيَصْلَى سَعِيرًا (12) إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا (13) إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (14) بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا (15)
فى هذه الأيات بين رب العزة- سبحانه- حال الأشقياء، بعد بيانه لحال السعداء فقال: وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ، فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً. وَيَصْلى سَعِيراً. أى: وأما من أعطى صحيفة أعماله- لسوادها وقبح أعمالها- بشماله من وراء ظهره وهو الكافر- والعياذ بالله- قيل تغل يمناه إلى عنقه، وتجعل شماله وراء ظهره، على سبيل الإهانة والإذلال له.
فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً أى: فسوف يطلب الهلاك، بأن ينادى عليه بحسرة وندامة ويقول: أيها الموت أقبل فهذا أوانك، لتنقذنى مما أنا فيه من سوء.
وفي طلبه للهلاك، وتفضيله على ما هو فيه، دليل على أن هذا الشقي- والعياذ بالله- قد وصل به الحال السيئ إلى أقصى مداه، حتى لقد أصبح الهلاك نهاية أمانيه، كما قال الشاعر:
كفى بك داء أن ترى الموت شافيا ... وحسب المنايا أن يكن أمانيا
فالمراد بالدعاء في قوله يَدْعُوا ثُبُوراً النداء. والثبور: الهلاك، بأن يقول:
يا ثبوراه أقبل فهذا أوان إقبالك.
وقوله- تعالى- وَيَصْلى سَعِيراً بيان للعذاب الذي يحل به. أى: ويدخل النار الشديدة الاشتعال فيتقلب فيها، ويقاسى حرها.
وقوله- سبحانه- إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً. إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ تعليل لما أصابه من سوء. أى: إن هذا الشقي كان في الدنيا فرحا بطرا بين أهله، لا يفكر في عاقبة، ولا يعمل حسابا لغير ملذاته وشهواته. وإنه فوق ذلك ظَنَّ أى: أيقن أنه لن يرجع إلى ربه يوم القيامة، ليحاسبه على أعماله، ويجازيه بما يستحقه من جزاء.
قال القرطبي: قوله إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ أى: لن يرجع حيا مبعوثا فيحاسب. ثم يثاب أو يعاقب. يقال: حار فلان يحور إذا رجع، ومنه قول لبيد:
وما المرء إلا كالشهاب وضوئه ... يحور رمادا بعد إذ هو ساطع
فالحور في كلام العرب: الرجوع، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم «اللهم إنى أعوذ بك من الحور بعد الكور» يعنى: من الرجوع إلى النقصان بعد الزيادة.
تعليقات